32/07/11


تحمیل

 ولعل هذا الوجه هو أحسن الوجوه التي يمكن التمسك بها لذلك ، ولعل شيخ الشريعة الأصفهاني[1] ذكر أنه في بعض روايات ( لا ضرر ولا ضرار ) قُيّد بـ ( على مؤمن ) أي ( لا ضرر ولا ضرار على مؤمن ) وفي بعضها الآخر ورد قيد ( في الإسلام ) أي ( لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ) ، وبهذه المناسبة وقع الكلام في أن القيد المذكور هل يبنى على تحققه وان هذه الزيادة قد وقعت في موقعها المناسب أو أن الصحيح هو النقيصة وعدم وجود القيد المذكور ؟ يظهر من شيخ الشريعة التمسك بأصالة عدم الزيادة ، واستند في ذلك إلى السيرة حيث قال ما نصه ( وبناءاً على القاعدة المطردة المسلمة :- إن الزيادة إذا ثبتت في طريقٍ قُدِّمت على النقيصة وحكم بوجودها بالواقع وسقوطها عن رواية من روى بدونها وان السقوط إنما وقع نسياناً أو اختصاراً ...... فينتج ما ذكر أن الثابت في قضية سمرة هي قوله " لا ضرر ولا ضرار على مؤمن " لا هما مجردين ) انتهى ما أفاده (قده).

 انه قد يظهر من هذه العبارة أن هذه القاعدة مطردة ومسلمة ، يعني أن السيرة قد جرت عليها .

 وعلى أي حال قد يستدل على القاعدة المذكورة بالسيرة الممضاة بسبب عدم الردع.

وفيه:- انه تارة يستعان بفكرة حساب الاحتمال ويدعى انعقاد السيرة بعد الأخذ بحساب الاحتمال بعين الاعتبار ، وأخرى يقطع النظر عن حساب الاحتمال.

فعلى الأول:- لا يبعد انعقاد السيرة ، كما إذا فرض أن راوي الزيادة كان متعدداً بينما راوي النقيصة كان واحداً ، أنه بحساب الاحتمال سوف يقوى احتمال وقوع الزيادة في موقعها المناسب لاستبعاد اشتباه الاثنين أو الثلاثة في مقابل الواحد.

وبالجملة:- إذا أخذنا حساب الاحتمال بعين الاعتبار أي لاحظنا الخصوصيات التي تزيد من احتمال كون الزيادة قد وقعت في موقعها المناسب فلا يبعد انعقاد السيرة حقاً على ذلك ، فانه بعد قوة احتمال ثبوت الزيادة لا يبعد أن العقلاء يبنون على ذلك ، ولعل الشيخ النائيني (قده)[2] يبني على هذا وان لم يصرح به ، أي يبني على أن السيرة قد انعقدت بعد أخذ حساب الاحتمال بعين الاعتبار حيث ذكر ما معناه ( أن مبنى الأصل المذكور هو أبعدية احتمال الغفلة بالنسبة إلى الزيادة عنها بالنسبة إلى احتمال النقيصة ) ثم قال ( إن هذه الابعدية لا تتم فيما لو كان الراوي للزائد واحداً وللناقص متعدداً ) انتهى مضمون كلامه (قده).

 أن هذا يفهم منه أن حساب الاحتمال قد أخذه بعين الاعتبار ولذلك قال إذا كان الراوي للزيادة واحداً بينما الراوي للنقيصة متعدداً لا يبنى على ثبوت الزيادة وأنها وقعت في موقعها المناسب.

وبالجملة :- لا يبعد انعقاد السيرة إذا أخذنا حساب الاحتمال بعين الاعتبار ، ولكن ربما يكون حساب الاحتمال لصالح النقيصة دون الزيادة ، فيبنى آنذاك على النقيصة دون الزيادة فيحكم بأن النقيصة هي المطابقة للواقع كما في الحالة التي أشار إليها الشيخ االنائيني (قده) ، وكما هو الحال في مسألتنا وهي أن الشيخ الطوسي (قده) نقل صحيحة أبي بصير مع إضافة كلمة ( قيمة ) أي قيمة مد لكل ظفر ، بينما الشيخ الصدوق (قده) نقلها من دون لفظ ( قيمة ) إننا رجحنا الاحتمال الثاني لقرينتين سبقت الإشارة إليهما ، يعني أخذنا حساب الاحتمال بعين الاعتبار وعلى أساسه رجحنا النقيصة. إذن إذا أدخلنا حساب الاحتمال فربما تكون النتيجة لصالح النقيصة دون الزيادة.

وعلى الثاني:- يعني إذا لم ندخل حساب الاحتمال ولم نأخذه بعين الاعتبار وقطعنا النظر عن المزايا الأخرى ونظرنا فقط وفقط إلى احتمال الزيادة والى احتمال النقيصة من دون أي خصوصية أخرى ولا يبعد أن محل الكلام هو هذا فدعوى انعقاد السيرة بنحو الجزم على البناء على الزيادة وأنها في موقعها المناسب شيءٌ صعبٌ ، أي لا نجزم بانعقاد السيرة على ذلك

وخلاصة كل هذا:- انه إذا لم نلحظ الخصوصيات التي تقوّي أحد الاحتمالين فدعوى انعقاد السيرة على أحدهما شيء مشكل ، وأما إذا نظرنا إلى الخصوصيات فذاك تمسك بحساب الاحتمال وقد تكون النتيجة هي البناء على النقيصة دون الزيادة.

 وعليه فالأصل المذكور لا يمكن ثبوته عقلائياً والاستعانة به للوصول إلى بعض النتائج الفقهية ، كلا انه لم يثبت انعقاد السيرة على ذلك.

 وعليه ففي مقامنا الذي فرض فيه أن الشيخ الطوسي (قده) قد نقل صحيحة أبي بصير مع قيد ( قيمة ) بينما الشيخ الصدوق (قده) نقلها من دونها فان قبلنا ما ذكرناه من الوجهين لترجيح النقيصة حكمنا بالنقيصة وعدم وجود القيد المذكور ، وأما إذا رفضنا الوجهين المذكورين وحكمنا بضعفهما فماذا نصنع ؟ انه يوجد نقلان والسند في كليهما معتبر ، فان كان السند في أحدهما معتبراً دون الآخر أخذنا بخصوص المعتبر ، أما بعد فرض اعتبارهما معاً والمفروض أنا رفضنا أصالة عدم الزيادة بعد فرض أن حساب الاحتمال ليس في صالح الزيادة ، فماذا نصنع ؟ انه يتحقق التعارض بين النقلين ، وبالتالي يتساقطان ونرجع إلى ما يقتضيه الأصل وهو يقتضي البراءة ، فانا نشك هل أن الواجب هو خصوص القيمة ولا يكفي نفس المد من الطعام والأصل يقتضي البراءة من ذلك إذ هذه خصوصية زائدة يشك في ثبوتها ، وهكذا نشك في تعيّن خصوص المد وعدم كفاية القيمة وهذه أيضاً خصوصية زائدة يشك في ثبوتها ويكون مقتضى الأصل عدم تعيّنها ، فننفي عدم تعيّن القيمة وعدم تعيّن المدّ ، وبالتالي تصير النتيجة هي التخيير.

وباختصار:- بعد إنكار الأصل المذكور يتحقق التعارض والتساقط ونرجع إلى الأصل ونأخذ بما يقتضيه ، وذلك يختلف باختلاف الموارد ، وفي مقامنا هو يقتضي التخيير.وبهذا ننهي حديثنا في هذه المسألة.

ولكن بقي استدراك يرتبط بالقضية الثالثة من القضايا الثلاث السابقة ، فإننا ذكرنا فيها فروعاً أربع , والآن نذكر فرعين آخرين:-

الفرع الخامس:- لو قص المحرم بعض ظفره لا جميعه كنصفه أو ربعه - فانه لو قصه بالكامل فعليه مدّ أو قيمة مدّ من طعام كما قلنا - فهذا لا إشكال في حرمته فان المستفاد من الروايات أن القص ولو كان بالمقدار المذكور هو محرم ومبغوض ، وإنما الكلام هو في الكفارة ، فهل يثبت عليه مدّ من طعام ؟ لا يبعد ذلك فيما إذا كان القص بمقدارٍ معتدٍّ به بحيث يصدق قص الظفر لا ما إذا كان قليلاً جداً ، والوجه في ذلك هو أن الإمام عليه السلام في صحيحة أبي بصير سئل عن رجل قص ظفراً من اظافيره وهو محرم وأجاب عليه السلام عليه في كل ظفر مدّ أو قيمة مدّ من طعام ولم يستفصل بين ما إذا كان القص قصّاً لجميع الظفر أو لبغضه فان عبارة السائل عبارة صالحة لأن تشمل كلا الفرضين وحيث انه عليه السلام لم يستفصل فيمكن أن يستفاد من ذلك أن المدً ثابت حتى في قص بعض الظفر.

 نعم قد يدعى ويقال:- لعل الإمام فهم من صيغة السؤال أن القصَّ قصٌّ لجميع الظفر ، ومعه لا يمكن تطبيق فكرة عدم الاستفصال لاستكشاف العموم ، وهذا شيء وجيه إذا فرضنا أن صيغة السؤال هي صالحة لفهم هذا الاحتمال بخصوصه ، وآنذاك يتمسك بالبراءة عن وجوب الكفارة ، أما إذا قلنا أن صيغة السؤال صالحة لكلا الفرضين على حد سواء كما هو ليس ببعيد فيكون التمسك بفكرة ترك الاستفصال شيئاً وجيهاً.

الفرع السادس:- لو فرض أن شخصاً آخر قصَّ أظافر المحرم ، فهل تثبت الكفارة على هذا أو ذاك ؟

[1] رسالة لا ضرر 12.

[2] في رسالته المعروفة برسالة لا ضرر 192.