08-05-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/05/08

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسالة ( 416 )، الواجب العاشر والحادي عشر من واجبات الحج ( طواف النساء وصلاته ) / الحلق والتقصير / حج التمتع / مناسك الحجّ للسيد الخوئي(قد).
النقطة الثالثة:- إن طواف النساء وإن لم يكن جزءاً من الحج أو العمرة المفردة إلّا أنه واجب ولم ينقل خلاف من حيث الفتوى على ذلك، قال في الشرائع:- ( الثانية عشرة:- طواف النساء واجب في الحج والعمرة المفردة )، وعلّق في المدارك بقوله:- ( أما وجوبه في الحج بأنواعه فقال العلامة في المنتهى إنه قول علمائنا أجمع )[1]، ثم أخذ صاحب المدارك(قده) بعد ذلك بذكر بعض الروايات الدالة على وجوبه وسوف نشير إليها فيما بعد.
وقريب من هذا ذكر في الحدائق[2]، وفي الجواهر[3] . إذن من حيث الفتوى لم ينقل خلاف في ذلك.
وإذا رجعنا إلى الروايات فبالإمكان استفادة وجوب طواف النساء، فلاحظ صحيحة معاوية عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في القارن:- ( لا يكون قرانٌ إلا بسياق الهدي، وعليه طواف بالبيت وركعتان عند مقام إبراهيم وسعي بين الصفا والمروة وطواف بعد الحج وهو طواف النساء . وأما المتمتع بالعمرة إلى الحج فعليه ثلاثة أطواف وسعيان بعد الصفا والمروة )[4]، إنها ناظرة إلى حج القران أوّلاً ثم إلى حج التمتّع وقالت ( عليه ثلاثة أطواف ) والمقصود هو طواف عمرة التمتع ثم طواف الحج ثم طواف النساء، وكلمة ( عليه ) ظاهرة في الوجوب.
وصحيحة الحسين بن علي بن يقطين:- ( سألت أبا الحسن عليه السلام عن الخصيان والمرأة الكبيرة أعليهم طواف النساء ؟ قال:- نعم عليهم الطواف كلّهم )[5] ودلالتها واضحة أيضاً بناءً على ظهور كلمة عليه أو عليهم في الوجوب.
وتدلّ على ذلك أيضاً الروايات الواردة في حقّ الناسي وأن من نسي طواف النساء حتى مات فعلى وليّه القضاء[6] وستأتي الإشارة إلى هذه الروايات في المسألة التالية.
ولعلّ أظهر الروايات في الوجوب ما رواه الشيخ الطوسي(قده) بإسناده عن موسى بن القاسم عن عبد الله بن سنان عن اسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله عيله السلام:- ( لولا ما مَنَّ الله به على الناس من طواف الوداع لرجعوا إلى منازلهم ولا ينبغي لهم أن يمسّوا نساءهم  - يعني لا تحلّ لهم النساء - حتى يرجع ويطوف بالبيت أسبوعاً آخر بعدما يسعى بين الصفا والمروة وذلك على الرجال والنساء واجبٌ )[7]، وموضع الشاهد قوله عليه السلام:- ( وذلك على الرجال والنساء واجب )، اللهم إلّا أن يشكك في دلالة كلمة ( واجب ) على الوجوب ويقال هي في زماننا وإن دلت على ذلك إلّا أنها في الزمن السابق لعلها ليست كذلك . ولكنّ هذا الاحتمال مدفوعٌ ككلّ احتمالٍ في سائر الكلمات والمعاني فإنه أيّ كلمة من الكلمات إذا كانت ظاهرة في زماننا في معنىً معيّن فباستصحاب القهقرى أو ما يعبّر عنه في بعض الكلمات كصاحب المعالم بأصالة عدم النقل - الذي مستنده السيرة العقلائية - يثبت أن هذا المعنى موجودٌ في الزمن السابق أيضاً، اللهم إلا أن يفترض وجود بعض المنبّهات على أن المعنى السابق يغاير المعنى الموجود عندنا - والمقصود من المنبّهات هو منبّهات ليست قطعيّة بل تورث الاحتمال المعتدّ به بأن هذا المعنى غير ذلك المعنى - فإذا فرض وجود منبهات ومؤشرات وجيهة ظنيّة أو احتماليّة بدرجةٍ جيّدةٍ فحينئذ لا نتمسّك باستصحاب القهقرى لأن مستنده هو السيرة والقدر المتقن من السيرة غير ذلك - يعني إذا لم توجد مثل هكذا منبهات - . وعلى هذا الأساس أيضاً لا نجري هذا الاستصحابفي كلمة ( الكراهة ) لأن الكراهة إذا نراجع اللغة فهي تعني المبغوضيّة، فالمكروه يعني المبغوض وهو أعمّ من الحرمة والكراهة المصطلحة، فباعتبار وجود هذا المؤشر في كلمة الكراهة أو غيرها لا نقول باستصحاب القهقرى، أمّا في كلمة ( واجب ) فلا توجد مثل هذه المؤشرات فلذلك يكون استصحاب القهقرى لا بأس به.
والخلاصة:- إن دلالة هذه الرواية على الوجوب جيّدة لولا احتمال أن هذه الفقرة ليست جزءاً من كلام الإمام عليه السلام وإنما هي من الشيخ الطوسي مثلاً الراوي لهذه الرواية أو من غيره، فحينئذٍ يشكل التمسك بها آنذاك . ولكن ما هو الموجب لهذا الاحتمال ؟ إنه من جهة أن حديث الإمام عليه السلام لم يكن عن وجوب طواف النساء وإنما كان عن فائدةٍ ومِنَّةٍ ونعمةٍ من نعم الله عز وجل على العباد حيث شرّع لهم طواف النساء - على بعض النسخ كما قرأنا ذلك سابقاً في نفس رواية إسحاق بن عمار أو طواف الوداع، ولعل الأنسب طواف الوداع من طواف النساء فإن الجماعة يأتون بطواف الوداع وهو في واقعه طواف النساء وهذا مطلب ليس بمهم - فالإمام بصدد بيان نعمةٍ ومنّةٍ أن شرّع لهم هذا الطواف، أمّا أن هذا واجب فليس الإمام في صدد ذلك، فحينئذٍ هذا قد يولّد احتمال أن هذه العبارة ليست من الإمام عليه السلام . مضافاً إلى أن العبارة السابقة - يعني ( لا تحلّ لهم النساء ) - من المناسب أن تكون ليست من الإمام وإنما من الشيخ أو من غيره فهذا التعبير لا يناسب أن يكون من الإمام عليه السلام، ولا أريد أن أجزم بذلك وإنما أقول هو احتمالٌ وجيهٌ وهذه الزيادة يمكن أن نقول هي مستمرّة إلى فقرتنا - يعني ( لا تحلّ لهم النساء حتى يرجع ويطوف .... ) - أو أن عبارة ( لا تحلّ لهم النساء ) فقط هي الزيادة من قبل الشيخ الطوسي مثلاً وما بعدها يكون من الإمام، ولكن على كلا التقديرين مادامت هذه الفقرة المتقدّمة هي من المناسب أن لا تكون من الإمام فيساعد هذا على أن لا تكون الفقرة التالية منه أيضاً.
ولعلّ أحسن قرينة تساعد على ذلك من هاتين القرينتين هي أن الشيخ الكليني(قده) قد روى هذه الرواية من دون هذا الذيل، فالذي رواه عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن الحسن بن علي الوشاء عن عبد الله بن سنان عن اسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام هو أنه قال:- ( لولا ما من الله عز وجل على الناس من طواف النساء لرجع الرجل إلى أهله وليس يحلّ له أهله )[8].
وعلى أيّ حال إن هذه القرائن التي ذكرناها وإن لم تكن كلّ واحدة صالحة للقرينيّة ولكن مجموعها قد يولّد احتمالاً وجيهاً في كون ذلك زيادة .
وبعد هذا نضمّ مقدّمة وهي أن يقال:- إن مدرك البناء على أن مجموع الكلمات الواردة في الرواية هي من الامام ليس إلّا الظهور، فإن ظاهر النقل أن المنقول شيء واحد متّصل منه عليه السلام، وإلّا فلا يوجد عندنا شيء آخر غير هذا الظهور، ومدرك هذا الظهور هو السيرة العقلائية أو المتشرعيّة، وحيث إن السيرة دليل لبّي فالقدر المتيقّن هو ما إذا فرض وجود قرائن تلمّح - ويكفيني هذا المقدار -  بالخلاف فلا نجزم بانعقاد السيرة على العمل بهذا الظهور - فإما إن نقول لا يتولّد ظهورٌ أو نقول لا جزم بانعقاد السيرة على العمل بهذا الظهور - وبذلك تسقط هذه الفقرة التي نحتمل أنّها زيادة عن الاعتبار، ولكن بعد هذه الخلفيّات العلميّة وإلا فبمجرد إبراز الاحتمالات من دون هذه الخلفيّة العلميّة لا ينفعه شيئاً، فلابد من تكملته بما أشرت إليه.
والخلاصة:- لو فرض أن هذه الرواية كانت محلّ تأمل للنكتة التي أشرنا إليها فتكفينا الروايات الأخرى السابقة، ولكن هذه قضيّة علميّة أردت الإشارة إليها . وبهذا ينتهي هذا المتن.
فروع ثلاثة:-
الفرع الأوّل:- إن طواف النساء كما عرفنا هو واجب في حقّ النساء أيضاً وليس في حقّ الرجال فقط، ولكن هل تتوقف حليّة الرجال للنساء على أن يطُفنَ طواف النساء أو لا ؟ والذي دعانا إلى طرح هذا التساؤل هو أن مثل صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة كانت تقول:- ( فإذا حلق أو قصّر حلّ له كلّ شيء إلا النساء والطيب ) فهي ناظرة إلى الرجال، أما بالسبة إلى النساء فقد يقال بأنه لا دليل على توقّف حليّة الرجال في حقّهنَّ على طواف النساء، فما الدليل على ذلك ؟
وسوف يأتي في المسألة التالية تعرض السيد الماتن(قده) إلى أن طواف النساء واجبٌ على النساء أيضاً، وهناك نشير إلى هذا البحث إنشاء الله تعالى، وأمّا هنا فأردت أن أشير إلى أنه من المناسب الإشارة إلى هذا البحث.
الفرع الثاني:- إذا فرض أن الناسك كان خنثى فهل يجب عليها طواف النساء ؟
والكلام تارةً يقع من حيث الحكم التكليفي وأخرى من حيث الحكم الوضعي- يعني مرّة نتكلّم في أنه هل هو واجبٌ تكليفاً في حقّها أو لا ؟ وأخرى نتكلّم من حيث أنه هل حليّة الرجال أو النساء موقوفة في حقّ الخنثى على طواف النساء أو لا - ؟
والكلام في ذلك لابد وأن يكون بالنسبة إلى الخنثى المشكل إذا قلنا هي حقيقة ثالثة، وأما إذا لم تكن مشكلاً أو قلنا إن المشكل ليست حقيقة ثالثة وإنما هي في واقعها أنثى أو ذكر فلا موجب للتحدّث عن الخنثى ؛ لأنها بالتالي هي إمّا ذكر أو أنثى وعلى كلا التقديرين حكمها حكمهما، وحيث أن حكمهما الوجوب التكليفي وتوقّف الحليّة عليه فيثبت ذلك في حقّ الخنثى بعدما لم تكن حقيقة ثالثة وهذا واضح . إذن محلّ الكلام في الخنثى المشكل بناءً على أنها حقيقة ثالثة، والكلام تارةً يقع من حيث الحكم التكليفي وأخرى من حيث الحكم الوضعي:-
أما من حيث الحكم التكليفي:- فيمكن أن يقال بوجوب طواف النساء في حقّها ؛ وذلك تمسّكاً ببعض الروايات السابقة من قبيل صحيحة معاوية السابقة حيث جاء فيها:- ( وأما المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ فعليه ثلاثة أطواف )، فإن كلمة ( المتمتّع ) عامٌّ فهو كما يشمل الرجل يشمل الأنثى والخنثى، فهو شامل للثلاثة جميعاً، فلا نحتاج إذن إلى إعمال عنايةٍ أخرى بعدما كانت الرواية هي بنفسها صالحة لذلك.
وعلى نفس المنوال أو قريب من ذلك صحيحة الحسين بن علي بن يقطين المتقدّمة حيث جاء فيها:- ( سألت أبا الحسن عليه السلام عن الخصيان والمرأة الكبيرة أعليهم طواف النساء ؟ قال:- نعم عليهم الطواف كلهم )، إنه في هذه الرواية وإن لم يقع السؤال عن الخنثى وإنما وقع عن المرأة الكبيرة وعن الخصيّ ولكن جواب الامام بـــــ( نعم عليهم الطواف كلّهم ) لا يبعد أن يستفاد منه عرفاً الشمول بمعنى إلغاء الخصوصيّة، يعني أن العرف يفهم من هذا التعبير أنه لا خصوصيّة للناسك وإنما كلّ من يحجّ فعليه ذلك . إذن الرواية الأولى - يعني صحيحة معاوية - هي بلفظها دالّة على الشمول، أما هذه الرواية فتحتاج إلى ضمّ ضميمة وأنه يفهم منها إلغاء الخصوصيّة من هذه الناحية . وعلى أيّ حال من حيث الحكم التكليفي لا ينبغي التأمل فيه.