33/08/06


تحمیل
 الموضـوع:- مسـألــة ( 343 ) / أحكــام السـعي / الواجـب الرابـع مـن واجبـات عمـرة التمـتع ( السعي ) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 ملاحظات في المقام:- هناك بعض الملاحظات ترتبط بالموضوع المذكور وهي:-
 الملاحظة الأولى:- إن المكلف لو أتى بالطواف قبل الظهر أو بعده فهنا يقال لا يجوز أن يؤخر السعي إلى الغد إما بنحو الفتوى أو بنحو الاحتياط على الاحتمالين السابقين وهذا شيء واضح ، والكلام هو فيما لو فرض أن المكلف أتى بالطواف في آخر اليوم السابق كما لو فرض أنه أتى به قبل أن يحلّ الفجر بنصف ساعة مثلاً وأكمله وقد بقي لحلول الفجر دقيقتان أو ثلاث مثلاً فهنا هل يكون الأمر كذلك ؟ يعني لا يجوز تأخير السعي إلى الغد - أي إلى الدقائق المتبقية أو أن مثل هذه الحالة ليست مشمولة لصحيحة العلاء السابقة ؟
 لا يبعد دعوى الانصراف عن مثل هذه الحالة - أي انصراف صحيحة العلاء حينما سأل السائل بأنه أتى بالطواف فأعيا هل يجوز تأخير السعي إلى غد ؟ قال:- لا ) - فليس من البعيد أن السؤال والجواب منصرفان عن مثل هذه الحالة وهذا من موارد الانصراف المقبول رغم أنه لم ينشأ من كثرة الاستعمال فان الانصراف متى ما شعرنا به بالوجدان أخذنا به مهما كان منشؤه ولا نتقيّد بالمنشأ وهذه ملاحظة مهمة.
 ولكن يبقى شيء:- وهو أنه سلمنا بالانصراف وأن صحيحة العلاء لا تشمل هذا المورد ولكن كيف نثبت جواز التأخير إلى الغد في مثل هذه الحالة فانه لا يوجد عندنا دليل على المنع كما لا يوجد دليل على الجواز فجواز التأخير بِمَ نثبته بعد قصور دليل المنع ؟
 إن هذا كلام قد تقدمت الإشارة إليه فيما سبق حيث قلنا إن مقتضى الأصل العملي هو جواز التأخير فان لزوم الفورية كلفة زائدة لا يعلم بها فهي مرفوعة بحديث البراءة ، ولكن ذكرنا أنه قد يدّعى قبل وصول النوبة إلى الأصل العملي وجود ما يثبت اعتبار الموالاة وهو أن الحج ذات وحدة عرفية - على كلام تقدم فيما سبق - ، وقد انتهينا فيما سبق إلى أن هذه الدعوى لم تثبت على خلاف باب الصلاة ، ولكن من ثبت عنده ذلك فيشكل عنده الأمر في جواز التأخير لعدم إمكان تمسكه بأصل البراءة ، اللهم إلا أن يكون الفاصل قليلاً بحيث لا يخلّ بالموالاة والوحدة العرفية فحينئذ لا يعود مانعٌ من التمسك بأصل البراءة.
 الملاحظة الثانية:- لو فرض أن المكلف أتى بالطواف قبل الظهر مثلاً وأصابه الاعياء - كما إذا كان شيخاً كبيراً - فان زال عنه الاعياء بعد أن استراح ساعة أو ساعتين فيشمله آنذاك خطاب صحيحة العلاء وأنه لا يجوز التأخير إلى الغد ، ولكنه لو فرض أن العذر - أي الاعياء - قد استمر به إلى الغد فهل في مثل هذه الحالة يكتفي بالإتيان بالسعي في الغد أو أنه يبطل طوافه السابق لعدم تحقق الشرط - أي اتصال السعي بالطواف - ؟
 لا يبعد دعوى انصراف الصحيحة عن مثل هذه الحالة فانها لم تفترض استمرار العذر وإنما افترضت أن الشخص أصابه الإعياء بعد الطواف فلم يستطع أن يأتي بالسعي بعده مباشرةً فأحبَّ أن يؤخره إلى غدٍ ولكن بعد افتراض أن الاعياء يزول بعد ساعة أو ساعتين - كما هي العادة - ولا يبقى إلى آخر الليل فالسؤال سؤال عن هذه الحالة - أي حالة الاعياء المؤقت - لا حالة الاعياء المستمر والا فلا نحتمل [1] أنه مع الاعياء المستمر إلى الغدِ يقول الامام عليه السلام ( لا يجوز التأخير ) فلاحظ الصحيحة فانها قالت ( سألته عن رجل طاف بالبيت فأعيى أيؤخر الطواف بين الصفا والمروة إلى غد ؟ قال:- لا ) فان السؤال يقصد منه ما إذا أصابه الاعياء فلم يتمكن من الإتيان بالسعي المتصل بالطواف لا أن الاعياء مستمر إلى آخر الليل . وعليه تكون مثل هذه الحالة ليست مشمولة للنص للانصراف ولو لأجل القرينة التي أبرزناها ، فانه بعد الانصراف نتمسك بمقتضى القاعدة وهو أصل البراءة إن لم نعتبر الوحدة العرفية على الكلام المتقدم.
 الملاحظة الثالثة:- لو فرض أن المكلف أخّر السعي إلى غدٍ فهل هناك مخالفة تكليفية فقط من دون بطلان ، يعني أن السعي يقع صحيحاً غايته يكون آثماً وعاصياً للحكم التكليفي بلزوم الفورية أو أن السعي يقع باطلاً وبالتالي يقع الطواف كذلك فان الموالاة لا تتحقق إلا بأن يعاد الطواف ثم السعي بعده قبل الغد ؟ والجواب:- إن ظاهر النهي وإن كان هو الحكم التكليفي المولوي - يعني في سائر المقامات - ولكن في خصوص مقامنا وما شاكله يقال بأنه ظاهر في الإرشاد - أي الإرشاد إلى فساد السعي لو تأخر عن الطواف إلى الغد - فالنهي إرشادي وليس مولوياً ، ومعه فيقع باطلاً فيلزم إعادة الطواف والسعي من جديد معاً.
 أما لماذا صار النهي ظاهراً في الارشاد ورفعنا اليد عن المولوية ؟ ذلك إما لدعوى الظهور الثانوي في باب المركبات الذي صار إليه غير واحدٍ من الأعلام فقد ذكرنا في أبحاث سابقة أن جملة من الاعلام كالشيخ النائيني والسيد الخوئي وغيرهم ادعوا ظهوراً ثانوياً في باب المركبات فمتى ما نُهي عن فعلٍ في باب المركبات كان ظاهراً في الإرشاد إلى المانعية والفساد ، فحينما ينهى عن القهقهة في الصلاة فذلك ظاهر في مانعيتها وأنها توجب البطلان ، وهكذا حينما يُنهى عن الارتماس في الصوم فانه ظاهر في الإرشاد إلى الفساد ...... وهكذا ، ومنشأ هذا الظهور الثانوي هو أن المستند هو العرف فانه يفهم في مثل المورد المذكور الإرشاد إلى الفساد.
 ونحن في أبحاث سابقة قلنا هل هذا الكلام صحيح وأن العرف هكذا يفهم أو لا ؟ ترددنا وتأملنا ولم نجزم بذلك.
 إذن إما أن نتمسك بهذا الظهور الثانوي إن تم ، أو أن ندعي وجود ارتكاز متشرعي على أن التأخير ليس من المحرمات التكليفية والمولوية فمن أخّر السعي لا يكون آثماً وهذا الارتكاز يكون سبباً في انصراف النهي من المولوية إلى الارشادية.
 إذن اتفقنا على أنه مع التأخير يبطل السعي والطواف وتلزم الاعادة من جديد.
 الملاحظة الرابعة:- إن السيد الماتن(قده) ذكر في عبارة المتن أن الأحوط استحباباً أن لا يحصل تأخير للسعي عن الطواف حتى قبل حلول الغد ، يعني إذا كان التأخير بمقدار معتدّ به كساعة أو ساعتين مثلاً فأتى بالطواف ثم أراد أن يؤخّر السعي ساعة أو ساعتين بأن يذهب إلى شقة السكن ثم يأتي بالسعي عصراً مع فرض أنه لا يوجد مبرّر من تعب أو غير ذلك فالأحوط عدم ذلك حيث قال ( الأحوط أن لا يؤخر السعي عن الطواف وصلاته بمقدار يعتدّ به من غير ضرورة كشدّة الحرّ والتعب وإن كان الأقوى الجواز ) ، وسؤالنا هو:- ما هو منشأ هذا الاحتياط الاستحبابي ؟
 يحتمل أحد وجهين:-
 الوجه الأول:- ان الموالاة شيء محتمل في حدّ نفسه ، فنحتمل أن الشرع يطلب أفعال الحج بنحو لا تتحقق فواصل معتدّ بها وخصوصاً فيما إذا أخذنا تلك الملاحظة السابقة بعين الاعتبار وهي أن الحج له وحدة عرفية .... الخ فانه إذا أخذناها بعين الاعتبار يشتد احتمال الحاجة إلى الاحتياط .
 وعلى أي حال نحن نحتمل أن الشرع يريد كل فعل من أفعال الحج متصلاً بالفعل السابق ، وهذا الاحتمال وإن لم يكن له سند علمي معتبر إلا أنه ما دام ثابتاً في النفس فيكفي أن يكون منشأ للاحتياط الاستحبابي.
 الوجه الثاني:- أن يدعى أنه في بعض الروايات السابقة سُئل الامام عليه السلام عن تأخير السعي إلى أن يبرد - أي الجو - فقال عليه السلام ( لا بأس ) فإن هذا قد يفهم منه أن التأخير من دون عذر لا يجوز ، هكذا قد ارتكز في ذهن السائل والامام عليه السلام أمضى هذا الارتكاز ولم يقل له ( يجوز لك التأخير حتى من دون حرارة الجو) إن هذا ربما يصلح أن يكون منشأ للاحتياط الاستحبابي.
 هذا بالنسبة إلى الملاحظات التي ترتبط بمسألتنا المذكورة.
 ملا حظة ترتبط بما سبق:-
 قلنا في مسألة سابقة أنه لم تدل رواية على لزوم النيابة في السعي لمن لا يتمكن من الإتيان بالمرتبة الأولى - التي هي المباشرة بمعناها الأعم - فلا توجد رواية تقول ( إذا لم يتمكن من السعي بالمباشرة فعليه النيابة ) وحاولنا أن نستفيد ذلك من روايات الطواف ببيان تقدم.
 ولكن ربما يقال:- توجد رواية تدل على ذلك وهي صحيحة أو رواية اسحاق بن عمار [2] عن أبي الحسن عليه السلام ( رجل طاف طواف الفريضة ثم اعتل علّة لا يقدر معها على إتمام الطواف ، فقال:- ....... وإن طالت علته أمر من يطوف عنه أسبوعاً ويصلي هو ركعتين ويسعى عنه وقد خرج من إحرامه . وكذلك يفعل في السعي وفي رمي الجمار ) [3] وهي جيدة حيث دلت على أنه يسعى عنه بل بعد ذلك قال عليه السلام ( وكذلك يفعل في السعي ) أي انه إذا لم يتمكن من السعي سُعي عنه ، إذن فيها شاهد على ما يراد في موردين .
 ولكن الرواية بالمتن المذكور قد نقلها الشيخ الكليني وأما الشيخ الطوسي فقد نقلها من دون كلمة ( السعي ) - أي من دون ذكر مورد الشاهد - فهو نقلها هكذا ( أمر من يطوف عنه أسبوعاً ويصلي عنه وقد خرج من إحرامه وفي رمي الجمار مثل ذلك ) [4] فانه لا يوجد في هذا النقل إشارة إلى السعي ، وحيث لا يعلم بالصادر فحينئذ يتوقف من هذه الناحية ، اللهم إلا إذا بنينا على فكرة أصالة عدم الزيادة فان ذلك البحث الذي أشرنا إليه في موضعه المناسب يأتي هنا وينتفع به فمن يبني على ذلك الأصل يمكنه أن يطبقه في المام ويستفيد منه ، وعليه فالاستشهاد بهذه الرواية محل تأمل من هذه الناحية.


[1] وهذه قرينة على ما ندعي.
[2] الترديد بين كونها صحيحة أو رواية باعتبار ورود سهل في السند.
[3] الوسائل 13 386 45 من أبواب الطواف ح2.
[4] التهذيب 5 124 ح407.