33/06/16


تحمیل
 الموضوع :- مسألة ( 328 ) / الواجب الثالث من واجبات عمرة التمتع ( صلاة الطواف )/ واجبات الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وأما بالنسبة إلى الدعوى الثانية:- أعني أن الاستصحاب التعليقي ليس بحجّة - فالوجه في ذلك ينبغي أن يبحث في علم الأصول ولا معنى لبحثه هنا ولكن هناك نكتة مختصرة ظريفة نريد أن نشير إليها في المقام:- وهي أنه لو قبلنا الاستصحاب التعليقي وقلنا بحجيته فإنما نقول بحجيته في باب الاحكام دونه في باب الموضوعات ، والمقام حيث أنه من باب الموضوعات فالاستصحاب التعليقي لا يكون فيه حجّة.
 وتوضيح ذلك:- انه في باب الاحكام - والذي مثاله استصحاب حرمة الزبيب ان غلى فيقال ( الزبيب قبلاً - أي حالة العنبيَّة - كان لو غلى لحرم والآن ، أي حينما صار زبيباً نشك في بقاء تلك الحرمة فنستصحبها ).
 ان الاستصحاب التعليقي في باب الاحكام واجه جملة من الاشكالات وقد ذكرت في علم الأصول ، بيد أن الاشكال المعروف هو أنه إذا أردنا أن نستصحب فماذا نستصحب ؟
 فأما أن نستصحب أصل الجعل الالهي ونقول:- ان الجعل الالهي نشك في بقاءه وعدم بقاءه فنستصحب بقاءه.
 فهذا مردود بلا اشكال فان أصل الجعل لا نشك في بقاءه إذ لا يحتمل النسخ فان الجعل يزول بالنسخ ونحن لا نحتمله في المقام كي نستصحب بقاء أصل الجعل فهذا لا معنى له.
 أو أن نستصحب تلك الحرمة التي كانت ثابتة للعنب سابقاً عند الغليان.
 وهذا مردود أيضاً فان تلك الحرمة لم تحدث حتى نستصحبها فانها تثبت عند الغليان والمفروض أن العنب بعدُ لم يغلِ إذ لو كان قد غلى لما صار زبيباّ فحرمته الفعلية لم تحدث فلا معنى لاستصحاب تلك الحرمة التي هي معدومة ولم توجد بعد.
 أو أن نستصحب تلك الحرمة المعلقة على الغليان - وهو المتعين ولا شق رابع في البين - أي التي توجد ان حصل الغليان ، يعني نستصحب الحرمة المشروطة أو التقديرية فنقول ( سابقاً توجد حرمة للعنب إذا فرض أنه غلى والآن بالاستصحاب نثبت بقاء الحرمة ان غلى ) فالمستصحب هو الحرمة المعلّقة على الغليان والمشروطة به لا الحرمة الفعلية فانها معدومة ، وهذا لعله أوجه الاحتمالات.
 ويرده:- ان الحرمة المعلقة لا تسمن ولا تغني من جوع إذ ماذا تنفع ؟ فان النافع للمكلف هي الحرمة الفعلية دون المعلقة ، اللهم إلا أن تقول ( إذا كانت الحرمة المعلقة ثابتة إلى زمن الزبيبية فحيث انّا نفترض تحقق الشرط الآن - وهو الغليان - فحتماً الحرمة تحولت إلى حرمة فعلية ) وبذلك حصل المطلوب.
 وجوابه:- ان هذا أصل مثبت ، فان الاستصحاب يقول ( الحرمة المعلقة باقية ، أما أنه توجد الآن حرمة فعلية فلا يقول بها بل هو ساكت من هذا الحيث ) ، وعليه فإثبات الحرمة الفعلية عند تحقق الشرط يكون من باب الملازمة العقلية والأصل المثبت.
 وبكلمة أخرى:- لو كانت تلك الحرمة المعلّقة ليست ثابتة بالاستصحاب وإنما كانت ثابتة بالعلم الوجداني فمتى ما تحقق الشرط - وهو الغليان - بالوجدان فنضم هذا الوجدان إلى ذلك الوجدان فيحصل منهما علم وجداني ثالث وهو أن الحرمة في الزبيب الآن فعلية ، هذا إذا فرض أن القضايا كانت مبنيّة على العلم الوجداني ، بيد أن المفروض أن الاستصحاب لا يورث لنا علماً وجدانياً وإنما يقول ( أنا أعتبر - مجرد اعتبار وتعبد وليس حقيقة ووجداناً - بقاء الحرمة المعلقة بهذا المقدار ) وهذا لا يلازم ذلك الاعتبار الآخر - أي أن الحرمة صارت فعلية عند تحقق الشرط - إلّا بضم الملازمة العقلية . إذن القضية هنا مبنيّة على الأصل المثبت.
 من هنا لابد وأن نقول:- ان الاستصحاب التعليقي في باب الأحكام ليس حجّة ، وعلى هذا بنى الشيخ النائيني(قده) وجماعة والمدرك هو ما ذكرناه.
 ولكن في مقام الجواب نقول:- انّا نختار الشق الثالث - أي نستصحب الحرمة المعلقة - ونصل إلى الهدف من دون حاجة إلى تحويلها إلى حرمة فعلية ليلزم محذور الأصل المثبت وذلك بأن نقول:- ان العقل يقول ( يكفي في التنجز وصول الكبرى بعد تحقق الصغرى ) فإذا كانت الكبرى ثابتة والصغرى محققة فيثبت التنجز عقلاّ ، وفي مقامنا الأمر كذلك فان الكبرى ثابتة بالتعبد إذ الاستصحاب يقول ( الحرمة المعلقة موجودة ) ويقدم لنا حكماً شرعياً وهو ( ان حصل غليان للزبيب [1] فيحرم ) فالكبرى الشرعية قد وصلت بالتعبد والاستصحاب والصغرى حصلت بالوجدان كما لو فرض أنا جعلنا الزبيب يغلي ، فالكبرى محققة بالتعبد والصغرى محققة بالوجدان فالعقل يحكم بثبوت التنجز.
 وإذا قلنا للعقل:- أوليس التنجّز فرع الفعلية والمفروض أنه لا يمكن اثباتها إلا بالأصل المثبت فعاد الاشكال ؟
 أجاب العقل قائلاً:- اني لا أتقيّد بمصطلحاتكم أيها الاصوليون فاني أقول يكفي في التنجّز عندي وصول الكبرى والصغرى ، أما أن تثبت الفعلية وتتحول القضيّة التعليقية إلى قضية فعلية فهذا ليس من الأمور اللازمة للتنجّز .
 إذن بهذا نتغلب على الاشكال وبالتالي تثبت حجّية الاستصحاب التعليقي في باب الاحكام.
 وإذا اتضح هذا المطلب نقول:- هذا يتم في باب الأحكام ولا يتم في باب الموضوعات ومقامنا هو من باب الموضوعات ، والوجه في ذلك:- انه في باب الاحكام يوجد جعل ونستصحب الجعل إلى حالة الزبيبية وبذلك يتحقق وصول الكبرى فإذا ضمّ ذلك إلى الصغرى الوجدانية كفى ذلك في حكم العقل بالتنجز.
 وأما في باب الموضوعات فلا يوجد جعل شرعي فان الجعل الشرعي خاص بباب الأحكام دون الموضوعات.
 وتعال إلى مقامنا الذي كنا نقول فيه ( ان هذه الصلاة التي نريد الآن أن نصليها ان كانت واقعة قبل دقائق لكانت المولاة موجودة - أي لكانت الصلاة متصفة بالموالاة - والآن الأمر كذلك بالاستصحاب ) ومن المعلوم أن هذا ليس حكماً شرعياً يشتمل على الجعل فان الحكم الشرعي هو اعتبار الموالاة - أي اعتبار أن الصلاة تكون عقيب الطواف من دون فاصل طويل - أما أن الموالاة الآن موجودة في هذه الصلاة أو ليست موجودة فهذا ليس جعلاً شرعياً ولا مرتبطاً بالجعل الشرعي فلا معنى لاستصحاب الجعل الشرعي على تقدير تحقق الشرط كما كنا نستصحب هناك الحرمة المعلقة على تقدير الغليان فان ذاك استصحاب للجعل الشرعي وأما هنا فالجعل الشرعي لا شك فيه - أي نعلم بأن الشرع قد جعل واعتبر الموالاة في الصلاة - فاين الشك في الجعل ؟! والشك ان كان فهو في الموضوع أو المتعلق [2] فنحن نشك أن هذا الصلاة متّصفة بالموالاة أو لا ؟ وهذا لا يرتبط بالجعل الشرعي.
 إذن لا معنى لإثبات الجعل الشرع من خلال الاستصحاب إذ الجعل الشرعي لا شك فيه ، أو بتعبير آخر:- ان الموضوعات والمتعلقات ليس فيها جعل شرعي وإنما الجعل الشرعي خاص بباب الاحكام ، فأصل اعتبار الموالاة هو حكم شرعي ويحتاج إلى جعل ، أما أن الموالاة موجودة في هذه الصلاة أو لا فهذا متعلق أو موضوع ولا يشتمل على الجعل الشرعي حتى نثبت بقاء الجعل بالاستصحاب ونضم إليه الصغرى لنقول ان العقل يحكم آنذاك بالتنجّز فان هذا لا يأتي في باب الموضوعات.
 وخلاصة كل ما ذكرناه:- هو أن استصحاب اتصاف الصلاة بالموالاة استصحاب تعليقي والاستصحاب التعليقي إذا كنّا نقبله في باب الأحكام من باب أن التنجز يكفي فيه وصول الصغرى والكبرى فلا نسلّمه في باب الموضوعات إذ ليس فيها جعل شرعي إذ الجعل الشرعي خاص بباب الاحكام ومقامنا من باب الموضوعات إذ نحن نجزم بالجعل الشرعي وأن الشارع اعتبر الموالاة وإنما الشك في أن هذه الصلاة هل هي متصفة بالموالاة أو لا وهذا موضوع لا يوجد فيه جعل شرعي كي نقول ان الجعل نثبت بقاءه بالاستصحاب فنضم إليه الصغرى.


[1] لعل البعض يقول:- ان الزبيب غير العنب ، ولكن أقول:- تجاوزوا ذلك ولنفترض أن الزبيب والعنب من الحالات.
[2] ومقصودنا من الموضوع والمتعلق هنا واحد.