37/03/29


تحمیل
الموضـوع:- جواز الكلام مع المرأة الأجنبية - مسألة ( 17 (- المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
وفيه:-
أوّلاً:- نسلّم أن السؤال بعد المفروغيّة عن جواز السلام ولكن هذه المفروغيّة كما تلتئم مع ما أراد - يعني أنه يجوز السلام على جميع الرجال أيّ فئة كانت - يلتئم مع فرضية أنّ السؤال عن كيفية السلام في المورد الذي يجوز فيه السلام - يعني إذا كان على المحارم كالآب والابن والجد -، فحينئذٍ هذا يصحّ السؤال عنه وأنه إذا دخلت على القوم وأرادت السلام كيف تسلّم، فلا يتوقّف هذا على أن يكون المفروغ في ذهن السائل جواز السلام على مطلق الرجال وإنما هو في المورد الجائز - لأنّه يوجد في ذهنه موردٌ مفروغ عن جواز السلام - ولا يستلزم هذا أن يكون المفروغ ما أراد - وهو الدائرة الوسيعة -، فلّعل المفروغ هو الدائرة الضيّقة.
فنحن نسلّم أنّ الرواية تدلّ على أنّه مفروغٌ في ذهن السائل جواز السلام على الرجال أمّا أنّ هذا المفروغ عنه دائرته وسيعة - يعني مطلق الرجال - أو ضيّقة - يعني خصوص الرجال المحارم - فهذا مجمل، فإذن لا يمكن أن نستفيد من الرواية جواز السلام على الرجال بشكلٍ مطلق.
ثانياً:- يأتي جوابنا الذي كنّا نكرره، هو أنّه يحتمل أنّ السلام له خصوصيّة ولا نجزم بعدم الخصوصيّة له عرفاً، فكيف نتمسّك بهكذا روايات والحال أنّ احتمال الخصوصيّة موجود.
الدليل الرابع:- التمسّك بأدلّة نفي الحرج، أعني قوله تعالى:-﴿ وما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾ ، بتقريب:- أنّ المرأة إذا كان صوتها عورة ولم يجز سماع صوتها يلزم من ذلك الحرج عليها وعلينا، فلأجل نفي الحرج نقول يجوز لها أن تتحدّث مع الرجال ويجور للرجال أن يسمعوا صوتها.
وفيه:-
أوّلاً:- إنّ هذا موقوفٌ على كون المرفوع هو الحرج النوعي، أمّا إذا كان المرفوع هو الحرج الشخصي فلابد وأن تلاحظ المرأة أو الرجل أنّه متى ما لزم الحرج عليه فيجوز آنذاك أن يتحدّث والآخر يسمع، أمّا إذا لم يلزم الحرج فلا يجوز السماع، فنقول للمرأة ( يجوز لك أن تتكلّمي ويجوز لهذا الرجل أن يسمع صوتك لأنّه يلزم الحرج عليكما )، أما المورد الذي لا توجد فيه ضرورة للكلام فلا يلزم حرج شخصي فحينئذٍ لا يجوز لها التحدّث.
إنّه لابد وأن نفصّل هكذا، والمفروض أنّنا نريد أن نثبت هذا فإنّ مدعانا هو الجواز في حقّ الجميع فلابد وأن نلتزم بأنّ المرفوع هو الحرج النوعي حتى يثبت ذلك، يعني مادام يلزم حرجٌ على النوع والغالب فالحكم مرفوعٌ حينئذٍ عن الجميع حتى في حقّ من لا يلزم عليه الحرج، فإذا التزمنا بأنّ المرفوع هو الحرج النوعي فهذا يكون له وجاهة.
ولكن الظاهر أنّ المرفوع هو الحرج الشخصي دون الحرج النوعي، ووجه الظهور، وهو أنّ قوله تعالى:- ﴿ وما جعل عليكم ﴾ يعني وما جعل عليك أيها المكلف الأوّل وما جعل عليك أيها المكلف الثاني ....... وهكذا، فهو في الحقيقة نفيٌ للجعل بعدد الأشخاص لكن جُمِعَ بلسانٍ واحدٍ وقيل ﴿ ما جعل عليكم ﴾، فإذا كان الخطاب لكلّ شخصٍ فظاهره هو الحرج الشخصي، فالمدار على الحرج الشخصي.
إذن حيث إنّ مفاد ﴿ ما جعل عليكم ﴾ عرفاً أنّه مخاطبة للأشخاص فالمدار على الحرج الشخصي بلحاظ كلّ شخصٍ شخص.
ولو غضضنا النظر عن هذا ولم تقبله وقلت:- إني لم أفهم من قوله تعالى:- ﴿ وما جعل عليكم ﴾ أنه يرجع إلى خطاباتٍ شخصيّة بعدد الأفراد أو أشكك في فهمه.
فأقول:- أنت تحتاج إلى مثبتٍ تثبت به أنّ المدار على الحرج النوعي، فما أقوله محتملٌ وما تقوله محتملٌ، فكلاهما محتملٌ لا أن المحتمل ما تقول فقط، فعليك أن تثبت أنّ المقصود هو نفي الحرج النوعي ومجرّد الاحتمال لا يكفيك، بينما أنا فلا احتاج إلى مثبتٍ بعد الإجمال والتردّد باعتبار أنّه هو القدر المتيقّن؛ إذ لا يحتمل أنّ الحرج النوعي يرتفع لكن الحرج الشخصي لا يرتفع فإنّ هذا الاحتمال ليس موجوداً - يعني أنَّ الآية الكريمة جاءت لترفع الحكم عند الحرج النوعي ولا ترفعه عند الحرج الشخصي -، فما أقوله شيءٌ جزميٌّ، إنما الكلام في الزيادة يعني في إرادة رفع الحرج النوعي، وهل لديك مثبت ؟!!
وقد تقول:- يوجد لي مثبت هو التمسّك بالإطلاق، فإنّ الآية الكريمة قالت:- ﴿ وما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾، أي سواء كان الحرج نوعياً أم كان شخصياً فنتمسّك بإطلاق كلمة الحرج.
والجواب:- إنّه على مبنانا الذي أشرنا إليه في مبحث الاطلاق وهو أنّه يجوز التمسّك بالإطلاق إذا كان عدم ذكر القيد في حال إرادة المقيّد واقعاً دون المطلق مستهجناً فعند ذاك يصحّ التمسّك بالإطلاق وإلا فلا يصحّ التمسّك به، وتعال إلى موردنا فلو ظهر المتكلّم وقال إنّ مقصودي هو الحرج الشخصي فهل يستهجن منه هذا ويقال له إذن أنت لماذا لم تقيد بالحرج الشخصي فالإطلاق منك يكون مستهجناً ؟! إنّا نشعر بالوجدان أنّه لا استهجان لو كان مقصوده ذلك، فإذا لم يكن هناك استهجان فلا معنى للتمسّك بالإطلاق.
إذن لا يمكن التمسّك بنفي الحرج في الآية الكريمة لإثبات الجواز مطلقاً - يعني حتى في حقّ من لا يكون في حقّه حرجٌ إذا لم يستمع إلى صوت المرأة - وإنما يتم ذلك بناءً على إرادة الحرج النوعي.
ثانياً:- سلّمنا أنّ المدار على الحرج النوعي ولو بالإطلاق، ولكن الحرج النوعي إنما يتمّ لو فرض أنّ صوت المرأة عورة حتى في مورد الحاجة العقلائية المتعارفة كالسؤال عن الطريق مثلاً، فإذا أردنا أن نقول بأنه لا يجوز حتى في هذه الموارد فصحيح أنّه يلزم الحرج النوعي، أمّا إذا فرضنا أنّا نريد أن نجوّز هذا المورد والذي لا نجوّزه هو أنّ أتكلّم مع المرأة وأسمع وصوتها بلا ضرورة كمن جلس في مكانٍ عام مثلاً وهو يسمع صوت نساءٍ أجنبياتٍ يتحدثن فهنا لا توجد حاجة وهنا لا يلزم الحرج من عدم الجواز حتى الحرج النوعي، فالحرج النوعي إنّما يلزم فيما ما لو حكمنا بأنّ صوت المرأة عورة في مواضع الحاجة المتعارفة، أمّا إذا فرض أنّا قلنا بالجواز في موارد الحاجة العقلائية وقلنا لا يجوز في الموارد التي لا توجد حاجة أصلاً فهنا لا يلزم الحرج النوعي، فلا يثبت من خلال قاعدة نفي الحرج الجواز المطلق الوسيع، فنحن لا نريد أن نثبت الجواز في الجملة وإنما نريد أن نثبت أنّ صوتها ليس بعورةٍ ويجوز سماع صوتها مادام لا توجد إثارة.
بل قد يستدل ببعض الآيات الكريمة:-
من قبيل:- الحوار الذي جرى بين موسى عليه السلام وبين بنات شعيب:- ﴿ قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخٌ كبير ...... فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إنّ أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ﴾[1].
ومحلّ الشاهد موردان:-
الأوّل:-كلام موسى عليه السلام حيث قال:- ﴿ قال ما خطبكما ﴾، وهنَّ أجبنه وهو سمع ذلك.
الثاني:- قوله ﴿ فجاءته إحداهما تمشي على استحياء فقالت إنّ أبي يدعوك )، فهي تكلّمت وهو سمعها ولم يقل لها إنّ صوت المرأة عورة ولا يجوز السماع وما شاكل ذلك.