32/04/21


تحمیل

والجواب :- انه لا معنى لان تقول إذا كان الضرر في أصل نبات الشعر فهو كالصيد إذا صال فلا كفارة ، وإذا كان لبقائه وكثرته فهو كالصيد إذا أكل في المخمصة فتثبت الكفارة ، إن هذه الطريقة مرفوضة وهي أشبه بالقياس والاستحسان ، والمناسب ملاحظة النص فان كان يعمم من حيث ثبوت الكفارة فنحكم بالكفارة في الموردين ، وان كان يفصل فنحكم بالتفصيل .

 وعلى أي حال لو رجعنا إلى النص فالمناسب ثبوت الكفارة في كلتا الحالتين أي سواء كان الضرر في أصل نبات الشعر أم في بقاءه وكثرته فمادام الشعر في الرأس وقد حلق فان الآية الكريمة تشمله بإطلاقها حيث قالت ( وأتموا الحج والعمرة لله فان أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية .....) إن قوله تعالى ( أو به أذى من رأسه ) يشمل كلتا الحالتين ولا يختص بما إذا كان الضرر وليد كثرته وبقاءه لا أصل وجوده.

وإذا قلت :- صحيح هي مطلقة باعتبار أن الأذى يصدق في كلتا الحالتين ولكن بعض الروايات فسرت هذه الآية كقصة كعب عندما مر عليه النبي (ص) ورأى القمل يتناثر من رأسه فجوز له أن يحلق ونزلت هذه الآية الكريمة وأمره بالكفارة ، فتكون الآية بعد ضم الرواية إليها خاصة بمن تناثر من رأسه القمل فيتم ما ذكره العلامة ، وهو ما تمسك به صاحب الحدائق[1] لنصرة العلامة.

قلت :- صحيح أنها نزلت في هذا المورد إلا انه إذا رجعنا إلى لفظ الآية وجدناه يعطي قانونا عاما وقد تعلمنا في الأصول إن العبرة بالوارد دون المورد فما دام الوارد عاما وله شمول وإطلاق فيؤخذ به حتى لو كان المورد خاصا .

 إذن في حالة حلق شعر الرأس يكون المناسب ثبوت الكفارة سواء كان الأذى في أصل نباته أم في كثرته وبقاءه.

 نعم لو فرض أن إزالة الشعر كانت في جزء آخر غير الرأس كالذي في أجفان العين وكانت هناك ضرورة لإزالته فالمناسب هو الجواز دون ثبوت الكفارة ، أما الجواز فباعتبار الضرورة والحرج ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ) وأما لا كفارة ، وذلك لأنها خاصة بحلف الرأس ( ولا تحلقوا رؤوسكم ) فالآية ناظرة إلى حلق الرأس أما إذا حلق غيره فلا دليل على ثبوت الكفارة فيه .

 إذن المناسب أن يفصل بين إزالة الشعر عن الرأس وعن غيره ، ففي الأول تثبت الكفارة مطلقا خلافا للعلامة حيث فصل ، وفي الثاني لا كفارة للقصور في المقتضي[2] .

النقطة الثانية :- إذا فرض أن المحرم أزال شعر الإبطين فعليه شاة ، وأما إذا أزاله عن إبط واحد فالا حوط ثبوت الشاة أيضا ، فالشاة ثابتة في كليهما إلا أنها في الأول ثابتة بنحو الفتوى وفي الثاني ثابتة بنحو الاحتياط الوجوبي ، وسيأتي بيان ذلك .

 هذا ولكن المشهور فصلوا وقالوا إن الشاة تثبت في نتف الإبطين أما الإبط الواحد فيثبت فيه إطعام ثلاثة مساكين فلاحظ الجواهر[3] والحدائق الناظرة[4] حيث قال (قد صرح الأصحاب بان في نتف الإبط إطعام ثلاثة مساكين، وفي نتفهما معا شاة ) وسبب هذا الاختلاف هو الروايات حيث توجد عندنا ثلاث روايات ، ولكن رغم قلة عددها صارت منشأ للاختلاف باعتبار بعض الخصوصيات التي اكتنفتها وهذه الروايات هي :-

الرواية الأولى :- صحيحة حريز عن أبي عبد الله (ع) : ( إذا نتف الرجل إبطيه بعد الإحرام فعليه دم )[5] هكذا رواها الشيخ الطوسي ، أي بصيغة ( إبطيه) بنحو التثنية ، بينما رواها الشيخ الصدوق عن حريز[6] بصيغة الإفراد وهذا احد أسباب الاختلاف .

الرواية الثانية :- رواية عبد الله بن جبلة عن أبي عبد الله عليه السلام (عن رجل نتف إبطه ، قال:- يطعم ثلاثة مساكين )[7] . وهذه دلت على أن من نتف إبطه ولم يحصل اختلاف في النقل عليه إطعام ثلاثة مساكين ، فهي من حيث الدلالة والمتن لا إشكال فيها ، وإنما الإشكال في سندها إذ رواها الطوسي بإسناده عن سعد بن عبد الله عن ابن الخطاب عن ابن هلال عن ابن جبلة عن أبي عبد الله عليه السلام ، وسند الشيخ إلى سعد بن عبد الله الأشعري القمي صحيح ونفس سعد هو من مفاخر أصحابنا ، وأما محمد بن الحسين بن أبي الخطاب فهو كذلك ، وأما عبد الله بن جبلة فهو ثقة ، نعم قيل انه واقفي ، ولكن هذا لا يضر إذ المدار على الوثاقة حيث جرت سيرة العقلاء على الأخذ بخبر الثقة ولا يضر فساد مذهبه ، خلافا لجماعة منهم صاحب المدارك حيث صرح في هذا المورد وقال إن ابن جبلة واقفي وهذا يعني انه لا تكفي عنده الوثاقة فالحجة عنده هو الخبر الصحيح دون الموثق .

 وأريد التأكيد على إن عبارات صاحب المدارك مختلفة ، ففي هذا المورد يتوقف وفي موارد أخرى يأخذ به. ومن هنا لا مشكلة، ولكن المشكلة في احمد بن محمد بن هلال فانه لم يذكر بتوثيق ولذلك قلنا أنها رواية.

الرواية الثالثة :- صحيحة زرارة المتقدمة ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول :- من نتف إبطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه ناسيا أو جاهلا فليس عليه شيء ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة )[8]

  والوارد في هذه الرواية لفظ (إبط) الصادق على الواحد وقد دلت أن عليه دم شاة.

والخلاصة :- إن الرواية الأولى صحيحة السند ولكن اختلف في أن الوارد فيها هل هو كلمة (إبط) بالإفراد أو (إبطيه) بالتثنية ودلت على أن الثابت هو الدم المنصرف إلى الشاة ، بينما الثانية ضعيفة السند ، وأما الثالثة فهي صحيحة والوارد هو كلمة (إبط) ودلت على كون الكفارة شاة .

 فماذا نصنع بهذه الروايات وكيف نخرج بالنتيجة ؟

[1] الحدائق - 15

[2] قد أشار إلى هذا الطلب صاحب المدارك 7 - 352 .

[3] الجواهر 2-413

[4] الحدائق15 - 522

[5] الوسائل ج13 - 161 - ب11 من بقية كفارات الإحرام ح11 .

[6] الفقيه 2 - 228

[7] المصدر السابق ح2

[8] الوسائل 13 - 160 ب10 من بقية كفارات الإحرام ح6 .