37/03/03


تحمیل
الموضوع: الصوم, كفارة الافطار, مسألة, 24.
هناك روايات تذكر بعض المصاديق لأوسط ما تطعمون اهليكم كما في رواية الحلبي( عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في كفارة اليمين، يطعم عشرة مساكين، لكل مسكين مد من حنطة، أو مد من دقيق وحفنة، أو كسوتهم لكل إنسان ثوبان، أو عتق رقبة، وهو في ذلك بالخيار، أيّ ذلك شاء صنع (1)، فان لم يقدر على واحدة من الثلاث، فالصيام عليه ثلاثة أيام .)[1]
وكأن الرواية خصصت ما يدفع إلى المسكين في كفارة اليمين بمد من الحنطة أو مد من الدقيق.
وصحيحة أبي حمزة الثمّالي ( قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عمن قال : والله، ثمّ لم يف ؟ فقال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : كفارته إطعام عشرة مساكين مدا مدا دقيق أو حنطة، ( أو كسوتهم )، أو تحرير رقبة، أو صوم ثلاثة أيام متوالية إذا لم يجد شيئا من ذا .)[2]
فيقال بأن الحنطة والدقيق إنما ذكرت كأمثلة لأوسط ما تطعمون اهليكم.


وصحيحة هشام بن الحكم (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) : في كفارة اليمين مد مد من حنطة وحفنة، لتكون الحفنة في طحنه وحطبه .)[3]
فالرواية تحدد المد بالحنطة.
ورواية أبي جميلة (عن أبي عبدالله ( عليه السلام )، قال : في كفارة اليمين : عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم، والوسط الخل والزيت، وأرفعه الخبز واللحم، والصدقة مد من حنطة لكل مسكين، والكسوة
ثوبان . الحديث
.)[4] وقد يفهم من هذه الرواية تحديد ما يجب اخراجه في كفارة اليمين بهذه الامور.
رواية ابن سنان (عن أبي عبدالله ( عليه السلام )، قال : في كفارة اليمين يعطى كل مسكين مدا على قدر ما يقوت إنسانا من أهلك في كل يوم، وقال : مد من حنطة يكون فيه طحنه وحطبه على كل مسكين، أو كسوتهم ثوبين .)[5] وهي مرسلة للعياشي يذكرها في تفسيره ويرسلها عن ابن سنان, وقد ذكرت الحنطة فيها ايضاً .
ولعل هناك روايات اخرى يمكن أن تذكر بهذا الصدد وهذا هو منشأ القول بالتفصيل وقد ذهب إليه جماعة من علمائنا وقد التزم به جماعة من المتأخرين ايضاً لكن معظم من التزم به منهم ذكره بعنوان الاحتياط, أي انهم التزموا بكفاية مطلق الطعام في سائر الكفارات ومنه محل الكلام, لكن في كفارة اليمين احتاطوا وقالوا بأن الاحوط أن يدفع من هذه الامور المذكورة في هذه الروايات بل بعضهم التزم بالاحتياط والتقيد بهذه الامور المذكورة في كل الكفارات بما فيها محل الكلام, بل يظهر من المحقق النائيني (قد) في حاشيته على العروة أنه يقول أن هذا _ التقيد بهذه الامور (الحنطة والدقيق) واضاف اليها التمر_ لا يخلو من قوة في سائر الكفارات لا في خصوص كفارة اليمين.
والذي يمكن أن يلاحظ على هذا القول وما ذكر من الاستدلال عليه:
اولاً: أن الآية الشريفة وان ذكرت (من أوسط ما تطعمون أهليكم) لكن ليس من الواضح أن الوسطية في الآية الشريفة يراد به الوسطية في جنس الطعام, لوجود احتمال أن المراد الوسطية في المقدار أي ليس الواجب اخراج ما يزيد على المد ولا يجوز اخراج ما يقل عنه بل يجب اخراج الحد والوسط وهو المد, واذا كان المقصود هو ذلك فأن الآية تكون اجنبية عن محل الكلام, فلا يمكن الاستدلال بها على لزوم التقيد بأن نطعم المساكين من اوسط ما نطعم به الاهل من حيث الجنس, والظاهر أن الروايات في مقام تفسير الآية مختلفة ايضاً فبعضها يظهر منه أن الوسطية في الآية هي الوسطية بلحاظ الجنس وبعضها المعتبر والصحيح يظهر منه أن الوسطية في الآية هي الوسطية بلحاظ المقدار ومن جملة الروايات التي يظهر منها أن الوسطية بلحاظ المقدار صحيحةالحلبي (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في قول الله عزّ وجلّ : ( من أوسط ما تطعمون أهليكم ) قال : هو كما يكون أن يكون في البيت ( من يأكل المد، ومنهم ) من يأكل أكثر من المد ومنهم من يأكل أقل من المد فبين ذلك .....)[6]
ورواية أبي بصير ، قال : سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) عن قول الله : ( من أوسط ما تطعمون أهليكم )، قال : قوت عيالك، والقوت يومئذ مد، قلت : ( أو كسوتهم ) قال : ثوب .)[7]
وهذه الرواية يمكن أن يستفاد منها أنها تشير إلى أن الوسطية هي عبارة عن المد أي وسطية في المقدار لا في الجنس وعلى كل حال فهي ضعيفة سنداً لأنها مرسلة للعياشي يذكرها في تفسيره.
والروايات التي تدل على أن الوسطية هي بلحاظ الجنس هي عبارة عن صحيحة أبي بصير ( قال : سألت أبا جعفر ( عليه السلام ) عن أوسط ما تطعمون أهليكم ؟ قال : ما تقوتون به عيالكم من أوسط ذلك، قلت : وما أوسط ذلك ؟ فقال : الخل والزيت والتمر والخبز، يشبعهم به مرة واحدة، قلت كسوتهم، قال : ثوب واحد)[8]
ورواية أبي جميلة (عن أبي عبدالله ( عليه السلام )، قال : في كفارة اليمين : عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم، والوسط الخل والزيت، وأرفعه الخبز واللحم، والصدقة مد من حنطة لكل مسكين، والكسوة
ثوبان . الحديث
.)[9] فهي ناظرة إلى الجنس لا إلى المقدار في تفسير اوسط ما تطعمون اهليكم.
وبناءً على هذا لا يكون الاستدلال بالآية على أن المراد بالوسطية هي الوسطية في جنس الطعام تاماً, وذلك لوجود روايات صحيحة تفسر الوسطية في الآية بالوسطية بلحاظ المقدار لا الجنس, اللهم الا أن يدّعى عدم المانع من تفسير الوسطية في الآية بلحاظ كل منهما, أي وسطية بلحاظ المقدار ووسطية بلحاظ الجنس, وبعض الروايات _كرواية ابي بصير_ تعرضت للوسطية بلحاظ الجنس وبعضها الاخر تعرض للوسطية بلحاظ المقدار ويكون كل منهما تفسيراً للآية, هذا بالنسبة إلى الآية .
ثانياً: الروايات التي استدل بها على ما ذكر من التفصيل فالكلام يقع في أنه هل يستفاد من الروايات في انها دالة على تقييد ما يخرج بالكفارة بهذه الامور؟؟ أو أن المقصود ليس هو تحديد صنف المخرج وإنما المقصود هو ما يمكن أن نعبر عنه بتحديد مرتبة المخرج أي أن المرتبة التي يدفعها المكلف لا يجوز أن تكون مرتبة دنيئة ويسيرة وحقيرة جداً وإنما ينبغي أن تكون من الطعام المتعارف فالروايات وان قالت مد من حنطة أو دقيق أو تمر أو خل أو زيت فهي ليست في مقام تحديد صنف المدفوع وإنما تريد أن تقول ينبغي دفع الطعام المتعارف وان مرتبة المدفوع ينبغي أن لا تقل عن هذه الامور.
فالكلام في أنه هل يستفاد من الروايات التقييد أو لا؟؟ وبعبارة اوضح أن المذكورات في الروايات هل هي من باب التمثيل وبيان اظهر المصاديق التي يجوز دفعها للمساكين؟؟ أو انها تريد أن تحدد المدفوع بهذه الامور؟
قد يقال بأنه لا يظهر من هذه الروايات انها في مقام تحديد المدفوع بهذه الاجناس المعينة لما ذكر فيها وإنما هي في مقام بيان التمثيل وبيان اظهر ما يمكن دفعه, وحينئذ نلغي خصوصية المذكورات في الروايات فنقول بأن الحنطة مثلاً لا خصوصية لها وكذلك الدقيق وإنما ذكر كل منهما بأعتباره مصداقاً للطعام المتعارف الشائع الاستعمال, ويستشهد لذلك بمسألة اختلاف الروايات فبعظها يذكر الحنطة فقط وبعضها يضيف الدقيق وبعضها يضيف التمر والخل والزيت, فأختلاف هذه الروايات في ذكر ما يجب دفعه يشكّل قرينة على أنه لا خصوصية لما ذكر فيها, فتكون الرواية التي ذكرت فيها الحنطة مثلاً ليست في مقام تحديد المدفوع بخصوص الحنطة وإنما هي ذكرت من باب المثال.
وخلاصة الكلام في المقام هو أن نقول في كفارة اليمين توجد طائفتان من الاخبار الطائفة الاولى التي وردت بلا تحديد نوع معين من الطعام كما في الروايات التي ورد فيها الامر بإطعام عشرة مساكين _لكل مسكين مد مثلاً_ من دون تحديد نوع الطعام وهي روايات كثيرة في كفارة اليمين ويدخل في هذه الطائفة الروايات التي تأمر بالتصدق (يتصدق على عشرة مساكين) وهي مطلقة ايضاً وليس فيها تحديد نوع معين من الطعام.
وفي قبال هذه الطائفة طائفة تذكر انواع معينة من الطعام وهي عبارة عن الروايات الاربعة المتقدمة, والجمع بين هاتين الطائفتين في كفارة اليمين يدور بين أن نلتزم بالتقييد ونتعامل مع هاتين الطائفتين معاملة صناعية فنقول بأن هذه الادلة مطلقة وهذه الادلة مقيدة, فالمقيدة تقول بوجوب دفع الحنطة أو الدقيق أو التمر مثلاً والادلة الاخرى مطلقة وتقول يجب اطعام عشرة مساكين ومقتضى اطلاقها جواز دفع غير الامور المذكورة لكن هذه الروايات _التي ذكر فيها نوع الطعام_ تصلح أن تكون مقيدة لذلك الاطلاق فيحمل المطلق على المقيد وبالتالي لابد من الالتزام في كفارة اليمين بوجود تقيد بهذه الامور المذكورة في هذه الروايات.
وأما أن نلتزم بما ذكرناه من اننا نحمل روايات الطائفة الثانية على انها من باب ذكر اظهر الافراد أو من باب التمثيل و بعبارة اخرى نلغي خصوصية الامور المذكورة في هذه الروايات, فالأمر يدور بين القول بأن الروايات التي ذكرت انواع الطعام مقيدة أو أن المذكور فيها لا خصوصية له وإنما ذكر من باب التمثيل, والثاني غير بعيد وقلنا أن الشاهد على هذا هو مسألة اختلاف الروايات ولا احد بين الفقهاء يتوهم بأن هناك نوع من التنافي بين الرواية التي تذكر الحنطة فقط وبين الرواية التي تضيف إليه الدقيق أو تضيف إليه التمر, وهذا هو معنى عدم ارادة تحديد نوع المدفوع, ويؤيد هذا ايضاً مسألة عدم ذكر الشعير في الروايات مع أن الذي يظهر خصوصاً من كلمات الشيخ الطوسي في المبسوط وغيره أن جواز دفع الشعير في كفارة اليمين امر مسلم بين الفريقين, وعدم تعرض هذه الروايات إلى ذكر الشعير مؤشر على أن الروايات في مقام التمثيل وفي مقام بيان اظهر المصاديق, نعم كما اشرنا أن جملة من الفقهاء خالفوا في ذلك والتزموا بالتقييد ووجوب دفع خصوص المذكورات في كفارة اليمين وعدم التقيد بذلك في سائر الكفارات وهذا هو التفصيل الذي ذكرناه سابقاً الذي ذهب إليه العلامة والشيخ ابن ادريس ولعله غيرهما وقد زاد على ذلك بعض المعلقين على العروة منهم المحقق النائيني (قد) ومنهم الشيخ ال ياسين رضوان الله عليه حيث ذهبوا إلى التقيد بذلك في سائر الكفارات ومنها كفارة افطار شهر رمضان بل قلنا أن المحقق النائيني (قد) قال هذا لا يخلو من قوة, غاية الأمر أنه اضاف التمر في محل الكلام ولعل ذلك بأعتبار ما دل على جوازه من الرواية المتقدمة المعتبرة التي تذكر الرجل الذي اعطاه النبي صلى الله عليه واله مكتل من التمر ليتصدق به, فهو من جهة يرى أن الروايات الواردة في كفارة اليمين والتي تحدده بشيء معين _ بناءً على عدم الفصل بين انواع الكفارات_ تكون دليلاً في محل الكلام, أو يرى الغاء خصوصية اليمين في تلك الروايات, فهو أما أن يبني على عدم الفصل فيتعدى من كفارة اليمين إلى سائر الكفارات ومنه محل الكلام (كفارة افطار شهر رمضان) فيثبت وجوب التقيد بالحنطة والدقيق وما ذكر في الروايات في كفارة اليمين ونضيف إليها التمر لوجود رواية في محل الكلام تدل على كفاية دفع التمر وإما أن يبني على مسألة الغاء خصوصية كفارة اليمين في تلك الروايات فالروايات وان كانت واردة في كفارة اليمين لكن لا خصوصية لكفارة اليمين بل نتعدى إلى جميع الكفارات ومنها محل الكلام (كفارة افطار شهر رمضان عمداً).
هذه هي الاقوال في هذه المسألة, أما بالنسبة إلى عدم الفصل فقد تقدم عدم الوضوح في عدم الفصل بل تقدم ذكر وجود مؤشرات على وجود فصل بين كفارات جملة من الاحكام والخلاصة لا يوجد اجماع واضح على عدم الفصل بين الكفارات بالنسبة إلى ما يرتبط في محل الكلام, أما الغاء خصوصية كفارة اليمين فهو ليس واضحاً ايضاً, فكيف نلغي خصوصية كفارة اليمين في تلك الروايات التي يتكلم فيها عن كفارة اليمين؟؟ ويقول مثلاً يجب أن يدفع مداً من حنطة أو دقيق أو غير ذلك مما تقدم, فالتعدي منها إلى غيرها من دون ضميمة الاجماع على إلغاء الخصوصية غير واضح في محل الكلام, ومن هنا يكون الاقرب هو حمل هذه الروايات _ كما أن مساق الروايات يؤيد انها تذكر هذه الامور من باب التمثيل وانها اظهر المصاديق_ على جواز دفع كل ما يصدق عليه أنه طعام ويصدق أنه اطعمهم, أما حدود ذلك وهل يمكن التعدي إلى الفواكه والمربيات كما يقول صاحب الجواهر؟؟ أو لا؟