جلسة 132

كفارات الصوم

مسألة  1012:  إذا أفطر عمداً ثم سافر قبل الزوال لم تسقط  عنه  الكفارة [1].

إذا فُرض أن شخصاً ارتكب أحد المفطرات، وفرض أنه حصل له بعد ذلك عذر يمنع من توجه وجوب الصوم إليه، كما إذا مرض أو سافر أو حاضت المرأة وما شاكل ذلك، فهل يرتفع وجوب الكفارة؛ باعتبار أنه سوف ينكشف أنه ليس مأموراً بالصوم، والكفارة إنما تجب لو أفطر الشخص في يوم يجب عليه صومه، أو يقال بوجوب الكفارة عليه باعتبار أنه حين ارتكابه للمفطر لم يكن العذر متحققاً في حقه فيكون ارتكابه للمفطر بلا عذر فتثبت في حقه الكفارة، أو يقال بالتفصيل بين ما إذا كان العذر الطارئ بعد ذلك اختيارياً كالسفر مثلاً فتثبت الكفارة، وبين ما إذا لم يكن كذلك كالمرض أو الحيض فلا تثبت؟

وفي هذا المجال نقل المحقق[2] ـ قدّس سرّه ـ قولين في المسألة: السقوط مطلقاً وعدمه مطلقاً، وأضاف صاحب (الجواهر)[3] ـ قدّس سرّه ـ قولاً ثالثاً، وهو التفصيل بين العذر الاختياري فلا تسقط، وبين غيره فتسقط، وذكر أن القول بعدم السقوط مطلقاً هو خيرة الأكثر، بل في (الخلاف) الإجماع عليه، وربما يظهر من عبارة الماتن ـ قدّس سرّه ـ اختيار التفصيل المتقدم، حيث خصّص السفر بالذكر وقال: (... ثم سافر قبل الزوال...)، ولم يذكر بقية المفطرات فلو لم يكن هناك فرق كان المناسب هو التعميم وعدم الاقتصار على خصوص السفر، والأمر سهل.

والمناسب لمقتضى القاعدة هو السقوط مطلقاً؛ باعتبار أن العذر إذا طرأ بعد ذلك فسوف ينكشف أن المكلف ليس مأموراً بالصيام، من دون فرق بين كون العذر اختيارياً أو لا، ومع عدم كونه مأموراً بالصيام فلا موجب لثبوت الكفارة، ولا أقل يشك في ثبوتها فتنفى بالبراءة.

ولا يقول قائل: إنه قبل طروّ العذر يكون المكلف مأموراً بالصيام، إذ المفروض لا عذر حين ارتكاب المفطر، ومع كونه مأموراً بالصيام يكون ثبوت الكفارة هو المناسب.

فإنه يقال: إن الأمر بالصوم الذي يتوجه إلى المكلف في كل لحظة هو الأمر بالصوم من بداية الفجر إلى الغروب، فالصوم المطلوب هو الإمساك ما بين هذين الحدين وهو المأمور به، وأمّا الإمساك في هذه اللحظة بالخصوص أو في تلك بالخصوص فليس هو الصوم الشرعي المأمور به، ومعلوم أن المكلف إذا ارتكب المفطر وفُرض في علم الله أنه سوف يسافر أو يمرض فلا أمر في حقه بالصوم ما بين الحدّين، أي لا يتوجه له الأمر المذكور في لحظة مزاولة المفطر، فلا يقال له: في هذه اللحظة أنت مأمور بالصوم ما بين الحدين لفرض أنّه سيسافر، فالصوم ما بين الحدين غير ممكن في حقه كي يكون مأموراً به في هذه اللحظة. نعم الممكن في حقه هو الإمساك في هذه اللحظة، وأمّا الصوم ما بين الحدين فليس ممكناً له حتى يوجه إليه الأمر به الآن.

إذن القاعدة تقتضي عدم ثبوت الكفارة مطلقاً، ولكن قد يستدل ببعض الوجوه على ثبوت الكفارة خلافاً لما تقتضيه القاعدة:

الوجه الأوّل: ما أشار إليه العلمان السيد الحكيم [4] ـ قدّس سرّه ـ والسيد الخوئي[5] قدّس سرّه، وربما يلوح من كلام صاحب (الجواهر)[6] ـ قدّس سرّه ـ أيضاً، وحاصله يتركب من مقدمات ثلاث:

المقدمة الأولى: إن مقتضى قوله ـ سبحانه وتعالى ـ (وَمَنْ كَانَ مَرِيضَاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ)[7] ، هو أنه متى ما كان المكلف مسافراً بالفعل فلا يجب عليه الصوم ويثبت في حقه وجوب القضاء، وأمّا من لم يكن مسافراً بالفعل بل سوف يسافر بعد ساعة مثلاً فهو ليس مأموراً بوجوب القضاء، وإنما هو مأمور بوجوب الإمساك وبعبارة أُخرى: لا يكون مأموراً بالصوم الشرعي وإنما بالإمساك.

المقدمة الثانية: ورد في صحيحة عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: في رجل أفطر من شهر رمضان متعمّداً يوماً واحداً من غير عذر، قال: «يعتق نسمة، أو يصوم شهرين متتابعين، أو يطعم ستّين مسكيناً، فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق»[8] ، وظاهرها أن من استعمل المفطر في الوقت الذي هو مأمور فيه بالإمساك تثبت في حقه الكفارة، فالمراد من قوله: في رجل أفطر... هو ذلك، لا أن من أفطر في الوقت الذي يجب عليه الصوم شرعاً تثبت في حقه الكفارة، وكلمة أفطر وإن كانت واردة في كلام الراوي إلاّ أن ذلك غير مؤثر من هذه الناحية.

المقدمة الثالثة: أن الصحيحة مطلقة ولم تقيّد بما إذا لم يطرأ العذر بعد ذلك، فيكون مقتضى الإطلاق أن الكفارة ثابتة في حق من زاول المفطر في الوقت الذي يجب عليه الإمساك فيه، سواء لم يطرأ العذر بعد ذلك أو طرأ، فعلى كلا التقديرين تثبت الكفارة وهو المطلوب.

وقد اتضح في المقدمة الأُولى أن المراد من كلمة أفطر ليس ارتكاب المفطر في وقت يجب فيه الصوم الشرعي وإلاّ فلا يمكن إثبات الكفارة آنذاك؛ لأن من يطرأ عليه العذر بعد ذلك لا يكون مأموراً بالصوم شرعاً فاحتيج إلى هذه المقدمة وأنه يجب الإمساك في حق هذا المكلف، واستفيد من الصحيحة في المقدمة الثانية أنه بعد ما كان المكلف مأموراً بالإمساك فيكون عنوان أفطر شاملاً له، ثم في المقدمة الثالثة أثبت الإطلاق لما إذا طرأ العذر بعد ذلك فتم آنذاك إثبات المدّعى.

_______________________

[1] منهاج الصالحين ج1 كتاب الصوم فصل الكفارات ص271.

[2] شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام ج1 كتاب الصوم ص145.

[3] جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ج16 كتاب الصوم ص306.

[4] مستمسك العروة الوثقى ج8 كتاب الصوم ص359.

[5] مستند العروة الوثقى ج1 كتاب الصوم 329.

[6] جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام ج16 كتاب الصوم ص306.

[7] البقرة: 185.

[8] الوسائل 10: 44 ـ 45، أبواب ما يمسك عنه، ب8، ح1.