23-04-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/04/23

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسألة ( 412 ) / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحجّ للسيد الخوئي(قد).
نعم يمكن أن يقال بالاجزاء:- وذلك تمسّكاً بصحيحة جميل السابقة وهكذا صحيحة محمد بن حمران الواردتين في القوم الذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وآله فإن الجماعة المذكورين قدّموا ما يستحق التأخير والنبي صلى الله عليه وآله حكم بأنّه لا حرج أي لا شيء عليهم، والمصاديق التي ذكرت وإن لم يكن المقام منها لأن المذكور فيها هو مصاديق أخرى إلا أنه يمكن أن يقال بشمولها للمقام، فلنقرأ الصحيحة من جديد ثم نلاحظ التقريبين، وهي صحيحة جميل بن دراج:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق، قال:- لا ينبغي إلا أن يكون ناسياً، ثم قال:- إن رسول الله صلى الله عليه وآله أتاه أناسٌ يوم النحر فقال بعضهم يا رسول الله إني حلقت قبل أن أذبح وقال بعضهم حلقت قبل أن أرمي فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي أن  يؤخّروه إلا قدّموه، فقال:- لا حرج )[1]، وعلى منوالها صحيحة أو رواية محمد بن حمران[2] - على كلامٍ في محمد بن حمران -، إنه يمكن استفادة الحكم بالصحّة في مقامنا بأحد تقريبين:-
التقريب الأول:- إن المصاديق التي ذكرت في الرواية وإن لم يكن المقام منها إلا أنه يمكن أن نفهم منها عدم الخصوصيّة لها وإنها ذُكِرَت في كلام السائل والنبي صلى الله عليه وآله حكم بأنه لا حرج فننفي الخصوصيّة عرفاً لهذه المصاديق، فإن تمّ هذا الاستظهار فبها وإلا فلدينا التقريب الثاني.
التقريب الثاني:- إنه عليه السلام ذكر في ذيل الصحيحة أنه ( فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي أن يؤخروه إلا قدموه فقال لا حرج ) وهذا التعبير واضحٌ في عدم الخصوصيّة للمصاديق المذكورة في الرواية، فعليه يكون المناسب هو الحكم بالصحّة تمسكاً بهذه الصحيحة وصاحبتها.
الأمر الثالث:- نحن حينما ذكرنا أن الحاج يجوز له أن يقدّم طواف الحجّ والسعي بل وطواف النساء إذا كان معذوراً نقيّد ونقول:- إنما يجوز له التقديم فيما إذا كان لا يتهيأ له ذلك فيما بعد، أما لو فرض أن بعض هذه الأفعال أو كلّها سوف تتهيأ له فيما بعد فلا نحكم حينئذٍ بجواز التقديم . إذن جواز التقديم يدور مدار هذا القيد.
وعلى هذا الأساس نقول بالنسبة إلى الشيخ الكبير:- إنه وإن حُكِمَ في حقّه بجواز التقديم ولكن لو فرض أن شيخاً كبيراً كان ذا مزاجٍ جيّد بحيث كان مزاجه مزاج الشباب وليس له مشقّة في الاتيان بالطواف في وقته المتأخّر فهنا لا نحكم عليه بجواز التقديم رغم أنه شيخاً كبيراً، ومستندنا في ذلك رغم أن الرواية مطلقة من ناحيته ولم تقيّد الشيخ الكبير بما إذا تعذّر في حقّه ذلك، فرغم أنها مطلقة وبكن مع ذلك نقيّدها بهذا القيد نتيجة مناسبات الحكم والموضوع فإن المفهوم عرفاً أن الخصوصية إن كانت للشيخ الكبير فهي باعتبار أنه غالباً لا يتمكن من ذلك لا أن عنوان الشيخ الكبير بما هو هو له موضوعيّة.
ونفس هذا الكلام نذكره في باب الصوم أيضاً:- فإن الشيخ الكبير يجوز له الافطار ويكتفي بالفدية، ولكن لو فرض أن شيخاً كبيراً كان يسهل عليه الصوم ولا يتأثر منه فلا نحكم بأنه يجوز له الاكتفاء بالفدية، والنكتة هي نفس النكتة فإن مناسبات الحكم والموضوع تقتضي على أن الخصوصيّة هي لكونه لا يتمكن ويشقُّ عليه ذلك لا لأنه شيخٌ كبير بما هو شيخ ٌكبير.
ومنه يتضح أيضاً أن المرأة أو الرجل إذا كان يتهيأ له أن يأتي بطواف النساء فيما بعد - إذ أن طواف النساء لا يتحدّد بفترة معينةّ - فعلى هذا الأساس هل نحكم بأنه يجوز له أن يقدّمه ؟ كلّا، باعتبار أنه يتمكّن أن يأتي به لأن طواف النساء لا يتحدّد بوقتٍ . فإذن جواز التقديم يدور مدار عدم إمكان الإتيان به فيما بعد - وواضح أن المقصود من عدم الإمكان هو بالمعنى الشامل لعُسْرِ ذلك -.
ومنه يتّضح الحال في رواية أبي بصير، فإنه في تلك الرواية لم يُحكَم بجواز تقديم طواف النساء بل فقط وفقط جَوِّز تقديم طواف الحجّ والسعي دون طواف النساء، إن النكتة في ذلك هي ما أشرنا إليه من أنه كان بإمكان المرأة المذكورة في الرواية التأخير ومحلّ الجواز هو ما لم يتهيأ الإتيان به فيما بعد، ورواية علي بن أبي حمزة[3] المتقدّمة قالت:- ( سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجلٍ ورد مكة ومعه نساء قد أمرهنَّ فتمتّعنَ قبل التروية بيومٍ أو يومين أو ثلاثة فخشي على بعضهنَّ الحيض، فقال:- إذا فرغنَ من متعتهنَّ وأحللنَ فلينظر إلى التي يخاف عليها الحيض فيأمرها فتغتسل وتهلّ بالحجّ من مكانها ثم تطوف بالبيت وبالصفا والمروة فإن حدث فيها شيء[4] قضت بقيّة المناسك[5] وهي طامث، فقلت:- أليس قد بقي طواف النساء، قال:- بلى، قلت:- فهي مرتهنة حتى تفرغ منه، قال:- نعم، قلت:- فلم لا يتركها – تتركها[6] - حتى تقضي مناسكها ؟ قال:- يبقى عليها منسكٌ واحدٌ أهون عليها من أن يبقى عليها المناسك كلّها مخافة الحِدْثان[7]، قلت:- أبى الجمّال أن يقيم عليها والرفقة، قال:- ليس لهم ذلك تستعدي عليهم حتى يقيم عليها حتى تطهر وتقضي مناسكها )[8]، وقد ورد فيها قوله ( فلم لا يتركها حتى تقضي مناسكها أو فلم لا تتكرها حتى تقضي مناسكها ) فما هو المقصود من هذه العبارة من ابن أبي جمزة ؟ والجواب:- من القريب أن يكون المقصود هو أن هذه المرأة لماذا لا يتركها الجمّال أو صاحب الحملة ؟! بمعنى أنّه لا يأمرها بتقديم طواف الحجّ مع السعي بل يتركها تؤخّرهما حتى تأتي بهما مع بقيّة الأعمال كما يأتي بها بقيّة الحجّاج، فيتركها بمعنى أنه لا يأمرها بالتقديم، هذا بناءً على نسخة ( قلت فلِمَ لا يتركها ).
وأما بناءً على نسخة ( تتركها ) فالمقصود أنه لم هي لا تترك هذه الأمور ؟! أي دعها تترك هذه الأمور ولا تقدّمها بل تأتي بها مع بقيّة المناسك، وأجابه الإمام عليه السلام بأنه لأجل مخافة الحِدْثان تقدّم اثنين فإنه أجدر حيث يحتمل حدوث شيءٍ فيفوّت عليها مجموع الثلاثة، ففواتُ واحدٍ أولى من فوات مجموع الثلاثة.
وعلى أي حال قد يقال بأنها دلّت على أن الذي يجوز تقديمه هو طواف الحجّ مع السعي دون طواف النساء.
ولكن يرد عليه ما أشرنا إليه:- من أن المفروض في هذه الرواية هو أن هذه المرأة كان بإمكانها منذ البداية أن تتأخّر حيث أن طواف النساء ليس له مدّة محدّدة، أما إذا علمت من بداية أمرها أن الحملة لا تنتظرها - كما هو الحال في زماننا فإن الطائرة لا يمكن لتخلف عنها - فهذه الرواية ليست ناظرة إلى ذلك ولا تدلّ على الجواز فتبقى صحيحة عليّ بن يقطين المتقدّمة التي جوّزت تقديم المجموع على حالها فإن الوارد فيها:- ( سمعت أبا الحسن الأوّل يقول:- لا بأس بتعجيل طواف الحجّ وطواف النساء قبل الحجّ يوم الروية قبل خروجه إلى منى وكذلك من خاف أمراً لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة ) فإن المستفاد منها أن كلّ من لا يتهيأ له أن يذهب إلى مكة ويأتي بالعمل يجوز له تقديم الثلاثة، فتبقى بلا معارضٍ . نعم قلنا إنه يستفاد منها الجواز في الحدود المذكورة - وهو أنه لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة وأداء الأعمال -.
إن قلت:- إن هذا الصحيحة ليست واردة في حجّ التمتع إذ لم يؤخذ فيها عنوان المتمتّع حتى نتمسّك بها، فإنها لو كانت واردة في ذلك فهو شيءٌ جيّدٌ ولكنها لم ترد في ذلك إذ هي لم تعبّر بلفظ التمتع أبداً ؟ وعلى هذا الأساس فهي مطلقةٌ فنقيّدها بالمفرِد أو القارِن وبذلك تكون أجنبية عن المقام ؟ والسند المهم لجواز التقديم هو هذه الصحيحة فإذا لم ترد في المتمتّع فلا يمكن الاستناد إليها ؟
والجواب عن ذلك:- هو أن فيها قرينة تدلّ على شمولها للمتمتّع أيضاً وتأبى عن التخصيص بالقارن والمفرد، وتلك القرينة هي قوله عليه السلام:- ( وكذلك من خاف أمراً لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة أن يطوف ويودّع البيت .. ) فإنه عليه السلام ذكر الحكم مع نكتته، والنكتة  هي أنه لا يتهيأ له الانصراف إلى مكّة، وهذه النكتة لا تأتي في القارِن والمفرِد فإنهّما يجوز لهما التقديم مطلقاً من دون ذلك، فذكر هذه النكتة يدلّ على أن المنظور هو حجّ التمتّع، فلأجل خوف أنه لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة حُكِمَ له بجواز التقديم، وهذه قرينة على أن المنظور هو حجّ التمتّع، وعليه فلا محذور من هذه الناحية.
الأمر الرابع:- إذا فرض أن المرأة خافت الحيض فقدّمت أو الشيخ الكبير أو المريض خاف على نفسه فقدّم ثم اتضح بعد ذلك أنه يمكنه الاتيان بالطواف والسعي بسهولة - إمّا لتحسّن الصحة أو لأن المطاف كان فارغاً أو غير ذلك - فهل يكتفي بما أتى به أو نحكم عليه بلزوم الإعادة - أي أن يأتي بالأعمال من جديد ولا يكتفي بما سبق - ؟


[3]  وواضح أنه إن وثّقنا ابن أبي حمزة فتصير موثّقة وإلا فتصير رواية.
[4]  يعني إن حاضت.
[5]  أي أتت ببقية المناسك.
[6]  وورد في الكافي ( فلم لا تتركها حتى تقضي مناسكها ).
[7]  حدوث الموانع.