32/12/23


تحمیل
 الرواية الثالثة:- صحيحة العلاء وغيره عن أبي عبد الله عليه السلام ( المرأة المتمتعة إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها وبين التروية فان طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة وان لم تطهر إلى يوم التروية اغتسلت واحتشت ثم سعت بين الصفا والمروة ثم خرجت إلى منى فإذا قضت المناسك وزارت البيت طافت بالبيت طوافاً لعمرتها ثم طافت طوافاً للحج ثم خرجت فسعت فإذا فعلت ذلك فقد أحلّت من كل شيء تحل منه المحرمة إلا فراش زوجها فإذا طافت طوافاً آخر [1] حل لها فراش زوجها ) [2] ، وعلى منوالها روايات أخرى لكنها ضعيفة السند.
 وهي قد دلت على أن الوظيفة هي تأخير طواف العمرة إلى ما بعد منى وهي خاصة بمن طرأ عليها الحيض بعد الإحرام.
 الرواية الرابعة:- رواية أبي بصير ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:- في المرأة المتمتعة إذا أحرمت وهي طاهر ثم حاضت قبل أن تقضي متعتها سعت ولم تطف حتى تطهر ثم تقضي طوافها وقد تمت متعتها وان هي أحرمت وهي حائض لم تسع ولم تطف حتى تطهر ) [3] وهي قد دلت على التفصيل بين ما إذا كان الحيض قد طرأ بعد الإحرام فالوظيفة هي تأخير طواف العمرة إلى ما بعد منى ، وأما إذا كانت حائضاً قبل الإحرام فتنقلب وظيفتها إلى الإفراد حيث قال عليه السلام ( وان هي أحرمت وهي حائض لم تسع ولم تطف حتى تطهر ) وهذا كناية عن حج الإفراد فانه فيه يخرج المحرم إلى عرفات بعد إحرامه ويأتي بالطواف والسعي بعد ذلك ولا يوجد طواف وسعي قبل الذهاب إلى عرفات.
 بيد أن الرواية المذكورة قد ورد في طريقها سهل حيث رواها الشيخ الكليني ( عن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن ابن أبي نجران عن مثنى الحنَّاط عن أبي بصير ) وبناءاً على ضعف سهل بن زياد لابد من التعبير بالرواية ، أما بناءاً على التساهل في أمره ولو لرواية الأعاظم عنه فتكون صحيحة.
 وعلى كل حال عرفنا إلى الآن أن الروايتين الأولى والثانية دلتا على أن الوظيفة هي الانتقال إلى حج الإفراد ما مطلقاً كما عليه الرواية الأولى أو بشرط أن يكون الحيض طارئاً بعد الإحرام كما دلت عليه الرواية الثانية - أعني صحيحة إسحاق بن عمار - ، والرواية الثالثة دلت على أن الوظيفة هي تأخير طواف العمرة إلى ما بعد منى ولكنها خاصة بمن كانت حائضاً بعد الإحرام ، والرواية الأخيرة دلت على التفصيل بين ما إذا كان الحيض بعد الإحرام فوظيفتها تأخير طواف العمرة وبين ما إذا كانت حائضاً قبله فوظيفتها الانتقال إلى حج الإفراد.
 هذا بالنسبة إلى روايات المسالة
 وأما بالنسبة إلى الأقوال:-
 فقد نقل في الجواهر [4] ، والنراقي [5] ، والسيد اليزدي في العروة الوثقى خمسة أقوال في المسألة:-
 القول الاول:- ان الوظيفة هي الانتقال إلى حج الإفراد من دون فرق بين أن يكون الحيض قبل الإحرام أو بعده ، وقد قال عنه صاحب الجواهر ( انه مشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة بل في المنتهى الإجماع عليه ).
 ولعل مستنده هو صحيحة جميل بن دراج فإنها دلت على أن الوظيفة هي حج الإفراد وهي مطلقة من حيث كون الحيض قبلاً أو بعداً ، بل زاد في الجواهر التمسك لهذا القول بموثقة إسحاق ، ولكنها كما تعرف خاصة بمن طمثت بعد الإحرام.
 القول الثاني:- البقاء على عمرة التمتع مع تأخير طواف العمرة إلى ما بعد منى من دون فرق بين أن يكون الحيض طارئاً قبل الإحرام أو بعده ، وقد حكى في الجواهر هذا الرأي عن الاسكافي وعلي بن بابويه وأبي الصلاح الحلبي .
 ويمكن أن يكون مستنده صحيحة العلاء فإنها دلت على تأخير طواف العمرة ، ولكنها كما تعرف خاصة بمن طرأ عليها الحيض بعد الإحرام.
 القول الثالث:- التخيير بين الأمرين - أي بين أن تنتقل إلى حج الإفراد أو تبقى على عمرتها مع تأخير طواف العمرة - ويظهر من صاحب المدارك [6] الميل إليه ، وفي الجواهر [7] حكاه عن أبي علي [8] .
 ولعل الوجه الفني لهذا الرأي هو الجمع بين الروايات بذلك فان بعضها أمر بتأخير طواف العمرة والبعض الأخر جعل الوظيفة هي الانتقال إلى حج الإفراد ، فجمعا بينهما يحكم بالتخيير.
 القول الرابع:- التفصيل بين ما إذا كانت حائضاً قبل الإحرام فتعدل إلى الإفراد وبين ما إذا كانت كذلك بعده فتؤخر طواف العمرة ، وقد قال النراقي في مستنده ( انه قد استحسنه في الوافي والمفاتيح ) [9] أي الفيض الكاشاني.
 ومستنده رواية أبي بصير فإنها دلت على التفصيل المذكور بل لعله يستدل له بكونه وجه جمع بين الروايات.
 القول الخامس:- ما أشار إليه الشيخ النراقي(قده) [10] وهو الاستنابة بمعنى أن المرأة الحائض تنيب عنها من يطوف لها طواف العمرة ، وعلَّق عليه النراقي بقوله ( ولا نعرف قائله ولا مستنده فهو ضعيف غايته ) وقد أشار إليه في الجواهر أيضا [11] بقوله ( وأما ما يحكى عن بعض الناس من استنابتها من يطوف عنها فلم نعرف القائل به ولا دليله بل مقتضى القواعد فضلاً عن الأدلة خلافه )
 وعلى أي حال بعد فرض دلالة الروايات السابقة على أن الحكم هو إما العدول إلى الإفراد أو تأخير طواف العمرة فلا معنى إلى المصير إلى فكرة النيابة فانه اجتهاد في مقابل النص.
 هذه الأقوال في المسألة .
 وأجدر من هذه الأقوال الخمسة أن يصار إلى ما ذهب إليه السيد الماتن - وهو رأي سادس لم يذكر في جملة الأقوال المتقدمة - وذلك بأن يقال:- إذا كان الحيض بعد الإحرام فالمرأة مخيرة بين العدول للإفراد أو البقاء على عمرة التمتع مع التأخير لطواف العمرة وبين ما إذا كان طارئاً قبل الإحرام فوظيفتها الانتقال إلى الإفراد.
 والوجه في ذلك:- أما بالنسبة إلى الاول فباعتبار وجود روايتين في حق المرأة المذكورة ، فموثقة إسحاق دالة على أن الوظيفة لها هي العدول إلى الإفراد ورواية العلاء التي هي أيضاً واردة فيمن طرأ عليها الحيض بعد الإحرام وقد دلت على أن الوظيفة هي تأخير طواف العمرة ، فتلك دلت على أن الوظيفة هي الانقلاب إلى الإفراد وهذه دلت على أن الوظيفة هي تأخير طواف العمرة فجمعاً بينهما نصير إلى التخيير كسائر الموارد ، كما لو فرض أنه سُئل الإمام عليه السلام عن الكفارة على الصائم لو أفطر فقال عتق رقبة وسأله آخر فقال صيام شهرين فانه نجمع بينهما بالحمل على التخيير وهنا كذلك.
 وإذا أردت أن نصوغه بصياغة صناعية وفنية فقل:- ان كل واحدة من هاتين الروايتين هي نص في شيء وظاهرة في آخر ، وكلما كان المورد من هذا القبيل فنرفع اليد عن ظهور كل واحدة بنصّيَّة الأخرى ، وفي المقام ان موثقة إسحاق هي نص في اجزاء العدول إلى الإفراد وظاهرة في تعيُّنه وعدم اجزاء غيره - أي تأخير طواف العمرة - .
 نعم هي ظاهرة في أن هذه الطريقة متعينة وليست نصاً فيها لاحتمال أن المقصود هو بيان أحد فردي التخيير.
 وأما رواية العلاء فهي نص في اجزاء تأخير طواف العمرة وظاهرة في تعيُّن ذلك وعدم اجزاء الانتقال إلى الإفراد ، فنأخذ بنصية كل واحدة منهما ونطرح ظهور كل واحدة بقرينة نصية الأخر ، والمفروض أن صحيحة إسحاق هي نص في اجزاء العدول إلى الإفراد وصحيحة العلاء هي نص في اجزاء تأخير طواف العمرة فتصير النتيجة هي اجزاء هذا واجزاء ذاك والذي هو عبارة عن التخيير.


[1] أي طافت طواف النساء.
[2] الوسائل 13 448 68 من أبواب الطواف ح1.
[3] المصدر السابق ح5.
[4] الجواهر 18 - 39
[5] مستند الشيعة 11 - 232
[6] المدارك 7 181.
[7] الجواهر 18 37.
[8] والمقصود منه هو الاسكافي وبذلك يكون له رأيان التخيير وهو ما ذكره هنا والرأي السابق وهو البقاء على عمرة التمتع.
[9] مستند الشيعة 11 235.
[10] المستند 11 237.
[11] الجواهر 18 39.