36/04/28


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 1 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
وفي ذلك احتمالات ثلاثة ثالثها أقواها وأوّلها أضعفها هي:-
الاحتمال الأوّل:- أنّ يقال إنّ هذا الاشتراط من باب أنّ العاقل عادةً لا يُقدِمُ على شراء شيءٍ إلا إذا كانت هناك منفعة فذكر ذلك من باب النظر إلى عالم الخارج، فأنت حينما تقدم على معاملةٍ لابدّ وأن تكون فيها من باب أنّك عاقل لا أكثر.
إذن بناءً على هذا الاحتمال يكون هذا الاشتراط ليس اشتراطاً شرعيّاً بل هو من باب أنّ الواقع العملي والخارجي كذلك.
الاحتمال الثاني:- أن يكون المقصود من اشتراط المنفعة هو الإشارة إلى أنّه يلزم أن لا تكون جميع المنافع محرّمة، فتارةً يفترض أنّ منافع الشيء محلّلة ولا توجد فيه منفعة محرّمة ولكن المنافع المحلّلة ليست مقصودة لدى العقلاء - كالورقة وكصورة جدّي - ولكن في نفس الوقت لا توجد فيها منفعة مقصودة، ومرّة نفترض أنّ المنافع الموجودة فيه مقصودة لكنّها محرّمة بأجمعها ولا توجد فيه منفعة محلّلة.
فإذا كان المقصود من اشتراط المنفعة المقصودة الإشارة إلى أنّه لا يكفي أن لا يكون فيها منفعة مقصودة فالإشكال واردٌ فيقال أنت لا تشترط أن يكون الشيء مالاً وتقول إنّ العاملة السفهيّة صحيحة فاشتراطك هذا في غير محلّه.
أمّا إذا كان يقصد من ذكر هذا ردّ الاحتمال الثاني - يعني في أن تكون جميع منافع الشيء محرّمة - فهو يريد أن يقول يلزم في بيع الأعيان النجسة غير الأربعة أن لا تكون جميع منافعها محرّمة وإلا إذا كانت محرّمة بأجمعها فهذا معناه أنّه قد أُلغِيَ التعامل بها شرعاً، فإذا كان يريد هذا فهو له وجاهة إذ لو فرض أنّ جميع منافع الشيء محرّمة كالخمر مثلاً فهذا معناه أنّه أُلغِيَت ماليّته وأُلغِيَ التعامل به ولا يرضى الشرع التعامل به، وإذا كان هذا مقصوده فهو شيءٌ وجيهٌ ولكن يبقى أنّ هذا مجرّد احتمال والإشارة إليه توجب الإيهام.
الاحتمال الثالث:- إنّه ذكر هذا الاشتراط من باب الاحتياط الوجوبي ولكن سهى القلم أن يكتب ذلك، ومنشأ الاحتياط الوجوبي هو أنّ هناك إجماعاً يتراءى من كلمات بعض الأصحاب على اشتراط الماليّة في العوضين كما ذكر صاحب الجواهر(قده)، والقاعدة وإن اقتضت عدم الاشتراط ولكن لأجل شبهة الإجماع لا بأس بأن نعتبر المنفعة من باب الاحتياط تحفظاً عن مخالفة الاجماع إذ من دون وجود منفعةٍ محلّلةٍ مقصودةٍ سوف لا يكون مالاً وإذا لم يكن مالاً فالإجماع يُبطِل المعاملة عليه، ونحن وإن كنّا نرفض الإجماع ولكن الاحتياط لأجله شيء حسن فلذلك نشترط المنفعة المقصودة من باب الاحتياط الوجوبي تحفظاً من مخالفة الإجماع المدّعى من قبل صاحب الجواهر(قده) وغيره.
إن قلت:- إنّ عبارة المتن لا يوجد فيها هذا الكلام فمن أين أتيت به ؟
قلت:- شاهدي على ذلك المسألة السابعة فإنّه اشترط فيها وجود المنفعة المحلّلة المقصودة بنحو الاحتياط الوجوبي، ونصّ المسألة:- ( مسألة7:- الأعيان المتنجسة كالدبس و....... إذا لاقت النجاسة يجوز بيعها والمعاوضة عليها إن كانت لها منفعة محلّلة معتدّ بها عند العرف ويجب إعلام المشتري بنجاستها ولو لم تكن لها منفعة محلّلة لا يجوز بيعها ولا المعاوضة عليها على الأحوط )[1] . إذن هو اشتراط المنفعة المحلّلة من باب الاحتياط وإذا كان ذلك من باب الاحتياط فمن المناسب أن يشير إليه في مسألتنا.
وقبل الانتقال إلى المسألة التالية نقول:- ذكرنا أنّه ورد في ذيل العبارة تجويز بيع العذرة للتسميد والدم للتزريق ولا بأس من باب الإشارة الخاطفة التعرّض إلى هذين العنوانين:-
جواز بيع العذرة للتسميد العذرة:-
وقع الكلام في أنّه هل يجوز بيع العذرة للتسميد أو لا ؟ ومنشأ هذا الخلاف وجود ثلاث روايات في المسألة ذكرها صاحب الوسائل(قده) رواية تدلّ بظاهرها على نفي الجواز وراية ظاهرها الجواز ورواية ثالثة جمعت بين الجواز وعدمه:-
أمّا الرواية الأولى التي نفت الجواز:- فهي رواية يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( ثمن العذرة من السحت )[2]، وهي ضعيفةٌ من حيث السند لأنّه رواها الشيخ الطوسي(قده) بإسناده عن الحسن بن محمد بن سماعة عن عليّ بن مسكين - أو سُكَين على اختلاف النقل - عن عبد الله بن وضّاح عن يعقوب بن شعيب، وعليّ بن سكين مجهول الحال.
الرواية الثانية التي تدلّ على الجواز:- هي رواية محمد بن مضارب عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( لا بأس ببيع العذرة )[3]، وسندها كالتالي:- ( الشيخ الطوسي بإسناده عن احمد بن محمد عن الحجاج عن ثعلبة عن محمد بن مضارب )، وأحمد بن محمد يحتمل أنّه ابن عيسى الأشعري القمّي أو البرقي وكلاهما لا مشكلة فيه، وسند الشيخ إليه لا مشكلة فيه أيضاً، أمّا الحجاج وثعلبة فلا مشكلة فيهما، وأمّا محمد بن مضارب فهو لم تثبت وثاقته، فهي رواية بهذا الاعتبار.
الرواية الثالثة التي جمعت بين المطلبين:- هي موثقة سماعة بن مهران قال:- ( سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام وأنا حاضر فقال:- إني رجلٌ أبيع العذرة فما تقول ؟ قال:- حرامٌ بيعها وثمنها، وقال:- لا بأس ببيع العذرة )[4]، فكيف العلاج ؟
في هذا المجال نقول:- إمّا أن نبني على تماميّة جميع هذه الروايات الثلاث سنداً، أو نبني على تماميّة خصوص الثالثة . ثم إنّ الثالثة فيها احتمالان فيحتمل أنّ الجمع بين ( قال وقال ) إمّا من باب الجمع بين المرويّين وإمّا من باب الجمع بين الروايتين، يعني مرّة نقول إنّ الإمام في نفس الرواية قال مرّةً هكذا وقال مرّة هكذا فكأنه نظر يمنة وقال لا بأس ونظر يسرة وقال لا يجوز فهذا يصير جمعاً بين المرويّين يعني أن نفس الامام ذكر كلا الحكمين في روايةٍ واحدةٍ وفي مجلسٍ واحد، ومرّةً ندّعي أنّ الجمع هو بين الروايتين يعني أنّ الامام لم يقل إلّا أحد هذين فقال ( لا بأس ببيع العذرة ) ولكن الراوي أخذ الجواب من روايةٍ ثانيةٍ وضمّه إلى هذه الرواية وهذا شيءٌ متداولٌ بيننا ولنعبّر عن هذا بالجمع بين الروايتين.
والأقرب هو الثاني لأنّه لو كان الأوّل هو الصحيح لكان من المناسب أن يسأله الراوي عن هذا الاختلاف في الحكم فسكوت سماعة وعدم اعتراضه على الإمام يدلّ على أنّ القضيّة طبيعيّة وإنما تكون طبيعيّة فيما إذا فرضنا وجود روايتين مستقلّتين ولكنّ سماعة جمع بينهما في النقل، والنتيجة واحدة لا تتغير.
فإن بنينا على اعتبار خصوص الثالثة وألغينا الأولى والثانية عن الاعتبار:- فإن قلنا بأنّ الجمع جمعٌ بين المرويّين فالمناسب حصول الإجمال فتسقط الرواية عن الاعتبار وبذلك نرجع إلى العمومات مثل ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ فتكون النتيجة هي الصحّة.
وإن بنينا على أنّ الجمع جمعاً بين الروايتين فالنتيجة هي أنّه حيث لا يوجد جمعٌ عرفيٌّ - ولا نصنع كما صنع الشيخ الطوسي(قده) حيث حمل المانعة على عذرة الإنسان وحمل الثانية على عذرة غيره فإنّ هذا لا عبرة به - فالتعارض يكون مستقراً فتصل النوبة إلى المرجّحات إن كانت وإلا فيتساقطان ونرجع إلى العمومات، وهل توجد مرجّحات ؟ نعم هي الموافقة لإطلاق ﴿اوفوا بالعقود ﴾[5] فالتي تقول ( لا بأس ) هي موافقة لإطلاق الكتاب ولكن بناءً على أنّ الموافقة لإطلاق الكتاب تعدّ من جملة المرجّحات، أمّا إذا بنينا على مبنى السيد الخوئي(قده)[6] [7] [8] [9] الذي يقول فيه بأنّ الاطلاق ليس كتاباً بل هو وليد مقدّمات الحكمة - حكم العقل - وليس مستفاداً من اللفظ فإذا لم يكن مستفاداً من اللفظ فلا يصدق عليه عنوان الكتاب وبالتالي موافقته ليست موافقة للكتاب فتتعارضان من دون مرجّحٍ فتسقطان فنرجع إلى العموم وتكون النتيجة واحدة.
وأمّا إذا بنينا على أنّ جميع الروايات الثلاث معتبرة فالنتيجة نفس النتيجة لأنّه إمّا أن نبني في الرواية الثالثة على الجمع بين المرويّين فتصير مجملة فنحذفها من الحساب وتبقى المعارضة بين الأولى والثانية فيأتي فيهما أنّ التي تقول ( لا باس ) موافقة للكتاب فتكون هي المقدّمة، وإذا بنينا على أنّ الموافقة للإطلاق ليست معتبرة كما بنى عليه السيد الخوئي(قده) فلا يمكن الجمع العرفي فيتساقطان ونرجع إلى الاطلاق كمرجعٍ لا كمرجّح.
وإذا قلنا إنّ الجمع في الرواية الثالثة هو جمعٌ بين الروايتين فالنتيجة نفس النتيجة، فكأنه يحصل عندنا روايتان من هذا الجانب تقولان ( لا بأس ) وروايتان من ذاك الجانب تقولان ( هو سحت ) وفي مثل هذه الحالة إذا قلنا بأن إطلاق الكتاب مرجّح فتترجّح رواية الجواز وإذا قلنا هو ليس بمرجّح فيتساقطان ونرجع إلى الإطلاق كمرجع.
إذن النتيجة لا تختلف وقد اتضح أنّ المناسب هو الجواز.


[7] موسوعة السيد الخوئي ( مصباح الاصول )، الخوئي، تسلسل48، ص517.
[9] موسوعة السيد الخوئي، الخوئي، تسلسل2، ص378، وقد ذكرت سابقاً أن هذا الرأي لم أسمعه من السيد الخوئي طيلة فترة خضوري عليه وإنما قرأته في كلماته القديمة، كما أنه في موارد أخرى يجعل إطلاق الكتاب من المرجحات.