33-11-07


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

33/11/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 346 ) / أحكـام السعي / الـواجـب الرابــع مــن واجبــات عمــرة التمتــع ( السعي ) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وبعد هذا نأتي إلى بيان مستند الحكم المذكور في هاتين الصورتين:- إنه إذا كان المنسي واحداً أو اثنين أو ثلاثة فقط أتى بالنقص ولا شيء عليه ، وأما إذا كان أكثر من ثلاثة فيأتي بسعي كامل ؟
 لابد في البداية أن نلتفت إلى أن الحج والعمرة لا يبطلان بالترك السهوي لبعض أشواط السعي فانه قد تقدم في مسألة ( 341 ) أن الترك السهوي لكل السعي لا يوجب بطلان الحج والعمرة فكيف إذا نسي بعض أشواطه ؟! إنه بالأولى لا يبطل الحج أو العمرة.
 ومستند عدم البطلان بترك السعي من الأساس سهواً هو صحيحة معاوية بن عمار فانها ذكرت ما نصه ( عن أبي عبد الله عليه السلام قلت له:- رجل نسي السعي بين الصفا والمروة ، قال:- يعيد السعي ، قلت له:- فقد خرج ، قال:- يرجع فيعيد السعي إن هذا ليس كرمي الجمار إن الرمي سنّة والسعي بين الصفا والمروة فريضة ) [1] فإنها واضحة في أن الحج والعمرة لا يبطلان بترك السعي من الأساس وإنما عليه أن يأتي به متى ما أمكنه ذلك ، وإنما الكلام في أن المكلف لو التفت فهل عليه أن يعيد كامل السعي أو يعيد الأشواط النمسية فقط لا أكثر من ذلك ؟
 وإذا رجعنا إلى الروايات وجدنا روايتين لا تدلان على المطلوب بالكامل بل على جزئه حيث تدلان على أن من نسي شوطاً واحداً من السعي وأحرز ستة أشواط أعاد شوطاً واحداً أما إذا لم يحرز مقدار ما نساه فعليه أن يعيد السعي بالكامل ، والروايتان أحداهما صحيحة السند والثانية صحيحة على بعض المباني دون بعض كما سيتضح.
 وتوجد رواية ثالثة عدّها بعضٌ أنها رواية فان كانت رواية حقاً فهي لعلها أحسن ما في الباب ولكن لم يثبت أنها رواية.
 وهناك روايتان أخريان وردتا في الحائض دلّتا على أن امرأة كانت تسعي وقد فاجئها الحيض في اثنائه وقد حكم عليه السلام بأن ذلك إن كان بعد النصف علّمت المكان وأكملت ما بقي بعد طهرها أما إذا كان قبل النصف فتعيد السعي بكامله بعد الطهارة.
 وبعد هذا نأتي إلى الروايات :-
 أما الروايتان:-
 فالأولى:- صحيحة سعيد بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام ( رجل متمتع سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط ثم رجع إلى منزله وهو يرى أنه قد فرغ منه وقلّم أظافيره وأحل ثم ذكر أنه سعى ستة أشواط ، فقال لي:- يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط ؟ فإن كان يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط فليعد وليتم شوطاً وليرق دماً ، فقلت:- دم ماذا ؟ قال:- بقرة . قال:- وإن لم يكن حفظ أنه قد سعى ستة فليعد فليبتدئ السعي حتى يكمل سبعة أشواط ثم ليرق دم بقرة ) [2] وهي كما قلنا دلت على أن من ترك شوطاً واحداً أتى بالنقص من دون حاجة إلى إعادة السعي أما من ترك اثنين أو ثلاثة فلم تدل عليه.
 والثانية:- ما رواه الشيخ الطوسي بإسناده عن الحسين بن سعيد عن محمد بن سنان عن عبد الله بن مسكان ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل طاف بين الصفا والمروة ستة أشواط وهو يظن أنها سبعة فذكر بعدما أحل وواقع النساء أنه إنما طاف ستة أشواط ، قال:- عليه بقرة يذبحها ويطوف شوطا آخر ) [3] وهي في المضمون كالأولى وتنفع في جزء المدّعى وليس في كامله.
 وأما الرواية الثالثة:- هي صحيحة معاوية بن عمار التي عدّها الشيخ النراقي(قده) [4] أنها رواية ( عن أبي عبد الله عليه السلام:- فان سعى الرجل أقل من سبعة أشواط ثم رجع إلى أهله فعليه أن يرجع ليسعى تمامه وليس عليه شيء ، وإن كان لا يعلم ما نقص فعليه أن يسعى سبعاً ) ، وهي قد دلت على أن من أنقص - من دون تحديدٍ للشوط الناقص بأنه واحد أو اثنان - فيأتي بالناقص ، نعم إذا لم يضبط قدار ما أتى به فعيد السعي بالكامل.
 إن هذه عدّها النراقي(قده) رواية لمعاوية بن عمّار ، ولا يبعد أنه تبع في ذلك صاحب الحدائق [5] ، ولا يبعد أن صاحب الحدائق تبع في ذلك الفيض الكاشاني [6] .
 ولكن إذا دققنا أكثر فلا يبعد حصول الاطمئنان بأنها ليست رواية وإنما هي كلام للشيخ الطوسي(قده) ذكره عقيب روايةٍ لمعاوية بن عمار وتخيّل هؤلاء الأعلام أنها من تتمة الرواية فان عادة الشيخ الطوسي(قده) قد جرت على أنه يذكر الحكم أولاً ثم يقول بعده ( دلّ عليه ... ) أو ( روى معاوية بن عمار كذا وكذا ) ويبين مستند الحكم ولكن المراجع أحياناً يشتبه فيتخيل أنها من تتمة الرواية السابقة فراجع التهذيب [7] فان الشيخ(قده) ذكر رواية لمعاوية بن عمار وهي الرواية المتقدمة في مسألة من زاد بعض الأشواط في السعي وأنه إذا أتى بتسعةٍ طرح ثمانية ويأخذ بالواحد ويكمله بستة وإذا كان قد أتى بثمانية طرحها بأجمعها حيث قال هكذا ( الحسين بن سعيد عن فضالة وصفوان بن يحيى عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- إن طاف الرجل بين الصفا والمروة تسعة أشواط فليسع على واحدٍ وليطرح ثمانية وإن طاف بين الصفا والمروة ثمانية أشواط فليطرحها وليستأنف السعي ) ثم قال بعد ذلك ( فإن سعى الرجل أقل من سبعة أشواط ثم رجع إلى أهله فعليه أن يرجع ليسعى تمامه وليس عليه شيء وإن كان لم يعلم ما نقص فعليه أن يسعى سبعاً ) والذي ينظر في العبارة يتوهم أنها جزء من رواية معاوية بن عمار فان ألفاظها تتناسب مع الفاظ الروايات ولكن الشيخ(قده) قال بعد هذا:- ( وان كان قد أتى أهله أو قصّر وقلّم أظفاره فعليه دم بقرة روى سعيد بن يسار عن صفوان بن يحيى وعلي بن النعمان عن سعيد بن يسار ... ) ثم أخذ بسرد رواية سعيد التي ذكرناها فيما سبق ، فإن قوله ( روى الحسين بن سعيد عن صفوان ) يعني أنه بيان لمستند الكلام السابق فالكلام السابق ليس جزءاً من الرواية ، وبتعبير آخر إن من قوله ( فان سعى الرجل أقل من سبعة أشواط .. ) ليس من الرواية وإنما هو منه(قده) وأراد أن يستدل عليه برواية سعيد بن يسار فان مضمونها هو هذا الحكم ولكن صاحب الوافي تخيّل أن هذا جزء من الرواية السابقة والحال أن كلمة ( روى ) موجودة ، نعم لو كان الشيخ الطوسي يقول ( وروى ) أي بالواو فنتمكن أن نقول إن كل ما سبق هو جزء من تلك الرواية وهذه رواية جديدة لكن حينما قال ( روى ) من دون الواو فهذا معناه أن الجزء السابق - الذي هو نفس مضمون رواية سعيد بن يسار - هو من إنشائه (قده) وأراد أن يستدل عليه برواية سعيد بن يسار . ومن هنا لم يذكر صاحب الوسائل(قده) هذه رواية كما ذكرها صاحب الحدائق وصاحب المستند وصاحب الوافي وهذا معناه أنه كان واضحاً لديه أن هذا من إنشاء الشيخ الطوسي ، وهذه قضية يجدر الالتفات إليها.


[1] الوسائل 13 485 0 8 من أبواب السع ح1.
[2] الوسائل 13 442 14 من السعي ح1.
[3] المصدر السابق ح2 .
[4] المستند 12 181.
[5] الحدائق 16 284.
[6] الوافي باب ترك السعي والسهو فيه.
[7] فراجع التهذيب 5 153.