33-11-03
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
33/11/03
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- مسـألــة ( 344 ) / أحكــام السـعي / الواجـب الرابـع مـن واجبـات عمـرة التمـتع ( السعي ) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
الزيادة سهواً:-
بعد أن استعرضنا الروايات قلنا تارة نتحدث عن الزيادة العمديّة وأخرى عن الزيادة عن جهل وثالثة عن الزيادة السهوية ، فإذا زاد المكلف شوطاً أو شوطين سهواً فالمعروف هو عدم البطلان وأنه يطرح الزائد ويعتد بسبعة ، قال في الجواهر ( ولا يبطل بالزيادة سهواً بلا خلاف بل الإجماع بقسميه عليه ) [1] . إذن قد يدعى أن المسألة لا خلاف فيها ، نعم سيأتي خلاف جانبي من ابن زهرة وصاحب الحدائق سنشير إليه انشاء الله تعالى ولكنه لا يضر بدعوى عدم الخلاف كما سيتضح.
ويدل على الحكم المذكور صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم عليه السلام ( رجل سعى بين الصفا والمروة ثمانية أشواط ما عليه ؟ فقال:- إن كان خطأ طرح واحدا واعتد بسبعة ) ومن مصاديق الخطأ هو النسيان.
ولكن هناك قضية علمية لا بأس بالإشارة إليها للانتفاع من النكات المذكورة فيها:- وهي أن صاحب المدارك [2] - وجرى على منواله صاحب الجواهر [3] - قال:- إنه بقطع النظر عن صحيحة ابن الحجاج يمكننا أن نثبت الحكم المذكور وذلك تمسكاً بالأصل وذلك بأن يقال:- إن المكلف إذا زاد شوطاً مثلاً سهواً فنشك في مانعيّة هذه الزيادة من تحقق الواجب ، وبتعبير نحن آخر نحتمل أن شرط الصحة هو عدم الزيادة فيكون الشك من الشك في التقييد والشرط الزائد كما لو أمرنا المولى بعتق رقبة وشكننا أن الواجب هو العتق بشرط أن تكون مؤمنة - أو بالأحرى بأن لا تكون كافرة - ، كما نقول في هذا المورد بأن المقام من الشك في الكلفة الزائدة فالذمة قد اشتغلت يقيناً بعتق رقبة أما أنه يلزم أن يكون العتق عتقاً للمؤمنة فهو شك في تكليف زائد فيرفع بالبراءة فإذا أتى المكلف بعتق الرقبة الكافرة فيتمكن أن يقول إن ما اشتغلت به ذمتي يقيناً هو الطبيعي الجامع بين المؤمنة والكافرة لا بخصوص المؤمنة فما اشتغلت به الذمة يقيناً قد حققناه والزائد على ذلك وإن لم نحققه - أي أن تكون مؤمنة - ولكن نشك في أصل اشتغال الذمة به فنرفعه بالبراءة ، وموردنا من هذا القبيل فان السعي سبعة أشواط نجزم بأنه مطلوبٌ لكنه السبعة بنحو الجامع والطبيعي لا السبعة المقيدة بأن لا تكون معها زيادة فما اشتغلت به الذمة يقيناً - وهو الجامع الطبيعي - قد تحقق وما زاد على ذلك نشك أصل اشتغال الذمة به فننفيه بالبراءة . هذا توضيح ما أفاده صاحب المدارك والجواهر(قده).
وهناك نكتة علمية نريد الإشارة إليها:- وهي أن إجراء أصل البراءة عن المانعية يكون وجيهاً لو لم توجد عندنا رواية أخرى غير رواية بن الحجاج تدل على أن الزيادة مضرّة أما إذا كانت موجودة وكانت تدل بإطلاقها على أن الزيادة مضرّة فلا تصل النوبة حينئذ إلى الأصل حتى لو قطعنا النظر عن صحيحة ابن الحجاج التي تقول إن الزيادة لا تضر ، فحتى لو غضضت النظر عنها فلا تستطيع أن ترجع إلى الأصل لوجود رواية تدل بإطلاقها على أن الزيادة ولو السهوية مضرة وأعني بذلك صحيحة عبد الله بن محمد.
وقد يدافع شخص ويقول:- ان صاحب الجواهر لا يبني على صحة هذه الرواية.
ولكن نقول:- هذا مقبول ولكن نحن هدفنا هو أننا نريد أن نتعلم نكاتاً علميّة فانه إذا بنينا على صحة هذه الرواية فالرجوع إلى الأصل يكون غير ممكن فان الأصل دليل فقاهتي وإنما تصل النوبة إليه عند عدم وجود إطلاق يدل على أن الزيادة مضرّة بشكل مطلق فان صحيحة عبد الله قالت ( الزيادة في الطواف وفي السعي كالزيادة في الصلاة توجب الاعادة ) وهذا حكم مطلق يشمل حتى حالة السهو ، وحينئذ إذا خرج مورد فهو خارج بالدليل وإلا فالإطلاق يقتضي أن كل زيادة مضرّة حتى في باب الصلاة إلا ما خرج بالدليل.
إذن مع وجود هذه الصحيحة التي لها إطلاق لا يعود مجال للتمسك بأصل البراءة ، فهل هناك من مخلصٍ وطريقٍ للفرار من هذه المشكلة ؟
نعم يمكن أن يقال :- صحيح نحن نسلم أن صحيحة عبد الله بن محمد لها إطلاق يشمل حالة السهو ولكن يوجد عندنا حديث آخر هو مطلق أيضاً يدل على أنه في حالة السهو تضر الزيادة فيكون معارضاً لصحيحة عبد الله وبعد المعارضة يتساقطان وآنذاك يعود المجال مفتوحاً لأصل البراءة ، والرواية المعارضة هي حديث رفع النسيان ( رفع عن أمتي النسيان ) فان رفع النسيان دليل اجتهادي وليس دليلاً فقاهتياً ، يعني أن حديث الرفع كان الرفع فيه لتسعة أشياء ولكن بعضها يكون الرفع فيها واقعياً بمثابة الدليل الاجتهادي وبعضها الرفع فيها رفعاً ظاهرياً بمثابة الدليل الفقاهتي ونحن نميّز بين الحكم الظاهري والواقعي فإذا أخذ في الشك موضوع الحكم فالحكم ظاهري كالرفع في فقرة ( رفع ما لا يعلمون ) أي في حالة عدم العلم بالواقع فهذا الرفع ظاهري أي في مرحلة الشك أما في رفع النسيان فهذا لم يؤخذ في موضوعه الشك وكذلك رفع الاضطرار وما أكرهوا عليه فالرفع هنا واقعي والدليل يكون اجتهادياً لا ظاهرياً ، فإذا كان الرفع رفعاً واقعياً فسوف يتعارض مع صحيحة عبد الله بن محمد من نحو العموم من وجه فان صحيحة عبد الله خاصة بباب الزيادة في السعي وعامة من ناحية كون هذه الزيادة - في السعي أو في الطواف أو في الصلاة - عامة من كونها عن عمد أو عن سهو فهي بينما حديث الرفع خاص بالنسيان ولا يعمّ حالة العمد وعام للسعي وغيره ومادة المعارضة هي الزيادة في السعي عن سهوٍ فان صحيحة عبد الله تقول عليه الإعادة بينما حديث رفع النسيان يقول لا شيء عليه فيتعارضان ويتساقطان في مادة الاجتماع وبذلك يعود المجال مفتوحاً إلى الأصل العملي أعني حديث ( رفع عن أمتي مالا يعلمون )
والخلاصة:- نحن الآن لسنا بصدد الاشكال على صاحب المدارك بل نريد تشييد الأصل وندفع الاشكال عليه ، وهذه قضية ظريفة يجدر الالتفات إليها.
ولنرجع إلى صلب الموضوع :- قلنا أن المعروف - بل أدُّعي عدم الخلاف - هو أن الزيادة إذا كانت عن سهوٍ فهي لا تضر والمدرك لذلك كما أشرنا هو صحيحة عبد الرحمن وبقطع النظر عنها فالأصل ، ولكن يستحب للمكلف أن يكمل الشوط الزائد بستة أشواط وهو مخيّر بين أن يكمل الشوط الزائد بستة أو يطرحه ولكن الأفضل والمستحب هو الاكمال والمدرك في ذلك صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة ( وكذا إذا استيقن أنه سعى ثمانية أضاف إليها ستاً ) فإن هذه الصحيحة وإن كانت ظاهرة في لزوم إضافة ستة أشواط ولكن نرفع اليد عن هذا الظهور لصراحة صحيحة عبد الرحمن في أنه يجوز له طرح الزائد والاكتفاء بالسبعة . إذن هو مخير بين الأمرين وإن كان المستحب له الاكمال بستة أشواط وهذا هو المشهور بين الفقهاء.
وخالف ابن زهرة(قده) [4] وذهب إلى لزوم الاكمال بستة أشواط ولم يذكر وجهاً لذلك بل لا نعرف له وجهاً فإنه بعد وجود صحيحة عبد الرحمن التي هي صريحة في جواز الاقتصار على السبعة وطرح الواحد لا معنى لتعيّن الاكمال بستّة أشواط فإنه ليس له وجه فنيّ وصناعيّ اللهم إلا أن يكون مقصوده من باب الاحتياط ولكن هذا ليس صناعياً.
وخالف صاحب الحدائق(قده) أيضاً فذهب إلى لزوم الاقتصار على السبعة وعدم إضافة ستة [5] . إذن الأقوال في المسألة ثلاثة وثالثها لصاحب الحدائق.
ولكن ما هو مستنده لذلك ؟
ذكر(قده) وجهين ونحن نضيف إليهما وجهاً ثالثاً:-
الوجه الأول:- قال:- كيف يشرع المكلف في سعيٍ آخر - وذلك بإكمال الشوط الزائد بستّة - بنحو الاستحباب والحال أن السعي ليس بمستحبٍ في نفسه وإنما هو واجب مرة في العمرة وأخرى في الحج وإلا فهو ليس بواجب وليس بمستحب بخلاف الطواف فانه واجب مرة في العمرة وأخرى في الحج ومستحب أيضاً أما السعي فلا - وفي ذلك كلام ولكن المعروف أنه ليس بمستحب في نفسه لعدم دلالة دليل على ذلك - فإذا لم يكن مستحباً فكيف تقول الرواية اات بستة أشواط فهذا معناه أنه مستحب وهو خلاف ما انتهينا إليه من أن السعي لا يكون مستحباً والسعي المستحب لا يوجد عندنا في الشريعة.
وجوابة واضح:- فنحن حتى لو سلمنا أن السعي لم يثبت استحبابه - وهذه قضية تحتاج إلى بحث أكثر وليس موضعها الآن - ولكن ما المانع من وجود مخصصٍ يدل على أن السعي وإن لم يكون مستحباً ولكن إلّا في هذا المورد فانه يكون مستحباً !! وهذا من الأشياء الواضحة وليس الحكم حكماً عقلياً حتى لا يقبل التخصيص.
[1] الجواهر 19 432.
[2] المدارك 8 213
[3] الجواهر 19 432.
[4] الجواهر 19 433.
[5] الجواهر 16 281.