36/06/10


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 8 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
وأمّا بالنسبة إلى الصفحة الموضوعة في الصندوق المذكور والتي قد سُجِّل عليها الغناء:- فقد ذكر السيد الماتن(قده) أنّها من الآلات المختصّة بالحرام، وهكذا بالنسبة إلى أشرطة التسجيل في زماننا التي سُجِّل عليها الغناء.
ولكن يمكن أن يقال:- إنّ هذا تامّ في حالتين، الأولى فيما إذا فرض أنّه لم يمكن إزالة الغناء عن الصفحة أو عن شريط التسجيل أمّا إذا أمكن ذلك فلا يتمّ كلامه، والثانية ما إذا أمكن المحو ولكن لا تعود هناك قيمة للصفحة أو لشريط التسجيل وكأنّ تمام القيمة هو لما سُجّل على ذلك وإلا فنفس الصفحة أو الشريط بعد التسجيل عليه يسقط عن القيمة فتمام القيمة يكون لما سُجِّل فيه أي للظرف دون المظروف، وكان من المناسب له(قده) أن يفصّل كما ذكرنا، يعني يقول هكذا ( وأما الصفحة وشريط التسجيل فهو من الآلات المختصّة بالحرام إذا لم يمكن الإزالة أذ لا تعود هناك قيمة للشيء إذا أزيل عنه الغناء وإلا فهو من الآلات المشتركة )، وهذه ملاحظة مهمّة ينبغي الالتفات إليها.
الأمر الثاني:- لو لم يمكن الإزالة فيصير آنذاك من الآلات المختصّة بالحرام كما قلنا.
ونطرح آنذاك تساؤلاً:- وهو أنّه هل يجوز بيعها أو لا بعد الالتفات إلى أنّ الروايات المتقدّمة كانت تأخذ عناوين يمكن أن يقال هي لا تنطبق على مثل صندوق حبس الصوت أو على شريط التسجيل فإن العناوين التي أخذت في الروايات هي إمّا عنوان الأوثان والأصنام والصلبان أو عنوان آلات القمار كالميسر والشطرنج وما شاكل ذلك أو عنوان المزمار وما شاكل ذلك، فقد يقال بأنّ هذه الروايات غير شاملة فهل بيع مثل ذلك - أي صفحة صندوق حبس الصوت أو الشريط الذي عليه الغناء في حالة عدم إمكان الإزالة والمحو - حرام أو لا ؟
قد يقال:- نعم يحرم ذلك لا من جهة تلك العناوين حتى يقال بأنها لا تنطبق على ذلك بل من جهة أنّ بيع هذه الأمور هو تشجيعٌ على الباطل والانحراف والحرام، فمن يبيع صفحات عليها الغناء فلا إشكال في أنّ هذا تشجيعٌ على الحرام، فعلى هذا الأساس يكون البيع محرّماً ولا ينبغي التأمل في ذلك.
ولكن يمكن أن يقال:- إنَّ التشجيع على الانحراف والباطل لا يحصل بنفس البيع وإنما بالتسليم والتوزيع والاعطاء سواء فرض وجود بيعٍ أو لا، فلو فرض أنه يوزّع هذه الصفحات من دون بيعٍ فهذا تشجيعٌ، وإذا فرض أنّه يبيعها ولكن من دون تسليمٍ فهذا لا ينطبق عليه عنوان التشجيع .
إذن عنوان التشجيع ليس صادقاً على عنوان نفس البيع حتى نقول بحرمته ومن ثم حتى نتكلّم في بطلانه وإنما هو صادقٌ على التسليم، فعلى هذا الأساس ربما يقال إنّ نفس البيع ليس بمحرّم.
ولكن رغم هذا يمكن الحكم بالحرمة ولو على مستوى الاحتياط الوجوبي لبيانين:-
البيان الأوّل:- ما تقدّمت الاشارة إليه في آلات اللهو كالمزمار والأوتار والعود وما شاكل ذلك فإنّ هذه الأشياء احتطنا وجوباً بحرمة بيعها لبعض النكات من قبيل أنّ المشهور بين الفقهاء ذلك وتحفظاً من مخالفة المشهور نصير إلى الاحتياط الوجوبي، ومن قبيل رواية أبي الجارود أو الرواية الثانية التي كان فيها ما يمكن أن يستفاد منه تحريم نفس البيع وموردها وإن كان هو المزمار ولكن لا خصوصيّة له وإنما المهمّ هو الآلة التي تخرج منها أصوات محرّمة، مضافاً إلى إنه ربما يقال إنّ المسألة عامّة البلوى، فنحن لنكاتٍ ثلاثة احتطنا وجوباً بحرمة نفس البيع .
ونفس هذا الكلام يأتي في مقامنا فإنّ الفقهاء قالوا بأنّ كلّ آلة للحرام ويخرج منها الصوت الحرام يحرم بيعها، فالمأخوذ في كلماتهم والذي تمّ الاتفاق عليه أو المشهور هو هذا العنوان العام، فإذن الشهرة التي احتطنا لأجلها أو رواية أبي الجارود أو غيرها تأتي هنا، إذن هذا بيان يمكن أن يكون منشأً لحرمة نفس البيع ولكن على مستوى الاحتياط الوجوبي.
البيان الثاني:- نحن نريد أن نكتب كتاباً للناس ولا نريد أن نعطي لهم قضيّة علميّة، فلو كنا نريد إعطاء قضيّة علميّة فمن المناسب أن نكتب لهم في الرسالة العملية ( الدفع حرامٌ وإن لم يكن نفس البيع حراماً )، ولكن بما أنا نريد أن نتكلّم مع الناس والبيع عادةً يُقصَد من ورائه التسليم فالبيع ملازمٌ للتسليم فبالتالي سوف نحكم بالحرمة من باب أنّ البيع مأخوذٌ كطريقٍ إلى التسليم فنحكم على البيع بالحرمة لا بما هو هو بل بما هو طريقٌ إلى التسليم ولا بأس حينئذٍ إذا كان هذا هو المقصود.
ثم أنّ عبارة المتن أشارت إلى التلفزيون وقالت إذا عدّ من آلات اللهو والمختصّة بالحرام فلا يجوز بيعه، وهنا يمكن أن يقال:- إنّه ليس من الآلات المختصّة بالحرام بل فيه أمورٌ محلّلة، فهذا التعليق لا معنى له بل لابد من الجزم بأنّه من الآلات المشتركة، ولكني أظن أنّ القضيّة قد لوحظ فيها ذلك الظرف باعتبار أنّ التلفزيون في ذلك الوقت كان فيه الشيء الكثير من الحرام ويحذر على الناس منه فعلى هذا الأساس لشبهة أنّه من الآلات التي يغلب عليها الحرام ولأجل أن لا نعطي ذريعةً للناس في شراء التلفزيون، والفقيه يلزم أحياناً أن يلاحظ في فتواه القضايا المحيطة به والعناوين الثانويّة ولابد وأن تكون فتواه بشكلٍ مناسب لذلك، يعني لا ينبغي أن يُفهَم من فتواه شيء يستفيد منه الناس فائدةً غير صحيحة ومن ذاك هذا المورد.
الأمر الثالث:- إنّه ورد في ذيل العبارة التعرّض إلى آلات التسجيل وعبّر عن ذلك بــ ( وأمّا المسجلات ) وقال هي من الأمور المشتركة، وما أفاده شيء جيّد ولكن لا أرى داعياً إلى ذكرها فإنّ هذا مطلب واضح فإنّا لا نجد نكتةً تقتضي التعرّض إليه.
نعم الشريط المسَجّل فيه الغناء فهذا قد تعرّض إليه أوّلاً أمّا تعرضه إلى نفس جهاز التسجيل فلا داعي إليه فإنه ليس فيه شبهة أنّه لا يجوز وأنّه من الآلات المختصّة بالحرام فلو اهمله لكان أولى، وهكذا من أراد أن يكتب رسالةً جديدةً عليه أن يهمل صندوق حبس الصوت والتلفزيون أيضاً إذ لا حاجة إلى ذلك.
الأمر الرابع:- ذكرنا أنّ الآلات المختصّة بالحرام ماذا يقصد بها ؟ لا يقصد بذلك أنّه لا يمكن أن يستفاد منها في المجال المحلّل أبداً وإنما المقصود هو أنّ الطابع العام لها هو ذلك - يعني الاستفادة منها في المجال الحرام - وإن كان يمكن أن نستفيد منها في المجال المحلّل ولكن فائدةً غير مقصودة، وغالب الأشياء فيها فوائد غير مقصودة حتى مثل المزمار الذي هو الآلات المختصّة بالحرام إذ يمكن أن نضعه في الجدار ونعلّق عليه الملابس مثلاً ولكن هذا لا يعدّ فائدةً له، فالمقصود من كون الآلة مختصّة بالحرام يعني أن يكون ذلك هو الطابع العام وأما بقية الفوائد المحلّلة فهي بحكم العدم.
والشيء المهم الذي أريد أن أشير إليه:- هو أنّه قد يكون الشيء بحسب طبعه ووضعه من الآلات المشتركة ولكن الناس يستفيدون منه في المجال المحرّم ويندر الاستفادة منه في المجال المحلّل ولكن هذه الندرة لم تنشأ من كون نفس الجهاز لا يصلح إلا للحرام بل لسوء اختيار الناس، فلو فرضنا أن الناس يستفيدون من الأنترنيت في زماننا في المجال المحرّم ولكنّه فيه مجالٌ محلّل بيد أن الناس لانحرافهم يستفيدون منه عادةً في المجال المحرّم دون المحلّل فمثل هذا هل يعدّ من الآلات المختصّة بالحرام أو من الآلات المشتركة ؟ فهل المدار على طبع الشيء الأوّلي أو على عالم الخارج والاستفادة الخارجيّة ؟
والجواب:- المناسب أن يكون المدار على طبع الشيء وليس على الاستفادة الخارجيّة، فالسكين قد صنعت للمحلّل والمحرّم وواقع الحال أنها يستفاد منها في كلا المجالين ولكن لو فرضنا أنّ شعباً من الشعوب لا يستفيد منها إلا للقتل فهذا لا يعني أنها صارت من الآلات المختصّة بالحرام، فعلى هذا الأساس الاستفادة الخارجيّة في مجال الحرام لا يصيّر الشيء من الوسائل المختصّة بالحرام، ولكن ينبغي للفقيه في مثل هذه الحالة - وإن كانت الصناعة تقتضي الجواز - أن يلاحظ العناوين الثانوية ويحاول أن يقف سداً منيعاً أمام تصرفات الناس فيحتاط مثلاً في المنع من شرائها لأجل هذه النكتة - وهي غلبة الاستفادة منها في الحرام - فيحتاط مثلاً لأجل أن لا ينتشر الحرام، وهذه قضيّة جانبيّة ولكن يبقى الأمر كما أشرنا إليه وهو أنّ المناسب أن يكون الشيء من الآلات المشتركة.
ثم نلفت النظر إلى أنّ الآلات المشتركة كما أشرنا سابقاً يجوز بيعها والتعامل عليها لنكتتين:-
الأولى:- وهي بمثابة الجواب الحلي وذلك بأن يقال:- إنه لا دليل على التحريم فالأصل يقتضي البراءة، فالسكين مثلاً لا موجب لتحريمها وتحريمها هو الذي يحتاج إلى دليل فعلى هذا الأساس لا تكون المعاملة عليها حرام من باب أنّه لا موجب للحرمة فنتمسّك بالبراءة.
الثانية:- وهي بمثابة النقض فنقول:- إذا كانت الوسائل المشتركة لا يجوز بيعها فلابد وأن نلتزم بأنّ الكثير من الأشياء يحرم بيعها والحال أنّه لا يلتزم أحدٌ بذلك، فالسكين والسيّارة وما شاكل ذلك هي من الوسائل المشتركة فيلزم تحريم التعامل عليها وهل يمكن لفقيهٍ أن يلتزم بذلك ؟!!
إذن التعامل عليها جائزٌ حلّاً ونقضاً.
بقى شيء:- وهو أنّ عبارة المتن طويلة فهو(قده) قد أطنب إطناباً قد يكون مشوّشاً وموجباً لعدم إمكان ضبط المطلب، ويمكن أن نختصر العبارة فنقول:- ( الآلات التي منفعتها محرّمة هي على نحوين فتارةً تنحصر فائدتها في ذلك وغيرها لا يعدّ فائدة لها، وأخرى تكون مشتركة بينها وبين الفائدة المباحة، والأولى - التي منها شعائر الكفر كالصنم والصليب ومنها آلات القمار النرد والشطرنج ومنها آلات اللهو كالآلات المختصة بالموسيقى المحرمة - يحرم التعامل عليها بل لا يصحّ، بخلاف الثانية فإنّه جائز وصحيح كالأنترنيت في زماننا، نعم الاستفادة منها في المجال المحرّم ليس بجائز ).