32/11/05


تحمیل

النقطة الرابعة:- يجوز لصاحب الكفارة أن يأكل الشيء اليسير منها ولكن مع ضمان قيمة المقدار المأكول للفقراء.

 وإذا رجعنا إلى فتوى الفقهاء في هذا المجال رأينا أن صاحب الشرائع(قده) يقول ما نصه ( وكل هدي واجب كالكفارات لا يجوز أن يعطى الجزار منها شيئاً ولا أخذ شيء من جلودها ولا أكل شيء منها فان أكل تصدق بثمن ما أكل ).

 وعلق صاحب المدارك(قده) بقوله ( عدم جواز الأكل من كل هدي واجب غير هدي التمتع مجمع عليه بين الأصحاب على ما حكاه في المنتهى )[1] ، وقريب من ذلك جاء في الحدائق[2] والجواهر[3] .

 إذن من حيث الفتوى نقل العلامة(قده) في المنتهى الإجماع على عدم جواز الأكل ولكن لو أكل تصدق بقيمة المقدار.

 وإذا رجعنا إلى الروايات وجدناها على ثلاث طوائف ، فطائفة تنهى عن الأكل ، وطائفة تجوزه إما بالمقدار اليسير أو مع السكوت عن ذلك ، وطائفة ثالثة تدل على جواز الأكل مع الضمان ، أي ضمان قيمة المقدار المأكول للفقراء.

أما الطائفة الأولى فتشتمل على أكثر من رواية:-

الأولى:- صحيحة الحلبي السابقة ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن فداء الصيد يأكل من لحمه ؟ فقال:- يأكل من أضحيته ويتصدق بالفداء ) إن ظاهر قوله عليه السلام ( ويتصدق بالفداء ) عدم جواز الأكل لأنه ذكره في مقابل الأضحية التي جوَّز الأكل منها.

الثانية:- مضمرة أبي بصير المتقدمة ( سألته عن رجل أهدى هدياً فانكسر فقال:- إن كان مضموناً والمضمون ما كان في يمين يعني نذراً أو جزاءاً فعليه فداؤه ، قلت:- أيأكل منه ؟ فقال:- لا ، إنما هو للمساكين فان لم يكن مضموناً فليس عليه شيء ، قلت:- يأكل منه ؟ قال:- يأكل منه ) وهي واضحة الدلالة على عدم الجواز.

الرواية الثالثة:- صحيحة عبد الرحمن عن أبي عبد الله عليه السلام ( سألته عن الهدي ما يؤكل منه ؟ قال:- كل هدي من نقصان الحج فلا تأكل منه وكل هدي من تمام الحج فكل )[4] ، ولا يبعد أن يكون المقصود من قوله ( وكل هدي من تمام الحج ) يعني ما يعد جزءاً متمماً ومكملاً له من قبيل هدي التمتع فانه واجب من واجبات الحج ومتمم له ومن دونه يكون الحج ناقصاً ، أما قوله ( كل هدي من نقصان الحج فلا يؤكل منه ) فلا يبعد إلى أنه إشارة إلى ما يكون واجباً بسبب طرو أحد محرمات الإحرام فانه بسبب ارتكاب المحرَّم ونقصان أحد الأمور المعتبرة في الحج وجب الهدي فالكفارات هي هدي نقصان ، أي ثبتت بسبب نقصان شيء يعتبر في الحج حيث يعتبر فيه عدم ارتكاب المحرمات المعروفة والإمام عليه السلام نهى عن الأكل إذا كان الهدي هدي نقصان.

 إذن دلالة هذه الرواية على عدم جواز الأكل تكاد تكون واضحة.

الرواية الرابعة:- رواية أبي البختري عن جعفر عن أبيه عليهما السلام ( إن علي بن أبي طالب عليه السلام كان يقول:- لا يأكل المحرم من الفدية ولا الكفارات ولا جزاء الصيد ويأكل مما سوى ذلك )[5] ، ودلالتها واضحة أيضاً ، إلا أن الكلام في سندها ، فقد رواها صاحب الوسائل(قده) عن عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الأسناد عن السندي بن محمد عن أبي البختري ، والمشكلة في أبي البختري وهو وهب بن وهب فانه لم يوثق بل ضعف بل قيل عنه أكذب أهل البرية.

 فالمهم إذن الروايات الثلاث السابقة.

وأما الطائفة الثانية فهي :-

الرواية الأولى:- موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة فانه جاء في آخرها ( قال:- يهريقه في أهله يأكل منه الشيء ) والتعبير بقوله ( الشيء ) يوحي بأن المقدار اليسير يجوز أن يأكله لا جميع الحيوان ولا القسم الأوفر.

الثانية:- صحيحة عبد الله بن يحيى الكاهلي عن أبي عبد الله عليه السلام ( يؤكل من الهدي ؟ قال:- كله مضموناً كان أو غير مضمون )[6] وهي قد دلت على جواز الأكل من الهدي بكل أفراده.

 وأما قوله ( مضموناً كان أو غير مضمون ) فلا يبعد أن يكون المقصود منه الإشارة إلى ما يضمن لو ضاع في مقابل ما لا يضمن لو ضاع ، فمثلاً إذا ضاع هدي القِران لا يضمنه صاحبه فهو هدي غير مضمون في مقابل بقية الأنواع التي يضمنها لو ضاعت ، وتفسير ذلك ليس بمهم فان الرواية دلت على أن الهدي بشكل مطلق يجوز الأكل منه.

الرواية الثالثة:- صحيحة جعفر بن بشير عن أبي عبد الله عليه السلام ( سألته عن البدن التي تكون جزاء الأيمان والنساء ولغيره يؤكل منها ؟ قال:- يؤكل من كل البدن )[7] فانه عليه السلام جوز الأكل من كل البدن ومن ذلك البدن التي تكون جزاء النساء أي بسبب التقبيل والمجامعة وما شاكل ذلك.

وأما الطائفة الثالثة فينحصر أمرها برواية واحدة:- وهي رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السلام ( إذا أكل الرجل من الهدي تطوعاً فلا شيء عليه وان أكل واجباً فعليه قيمة ما أكل )[8] ودلالتها واضحة على لزوم ضمان قيمة المقدار المأكول.

 إلا أن الكلام في سندها ، فقد رواها الشيخ الطوسي(قده) بسنده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن بنان بن محمد عن أبيه عن ابن المغيرة عن السكوني ، وسند الشيخ إلى محمد بن أحمد بن يحيى صحيح على ما في الفهرست ، وأما محمد بن أحمد بن يحيى فو الأشعري القمي صاحب كتاب نوادر الحكمة المسمى بـ( دبة شبيب) فهو ثقة ، وإنما المشكلة في بنان واسمه عبد الله وهو أخ أحمد بن محمد بن عيسى ، إذن بنان هو عبد الله بن محمد بن عيسى الأشعري القمي ، وأحمد لا إشكال في أنه من ثقاة وأجلة أصحابنا ، إلا أن عبد الله لم يذكر يتوثيق .

 نعم بناءاً على تمامية كبرى وثاقة كل من ورد في أسانيد كامل الزيارات تثبت وثاقته فانه ورد في أسانيده ، ولكن حيث لا نبني على ذلك والسيد الخوئي(قده) أيضا تراجع عن ذلك ، فالرواية إذن لا يمكن الاعتماد عليها لأجل الفتوى بلزوم الضمان ، نعم إذا أريد الاحتياط بالضمان لأجلها فهو شيء حسن.

والخلاصة من كل هذا:- انه لو كانت الطوائف الثلاث معتبرة السند لكنا نحمل الأولى الدالة على الجواز على الكراهة بقرينة الثانية المجوزة وفي نفس الوقت نحكم بضمان قيمة المأكول لأجل الطائفة الثالثة ، ولكن حيث أن الطائفة الثالثة لم يثبت اعتبارها سنداً فالحكم بالضمان بنحو الفتوى يصير مشكلاً ، نعم الحكم على سبيل الاحتياط شيء وجيه.

 وأما بالنسبة إلى جواز الأكل فلو كنا مع الطائفتين الأوليين ولم ندخل في الحساب شيئاً آخر لكان المناسب الحكم بجواز الأكل بنحو الكراهة فان الثانية تكون قرينة على حمل الأولى على الكراهة ونفتي بالكراهة ، ولكن حيث أن المنقول عن العلامة(قده) في المنتهى على ما تقدم الإجماع على عدم الجواز فالفتوى بالجواز يصير أمراً مشكلاً والمناسب آنذاك التنزل إلى الاحتياط.

 إذن النتيجة هي الأحوط أن لا يأكل صاحب الكفارة من كفارته ولو أكل فالأحوط أيضاً أن يتصدق بمقدار قيمة المأكول على الفقراء.

 هذا كله في تمام المسألة

 تبقى هناك أمور جانبية لم يشر إليها(قده) في عبارة المتن وهي كما يلي:-

الأمر الأول:- هل يكفي تقديم الكفارة - التي يلزم أن تكون للفقراء على ما تقدم - وهي حيَّة من دون أن تذبح أو لابد من ذبحها ثم تقديمها بعد ذلك ؟ ونستثني من ذلك ما لو دفعت إلى الفقير وأوكل إليه أمر الذبح فهذا لا إشكال فيه لأنه سوف يذبحها بالوكالة ، وإنما الكلام هو في إعطائها له من دون ذبح فهل يكفي هذا أو لا ؟

والجواب:- المناسب عدم الجواز ، أي يلزم أن تذبح ثم تدفع إليه ، وذلك لورود عدة تعابير في الروايات يمكن أن يستفاد من مجموعها أن لزوم الذبح قضية مفروغ عنها ، من قبيل ما ورد في صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة الوارد في فداء الصيد حيث ورد فيها ( فان كان حاجاً نحر هديه في منى وان كان في عمرة نحره في مكة ) إنها دلت على لزوم نحره ، وورد في صحيحة ابن بزيع الواردة في كفارة التظليل هكذا ( أرى أن يفديه بشاة ويذبحها بمنى ) ، وورد في موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة ( الرجل يخرج من حجه وعليه شيء يلزمه فيه دم يجزيه أن يذبح إذا رجع إلى أهله ؟ فأجاب عليه السلام:- نعم يجزيه ذلك ) ، إن ظاهرها مفروغية لزوم الذبح في ذهن السائل وإنما كان توقفه في مكان الذبح ، وورد أيضا في بعضها ( يهريق دما ) ، وورد في بعضٍ آخر ( عليه دم ) ، إن مجموع هذه التعابير يمكن أن نستفيد منها لزوم المفروغية من ذلك ، ولعلهم الفقهاء لم يتعرضوا إلى هذه المسالة بسبب وضوح القضية بحيث لا تحتاج إلى بيان.

[1] المدارك 8 77 .

[2] الحدائق 17 62.

[3] الجواهر 19 212.

[4] الوسائل 14 160 40 أبواب الذبح ح4.

[5] المصدر السابق ح27.

[6] المصدر السابق ح6.

[7] المص2در السابق ح7.

[8] المصدر السابق ح5.