جلسة 97

مفطرات الصوم

والمستند فيه موثقة سماعة بن مهران، قال: سألته عن الكحل للصائم؟ فقال: «إذا كان كحلاً ليس فيه مسك وليس له طعم في الحلق فلا بأس به»[1] وغيرها، وظاهر الرواية المذكورة وإن كان هو التحريم حيث قال ـ عليه السلام ـ: «إذا كان كحلاً ليس فيه مسك وليس له طعم في الحلق فلا بأس به»، ومفهومه أنه لو كان له ذلك ففيه بأس، وظاهر البأس هو التحريم كما في سائر الموارد، ولكن لأجل أنه لم ينقل التحريم عن أحد ولا خلاف في الكراهة فذلك بنفسه يكون قرينة صارفة لظهور الرواية إلى الكراهة.

وهذه مسألة سيّالة ولا تختص بالمقام، وهي أنه متى ما كان عندنا رواية ظاهرة في التحريم ولم ينقل الخلاف بين الفقهاء في الحكم بالكراهة فيحمل الظهور على إرادة الكراهة، ويصير ذلك أشبه بالقرينة المنفصلة، بل قد يحتمل أنه كالمتصلة. والوجه في القرينية هو أن عدم الخلاف يولّد للفقيه اطمئناناً في عدم إرادة ذلك المعنى الظاهر من الرواية، فالقرينية مرتبطة بمسألة الاطمئنان وليست من جهة أن ذلك إجماع، والإجماع حجة كي يشكك في حجيته، بل حتى إذا لم نقبل حجية الإجماع فالفقيه يتولد له الاطمئنان عادة بعدم إرادة ظاهر الرواية، وهذا يكفي لسقوط الظهور عن الحجية.

النقطة الرابعة: دخول الحمام إذا خشي الضعف، والمستند صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر ـ عليه السلام ـ: أنّه سُئل عن الرجل يدخل الحمّام وهو صائم، فقال: «لا بأس ما لم يخشَ ضعفاً» [2]، وظاهرها التحريم مع خشيته الضعف، ولكن لابدّ من رفع اليد عن الظهور المذكور لعدم نقل الخلاف في الحكم بالكراهة، بل نقل صاحب (الجواهر) [3] ـ قدّس سرّة ـ الإجماع على عدم العزيمة. وربما يستفاد من الصحيحة المذكورة مرجوحية كلّ ما يوجب الضعف بلا خصوصية لدخول الحمام.

ثم إنه قد يشكل على القرينة التي أشرنا إليها بما حاصله: أن عدم الخلاف في الحكم بالكراهة إن كان حجة في نفسه صلح أن يكون بنفسه مدركاً للحكم بالكراهة بلا حاجة إلى الاستعانة بالرواية، وإن لم يكن حجة فما معنى الاعتماد عليه ورفع اليد عن الظهور بسببه؟

وجوابه: أنه ليس حجة في نفسه، ولكن حينما ينضم إلى ظهور الرواية يتولد في نفس الفقيه اطمئنان بأن الظهور في التحريم ليس مقصوداً، ومن الواضح عدم المنافاة بين ألاّ يكون عدم الخلاف حجة في نفسه وبين أن يورث الاطمئنان بعدم كون ظهور الرواية مقصوداً، ومن هنا يصح لنا أن نقول ولو بنحو المسامحة: إن عدم الخلاف في أمثال المقام لا تكون له حجية كاملة، بل نصف حجية، والمقصود ما أشرنا إليه.

النقطة الخامسة: إخراج الدم المضعف سواء كان بالحجامة أم بغيرها، والمستند صحيحة سعيد الأعرج، قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن الصائم، يحتجم. فقال: «لا بأس، إلاّ أن يتخوّف على نفسه الضعف»(3)، وظاهرها وإن كان هو التحريم حالة استلزام ذلك للضعف، إلاّ أنه لعدم نقل الخلاف في المسألة نرفع اليد عن الظهور لنفس النكتة المتقدمة، وأيضاً ربما يستفاد منها مرجوحية كلّ ما يورث الضعف بلا خصوصية للحجامة، بل ولا لإخراج الدم.

ثم إنه لو فرض أن الشخص علم أنه لو حجم فسوف يغمى عليه، فهل يجوز له آنذاك الحجامة؟

قد يجاب بعدم الجواز باعتبار أن الإغماء هو من أحد المفطرات، فيشترط في صحة الصوم عدم الإغماء، وعلى هذا فالمكلف بحجامته سوف يبطل صومه، ومعه فلا تجوز.

هذا ولكن الصحيح هو الجواز؛ لأن عدم الإغماء لو قلنا بكونه شرطاً للصحة فنقول في نفس الوقت بكونه شرطاً للوجوب، فمع الإغماء لا وجوب رأساً، ومن الواضح أن المكلف يلزمه تحصيل شرائط الواجب لا شرائط الوجوب، فعدم السفر شرط للوجوب كما أنه في نفس الوقت شرط للصحة والواجب، ولكن هل يلزم تحصيله؟ كلا إذ التحفظ على شرائط الوجوب ليس بلازم.

النقطة السادسة: السعوط مع عدم العلم بوصوله إلى الحلق.

والمقصود منه دقيق التبغ الذي يدخل في الأنف، وربما يصطلح عليه بالعطوس، وربما يطلق على كلّ دواء يدخل عن طريق الأنف.

والمستند في جوازه إذا لم يصل إلى الحلق واضح، وهو القصور في المقتضي، إذ لا يصدق عنوان الأكل والشرب آنذاك، ولكن كيف نحكم بالكراهة إذا لم يصل إلى الحلق، فإنها تحتاج إلى دليل، ويمكن التمسك لذلك بموثقة ليث المرادي، قال: سألت أبا عبد الله ـ عليه السلام ـ عن الصائم، يحتجم ويصب في اُذنه الدهن. قال: «لا بأس، إلاّ السعوط فإنه يكره» [4] وغيرها، وكلمة (يكره) وإن لم تكن ظاهرة في الكراهة بالمعنى المصطلح، إذ تستعمل في إرادة الجامع الأعم من التحريم والكراهة المصطلحة، ولكن يمكن أن يُدعى إرادة الكراهة المصطلحة بأحد البيانين التاليين:

الأوّل: أنه مع التردد يؤخذ بالقدر المتيقن، والكراهة بالمعنى المصطلح هي قدر متيقن في أمثال المقام، فالشيء إذا دار الأمر بين أن يكون محرماً أو مكروهاً بالمعنى المصطلح فالقدر المتيقن بنظر العرف هو الكراهة، إذ في التحريم مرتبة من الكراهة، فتكون الكراهة الاصطلاحية متيقنة.

الثاني: أن عدم الخلاف بين الفقهاء في الحكم بالكراهة يولّد اطمئناناً في كون المقصود هو الكراهة المصطلحة.

يبقى ما هو الدليل على اشتراط عدم الوصول إلى الحلق؟ ذلك من جهة صدق عنوان الأكل آنذاك، اللهم إلا أن يُدعى أن الموثقة مطلقة، حيث قالت: «إلاّ السعوط فإنّه يكره» فلم تقيّد بما إذا لم يصل إلى الحلق، ولعله لأجل الإطلاق المذكور جاءت كلمات المشهور مطلقة أيضاً ولم تقيّد بحالة عدم الوصول إلى الحلق.

_________________________

[1] الوسائل 10: 740، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب25، ح2.

[2] الوسائل 10: 81، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب27، ح1.

[3] الوسائل 10: 80، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب26، ح10.

[4] الوسائل 10: 43، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب7، ح1.