07-05-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/05/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسالة ( 416 )، الواجب العاشر والحادي عشر من واجبات الحج ( طواف النساء وصلاته ) / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحجّ للسيد الخوئي(قد).
الرواية الثالثة:- وهي ما أضافه السيد الخوئي(قده) ولم أجدها في كلمات غيره، وهي موثقة اسحاق بن  عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( لولا ما من الله عز وجل على الناس من طواف النساء لرجع الرجل إلى أهله ليس يحلّ له أهله )[1].
ولعلّ في كلامه(قده) شيئاً من الخفاء، ولأجل ذلك أذكر ثلاثة تقريبات لدلالة هذه الروية على ما أراد:-
التقريب الأوّل:- إن نكتة وجوب طواف النساء هو أنه به تحصل حليّة النساء وهذا يدلّ على أنه ليس جزءاً من الحج ؛ إذ لو كان جزءاً منه فالمناسب تعليل وجوبه بأنه جزء من الحج لا أنه لتحصل به حليّة النساء . وهذا من قبيل ما يقال من أن الشيء إذا كان له وصفان أحدهما ذاتي والآخر عرضيّ وكان كلّ منهما صالحاً للعليّة فالمناسب التعليل بالوصف الذاتي دون العرضي، والمقام من هذا القبيل لو كان جزءاً من الحج فذاك بمثابة الوصف الذاتي لأنه جزء، بينما حليّة النساء هي بمثابة الوصف العرضي فلو كان طواف النساء جزءاً فالأنسب تعليل وجوب الحج بالجزئية لأنه جزء من أجزاء الحج بقطع النظر عن حليّة النساء به لا التعليل بأنه به تحلّ النساء.
وفيه:- إن الرواية لا يظهر منها تعليل وجوب طواف النساء وأنه لماذا وجب وأنه وجب لأجل أن يتحلّل به النساء، وإنما هي ذكرت فائدة من فوائد طواف النساء وأن تلك الفائدة هي حليّة النساء، فهي بصدد بيان فائدة عليه فلا حظ الرواية فإنها قالت:- ( لولا ما من الله عز وجل على الناس من طواف النساء لرجع الرجل إلى أهله ليس يحلّ له أهله ) . إذن غاية ما يستفاد هو بيان فائدة لا بيان نكتة وعلّة الوجوب.
التقريب الثاني:- إنها تدلّ على أن من رجع إلى أهله من دون طواف النساء فلا يترتب عليه شيء سوى حرمة النساء، ولازم ذلك أن لا يكون جزءاً وإلّا يلزم لو رجع من دونه البطلان لأنه ترك جزءاً.
وفيه:- إن الإمام عله السلام ليس بصدد بيان سلبيّات طواف النساء بل بصدد بيان ايجابياته وأن من ايجابيّاته أنه به تحلّ النساء، أما ما هي السلبيات المترتّبة عليه ؟ وأنه إذا تركه هل يبطل الحج أو لا ؟ فإن الرواية ليست بصدده وإنما هي بصدد بيان النعمة وليست في صدد بيان النقمة - إن صح التعبير -، كما هي ليست بصدد بيانهما معاً، بل هي بصدد بيان النعمة فقط وهو أن من نعم الله على البشريّة أن شرّع لهم طواف النساء فإنه به تحلّ النساء، وهذا لا ينافي أنه لو تُرِك أيضاً يبطل الحجّ.
التقريب الثالث:- إن ظاهر الرواية هو أن الرجوع بلا طواف النساء جائز لولا أنه يلزم منه حرمة النساء، ولازم جوازه أنه ليس جزءاً وإلّا لما جاز الرجوع من دونه، وإلا كان المحذور أشدّ من مجرد حرمة النساء فالمحذور هو بطلان الحجّ . إذن بيان الإمام عليه السلام بأنه يجوز الرجوع من دون طواف النساء لكنّه يترتب على ذلك حرمة النساء فهذا لازمه أن لا يكون جزءاً وإلّا لما جاز تركه سواء حلّت النساء أو لم تحلّ تحرم أم لم تحرم.
وفيه:- إن الرواية لا توجد فيها دلالة على جواز تركه غايته أنه تترتب حرمة النساء، وإنما غاية ما فيها هو بيان فائدة مترتّبة على تشريع طواف النساء، أمّا أنه يجوز الرجوع لولا أنه تحرم النساء فلا دلالة لها على ذلك فلاحظها من جديد فإنها قالت:- ( لو أن من الله على الناس من طواف الناس من طواف النساء لرجع الرجل إلى أهله ليس يحلّ له أهله ) فإن أقصى ما فيها الدلالة هو أن من نعم الله أن شرّع لنا هذا التشريع ولولاه سوف نرجع من دون حلّيّة النساء.
وعلى أيّ حال التمسك بهذه الرواية لإثبات أن طواف النساء ليس جزءاً من الحجّ شيءٌ مشكلٌ.
هذا كلّه بالنسبة الى لروايات.
وأما بالنسبة إلى الأصل:- فلم أجد من تمسّك به إلّا الشيخ النراقي(قده)، أما تقريبه أن يقال:- نحن لا نحتاج إلى دليل لإثبات أن طواف النساء ليس جزءاً من الحج بل يكفينا الأصل، فإننا نجزم بأن ذمتنا مشتغله بطواف النساء ومشتغلة بغيره من طواف الحج والسعي وغيرهما أمّا أن هناك زيادة في الاشتغال وهي أن صحّة أحد هذه الأمور كطواف الحج والسعي يرتبط بالإتيان بطواف النساء وأنّ طواف النساء ترتبط صحته بالارتباط ببقيّة الواجبات - فإن هذا هو لازم الجزئية فإن لازم الجزئية هو الترابط فليس المطلوب هو الاتيان بالشيء بنحو الاستقلال بل الاتيان به مع غيره وبقيد غيره - فهذا تقيّد زائد يشكّ باشتغال الذمّة به فيكون مجرىً للبراءة.
ولعل الشيخ النراقي(قده) يقصد هذا حينما قال:- ( وأما طواف النساء فلا يبطل الحج بتركه ولو عمداً أو جهلاً من غير خلاف لأصالة عدم ربطه بالنسك ربط الجزئية وخروجه عن حقيقته )[2].
وهو لطيفٌ لولا أنه يواجهنا شيء وهو أن لازم التمسك بالأصل هنا التمسك به في جميع الأجزاء الأخرى للحج ويسري هذا الاشكال بلحاظ جميع الأجزاء، فيلزم أن نشكك في جزئية بقيّة واجبات الحجّ ولا نخصّص هذا التشكيك بطواف النساء والحال أنه لم يعمَّم إلى بقيّة واجبات الحجّ فيظهر من ذلك أنه هناك ظهوراً مسلّماً عندهم به أثبتوا الجزئية ولم يكترثوا بالأصل فتركوا الأصل اعتماداً على هذا الظهور، وذلك الظهور هو مثلاً أن ظاهر كلّ أمر في باب المركّبات هو الترابط وعدم الترابط هو الذي يحتاج إلى دليل لا أصل الترابط فكلّ مركّب من المركّبات إذا قيل لك ائت بهذا - يعني مع المركب - مع هذا الشيء فهذا ظاهره أنه جزء، ففي باب الصلاة التي هي من المركّبات إذا قيل ائت بالفاتحة أو بالسجود أو بالركوع أو ... فظاهره أن هذا جزء من هذا الواجب، وهذا ظهور عرفيّ . فعلى هذا الأساس إذا سلّمناه - ولذلك لم نشكك في بقيّة الواجبات - فيلزم أن نسلّمه أيضاً بالنسبة إلى طواف النساء وآنذاك لا يجوز التمسّك بالأصل، وإذا أنكرناه فيلزم أن نسرّي هذا التشكيك إلى جميع واجبات الحج . إذن هذا الأصل قضيّة صناعيّة وفنيّة لولا أنه يعارض بهذه الأمارة - أعني هذا الظهور العرفي في باب المركبات -.
وعلى هذا الأساس اتضح أن الوجه في نفي جزئية طواف النساء هو إمّا الروايات وإما الأصل وقد اتضح إمكان الخدشة في الجميع.
هذا وقد يستدلّ على العكس - أي على جزئية طواف النساء - بروايتين:-
الرواية الأولى:- صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة:- ( .... فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شيءٍ أحرمت منه إلّا النساء ثم ارجع إلى البيت وطف به اسبوعاً آخر ثم تصلّي ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام ثم قد أحللت من كلّ شيءٍ وفرغت من حجّك كلّه وكلّ شيءٍ أحرمت منه )[3]، إن قوله عليه السلام ( وفرغت من حجّك كله ) يدلّ على أنه قبل الاتيان بطواف النساء لم يفرغ من حجّه كلّه وإنما يفرغ منه بالكامل إذا أتى بطواف النساء . فهذه الرواية إذن دالّة على جزئية طواف النساء.
وفيه:- إنه لو كنا وهذه الرواية من دون تلك الروايات المتقدّمة لكان التمسّك بها على إثبات الجزئية شيئاً وجيهاً، ولكن بعد وجود تلك الروايات يمكن أن نوجّه هذه الرواية ونقول إن المقصود من ( فرغت من حجّك كلّه ) يعني فرغت منه ومن تبعاته ولوازمه وما يستدعي فإن النسك يستدعي طواف النساء، فعلى هذا الأساس قد فرغت من الحجّ بمعنى أنك فرغت منه ومن لوازمه وما يتطلبه، فإن الجمع بالوجه المذكور شيءٌ ممكن ولا محذور فيه.
الرواية الثانية:- رواية معاوية بن عمّار أيضاً، وهي قريبة من الأولى حيث جاء فيها:- ( وأما التمتّع بالعمرة إلى الحج فعليه ثلاثة أطواف وسعيان بين الصفا والمروة)[4]  - وفي رواية أخرى ( وعليه للحج طوافان وسعي بين الصفا والمروة ) - ،إنها عبّرت بأنّ عليه طوافان أو عليه ثلاثة أطواف يعني بضمّ طواف عمرة التمتع فجعلت طواف النساء إلى جنب تلك الطوافات وعبّرت بكلمة ( عليه ) فإذا كانت كلمة ( عليه ) دالة على الجزئيّة في طواف الحجّ فأيضاً هي تدّل على الجزئية بالنسبة إلى طواف النساء لوحدة التعبير المذكور.
وفيه:- أنه لابد من حملها على أنها بصدد بيان أصل الوجوب وأنه يجب عليه ذلك، أما كفيفته وأنه جزء كطواف الحجّ أو لا فهذا ليست بصدده ولا أقلّ بقرينة تلك الروايات.
والنتيجة النهائية:- إن استفادة عدم الجزئية من الروايات فقط شيءٌ مشكلٌ ومن الاجماع شيءٌ مشكلٌ أيضاً ؛ لأنه ليس تعبّدياً بعد وجود الروايات، ولكن لو ضُمَّ هذا إلى ذاك فلعلّه يورث للفقيه الاطمئنان بذلك - أي بعد الدعم فتصير الروايات مدعومة بعدم الخلاف وبالإجماع - فيحصل بحساب الاحتمال بالنتيجة المذكورة.