جلسة 140

كفارات الصوم

والوجه في ذلك أن المانع لا يعدو عن أحد أمور ثلاثة:

الأوّل: أن يفترض أن التبرع أمر غير مقبول في نفسه في باب الكفارات، فكما أنه لا معنى لتبرع إنسان بالصلاة والصوم عن غيره، كذلك لا معنى لتبرعه عنه في الكفارة، وهذا واضح البطلان باعتبار أن الإطعام والعتق يقبلان الوكالة، وما داما يقبلان ذلك فيلزم أن يقبلا التبرع لعدم الفارق من هذه الناحية.

الثاني: أن يكون المانع هو اعتبار أن يكون ثمن الكفارة من أموال من عليه الكفارة، فلا يكتفى بدفع الثمن من مال المتبرع، وهو باطل أيضاً؛ فإن إطلاق الروايات يدفع ذلك، إذ هي اعتبرت الإطعام ولم تقل بشرط أن يكون من مال من عليه الكفّارة.

الثالث: أن يكون المانع هو أن الآثار لا تترتب إلاّ بعد فرض إذن الغير، فمع تبرع شخص من دون إذن من عليه الكفّارة لا تترتب الآثار، وهذا باطل أيضاً؛ لأن بناء العرف على خلاف ذلك، فالعرف يرتب الآثار ولو من دون فرض الإذن، وعليه فالتبرع جائز أيضاً كالتوكيل، هذا حاصل ما أفاده قدّس سرّه.

وفيه: أننا نختار الشق الثالث، فلا ندّعي أن المانع هو عدم قبول الإطعام والعتق في نفسهما للتبرع، وكذلك لا ندعي أن المانع هو من جهة لزوم كون التكفير من أموال من عليه الكفّارة، بل ندعي أن الآثار لا تترتب إلاّ بعد الإذن، فالمأمور به هو أن يقوم من عليه الكفّارة بالإطعام، ومن الواضح لا ينتسب الإطعام إليه إلاّ بعد قيامه به أو توكيله الصريح أو طلبه المسبق لذلك، فإنه في هذه الحالات يصدق عرفاً أنه قد أطعم أو أعتق، وبالتالي يكون محققاً للمأمور به، وهذا بخلاف ما إذا لم يفترض ذلك فإنه لا يصدق ما ذكر.

مسألة 1015: وجوب الكفّارة موسّع، ولكن لا يجوز التأخير إلى حد يعد توانياً وتسامحاً في أداء الواجب [1].

تشتمل المسألة المذكورة على نقطتين:

النقطة الأُولى: أن وجوب الكفّارة ليس فورياً ـ وإلاّ يلزم بعد انتهاء شهر رمضان الإسراع في دفع الكفّارة بنحو لا يجوز التأخير إلى أيام ـ لعدم الدليل على ذلك.

وينبغي الالتفات إلى قضية ربما تكون واضحة، وهي أن من يقترف ذنباً كالإفطار عمداً في شهر رمضان فيترتب عليه مطلبان الإثم والكفّارة، وليس دفع الكفّارة بنفسه رافعاً للإثم، فالشخص إذا دفع الكفّارة فقط فهو بعدُ مستحقاً للعقوبة يوم القيامة ويحتاج في دفع ذلك إلى التوبة، نعم لا يبعد أن المكفّر حين دفعه للكفّارة يكون نادماً على ما صدر منه وبذلك تكون التوبة متحققة حين التكفير، ولكن هذا ليس المطلب دائمياً كما هو واضح.

وبعد اتضاح ثبوت الإثم والكفّارة معاً نقول:

أمّا بالنسبة إلى الإثم فلا إشكال في لزوم الإسراع إلى إزالته من خلال التوبة ولا نحتاج في ذلك إلى نص خاص، فإن العقل يحكم بشكل واضح أن الإعلان بعصيان الله ـ عزّ وجلّ ـ أمر قبيح وينبغي التراجع عنه بسرعة، مضافاً إلى احتمال استفادة ذلك من النصوص الشرعية، وإذا كان هناك توقف فهو بلحاظ الكفّارة، فهل يلزم الإسراع في التكفير أو لا؟

المناسب هو العدم لعدم الدليل على ذلك فيتمسك بالبراءة، وقد خالف السيد الحكيم [2] ـ قدّس سرّه ـ في ذلك حيث قال: إن الكفّارة هي كفّارة للذنب ومزيلة له كالتوبة، فكما يلزم في التوبة الإسراع لقبح البقاء على الذنب عقلاً كذلك يلزم بالنسبة إلى الكفّارة.

وما أفاده ـ قدّس سرّه ـ وجيه لو كانت الكفّارة مزيلة للذنب كالتوبة بحيث يكون هناك مزيلان للذنوب أحدهما التوبة، فإنها تكفي في رفع الذنب في مثل الغيبة وشرب الخمر وما شاكل ذلك، وقسم آخر من الذنوب يكون مزيلها الكفّارة بحيث لو كفّر ارتفع الذنب بنفس الكفّارة كما في المقام، فلو صح هذا تم ما أفاده قدّس سرّه.

ولكننا نحتمل أن الكفّارة ليست مزيلة للذنب وإنما هي نحو غرامة وضريبة على ارتكاب الذنب، وعلى هذا الأساس لا تكفي الكفّارة وحدها في إزالة الذنب بل ينبغي للمكلف التوبة أيضاً، فإن عليه أن يزيل عن نفسه وسخ الذنب بنحو الجزم ولا يجزم بإزالته إلاّ مع ضم التوبة، وما دمنا نحتمل أن الكفّارة غرامة فلا يمكن الحكم بلزوم الإسراع فيها إذ نشك بالتالي في ذلك فنجري أصل البراءة.

وبالجملة نحن لا نريد أن ندعي الجزم بأن الكفّارة هي غرامة بل ندعي احتمال ذلك، ومع وجود هذا الاحتمال لا يمكن الحكم بلزوم الإسراع إليها، بل يشك في ذلك فتجري البراءة.

____________________________

[1] منهاج الصالحين 1: 271.

[2] مستمسك العروة الوثقى 8: 372.