37/01/21


تحمیل

الموضـوع:- مسألة ( 17 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.

وفيه:- إنّ كون الثمن سحتاً لا يدلّ على أنّ منافع الشيء محرّمة ، كما هو الحال في غير كلب الصيد من سائر الكلاب فإنّ ثمنه سحتٌ كما جاء في الرواية كموثقة محمد بن مسلم وعبد الرحمن بن أبي عبد الله ( قال:- ثمن الكلب الذي لا يصيد سحتٌ )[1] ، وإلا يلزم أن نلتزم بأنّ تكون منافع غير كلب الصيد ككلب الحراسة أو الماشية محرّمة.

إن قلت:- هناك ميزة في هذه الرواية وهي أنّها قالت:- ( الجارية المغنّية ثمنها سحتٌ ) ، فأخذ قيد الغناء مع الجارية فلو كان الغناء مباحاً كصفة الكتابة يلزم أن يرتفع ثمن الجارية لا أنه يصير سحتاً إذ أنَّ هذه صفة كمالية مباحة ، فإذن جعل الثمن سحتاً يدلّ على أنّ حيثية الغناء حيثيّة محرّمة.

قلت:- هذا نفسه يأتي في الكلب غير الصيود فإنّه أخذت فيه حيثية غير الصيود ، فمادام لا يصيد يعني أنَّ المقصود هو أنه وإن كان كلب حراسة أو زرع أو ماشية أو غير ذلك كلّ ذلك يكون ثمنه سحتاً رغم وجود هذه الصفات فيه ، فقيّد بغير الصيود يعني حتى ولو كان حارساً فهذا لازمه حرمة الحراسة وغير ذلك ، وهل تلتزم بذلك ؟ كلّا.

إذن مادام في الكلب غير الصيود تلتزم بأنّ السحتيّة لا تلازم حرمة المنافع فليكن الأمر في مقامنا كذلك .

إذن استفادة حرمة الغناء من هذ الرواية شيءٌ مشكل.

الرواية الخامسة:- رواية الأعمش الوردة في تعداد الكبائر عن جعفر بن محمد عليهما السلام:- ( والكبائر محرّمة وهي ........ والملاهي التي تصدّ عن ذك الله عزّ وجلّ مكروهة كالغناء وضرب الأوتار )[2] .

إنّ الرواية هي في صدد تعداد الكبائر المحرّمة حيث قال عليه السلام:- ( والكبائر محرّمة ) وأخذ يذكر أفراد الكبائر المحرّمة ومن جملة ما ذكره الملاهي ومثّل للملاهي بالغناء فيدلّ ذلك على أنّ الغناء من جملة الكبائر المحرّمة .

ونعم ورد في الرواية لفظ ( والملاهي التي تصدّ عن ذكر الله عزّ وجلّ مكروهة ) فلابد وأن تحمل هذه الكراهة بقرينة عبارة ( محرّمة ) التي ذكرت قبلها على جامع المبغوضية الذي يلتئم مع الحرمة ، وعلى هذا الأساس سوف تدلّ هذه الرواية على أنّ الغناء محرّم بل ومن الكبائر ، ولعلّ هذه الرواية هي أحسن الروايات دلالة.

إلا أنّ سندها ضعيفٌ ، فإنّ الأعمش لم يوثق ، وطريق الصدوق إلى الأعمش ليس بمعتبر.

نعم لو حصلنا على كميّة من الروايات التي دلالتها تامّة كهذه فلعلّ ضمّ بعضها إلى بعض يولّد الاطمئنان مادامت الدلالة جيّدة فيحصل اطمئنان بثبوت هذا المضمون.

وقد أنهى الشيخ الأعظم(قده) الروايات التي أشار إليها بهذه الرواية ولم يذكر رواية أخرى.

ولكن يمكن أن نضيف الروايات الثلاث التالية:-

الرواية السادسة:- العدّة عن سهل وعن عليّ بن إبراهيم عن أبيه جميعاً عن ابن فضّال[3] عن سعيد بن محمد الطاطري[4] عن أبيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( سأله رجل عن بيع الجواري المغنّيات ، قال:- شراءهن وبيعهن حرام وتعليمهن كفرٌ واستماعهن نفاقٌ )[5] .

ومورد الشاهد ليس قول الإمام عليه السلام ( شراءهن وبيعهن حرام ) إذ قد يلتزم بحرمة البيع من دون حرمة المنافع كما في الكلب إذ يمكن أن يلتزم بالحرمة الوضعيّة بل بالحرمة التكليفيّة ولكن المنافع ليست محرّمة ، وإنما المهمّ في الرواية هو قوله ( وتعليمهنّ كفر ) أي تعليمهن الغناء ، وكفريّة التعليم يلازم عرفاً أنّ هذه الصفة - وهي الغناء - صفة محرّمة وإلا كيف يصير تعليم الصفة المباحة كفر ؟!!

فدلالة هذه الرواية لا بأس بها ، إلّا أنّ سعيد بن محمد الطاطري - الطاهري - مع والده لم يرد في حقهما توثيق.

الرواية السابعة:- أبو علي الأشعري عن الحسن بن علي عن اسحاق بن إبراهيم عن نظر بن قابوس - أو نصر بن قابوس- قال:- ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:- المغنّية ملعونة ملعونٌ من أكل كسبها )[6] .

إنّه بناءً على دلالة اللعن على التحريم يقال حينئذٍ إنَّ لعن المغنّية لابد وأن يكون لحرمة الصفة - أي صفة الغناء - وإلّا لا موجب للعنها ، فالدلالة حينئذٍ موقوفة على دلالة اللعن على التحريم.

وأمّا من حيث السند:- فإنَّ نظر - أو نصر - بن قابوس عدّه الشيخ المفيد(قده) من خاصّة أبي الحسن عليه السلام وثقاته ، نعم اسحاق بن إبراهيم مشترك بين جماعة بينهم مجاهيل فمن هذه الناحية يكون السند محلّ تأمّل ، أما الدلالة فتبقى مرتبطة بمسألة اللعن وأنّه يلازم التحريم أو لا.

الرواية الثامنة:- رواية عليّ بن جعفر في كتابه عن أخية موسى بن جعفر عليه السلام:- ( قال:- سألته عن الرجل يتعمّد الغناء يُجلَس إليه ؟ قال:- لا )[7] .

وتقريب الدلالة:- هو أنّ ظاهر ( لا ) النهي التحريمي لا النهي الأعمّ كما هو ليس ببعيد وإلا لم نستفد من الرواية.

ثم نضمّ مقدمةً ثانيةً وهي أنّ حرمة الجلوس إليه لابد وأن يكون لحرمة الغناء وإلا إذا كانت هذه الصفة صفة مباحة فلماذا يكون الجلوس إليه محرماً ؟!!

إذن حرمة الجلوس إليه يدلّ بالالتزام العرفي على حرمة صفة الغناء ، وبذلك يثبت المطلوب ، فدلالتها إذن لا بأس بها.

أمّا الطريق إلى كتاب عليّ بن جعفر:- فقد قال عنه السيد الخوئي والسيد الشهيد إنّ صاحب الوسائل له طرق[8] متعدّدة إلى كلّ ما ينقله الشيخ الطوسي هذه مقدمة ، والمقدمة الثانية هي أن نقول إذا رجعنا إلى الشيخ الطوسي في فهرسته مثلاً نجد أنّه في ترجمة عليّ بن جعفر ذكر طريقاً أو طرقاً معتبرة منه إلى عليّ بن جعفر ، فبضمّ هذه المقدّمة إلى تلك المقدّمة سوف يثبت أنّ طريق صاحب الوسائل إلى عليّ بن جعفر صحيحٌ بعد التلفيق بالشكل المذكور ، هكذا كان يذكر العلمان.

أقول:- هذه طريقة ظريفة ولكنها موقوفة على كون طرق صاحب الوسائل إلى الكتب التي ينقل عنها ليست طرقاً تبركية وإنما هي طرق إلى النسخة ، فإن كان هكذا فبها ، أمّا إذا أبدينا احتمال أنها تبركية فسوف يشكل الأمر.

إذن اتضح أنّ الذي سلم لدينا مع هنٍ وهنٍ أربع روايات فإنّ كانت تورث لك الاطمئنان بثبوت هذا المضمون - وهو حرمة الغناء - فبها ، وإلا فإثبات التحريم بهذه الروايات مشكل.

ويمكن أن نسلك طريقاً آخر لإثبات الحرمة وذلك بأن نقول:- إنّ هذه المسألة عامّة البلوى ولابد في المسائل عامّة البلوى أن يكون حكمها واضحاً في أجواء أصحاب الأئمة عليهم السلام وذلك الحكم الواضح ما هو ؟ إنّه يتعيّن أن يكون هو حرمة الغناء دون جوازه إذ لو كان الحكم هو جواز الغناء فلا أقل يشتهر ذلك الحكم أو على الأقل أنَّ البعض يقول بالجواز والبعض الآخر يقول بالحرمة ، ولكن المفروض أنّ فقهاءنا لم يُعرف عنهم الجواز بل المعروف عنهم هو الحرمة ، فهذا يحصل الاطمئنان من خلاله بأنّ ذلك الحكم الواضح كان هو الحرمة.

نعم قد تقول:- إنّ السبزواري والفيض الكاشاني قد خالفا.

قلت:-

أولاً:- هما من المتأخرين ، يعني كمخالفتي ومخالفتك وهي لا تؤثر شيئاً ، وإنما المخالفة المؤثرة هي المخالفة في الطبقة المتقدّمة.

ثانياً:- هذا مضافاً إلى أنّه يمكن أن يقال:- إنَّ المسألة العامة البلوى يلزم أن يكون حكمها واضحاً وبالتالي يلزم أن يكون ذلك الحكم مشهوراً لدى الطبقة المتقدّمة المعتبرة ، فإذا كان كذلك كفت الشهرة بين المتقدّمين وخصوصاً وأن فقهاءنا المتقدّمين كالشيخ الكليني والطوسي وغيرهم ذكروا هذه الروايات في كتبهم وذكرهم لها يدلّ على أنهم يأخذون بها.

وعلى أيّ حال لو كانت هناك مخالفة لانعكست في هذه المسألة المهمّة ، وعدم انعكاسها يدلّ على أنّ الجميع موافقٌ من هذه الناحية فالحكم بالحرمة هو المتعيّن.


[3] أي يوجد طريقان إلى ابن فضال وإذا كان لديك تأمل في الطريق الاول من ناحية سهل فالطريق الثاني لا تأمل فيه.
[4] أو ( الطاهري ) كما في المصدر.
[8] وقد ذكرها في آخر الوسائل.