جلسة 139

كفارات الصوم

النقطة الثانية: هل يجوز التبرع عن الحي بالكفّارة؟ فيه إشكال.

والمقصود من ذلك هو أنه أحياناً يدفع الولد مثلاً الكفارة عن والدته التي هي على قيد الحياة بدون أن تطلب هي منه ذلك، أو يفترض أن الزوج يدفع الكفّارة عن زوجته من دون طلب مسبق، ومثل هذا يكون مصداقاً للتبرع، وفي الاجتزاء به إشكال.

ووجه الإشكال هو: أن الخطاب متوجه إلى الشخص نفسه كالزوجة أو الوالدة، ولم يُأمر بذلك الولد أو الزوج، ومن الواضح أن إجزاء غير المأمور به عن المأمور به يحتاج إلى دليل وهو مفقود، نعم لابدّ من التفرقة بين التبرع وبين التوكيل، والذي نريد أن نقول هو محل إشكال عبارة عن التبرع، وأمّا التوكيل فهو جائز ولا محذور فيه.

والمقصود من التوكيل أن يفترض أن الشخص يدفع مالاً إلى شخص آخر ويقول له: أطعم عني ستين مسكيناً، أو أعتق عني رقبة، إن مثل هذا جائز ولا محذور فيه، ولكنه يختص بالإطعام والعتق ولا يعم الصوم، فالصوم لابدّ وأن يأتي به نفس من عليه الكفّارة بخلاف العتق والإطعام.

والفارق بينها هو: أن العتق والإطعام من الأُمور التي تقبل التوكيل في نظر العرف، فيقال: فلان أطَعَمَ ستين مسكيناً إذا دفع المال إلى شخص وطلب منه تحقيق ذلك، ويقال: أعتَقَ رقبة فيما لو دفع المال إلى شخص وطلب منه ذلك، وهذا بخلاف الصوم، فلو أعطيت لشخص مالاً وقلت له: صم عني. فلا يصدق أني صمت، والمسألة عرفية وعقلائية، وذلك هو مستند التفرقة، فالعرف يرى أن العتق والإطعام يقبلان التوكيل بخلاف الصيام فإنه لا يقبل ذلك.

وهذا بخلاف التبرع فإنه يعني أن الولد مثلاً يعتق أو يطعم من دون أن يطلب منه من عليه الكفارة ذلك ليكون توكيلاً ونيابة، فلو تبرع الولد فلا يقال: إن الأُم قد أطعمت أو أعتقت، فإن ذلك لا ينسب لها بعد فرض عدم صدور طلب منها، فلابدّ إذن من صدور طلب مسبق ليكون ذلك بمثابة التوكيل؛ ومن ثمة يصح انتساب الفعل لمن عليه الكفّارة، أمّا إذا لم يكن هناك طلب مسبق فلا يتحقق الانتساب.

وقد تسأل: أن الأُم إذا طلبت من ولدها التكفير عنها بالإطعام، فتارة يدفع إليها ثمن الكفارة ويملّكه لها ثم يشتري به طعاماً ويوزعه على الفقراء، ومثل ذلك جائز وصحيح بلا إشكال، إذ المال صار ملكاً للأُم، وهي قد كفّرت بالنيابة، ولكن أحياناً تطلب الأُم من ولدها ذلك والولد لا يقصد التمليك أوّلاً للأُم ليشتري بعد ذلك الطعام بملك الأُم، كلا، بل يشتري من مال نفسه ويوزعه على الفقراء، فهل هذا يكفي؟

نعم، يمكن أن يقال بكفايته إذ بعد ما طلبت الأُم من ولدها وقالت: يا ولدي أدفع عني الكفّارة، فتنتسب الكفّارة لها ويصح أن تقول: إني كفّرت بالإطعام حيث طلبت من ولدي ذلك، وإذا كان هناك محذور فليس هو إلاّ من جهة أن هذا الإطعام لم يحصل بمال الأُم وملكها، ولكن يرده أنه لا دليل على اعتبار ذلك، أي لا دليل على اعتبار أن يكون الإطعام بملك من عليه الكفّارة، وإنما الروايات قالت: عليه أن يعتق أو يطعم أو يصوم، وأمّا كون ذلك ملكه فهو قيد زائد ويمكن نفيه بالإطلاق، والمهم أن يتحقق الانتساب وهو يتحقق بالطلب المسبق، وأمّا الزيادة عن ذلك فمنفية بإطلاق الأخبار.

إن قلت: إن الأخبار ليست في مقام البيان من هذه الناحية ليتمسك بإطلاقها.

قلت: لو تمت هذه الدعوى فالنتيجة تبقى كما هي لا تتغير، إذ نرجع آنذاك إلى الأصل العملي ونشك أن ذمتنا هل اشتغلت بالكفّارة المقيدة بكون ثمنها ملكاً لمن عليه الكفّارة أو لا؟ فندفع التقيد المذكور ـ الذي هو كلفة وضيق زائد غير معلوم ـ بأصل البراءة.

إن قلت: هذا وجيه في الإطعام، وأما العتق فيشكل الأمر فيه باعتبار أنه لا عتق إلاّ في ملك، والأُم إذا لم تتملك الرقبة فكيف يتحقق عتقها عنها؟

قلت: إنه لا توجد لدينا رواية بهذا اللفظ، وإنما ورد في صحيحة زرارة قال: سألت أبا جعفر ـ عليه السلام ـ عن الرجل يقول: إن اشتريت فلانة أو فلاناً فهو حر، وإن اشتريت هذا الثوب فهو في المساكين، وإن نكحت فلانة فهي طالق، قال: «ليس ذلك كله بشيء، لا يطلق إلاّ ما يملك، ولا يصدّق إلاّ بما يملك، ولا يعتق إلاّ ما يملك» [1].

وهي كما ترى ناظرة إلى العتق المعلق، فهي تقول: لا يقع العتق معلقاً على ملك العبد بل لابدّ وأن تكون مالكاً له بالفعل وآنذاك يصح عتقه، أمّا أنه لا يصح العتق إلاّ عنك ولا يصح عن غيرك بالرغم من كون العتق منجزاً فليست في صدده، وعليه فلا يستفاد منها إلاّ أن العتق المعلق باطل.

ومن خلال هذا كله اتضح أن التبرع بالكفّارة لا يجوز، إذ لا دليل على الإجزاء، ولا يتحقق الانتساب بمجرد التبرع ما دام لا طلب مسبق، بخلاف ما إذا كان هناك طلب مسبق، فإن ذلك يجزي لتحقق الانتساب. ونفس هذا الشيء يقال في باب زكاة الفطرة، فأحياناً يتبرع الضيف من دون أن يخبر صاحب المنزل بأنه يدفع الفطرة، وأُخرى يخبره بذلك ويرضى، فعلى الأوّل لا تقع صحيحة، إذ التكليف موجه إلى رب المنزل، وبمجرد تبرع الضيف من دون رضا صاحب المنزل لا ينتسب الفعل إلى صاحب المنزل، وهذا بخلاف ما إذا أخبر الضيف صاحب المنزل وقال له: أرجوك أن ترضى، فقال له: إدفع، فإن هذا بمثابة التوكيل عن صاحب المنزل، والتوكيل في دفع زكاة الفطرة أمر جائز ولا محذور فيه، ولا دليل على أن يكون المدفوع ملكاً لمن عليه دفع زكاة الفطرة، وإنما المهم انتساب الدفع إليه وهو يتحقق بالطلب والرضا، وهذه مسألة ظريفة ينبغي الالتفات إليها.

هذا، ولكن السيد الحكيم [2] ـ قدّس سرّه ـ ذكر أن التبرع بالإطعام والعتق جائز أيضاً.

______________________

[1] التهذيب 8: 264/ 1069.

[2] مستمسك العروة الوثقى ج8 كتاب الصوم ص371.