37/03/16


تحمیل

الموضـوع:- الغناء في الأعراس - مسألة ( 17 ) حكم الغناء - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.

وقد اختلفت كلمات الفقهاء في هذا ، فمنهم من استثناء ، ومنهم من لم يستثنه ، قال الشيخ النراقي(قده) في المستند:- ( استثناه في النهاية والنافع والمختلف والتحرير وجمع آخر )[1] يعني قالوا بعدم الحرمة ، ثم قال:- ( خلافاً للمفيد والحلبي والحلي والديلمي والتذكرة والارشاد فلم يستثنوه )[2] . هذا بالنسبة إلى كلمات الفقهاء وتبين أنَّ المسألة خلافية من هذه الناحية.

وإذا رجعنا إلى الروايات أمكن أن نحصل على ثلاث روايات كلها لأبي بصير ، ولعله كما سوف يأتي نقول يحتمل أنها واحدة وقد تقدمت الإشارة إليها عند بيان رأي السبزواري والكاشاني حيث ذهبا إلى أن الغناء في نفسه ليس بحرام وإنما الحرمة باعتبار ما يقارنه واستشهدوا في جملة ما استشهدوا بهذه الروايات.

الأولى:- ما رواه الكليني عن العدّة عن أحمد عن الحسين عن النظر بن سويد عن يحيى الحلبي عن أيوب بن الحرّ عن أبي بصير قال:- ( قال أبا عبد الله عليه السلام اجر المغنية التي تزف العرائس ليس به بأس وليست بالتي يدخل عليها الرجال )[3] .

ورواها أيضا الشيخ الصدوق بإسناده عن أيوب بن الحر[4] ، وسندها معتبرٌ فان الكليني قد رواها عن العدّة قد مرّ مراراً أنا لا نتوقّف من ناحيتهم وبينا مرّةً النكتة في ذلك ، ومعجّلاً نقول ثلاثة من مشايخ الكليني - لأن العدّة عادة تطلق على ثلاثة على الاقل – خصوصاً هناك من الذين يكثر عنهم مثل محمد بن يحيى وعلي بن ابراهيم والحسين بن محمد الاشعري ولعله يوجد واحد أو اثنين ، فاحتمال أن هؤلاء اتفقوا على باطل وليس فيهم واحد من هؤلاء الذين ينقل عنهم كثيراً هو احتمال ضعيف

عن أحمد ولعل المقصود منه هو احمد بن محمد بن عيسى أو أحمد بن محمد بن خالد وهذا ما نعرفه عند المراجعة للكافي فإنّه في الغالب حينما ينقل الكليني عن العدّة فهو ينقل عن احمد بن محمد بن عيسى الاشعري أو أحمد بن محمد بن خالد فهذه قرينة توجب الاطمئنان لمن عنده مراجعة وهناك قرينة ثانية وهي الرواية الثانية التي سوف تأتي.

عن الحسين ، وهو الحسين بن سعيد لا أقل لأجل الرواية الآتية فانتظر وهو من أجلة أصحابنا ، عن النظر بن سويد وهو كذلك ، عن الحلبي وهو ثقة لما قاله النجاشي من أن ( الحلبيين بيت مشهور في الكوفة كلهم ثقاة ) ، عن أيوب بن الحرّ وهو من ثقاة اصحابنا عن أبي بصير وهو واضح فالرواية سندها معتبر فلا نحتاج مراجعة سند الصدوق إلى ابن الحر.

الثانية:- الكليني عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال:- ( سألت أبا عبد الله عن كسب المغنيات ، فقال:- التي يدخل عليها الرجال حرام والتي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس وهو قول الله عزّ وجلّ " ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله " )[5] .

والمشكلة في هذا الطريق من ناحية علي بن أبي حمزة على المبنى ، وهنا لاحظنا أنه قال عن ( عدة من اصحابنا عن أحمد بن محمد ) يعني إنما ابن عيسى أو ابن خالد ، ثم قال ( عن الحسين بن سعيد ) ، فهو صرّح بذلك وهذا قد قلنا قرينة على ما ذكرناه في الرواية الاولى.

الثالثة:- الكليني عن العدّة عن أحمد[6] عن حكم الخيّاط[7] عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( المغنية التي تزف العرائس لا بأس بكسبها )[8] .

وهنا ملاحظتان:-

الأولى:- إن هذه الروايات الثلاث اتفقت على شيء وهو ( لا بأس بكسب المغنية في الأعراس ) فهذا المضمون وهو نفي البأس عن كسب المغنية في الأعراس هذا قدرٌ مشتركٌ بين هذه الروايات الثلاث ، فلاحظ فإنه قال في الرواية الاولى قالت ( أجر المغنية اليت تزف العرائس ليس به بأس ) ، وفي الثانية قال:- ( سألت ابا عبد الله عن عليه السلام عن كسب المغنيات قال التي يدخل عليها الرجال حرام والتي تدعى إلى الأعراس ليس به بأس ) فهي نفس المضمون ، والثالثة قال:- ( المغنية التي تزف العرائس لا بأس بكسبها ) ، فإذن هي قد اشتركت في هذه الحيثية.

فإذا عرفنا هذا نقول حينئذٍ قضيةً أخرى:- وهي أنّ نفي البأس ظاهر في أن المعاملة صحيحة وليست حراماً وظاهرة أيضاً في أنّ العمل - أي غناء المغنية - ليس بمحرم وإلا كان المناسب اثبات البأس لا نفيه فنفي البأس عن كسب المغنية في الأعراس لا يدلّ فقط على أن المعاملة صحيحة ، بل يدلّ على أنّ الغناء في الأعراس شيءٌ جائزٌ وإلا كان المناسب ثبوت البأس.

إذن اتضح أنّ تقريب الاستدلال في هذه الروايات هي طريقة واحدة وهو ما أشرنا إليه.

الثانية:- إنّ هذه الروايات يمكن أن نقول هي رواية واحدة ولكن اختلفت الطرق للنقل أما الصادر من الإمام في مقام الجواب فهو شيء واحد ، وأنا لا أريد أن أجزم بهذا المطلب ولكني أقول هو احتمالٌ وجيهٌ تساعده وحدة الراوي - أعني أبا بصير - بإضافة وحدة المضمون والألفاظ ، فمن القريب أن يكون الصادر شيئاً واحداً.

ثم نضم إلى ذلك مقدمة أخرى وهي أنّ مدرك الحكم بتعدّد الرواية ليس إلا سيرة العقلاء فإنها جارية على أنه يحكم بالتعدد إذا اختلف الطريق والمضمون أو بعض الأمور الأخرى ، اما إذا كان هناك مؤشرات مساعدة على الوحدة كما في موردنا فهنا هل السيرة انعقدت على الحكم بالتعدد ؟ إنّه شيء لا نجزم به ، وبناء عليه فالحكم بالتعدّد شيء مشكل.

إذن من المناسب أن نتعامل عملاً ونتيجة معاملة الرواية الواحدة ، وهذه قضية أنا أأكد عليها وأكدت عليها مراراً ولم أجدها في كلمات الفقهاء وكأنهم يعدّون هذه الموارد بحكم المتعدّد ويمرون مرور الكرام من هذه الناحية.

أما لو سألتني وقلت:- ما هي الثمرة للحكم بالوحدة أو التعدّد فإن المفروض أن الرواية ببعض طرقها صحيحة السند فسواء كان واحدة أو متعددة فماذا يترتب ؟

قلت:- هناك بعض الثمرات من جهة بعض الآثار وقد أشرنا إلى بعض الآثار في بعض المحاضرات السابقة والآن سوف أشير في طيات حديثي إلى بعضها فانتظر.

إذن توجد ثلاث روايات كلّها لأبي بصير ظاهرة في جواز الغناء في الأعراس بقرينة نفي البأس عن الأجر.

هذا ولكن قد يشكل على التمسّك بالروايات المذكرة ببعض الاشكالات:-

الأوّل:- ما أشار إليه فخر الدين(قده) في الإيضاح[9] ، حيث ذكر ما نصّه:- ( إن هذه الرواية من الآحاد فلا تعارض الدليل المانع لتواتره ).

يعني يريد أن يقول إنّ روايات حرمة الغناء متواترة كثيرة وهذه الروايات التي دلت على نفي البأس عن أجر المغنية في الأعراس رواية آحاد[10] .

وما أفاده يكون أوضح إذا قلنا أنَّ هذه رواية واحدة وليست ثلاث روايات . فإذن هذه من أحد موارد الثمرة من أن الرواية واحدة أو متعدّدة لأنه لو كانت واحدة فسوف تصير مقالة فخر الدين أوضح - ولا أقول إنها تبتني على ذلك بل تصير أوضح -.

والإشكال على ما أفاده واضح:- فإنّ المرجّح المذكور نلاحظه فيما إذا فرض أنّ التعارض كان مستقراً ، فإنّه إذا كانت المعارضة مستقرّة ولا يمكن الجمع العرفي فهذا صحيحٌ لأنك بالتالي لابد وأن تعمل بواحدٍ لا بالاثنين معاً فنسقّط الآحاد ونأخذ بالمتواتر لأنّه ذلك مخالفٌ للسنّة القطعيّة ، أما إذا فرض أنه يمكن الجمع العرفي بالتخصيص - وموردنا هو من مورد التخصيص لأن الرواية خاصة بباب المغنية في الأعراس فيصير مخصصاً إلى ذلك فإن ذاك مطلقٌ وهذا مقيّد فيقيده ، وهذا ينبغي أن يكون من الواضحات ، ولعلّ القدماء لم يكن عندهم هذا المعنى ، وفي بعض كلمات الشيخ الطوسي(قده) أيضاً ربما يظهر منه ذلك ولعلّي أشرت إلى ذلك في بعض المباحث الأصولية.

الإشكال الثاني:- إنّ هذه الروايات الثلاث لم تنفِ البأس عن غناء المغنّية في الأعراس ولعل المقصود هو نفي البأس عن الزفّ ، يعني المغنية تزفّ العروس يعني تخرجها من بيتها إلى بيت زوجها ، فالرواية يمكن أن يقال هي ناظرة إلى حيثية الزفّ لا على حيثية الغناء الصادر منها ، وعلى الأقل نقول الرواية مجملة من هذه الناحية فلا تعارض حينئذٍ تلك الروايات الكثيرة الدالّة على حرمة الغناء ، وقد تعرض الشيخ الأعظم(قده) إلى ذلك في المكاسب وقال هو مخالفٌ للضاهر ، ونصّ عبارته :- ( ودعوى أن الأجر لمجرّد الزفّ لا للغناء عنده مخالفةٌ للظاهر )[11] .

وقد أشار صاحب مفتاح الكرامة إلى نفس هذا المضمون لكن بتعبيرٍ آخر بيد الروح يمكن ان نقول هي واحدة حيث ذكر أن روايات أبي بصير لم تنفِ البأس عن أجر الغناء وإنما نفت البأس عن كسب المغنية أمّا الغناء فلم تذكره ، فإذن لا يمكن أن نقول أنها تدلّ على جواز الغناء ، ونصّ عبارته:- ( غايتها نفي البأس عن أجرها[12] لا نفيه عن غنائهن[13] ولا عن أجره[14] )[15] ، فالبأس لم ينف عن غناء المغنيات أو عن أجر غناء المغنيات وإنما نفي البأس عن كسب المغنيات ، فإذن هذه لا تدلّ على المطلوب.

والذي أريد أن أقوله هو أنّه لعلّ الروح التي يريد أن يشير إليها مع الروح التي أشار إليها الشيخ الأعظم(قده) واحدة وأنّ البأس منفيٌّ عن الزفّ أو عن أمورٍ أخرى - يعني لا تتوقّف من ناحيتها لكونها مغنّية وأنّ أموالها حرام -.

ولكن كما قال الشيخ الأعظم(قده) هو مخالفٌ للظاهر ، ولم يشر إلى وجه مخالفة الظاهر.

ويمكن أن يقال في ذلك:- أنه حينما افترض أن المرأة مغنّية والسؤال عن المغنية فعنوان النغنّية قد أخذ فإذا أخذ عنوان المغنّية فيكون احتمال غنائها في المورد شيئاً وجيهاً فمن المناسب للإمام عليه السلام حينما ينفي البأس عن أجرها لابد وأن يقيد ويقول ( لا بأس بأجر المغنيات إذا لم يكن أجراً على غنائهن ) فإنّ هذا التقييد لازمٌ بعدما فرض أنّ مهنتها هي الغناء ، نعم لو فرض أن السؤال كان عن المرأة العاديّة وليس عن المغنّية فهذا شيءٌ وجيهٌ ، أما بعد أنّ فرض أنّه كان عن المغنية فالسكوت عن هذا القيد يفهم منه عرفاً أنّه لا فرق بين أن يكون هذا الأجر أجراً على شيءٍ آخر - وهو الزف - أو كان أجراً على الغناء.

إذن التشكيك من هذه الناحية لا مجال له.


[1] مستند الشيعة، النراقي، ج14، ص141.
[2] مستند الشيعة، النراقي، ج14، ص142.
[3] وسائل الشيعة، العاملي، ج17، ص121، ابواب ما يكتسب به، ب15، ح3، آل البيت.
[4] من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج3، ص98.
[5] وسائل الشيعة، العاملي، ج17، ص121، ابواب ما يكتسب به، ب15، ح1، آل البيت. ورواه ايضاً الشيخ الطوسي، التهذيب، ج6، ص357.
[6] وهو بقرينة السابق هو أحد الاثنين.
[7] وفي نسخة الموجود ( عن الحسين ) وهذا هو الانسب بقرينة السند السابق، وحكم الخياط لا يوجد توثيق في حقه من قبل الشيخ الطوسي والنجاشي ولكن قد يوثق لبعض الامور الاخرى من قبيل رواية ابن أبي عمير عنه.
[8] وسائل الشيعة، العاملي، ج17، ص121، ابواب ما يكتسب به، ب15، ح2، آل البيت وروها الشيخ في التهذيب، ج6، ص357.
[9] الايضاح، فخر الدين، ج1، ص405.
[10] وواضح أن المقصود من خبر الواحد هو غير المتواتر لا أن المقصود منه هو الرواية الواحدة أو الراوي الواحد.
[11] المكاسب المحرمة، الانصاري، ج1، ص314.
[12] أي المغنية.
[13] أي المغنيات.
[14] أي عن أجر غناء المغنيات.
[15] مفتاح الكرامة، ج12، ص175.