جلسة 86

مفطرات الصوم

(مسألة 999: لا يجوز ابتلاع ما يخرج من الصدر أو ينزل من الرأس من الخلط إذا وصل إلى فضاء الفم على الأحوط، أمّا إذا لم يصل إلى فضاء الفم فلا بأس بهما)[1] .

الفضلات الصاعدة من الصدر أو النازلة من الرأس هل يجوز للصائم ابتلاعها أم لا؟ فصّل ـ قدّس سرّه ـ بين ما إذا لم تصل إلى فضاء الفم فيجوز ابتلاعها، وما إذا وصلت إليه فاحتاط بعدم ابتلاعها، وقد بنى على هذا التفصيل غير واحد من الفقهاء منهم السيد اليزدي [2] قدّس سرّه.

والوجه في التفصيل المذكور على ما ذكره في (التقرير) [3] هو أن الفضلات إذا لم تصل إلى فضاء الفم فلا يصدق على ابتلاعها عنوان الأكل أو الشرب، بخلاف ما إذا وصلت فإنه يصدق على ابتلاعها ذلك، ومن هنا جاز الابتلاع في الحالة الاُولى ولم يجز في الحالة الثانية.

هذا، ولكن المناسب أن يقال بالجواز حتى في الحالة الثانية باعتبار أن عنوان الأكل والشرب لا يصدق فيما إذا لم يكن الشيء المبتلع قد وصل من الخارج، فما يتكّون داخل الإنسان لا يصدق على ابتلاعه عنوان الأكل والشرب ولو لانصراف ذلك عرفاً عن مثله، ولذا لو قال الطبيب للمريض: لا تأكل ولا تشرب شيئاً في الليل حتى الصباح لأجل أخذ بعض الفحوصات والتحاليل، فالعرف لا يرى المبتلع للفضلات الصاعدة أو النازلة آكلاً أو شارباً، فالأكل والشرب إما هو موضوع لغة لخصوص ما وصل من الخارج، أو موضوع للأعم، ولكن المنصرف عرفاً عندما يُنهى الشخص عن الأكل والشرب هو النهي عن خصوص ما يصل من الخارج.

ومن الغريب أن السيد الخوئي ـ قدّس سرّه ـ نفسه قد سلّم بهذه الدعوى في المسألة البعدية، حيث ذكر فيها أنه لا يضر ابتلاع البصاق المتجمع في الفم؛ وذلك لعدم صدق عنوان الأكل والشرب عليه إلاّ في حالة وصول الشيء من الخارج، وكان من المناسب تعميم ذلك للمقام أيضاً.

وعلى أي حال المناسب هو الحكم بالجواز في كلتا الحالتين.

وممّا يؤكد ذلك موثقة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «لا بأس أن يزدرد الصائم نخامته» [4]، بتقريب أن الإمام ـ عليه السلام ـ نفى البأس عن ازدراد النخامة من دون أن يفصّل بين الحالتين ـ حالة عدم وصولها إلى فضاء الفم وحالة وصولها ـ وعدم الاستفصال دليل على التعميم.

نعم، هناك كلام في أن النخامة هل تعم النازل والصاعد كما جاءت الإشارة إليه في (القاموس المحيط) [5]، أم أنها تختص بخصوص الصاعد كما يظهر من المحقق في (الشرائع) [6]، حيث جعل النخامة في مقابل ما ينزل من الرأس، قال ـ قدّس سرّه ـ: (لا يفسد الصوم بابتلاع النخامة...... وما ينزل من الفضلات من رأسه).

ولكن هذا الاختلاف ليس مهماً، فإنه حتى لو سلمنا بما اختاره صاحب (الشرائع) من اختصاص النخامة بالصاعد فبالتالي تدل الموثقة على أن الصوم لا يفسد بابتلاع ما يصعد من الصدر، وحيث لا نحتمل الفرق بين الصاعد والنازل فيثبت بذلك التعميم، فإنه إذا كان يحتمل الفرق فهو بين ما لم يصل إلى فضاء الفم وما وصل لا بين الصاعد والنازل، فإن النكتة فيهما واحدة إلاّ إذا فُرض وجود فارق تعبدي، وهو بعيد. وعليه فالتعميم هو الصحيح من دون تأمل.

(مسألة 1000: لا بأس بابتلاع البصاق المجتمع في الفم وإن كان كثيراً، وكان اجتماعه باختياره كتذكر الحامض مثلاً)[7] .

ادعى في (الجواهر) [8] عدم الخلاف بين أصحابنا في الحكم المذكور، ويمكن أن يستدل له بالوجوه الثلاثة الآتية:

الوجه الأوّل: التمسك بفكرة القصور في المقتضي، بمعنى أن المحرم والمفطر هو عنوان الأكل والشرب، وذلك لا يصدق عرفاً ولو لأجل الانصراف عن ابتلاع البصاق المتجمع في الفم حتى لو كان كثيراً وبسبب اختياري، فلا يقول الناس على من ابتلع بصاقه المتجمع في فمه أنه أكل أو شرب، كما أشرنا إلى ذلك في المسألة السابقة، ومع القصور في مقتضي التحريم والمفطرية لا يعود مانع من التمسك بأصل البراءة، فنشك هل يجب تكليفاً ترك ابتلاع البصاق بحيث يكون فعله مانعاً وعدمه شرطاً فنتمسك بالبراءة.

وإذا شككنا في وجوب القضاء على من ابتلع البصاق فيتمسك بالبراءة أيضاً.

ودعوى أن المورد من موارد الاشتغال دون البراءة، بتقريب أننا مأمورون بعنوان الصوم ونشك في تحقق العنوان المذكور عند ابتلاع البصاق، ومقتضى قاعدة الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني هو لزوم ترك كلّ ما يشك في مفطريته، مدفوعة بأن العنوان المذكور لم يؤخذ بنحو الموضوعية، بل هو مأخوذ بنحو الطريقية للتروك الخاصة، ولذا لو فرض أن المكلف لم ينوِ عنوان الصوم وقصد التروك الخاصة عن قربة كفاه ذلك، وعليه فالواجب هو التروك الخاصة، ومعه نحن نشك أن ترك البصاق هل هو من أحد التروك الخاصة الواجبة أو لا؟ فنتمسك بالبراءة.

الوجه الثاني: التمسك بسيرة المتشرعة، فإنه لم نرَ متشرعاً في شهر رمضان يبصق بين آونة واُخرى خصوصاً عند الغروب، فإنه قد يتجمع البصاق بسبب رؤية الأطعمة، ومن فعل ذلك عُدَّ وسواسياً، وهذه السيرة لا نتحمل كونها سيرة جديدة، بل هي متصلة بعصر المعصوم ـ عليه السلام ـ جزماً، فيكشف ذلك عن رضاه سلام الله عليه بهذه السيرة المنعقدة وكونها مأخوذة منه.

الوجه الثالث: التمسك بقاعدة نفي العسر والحرج، فإن ابتلاع البصاق لو كان مفطراً فيلزم أن يبصق الصائم بين كلّ لحظة واُخرى خصوصاً في الفترة المقاربة للغروب، وهذا يولد العسر والحرج، وحيث إنه منفي في الشريعة ولا نحتمل ثبوته فتكون المفطرية منتفية.

______________________

[1] منهاج الصالحين ج1 كتاب الصوم، الفصل الثاني: المفطرات ص267.

[2] حواش العروة الوثقى 3: 542.

[3] مستند العروة الوثقى كتاب الصوم 1: 105.

[4] الوسائل 10: 108 ـ 109، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب39، ح1.

[5] القاموس المحيط 3: 124.

[6] شرائع الإسلام 1: 144.

[7] منهاج الصالحين ج1 كتاب الصوم، الفصل الثاني: المفطرات ص267.

[8] جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام كتاب الصوم 16: 298.