36/11/21


تحمیل

الموضـوع:- مسألة ( 16 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.

أمورٌ ترتبط بالمقام:- هناك بعض الأمور المرتبطة بمسألة تصوير الحيوان نذكر منها ما يلي:-

الأمر الأوّل:- إذا فرض أنّ شخصاً رسم صورة حيوان بالكامل من دون أن يشاركه أحد في ذلك فهذا هو القدر المتيقّن من دليل الحرمة ، بيد أنّه توجد حالتان نريد بحثهما:-

الأولى:- ما لو فرض أنّه هناك مجموعة من الأشخاص والشخص الأوّل منهم رسم رِجل الحيوان والثاني رسم يديه .... الخ فهنا هل تثبت الحرمة على جميعهم أو على بعضهم - هذا عند إتمامهم للصورة - ؟

الثانية:- ما لو فرض أنّ الصورة كانت مركّبة من أجزاءٍ بحيث يكون ضمّ بعض الأجزاء إلى البعض الآخر يتمّم الصورة - كبعض الألعاب - ، فالرِجل مرسومةٌ في ورقةٍ واليد مرسومة على ورقة أخرى وهكذا وعند جمعها يتشكّل صورة حيوان.

وأحسن من ذلك مثال الدمى فإنّها مركّبة من أجزاءٍ ، فلو فرض أنّ الطفل فكّك الدمية إلى أجزاءٍ وأردت أن أجمعها له فهل هذا الفعل حرام أو لا - أي ضمّ بعض الأجزاء إلى بعضٍ حتى تكتمل الدمية - ؟

وفي هذا المجال ذكر الحاج ميرزا علي الايرواني(قده)[1] ثلاثة احتمالات:-

الاحتمال الأوّل:- أن تكون الحرمة قائمة بالمجموع من حيث المجموع - يعني الذي يرسم المجموع بقيد المجموع هو المحرّم - وبناءً عليه ففي الحالتين المذكورتين كما في الحالة الأولى هل تكون الحرمة ثابتة لأحدهم ؟ كلّا لا تثبت للأوّل الذي رسم اليد لأنّه لم يرسم المجموع ، وهكذا لا تثبت الثاني والثالث وهكذا الأخير لأنّه لم يرسم المجموع أيضاً وإنما رسم جزءاً يحتاج إليه المجموع.

إذن الحرمة بناءً على هذا الاحتمال لا تكون ثابتة لأيّ واحدٍ منهم فلا يكون أيّ واحدٍ منهم عاصياً.

الاحتمال الثاني:- أن تكون الحرمة ثابتة للهيئة المجموعيّة ، يعني متى ما تحقّقت الهيئة المجموعيّة بحيث صدق عليه صورة حيوان فآنذاك تكون حراماً ، فبتحقيق الهيئة تثبت الحرمة ، وليس المدار على رسم المجموع بل المدار على تحقيق عنوان الهيئة الاجتماعيّة التركيبيّة.

وعلى هذا يكون المناسب أنّه لا تثبت الحرمة للأوّل ولا للثاني وإنما تثبت للأخير فإنّه حقّق الهيئة المجموعيّة - هذا في الحالة الأولى - ، وأمّا في الحالة الثانية فهي أيضاً كذلك ، فالذي يجمع الأجزاء هو قد حقّق الهيئة المجموعيّة فيكون مرتكباً للحرام ، فالمدار على الهيئة المجموعيّة وليس على المجموع بما هو مجموع.

الاحتمال الثالث:- أن تكون الحرمة منصبّة على جزءٍ جزء وليس على المجموع بما هو مجموع ولا على الهيئة التركيبيّة المجموعية ، نظير القتل ، فلو اشترك خمسة أشخاصٍ في قتل شخصٍ بأن طعنه كلّ واحدٍ منهم طعنةً تؤثر في قتله فالحرمة هنا تكون ثابتة لجميعهم فإنّ كلٍّ منهم له دورٌ بمقدارٍ ، فالحرمة تكون ثابتة لكلّ شخصٍ شخص لأنّه له دورٌ في القتل.

وهنا أيضاً كذلك تكون الحرمة ثابتة لكلّ شخصٍ شخص لأنّه له دور في الرسم ، فحيمنا رسمتَ اليد مثلاً فلك دورٌ في تحقيق الصورة ، وهكذا الثاني والثالث ..... وهكذا.

هذه ثلاث احتمالات أشار إليها(قده) ولكنّه لم يذكر ترجيح أحدهما على الآخر ، ونصّ عبارته:- ( والفرق بين هذا وبين اختصاص الحرمة بالمجموع يظهر فيما إذا بدأ بالتصوير واحدٌ وتمّمه آخر ، فعلى الاختصاص بالمجموع لم يفعل واحدٌ منهم حراماً ، وعلى الاختصاص بالهيئة الاجتماعيّة كان الأخير مهمنا هو الفاعل للمحرم لتحصّل الهيئة الاجتماعيّة بفعله ، ويحتمل أن يكون كلٌّ فاعلاً كما إذا اجتمع جمعٌ على قتل واحدٍ فإن الهيئة الاجتماعية تحصل بفعل الجميع ، فلولا نقش السابق للأجزاء السابقة لم تتحصّل الهيئة بفعل اللاحق ).

وقد تعرّض السيد الخوئي(قده) إلى هذا الفرق:- وذهب إلى أنّ الحرمة في الحالة الأولى تثبت للأخير لأنّ عنوان التصوير قد تحقّق بالأخير ، فمثلاً رواية محمد بن مروان تقول:- ( ثلاثة يعذّبون يوم القيامة الأوّل من صوّر صورة حيوان )[2] ، فــ( صوّر ) يصدق على الأخير ، فالأخير هو الذي يصدق عليه العنوان المذكور وهو الذي يكون مرتكباً للحرام.

وأمّا في الحالة الثانية - كما قلنا في الدمية- فإنّها تصدق على من جمع أجزاء الدمية فإنّه يصدق عليه أنّه صوّر صورة حيوان فيكون فاعلاً للحرام ، ونصّ عبارته:- ( لا يجوز تتميم ما صوّره الآخر من أعضاء الحيوان كما يحرم ضمّ الأعضاء بعضها لبعضٍ بحيث تتمّ به صورة الحيوان ولو لم يكن هو المصوّر لها لصدق عنوان التصوير على جميع ذلك )[3] .

والكلام يقع تارةً مع الحاج ميرزا علي الايرواني وأخرى مع السيد الخوئي:-

أمّا الحاج ميرزا علي الايرواني(قده):- فهو لم يذكر شيئاً وإنما ذكر احتمالاتٍ فقط ولم يرجّح أحدهما حتى نناقشه ، وإن كان المناسب بعض الاحتمالات الأخرى التي سوف نشير إليها بعد ذلك في مناقشة السيد الخوئي(قده).

وأمّا السيد الخوئي(قده):- فهو ذكر أنّ الأخير الذي حقّق الصورة الكاملة أو الذي جمع أجزاء الدمية يصدق عليه أنّه صوّر صورة حيوانٍ فيكون فاعلاً للحرام.

ونحن نقول:- إنّه في الحالة الأولى - التي اشترك فيها جماعة وأكملها الأخير - أنّ الذي صوّر صورة الحيوان ورسمها من هو ؟ هو(قده) قال هو الأخير فتثبت الحرمة عليه ، ونحن نقول:- إنّ الذي صوّرها هو المجموع وليس الأخير ، فالأخير أكمل الصورة ، فلو سألنا وقلنا مَن صوّر هذه الصورة ؟ فكلّهم يقول نحن صوّرناها وليس الأخير فقط ، وعلى هذا الأساس لا معنى لاستقرار الحرمة على الأخير بعدما كان عنوان التصوير صادقٌ على المجموع.

ولكن بعد أن عرفنا أنّ ثبوت الحرمة على الأخير فقط لا وجه له فهل من المناسب أن نستفيد من النصّ أنّ الحرمة ثابتة على المجموع ونفتي بذلك ؟

إنّه يمكن الجواب بالنفي ، فالحرمة ليست ثابتة للمجموع ، فهي ليست ثابتة لا للأخير ولا للمجموع:-

أمّا أنّها لا تثبت للأخير فلما قلنا من أنّ عنوان التصوير لا ينتسب إلى الأخير فقط.

وأمّا أنه لا تثبت الحرمة للجميع رغم أنّ عنوان صوّر ورسم يصدق على الجميع فباعتبار مبنانا في باب الإطلاق ، فإنه لو ظهر المتكلّم وقال إنّي أقصد من قولي ( ثلاثة يعذبون يوم القيامة الأوّل من صوّر صورة حيوان ) هي الحالة المتعارفة وهي أن يمسك الشخص القلم بيده ويرسم لا أن يرسم الأول الرأس والثاني يرسم الرجل .... وهكذا ، فهل يعاب عليه ويقال له لماذا لم تقيد وتقول ( من رسم صورة حيوان وكان الراسم هو وحده ) ؟!! كلّا لا يستهجن منه هذا الاطلاق ، وإذا لم يستهجن منه فلا يمكن أن نفهم من هذا النصّ أنّ الحرمة ثابتة في حقّ من ينتسب إليه التصوير سواء كان واحداً أو كان هو المجموع.

إذن حكم هذه الحالة لا يمكن أن نستفيدها من النصّ ، فلا يمكن الفتوى بالحرمة ، نعم يبقى الاحتياط شيئاً حسناً ولكن هذا سوف يصير احتياطاً داخل احتياطٍ لأنّ أصل الحكم بحرمة التصوير على ما اخترناه منيٌّ على الاحتياط لأنّ رواية محمد بن مروان كانت محلّ تأملٍّ سنداً.

إذن هذه الحالة تكون خارجة من النصّ بناءً على المبنى ، أمّا من يتمسّك بالإطلاق بحاقّه فلا يوجد عنده مثل هذا الكلام.

وأمّا بالنسبة إلى الحالة الثانية أعني مسألة الدمية:- فإنه(قده) قال لا يجوز.

ولكن نقول:- إنَّ الذي يجمع الأجزاء ماذا يقال عنه ؟ هل يصدق عليه أنّه صوّر صورة أو يصدق عليه أنّه جمع المتفرّقات ؟

يمكن أن يقال:- إنّه يصدق عليه عنوان ( جَمَعَ ) لا عنوان ( رَسَمَ ) ، ولا أقل يحتمل أنّ الصادق عليه هو عنوان ( جَمَعَ ) كما أنّ الاحتمال الذي ذكره موجودٌ أيضاً ، وبالتالي يحتمل صدق هذا العنوان عليه ويحتمل صدق ذاك العنوان عليه دون هذا فلا يمكن التمسّك آنذاك بإطلاق الدليل لأنّه تمسّكٌ بالعام في مورد إجمال المفهوم ، وفي مورد إجمال المفهوم لا يصحّ التمسّك بإطلاق المطلق أو عموم العام ، وعلى هذا الأساس لا حرمة في حقّ هذا ، ولكن يبقى الاحتياط في محلّه كما أشرنا إلى ذلك في الحالة الأولى.


[1] الحاشية على المكاسب، الميرزا علي الايرواني، ص132.
[3] محاضرات في الفقه الجعفري، الخوئي، ج1، ص267.