جلسة 150

كفارات الصوم

5- أنّ الحكم بعدم وجوب القضاء في حالة المراعاة يختصّ بشهر رمضان، وأمّا غيره فيبطل فيه الصوم ولا يتحقّق به الامتثال حتى مع فرض المراعاة، فلو فُرض أنّ شخصاً أراد الصوم الاستحبابي أو القضائي أو الاستئجاري... وفُرض أنّه راعى الفجر وفحص عنه واطمأن بعدم طلوعه واستمر في ارتكاب المفطر، ثمّ اتضح طلوعه فلا يجزي صومه في اليوم المذكور، فالتفصيل بالمراعاة وعدمها يختصّ بشهر رمضان دون غيره.

وخالف في ذلك صاحب (المدارك) [1] حيث ألحق الواجب المعيّن بشهر رمضان، فلو فُرض أنّ شخصاً نذر صوم يوم معيّن وراعى الفجر واتضح خطؤه في المراعاة فصومه اليوم المذكور صحيح. نعم، إذا لم يراعِ لم يتحقق منه الامتثال. والمشهور خلاف ذلك وأنّه لا فرق بين الواجب المعيّن وغيره في عدم إلحاقه بشهر رمضان، أي أنّه يحكم بعدم تحقق الامتثال حتى في فرض المراعاة. وقد يستدل على ذلك بالوجوه التالية:

الوجه الأول: دعوى أنّ ذلك مقتضى القاعدة، فالقاعدة تقتضي بطلان الصوم، غايته خرج شهر رمضان في حالة المراعاة بالدليل الخاصّ، وهو موثّقة سماعة [2] المتقدّمة، ولولاها كانت القاعدة تقتضي البطلان فيه أيضاً؛ لأنّ المطلوب من المكلّف هو الإمساك ما بين الحدّين، وحيث إنّ ذلك لم يتحقق واتضح أنّ المكلّف قد تحققت منه مزاولة المفطر بعد طلوع الفجر فلا يكون ما أتى به مجزياً، فلاحظ قوله سبحانه وتعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ)[3] تجد ما ذكرناه واضحاً، فإنّه يدل بوضوح على أنّ المطلوب هو ترك الأكل والشرب ما بين الحدّين، وهو وإن كان خاصّاً بشهر رمضان ولكن لا نحتمل الفرق بينه وبين بقية أفراد الصوم، ففي الجميع يكون المطلوب هو الإمساك ما بين الحدّين، وحيث لم يتحقق فلا يجتزء بالصوم.

ولاحظ أيضاً صحيحة محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر ـ عليه السلام ـ يقول: «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال: الطعام والشراب، والنساء، والارتماس في الماء »[4] تجد ما ذكرناه واضحاً أيضاً، حيث تدلّ على أنّ المطلوب هو الاجتناب عن الخصال الثلاث المذكورة، وهي وإن لم تصرّح بأنّ ذلك مطلوب ما بين الحدّين ولكنّه ينبغي أن يكون واضحاً، إذ لا يحتمل أن يكون ذلك مطلوباً خارج الحدّين المذكورين.

إذن عدم الاجتزاء بالصوم في غير شهر رمضان فيما لو تحقق ارتكاب المفطر بعد الفجر جهلاً لا نحتاج فيه إلى رواية خاصّة، بل ذلك على طبق القاعدة كما أشرنا. نعم، خرج شهر رمضان في حالة المراعاة لموثقة سماعة فيبقى حكم غيره على طبق القاعدة.

والجواب: أنّنا نسلّم أنّ المطلوب في باب الصوم هو الإمساك ما بين الحدّين، ولكن كون ذلك حكماً عامّاً حتى في حالة الجهل وجريان استصحاب بقاء الليل كما هو المفروض في المقام أوّل الكلام، إذ الآية الكريمة لم تذكر في منطوقها النهي عن الأكل والشرب من طلوع الفجر ليقال إنّ مقتضى الإطلاق آنذاك أنّ عدم استعمال المفطّرات من حين الفجر حكم عامّ يشمل حتى الجاهل الذي يجري في حقّه استصحاب بقاء الليل وليتعدّى إلى غير رمضان آنذاك بعدم الاستفصال، بل الذي جاء في منطوق الآية هو الحكم بجواز الأكل والشرب إلى طلوع الفجر، وبالمفهوم يُفهم عدم الجواز من حين طلوع الفجر، ونحن نعرف أنّ المفهوم يدلّ على نقيض ما يدلّ عليه المنطوق، والمفروض أنّ المنطوق يدلّ على موجبة كلّية وأنّ كلّ إنسان يجوز له الأكل والشرب إلى طلوع الفجر، فنقيضه يكون سالبة جزئية، أي أنّه لا يجوز في الجملة الأكل والشرب للصائم من حين الفجر، وليس النقيض سالبة كلية وأنّ كلّ إنسان ـ بما في ذلك الجاهل الذي يجري في حقّه استصحاب بقاء الليل ـ هو محكوم بعدم جواز الأكل من حين طلوع الفجر، وما دام المفهوم سالبة جزئية فيتمسّك فيه بالقدر المتيقّن، وهو الملتفت العالم الذي يعلم بطلوع الفجر، فمثله لا يجوز له الأكل والشرب، وأمّا غيره الذي هو جاهل بطلوع الفجر ويجري في حقّه استصحاب بقاء الليل فلا يدلّ المفهوم على أنّه محكوم بعدم جواز الأكل، ومعه يتمسّك بالبراءة، فلو فُرض أنّ الإنسان في شهر رمضان كان يشكّ في طلوع الفجر وأكل وشرب معتمداً على الاستصحاب كان صومه صحيحاً، إذ الآية بمفهومها لا تدلّ على اعتبار عدم الأكل والشرب في حقّه من حين طلوع الفجر ويشكّ أنّ ذلك ثابت في حقّه، فيتمسّك بالبراءة من اعتبار ذلك في حقّه.

إذن لم يثبت بلحاظ شهر رمضان الحكم المذكور ـ وهو عدم جواز الأكل من حين طلوع الفجر في حقّ الجاهل بالطلوع ـ لكي يتعدّى إلى غيره من أفراد الصوم بعدم الاستفصال. هذا بالنسبة إلى الآية.

وهكذا الحال في صحيحة محمد بن مسلم فإنّها بالمنطوق تدلّ على أنّه لا يضرّ بالصوم شيء ما دام قد تحقّق الاجتناب عن الخصال الثلاث، وأمّا إذا لم يجتنب عن الخصال الثلاث فالحكم بكون ذلك مضرّاً يُستفاد من المفهوم، وحيث إنّ المفهوم يدلّ على نقيض ما يدلّ عليه المنطوق والمفروض أنّ المنطوق يدلّ على قضية كلّية وأنّه إذا تحقّق الاجتناب عن الخصال الثلاث بأيّ شكل من الأشكال علماً أو جهلاً أو نسياناً فالصوم صحيح، فالمفهوم يدلّ على قضية جزئية وأنّه إذا لم يتحقق الاجتناب فيكون ذلك مضرّاً بالصوم في الجملة، والقدر المتيقّن من ذلك هو حالة الارتكاب العمدي، وعليه فلا يستفاد من المفهوم أنّ ارتكاب الخصال الثلاث في حالة الجهل بطلوع الفجر مضرّ بالصوم، وما أشرنا إليه مطلب يجدر التدقيق فيه.

________________________

[1] مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام 6: 93 كتاب الصوم.

[2] الوسائل 10: 115 ـ 116، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب44، ح3.

[3] البقرة: 187.

[4] الوسائل 10: 31، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب1، ح1.