جلسة 88

مفطرات الصوم

تخليل الأسنان

وأمّا الحالة الثانية فالكلام فيها تارة عن وجوب التخليل وعدمه، واُخرى عن تحقق المفطرية لو دخل شيء إلى الجوف.

أمّا بالنسبة إلى وجوب التخليل فالظاهر عدمه، إذ لا يجزم المكلف بدخول شيء إلى الجوف لو لم يتخلل، فنحتاج لإثبات وجوب التخليل إلى دليل وهو مفقود، ومعه نتمسك بأصل البراءة؛ لأن المورد من موارد الشك في ثبوت التكليف.

وممّا يؤكد عدم وجوب التخليل الاستصحاب الاستقبالي بناء على حجيته، فالمكلف يشك هل في المستقبل ـ وسط النهار مثلاً ـ يدخل شيء إلى جوفه؟ فإذا شك في ذلك فيستصحب الحالة المتيقنة الآن إلى المستقبل، وبناءً على حجية الاستصحاب الاستقبالي ـ باعتبار أن حديث «لا تنقض اليقين بالشك» مطلق، فكما يشمل الاستصحاب المتعارف، وهو الذي تكون فيه الحالة المتيقنة سابقة والحالة المشكوكة الآن، كذلك يشمل ما إذا كانت الحالة المتيقنة الآن والمشكوكة في المستقبل ـ يكون عدم دخول شيء إلى الجوف محرزاً ببركة الاستصحاب، ومعه فلا موجب للتخليل، هذا كله بالنسبة إلى وجوب التخليل وقد اتضح عدمه.

وأمّا بالنسبة إلى المفطرية لو دخل شيء إلى الجوف فقد ذكر السيد اليزدي [1] ـ قدّس سرّه ـ عدم تحقق المفطرية وأنه لا يجب القضاء فضلاً عن الكفارة، واختار ذلك السيد الخوئي [2] ـ قدّس سرّه ـ أيضاً، وقد وَجَّه ذلك بأن الواجب على المكلف هو الاجتناب عن الطعام والشراب، حيث ورد في صحيحة محمد بن مسلم: سمعت أبا جعفر ـ عليه السلام ـ يقول: «لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام والشراب، والنساء، والارتماس في الماء» [3]، وعنوان الاجتناب صادق حيث لم يتحقق الدخول عن قصد وعمد، بل يمكن أن يقال: إن بعض روايات التناول سهواً قالت: «هذا ممّا رزقه الله» [4]، وعنوان رزقه الله صادق على المقام. إذاً لا تتحقق المفطرية.

ثم قال: وممّا يؤكد ذلك أن المكلف لو كان يحتمل أنه في أثناء نومه يمد يده إلى إناء الماء الذي إلى جانبه ويشربه حالة النوم فهل نحتمل في مثل ذلك وجوب إبعاد ذلك الإناء وعدم وضعه بجانبه؟ كلا وما ذاك إلاّ للشك في أنه يتناول حالة النوم، ومقتضى الاستصحاب عدم التناول، والشيء نفسه يقال في المقام حيث يشك في دخول شيء من الطعام إلى الجوف، ومقتضى الاستصحاب الاستقبالي عدمه. هذا حاصل ما أفاده قدّس سرّه.

وفيه: أن احتمال وصول الطعام إلى الجوف ما دام معتداً به فيصدق أن المكلف قد ارتكب المفطر عن اختيار وتفريط، بل يصدق أنه ارتكب المفطر عن عمدٍ، كمن وقف في وسط الشارع وكان يحتمل أن السيارة تمر في الأثناء وتضربه، فإذا مرت فعلاً وضربته يصدق أنه هو الذي أوقع نفسه في ذلك عن اختيار وعمد، وعنوان الاجتناب لا يصدق آنذاك، وهكذا عنوان رزقه الله، فإنه يختص بحالة عدم التفريط والارتكاب من دون اختيار.

وأمّا ما ذكره في مثال الإناء فيرده أن البحث إذا كان عن وجوب إبعاد الإناء وعدمه فالحق كما ذكره، إذ لا مثبت لوجوب الإبعاد بعد عدم الجزم بتحقق التناول، أمّا إذا كنا نبحث عن تحقق المفطرية وعدمها فعدم تحققها أوّل الكلام، فإبعاد الإناء ليس واجباً لعدم الدليل، ولكن إذا تحقق التناول أثناء النوم ثبتت المفطرية؛ لأن التناول المذكور تحقق عن اختيار.

إن قلت: إن استصحاب عدم دخول شيء إلى الجوف بنحو الاستصحاب الاستقبالي إذا جرى فيكون ذلك عذراً للمكلف، ومعه فيصدق عنوان الاجتناب لفرض وجود المسوّغ والعذر في ترك التخليل، ومعه فلا تثبت المفطرية.

قلت: إن الاستصحاب المذكور غاية ما يثبته هو عدم وجوب التخليل، ولكن لا يستلزم ذلك أن دخول الطعام قد تحقق من دون اختيار. نعم، لو فرض أن مقتضى الاستصحاب كان حرمة التخليل شرعاً فيكون المكلف آنذاك غير مختار في دخول شيء إلى جوفه، أمّا بعد فرض أن الاستصحاب يقتضي عدم وجوب التخليل ولا يقتضي حرمته فالدخول إلى الجوف يكون عن اختيار وتفريط، ومعه يكون المناسب تحقق المفطرية، بل يمكن الالتزام بوجوب الكفارة أيضاً؛ لأن ذلك مصداق من مصاديق ارتكاب المفطر عن اختيار، ولكن الذي يهون الخطب أن المكلف عادة لا يحصل له الجزم بدخول شيء إلى الجوف، بل أقصى ما يحصل له عادةً هو الشك أو الظن، ومعه يُنفى ارتكاب المفطر من خلال الاستصحاب فيشك هل دخل شيء أو لا، ومقتضى الاستصحاب عدم ذلك.

تعمد القيء

(العاشر: تعمد القيء وإن كان لضرورة من علاج مرض ونحوه، ولا بأس بما كان بلا اختيار)[5] .

يشتمل المتن المذكور على النقاط التالية:

النقطة الاُولى: القيء إذا كان عن اختيار هو من المفطرات، وقد نسب صاحب (المدارك) [6] ـ قدّس سرّه ـ ذلك إلى أكثر الأصحاب، وحكى صاحب (الجواهر) [7] ـ قدّس سرّه ـ أن دلك هو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة بل عليه إجماع المتأخرين، وخالف في ذلك صاحب (السرائر) [8] ـ قدّس سرّه ـ وذهب إلى أن القيء عن اختيار هو محرم تكليفاً على الصائم، ولكنه لا يوجب القضاء ولا الكفارة، ونسب ذلك إلى السيد المرتضى أيضاً.

ويمكن الاستدلال للمشهور القائل بالمفطرية بصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال: «إذا تقيأ الصائم فقد أفطر، وإن ذرعه من غير أن يتقيأ فليتمّ صومه» [9]، وغيرها.

وأما صحيحة عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السلام، قال: «ثلاثة لا يفطرن الصائم: القيء، والاحتلام، والحجامة»... الحديث [10]، فهي وإن كانت مطلقة وتشمل القيء مع التعمد أيضاً، ولكن بقرينة ما سبق لابدّ من تقييدها بغير حالة العمد، هذا ما يمكن الاستدلال به للمشهور.

_____________________

[1] حواشي العروة الوثقى 3: 542.

[2] مستند العروة الوثقى كتاب الصوم 1: 101.

[3] الوسائل 10: 31، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب11، ح1.

[4] الوسائل 10: 50 ـ 52، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب9، ح1، 6، 9.

[5] منهاج الصالحين ج1 كتاب الصوم ـ المفطرات ص267.

[6] مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام كتاب الصوم 6: 98.

[7] جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام كتاب الصوم 16: 287.

[8] السرائر كتاب الصوم 1: 387.

[9] الوسائل 10: 86، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب29، ح1.

[10] الوسائل 10: 88، أبواب ما يمسك عنه الصائم، ب29، ح8.