37/03/25


تحمیل

الموضـوع:- جواز الكلام مع المرأة الأجنبية - مسألة ( 17 ) حكم الغناء - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.

ولكن المناسب الجواز وذلك لوجوه:-

الوجه الأوّل:- الأصل بعد عدم الدليل على الحرمة ، فإنّ المدّعي لكونه عورة هو الذي يحتاج إلى دليل ، وحيث لا دليل على ذلك فحينئذٍ يكفينا التمسّك بالأصل ، وهذه قضية عامّة علميّة ينبغي الالتفات إليها[1] .

الدليل الثاني:- قوله تعالى:- ﴿ يا نساء النبي لستن كأحدٍ من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً ﴾[2] وهنا موضعان للدلالة الأول قوله تعالى ﴿ فلا تخضعن بالقول ﴾ يعني تكلمن ولكن لا يكون هناك خضوعٌ بالقول من الرقّة وغير ذلك.

وقد تقول:- هذا جيد ولكن هذا مفهوم اللقب أو الوصف ، فأقول:- لا يهمني ذلك ولا تقيدني المصطلحات ، ولكن أقول هل شعرت بأنّه يوجد هكذا مفهوم أو لا ؟ فإن شعرت بوجوده وجداناً كفى وسمّه أيّ أسم تريده ، وإذا لم تشعر بالمفهوم فحينئذٍ لا يكون هناك حجّة وإن دخل في مفهوم الوصف أو الشرط من المفاهيم الحجّة لأنّه لا ينفعنا مادمنا لا نشعر بالوجدان بوجوده.

والمورد الثاني الذي نستفيد منه ذلك قوله تعالى ﴿ وقلن قولاً معروفاً ﴾ يعني كلاماً وصوتاً متعارفاً ، فالآية الكريمة لم تقل لا تتكلمن وإنما قالت ﴿ وقلن قولاً معروفاً ﴾ ، فإذن دلالتها ة على الجواز شيءٌ جيد.

إن قلت:- لعلّ لنساء النبي صلى الله عليه وآله خصوصيّة فكيف نسرّي ذلك إلى بقيّة النساء؟

قلت:- هذا يتمّ إذا فرض أنّ الآية الكريمة شدّدت فيمكن أن يقال إنّ هذه الشدّة ثابتة فقط وفقط في حقّ نساء النبي صلى الله عليه وآله مثل الخضوع بالقول فقد يقول قائل إنّ هذا تشديدٌ وهو في حقّ نساء النبي صلى الله عليه وآله ولا نستطيع أن نعمّمه إلى بقيّة النساء فإنّ نساء النبي صلى الله عليه وآله لهنّ مكانة عالية فلابد وأن لا يخضعن بالقول أمّا بقية النساء حكمهنَّ كذلك فهذا لا نستطيع أن نقول به.

أمّا فرضنا أنّ المورد مورد التخفيف فلا يحتمل أنّ التخفيف يصير لنساء النبي صلى الله عليه وآله ولا يصير لغيرهنَّ في هكذا مجال - يعني أنّه يجوّز لنساء النبي أن يتكلمن مع الأجانب والأجانب يسمعون الصوت ولكن غيرهن لا يجوز لهن ذلك - فإنّ هذا ليس بمحتمل ، بل الأمر بالعكس فإنّه لو كانت هناك حرمة فيلزم أن تكون ثابتة لنساء النبي صلى الله عليه وآله وليست ثابتة لبقيّة النساء . فإذن هذا التوهم لا مجال له.

الدليل الثالث- السيرة ، فإنّ النساء يذهبن إلى الأسواق وتُعقد المجالس بين الأقارب وغيرهم وحينئذٍ يدور بينهم كلام وهذه سيرةُ متشرعةٍ منعقدة على ذلك وهي ليست مختصّة بزماننا ، فمن لوازم الحياة الاجتماعية اجتماع الرجال والنساء بمناسبةٍ من المناسبات وحصول الحديث بينهم ، هذا إذا لم ندخل في الحساب العوائل المتعدّدة التي تعيش في بيتٍ واحد أمّا إذا أدخلناها في الحساب فسوف يكون الأمر أوضح لأنّه سوف يدور كلام عاديّ بين الرجل وبين وزوجة أخيه مثلاً بأن يسألها عن شيءٍ مثلاً أو عن أبيها أو غير ذلك ؟!! إنّ هذا من لوازم الحياة ولا تستطيع أن تقول كلّا ، كما لا تستطيع أن تقول لعلّ هذه ضرورة فإنّ الحديث الذي يدور بيهم هو أكثر من مقدار الضرورة بلا إشكال - فالمقصود هو أنّ المتشرعة يزاولون هذا المعنى - ، وهذه السيرة ثابتة حتى في الزمن السابق لأنّها من لوازم الحياة الاجتماعية ، على هذا الأساس يكفينا هذا دليلاً على الجواز.

وقد يؤيد الجواز أيضاً برواية أمّ خالد:- فقد روى الشيخ الكليني(قده) عن الحسين بن محمد[3] عن معلّى بن محمد عن الوشّاء عن أبان بن عثمان عن أبي بصير:- ( قال:- كنت جالساً عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخلت علينا أم خالد التي كان قطعها يوسف[4] بن عمر تستأذن عليه ، فقال أبو عبد الله عليه السلام:- أيسرك أن تسمع كلامها ؟ قال:- فقلت نعم ، قال:- فأذن لها ، قال:- وأجلسني معه على الطنفسة[5] ، قال:- ثم دخلت فتكلّمت فإذا امرأة بليغة فَسَأَلَتهُ عنهما )[6] إلى هنا انتهى ما نقله صاحب الوسائل(قده) عن الكافي.

ولكن الشيخ الكليني(قده) نقلها في الكافي كاملة وهي:- ( فَسَأَلتْهُ عنهما ، فقال لها:- تولّيهما[7] ؟ قالت:- أقول فأقول لربّي إذا لقيته أنّك أمرتني بولايتهما ، قال:- نعم ، قالت:- فإنّ هذا الذي معك على الطنفسة يأمرني بالبراءة منهما وكثير النوّاء يأمرني بولايتهما فأيهما خير وأحبّ إليك ؟ قال:- هذا والله أحبّ إليّ من كثير النوّاء وأصحابه )[8] .

وقد ذكرها الكشي(قده) في ترجمة كثير النوّاء بسندٍ آخر مع اختلافٍ يسير في بعض الألفاظ وهو:- ( قال حدثني علي بن الحسن بن فضّال عن العبّاس بن عامر وجعفر بن محمد بن حكيم عن أبان بن عثمان الأحمر عن أبي بصير )[9] .

ومورد الشاهد هو أنّ الإمام عليه السلام قال لأبي بصير:- ( أيسرّك أن تسمع كلامها ؟ ) وهنا لا توجد ضرورة لذلك ، فالإمام يتحدّث معها وأبو بصير يستمع إلى ذلك وهي تتكلّم فالرواية واضحة في الجواز.

ولكن ذكرنا بأنها مؤيدة وليست دليلاً لاحتمال أنّها قضيّة في واقعة؛ إذ يحتمل كونها عجوزاً فلا نستطيع أن نستفيد أنّ حكم الشابّة كذلك.

وربما يقول قائل:- نضيف إلى ذلك أنّ سندها ضعيفٌ حيث ورد فيه المعلّى بن محمد - يعني البصري - وهو لم يوثّق.

قلت:- يمكن رّد هذا بأنّه قد رواها الكشي(قده) وسنده معتبر لأجل أنّه قال ( محمد بن مسعود ) يعني أبو النظر العياشي السمرقندي وهو شيخه وهو ثقة - وإن قيل بأنه يروي عن الضعفاء ولكنه ثقة - ، وعليّ بن الحسن بن فضّال ثقة فإنّ بني فضّال ثقاة ، والعباس بن عامر من ثقاة أصحابنا ، وجعفر بن حكيم لا يهمّنا وإن كان يمكن توثيقة ، وأبان بن عثمان الأحمر فهو نفس أبان الوارد في رواية أبي بصير وهو من أصحاب الإجماع ، فإذن سند الرواية بطريق الكشي معتبر.

مضافاً إلى أنّه حتى لو لم يكن سند الكشي معتبر فيمكن لقائل أن يقول:- إنّه مادام يرويها الكشي والكليني معاً عن أبي بصير فقد يحصل الاطمئنان بصحّة النقل عن أبي بصير.

فإذن الرواية تكون مؤيّدة لاحتمال كونها عجوزاً ، أمّا من ناحية السند فلا مشكلة فيها.

يبقى في الرواية شيء آخر:- وهو أنّه قد يناقش فيها من ناحية كونها أَمَة بقرينة ( قَطَعَها ) والقِطاع لا تصير إلا بالنسبة للإماء ، فهذه المرأة كانت أمه والأمة لها خصوصياتها فهي تتكلّم ولعلّها تدخل مكشوفة الرأس أو غير ذلك فإنَّ لها حساباً آخر ، فكيف نثبت هذا الحكم في حقّ الحرّة ؟

اللهم إلا أن يجاب:- بأنّها استأذنت ، فإنّ الرواية قالت:- ( كنت جالساً عن أبي عبد الله عليه السلام إذ دخلت علينا أم خالد التي كان قطعها يوسف بن عمر تستأذن عليه ) وحالة الاستئذان تدلّ على أنها كانت مستقلّةً لا أنّها كانت من التوابع - أمة - وتعش في دار الإمام عليه السلام وإنما هي في مكانٍ آخر وتستأذن عليه فهذا يقرّب كونها حرّة ، خصوصاً أنّه بعد ذلك عبّرت الرواية وقالت:- ( ثم دخلت فتكلمت فإذا امرأة بليغة ) وعادةً لا يعبّر عن الأمة بــ( امرأة ) إنما يعبّر بذلك عن الحرّة ، فالضعف من هذه الناحية قد يمكن دفعه ، فالمهم أذن في جعلها مؤيدةً هو احتمال كونها عجوز.

وقد يستدلّ على الجواز بوجوهٍ أخرى:-

من قبيل:- ما ركن إليه صاحب الجواهر(قده) حيث تمسّك بقضية أم الأئمة عليها السلام حيث خطبت تلك الخطبة البليغة ، وكذلك ابنتها المكرّمة ، وتمسّك أيضاً بأنّ من يراجع الروايات يجد أنّ النساء كنَّ يسألن الإمام عليه السلام ويتكلّمن معه وهذا دليلٌ على الجواز ، ونصّ عبارته:- ( وبالمتواتر أو المعلوم ممّا ورد من كلام الزهراء وبناتها عليها وعليهنّ السلام ومن مخاطبة النساء للنبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام على وجهٍ لا يمكن احصاؤه ولا تنزيله على الاضطرار لدينٍ أو دنيا )[10] .

وعلى منوال ذلك ذكر صاحب الحدائق(قده)[11] .

وفيه:-

أمّا بالنسبة إلى خطبة سيدة النساء وبناتها عليها وعليهنَّ السلام:- فهي قضيّة في واقعة ، فلعلّ ذلك من باب إحقاق الحقّ وإبطال الباطل وهذا واجبٌ لا أنّه قضيّة جائزةٌ ، فلا يمكن التمسّك بهذا أبداً ، وهو غريبٌ من العلمين !!

وأمّا بالنسبة إلى سؤال النساء:- فلعل هذا السؤال هو عن أحكام الدين ، فأحكام الدين لها خصوصيّة فنقول ( إلّا أحكام الدين فإنّه خرج بالمخصّص ) ، فلا يمكن أن نفهم الجواز بشكلٍ مطلق.

نعم إذا أتى صاحب الجواهر وصاحب الحدائق برواياتٍ فيها تحدّثٌ من قبل الإمام عليه السلام مع النساء كرواية أم خالد فلا بأس به ، أمّا ذكر رواياتٍ لسؤالٍ عن الأحكام فهذا لا يمكن التمسّك به.


[1] ومن باب الكلام يجر الكلام :- لعله أحيانا تصير مناقشة مع بعض الناس بأنّ زيارة القبور وشدّ الرحال إليها والدعاء عندها وغير ذلك ما هو الدليل على جوازه ؟ ونحن نقوم بالبحث عن الدليل على الجواز فإن لم نحصل عليه فربما نقول بأن الحق معهم، ولكن نقول:- لا بأس بأن نبحث عن الدليل على الجواز ونقوي ما نريد أن تثبته، ولكن لابد وأن تلتفت إلى القضية لعلميّة وهي أننا لا نحتاج إلى دليلٍ على الجواز، بل المشكل هو الذي يحتاج إلى دليلٍ على الحرمة لأنّ الأصل عندنا هو ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ) و ﴿ لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها ﴾.
[3] وهو الاشعري القمي وقد روى عنه الكليني، كثيراً وهو من أجلة الاصحاب.
[4] وهو والد الحجاج والذي قتل زيد الشهيد.
[5] الطنفسة - بضم الطاء والفاء وبكسرهما وبكسر الطاء وفتح الفاء- وهو بساطٌ فيه خمل رقيق.
[7] أي ( أتتولّيهما ؟ ).