37/04/21


تحمیل
الموضوع:- معونة الظالمين - مسألة ( 18 ) - المكاسب المحرمة.
مقتضى القاعدة في معونة الظالم على الحرام أو على المباح وقصدنا من المباح غير الظلم:-
أما بالنسبة على معونته على الحرام غير الظلم :- فالمناسب ربط ذلك بمسألة الاعانة على الحرام، فإذا بنينا على أن الاعانة على الحرام حرام اما لآية ﴿ ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ﴾ أو لأمور أخرى كما تقدم في مسألة ( 15 )، فأن بني على حرمة الاعانة على الحرام فحينئذٍ يكون المورد من مصاديق ذلك، وأما إذا لم يبن على ذلك فالمناسب هو الجواز، ولكن قلنا بقطع النظر عن الروايات، إذ ربما يستفاد من الروايات الحرمة اذا فرض ان فيها اطلاقاً، وسوف نلاحظ ان شاء الله تعالى لكن مقتضى القاعدة هو ما أشرنا اليه.
واما بالنسبة الى الاعانة على المباح:- فالمناسب جوازه لأنه مباح، وقاعدة حرمة الاعانة على الحرام لا تأتي هنا لأن الاعانة هنا هي على المباح فيجوز بمقتضى القاعدة ولا محذور في ذلك،كأن يخيط ثوباً للظالم او يبني له دارا أو غير ذلك من هذا القبيل، أجل ربما ينطبق على بعض الموارد عنوان آخر رغم أنها من قسم المباح،كأن يفترض انه يبني له مصنعاً للأسلحة او معملاً لصنع الطائرات والآلات الحربية وما شاكل ذلك فإن هذا يمكن ان يقال هو حرام بمقتضى القاعدة – ومقصودي بقطع النظر عن الروايات الخاصة - باعتبار انه ينطبق عليه عنوان تقوية الظالم في مقابل الايمان والمؤمنين، فمن هذه الناحية يمكن أن يقال بالحرمة رغم ان صنع الطائرة او بناء مصنع للأسلحة هو من المباحات لكن لأجل انه يوجب تقوية له فيمكن ان يقال بحرمته من هذه الناحية.
اما لو فرض انه كان يفتح له باب السيارة ويغلقه او يقدم له عصاه او بمجرد أنه اراد شيئاً فهو يبادر إلى جلبه فهذه الامور لو تكررت فهذا ربما ينطبق عليه عنوان التملّق للظالم وفيه شيء من تقوية الظلم، فهذه العناوين الثانوية ربما تنطبق.
والنتيجة:- هي ان الاعانة على المباح في حد نفسه شيء جائز بمقتضى القاعدة الا اذا انطبق عنوان اخر يوجب الحرمة وقد نختلف في ان تقديم العصى له او ما شاكل ذلك هو مصداق لعنوان ثانوي او لا، ولكن هذا اختلاف صغروي، والمهم هو الاتفاق على الكبرى، وهي أنه في حدّ نفسه جائز الا اذا انطبق عنوان آخر، وايضا من جملة العناوين الأخرى هو ما اذا تكرر هذا الفعل منه كأن فرض ان المهندس يبني له مكرراً فهذا ربما يصدق عليه عنوان أعوان الظلمة فلذلك من المناسب للفقيه ان يعمل نظره ودقته وانه ينطبق عليه عنوان او آخر، وربما الشخص العادي لا يشخص ذلك والقضية لابد وان توكل الى الفقيه.
الكلام بمقتضى الروايات:-
كل ما تقدم كان بمقتضى القاعدة في العناوين الثلاثة المتقدمة.
وأما الرايات فهي متعددة:-
الرواية الاولى:- صحيحة ابي حمزة عن علي بن الحسين في حديث ( اياكم وصحبة العاصين ومعونة الظالمين )[1]، وقد تمسك بها صاحب الحدائق(قده)[2].
وسندها تام اذ رواها الشيخ الكليني عن محمد بن يحيى الاشعري القمي عن احمد بن محمد بن عيسى الاشعري القمي المشهور وعن علي بن ابراهيم عن ابيه جميعاً، يعني يوجد للكليني طريقان الاول طريق محمد بن يحيى عن احمد بن محمد بن عيسى والثاني عن علي بن ابراهيم عن ابيه، وهؤلاء يروون – أي احمد بن محمد بن عيسى في الطريق الاول ووالد علي بن ابراهيم في الطريق الثاني جميعاً - عن الحسن بن محبوب وهو من ثقاة اصحابنا، عن مالك بن عطية وهو من ثقاة اصحابنا، عن ابي حمزة وهو بقرينة الامام السجاد عليه السلام المقصود منه الثمالي، فإذن هي تامة من حيث السند.
يبقى سؤالان:-
الاول:- هل هي تعم الانحاء الثلاثة - أي هل فيها اطلاق او لا - ؟
الثاني:- وهل فيها دلالة على التحريم او لا ؟
أما بالنسبة الى السؤال الاول:- قد يقال بادئ ذي بدء إن فيها اطلاق كما ذهب الى ذلك بعض الفقهاء لأن الامام عليه السلام قال ( وإياكم ... ومعونة الظالمين ) فهي مطلقة سواء كانت معونة الظالمين في ظلمهم أو معونتهم في الحرام غير الظلم او معونتهم في المباح فهي تشمل الاقسام الثلاثة.
ولكن في المقابل يمكن ان يقال:- من الوجيه ان يقال إنه حينما يقال ( اياكم ومعونة الظالمين ) فحينئذ بمناسبة وصف الظلم يعني في ظلمهم، وهذا واضح ولا يحتاج الى ان يبينه الامام، فهذا احتمال وجيه، وعليه فانعقاد الاطلاق مشكل؛ اذ يمكن ان يتكل المتكلم على هذه القرينة لأن العرف يفهم منها المعونة لهم في ظلمهم لأن الاوصاف حينما تذكر فذلك يعني أنه لا تتدخل في مسألة ظلمهم، فانعقاد الاطلاق شيء مشكل، ينين هذا اشبه بالمجمل، يعني لا يوجد ظهور في الاطلاق بعد هذا الذي ذكرناه، وإذا كان هناك ظهور في الاطلاق فهو ظهور بدوي، فالرواية لا يمكن التمسك بها لتحريم الثلاثة، نعم قلنا ان القدر المتيقن منها هو القسم الأول وهو معونة الظالم في ظلمه اما ما زاد على ذلك فيشكل الاستفادة منها.
واما بالنسبة الى السؤال الثاني:- ولم أر من ناقش، ولكن يمكن أن يقال:- إن ( إياكم ) هو أعم، فهو تحذير والتحذير يلتئم مع الحرمة والكراهة، فعلى أي حال استفادة التحريم منها مشكل.
اذن اتضح ان التمسّك بهذه الرواية شيء مشكل حتى بالنسبة الى معونة الظالمين في ظلمهم
الرواية الثانية:- محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن سنان عن طلحة بن زيد عن ابي عبد الله عليه السلام قال:- ( العامل بالظلم والمعين له والراضي به شركاء ثلاثتهم )[3].
أما بالنسبة الى سند الرواية:- فالإشكال من ناحية محمد بن سنان فان فيه اختلافا كبيرا، ولكن لأجل ان الاعاظم قد رووا عنه كثيرا فنحن نميل الى وثاقته.
واما بالمسبة الى طلحة بن زيد الذي هو من غيرنا كما ذكر في ترجمته فلم يذكر بتوثيق، ولكن ذكر الشيخ في فهرسته ان ( له كتاب معتمد )[4]، وهل تنفع عبارة الشيخ هذه أو لا ؟ يمكن ان يقال:- مادام قال الشيخ ذلك فهو يكفي، فنأخذ برواياته، يبقى انه هل نستفيد من ذلك توثيقه او لا ؟ يمكن ان يقال:- إنه لا حاجة الى التدقيق من هذه الناحية والمهم هو ان كتابه معتمد أما انه ثقة او لا فهذا ليس بمهم فإنه لا داعي الى التحقيق من هذه الناحية فإنه لا ثمرة في ذلك.
ولكن يمكن لشخص ان يقول:- إن الاعتماد على الكتاب نحو توثيق للرجل، وهذه قضية جانية ليست بالمهمة، والمهم هو أنه من ناحية طلحة الامر سهل، ويبقى من ناحية بن سنان والامر فيه كما ذكرت.
أما من حيث الدلالة:- فهنا سؤالان ايضاً:-
الاول:- هل فيها اطلاق يعم الانحاء الثلاثة او لا ؟
الثاني:- هل فيها دلالة على التحريم او لا ؟
اما بالنسبة الى جواب السؤال الأول:- فيأتي ما ذكرناه في الرواية الاولى، يعني بادئ ذي بدء يمكن ان يقال بالإطلاق ان الرواية قالت ( والمعين له ) يعني المعين للظالم فيشمل الانحاء الثلاثة.
ولكن يمكن ان يقال:- إن التحذير عن اعانة الظالم لا يبعد انه ينصرف الى ناحية ظلمه، وهذا احتمال وجيه لعله يؤثر على الظهور، ولعله اقوى.
واما من ناحية جواب السؤال الثاني:- فقد يقال إن الرواية تدل على التحريم لأنها قالت ( شركاء ثلاثتهم ) وحيث أن العامل بالظلم هو يستحق العقوبة جزماً لأنه هو الظالم نفسه فشريكه يكون بمنزلته فيكون معاقباً أيضاً وفاعلاً للمحرم.
ولكن في المقابل يمكن ان يرد ذلك ويقال:- إن المقصود هو إن هؤلاء شركاء ثلاثتهم، أما أنهم شركاء بماذا ؟ فالرواية لم تقل هم شركاء في العقاب ؟!! بل لعل المقصود هو أنهم شركاء في تحقق الظلم بسبب أن احدهم فعل والثاني أعان والثالث سكت ورضي ولكن لا يلزم أن يعاقبون ثلاثتهم، بل لعل بعضهم يعاقب والبعض الآخر لا يعاقب بل لعلهم يؤنبّون يوم القيامة، وإنما هذه الحالة حصلت من هذه الأمور الثلاثة اما أن الكل معاقبٌ فلا، وانما هي شركة في تحقّق الواقع السيء.
اذن استفادة التحريم منها واستحقاق العقوبة شيء مشكل كما في الرواية الأولى.
الرواية الثالثة:- ما رواه الكليني عن عدّة من اصحابنا عن سهل بن زياد عن علي بن اسباط عن محمد بن عذافر عن ابيه قال:- ( قال لي ابو عبد الله عليه السلام:- يا عذافر نبئت انك تعامل ابا ايوب والربيع فما حالك لو نودي بك في اعوان الظلمة، قال:- فوجم[5]ابي، فقال له ابو عبد الله عليه السلام لما رأى ما اصابه:- أي عذافر اني انما خوفتك بما خوفني الله عز وجل به، قال محمد:- فقدم ابي فمازال مغموماً مكروباً حتى مات )[6].
وتقريب الدلالة:- هو أن ما صدر من عذافر حينما كان يعامل ابا ايوب والربيع لابد وأنه كان بإجراء بعض المعاملات لهم واعانتهم في بعض الأمور والامام عليه السلام حذره من ذلك وحكم عليه بأنه سوف ينادى بك يوم القيامة اين اعوان الظلمة رغم أن الصادر منه هو اعانتهم في بعض الأمور، فالإمام عليه السلام حذره من ذلك فيثبت بذلك أنّ الاعانة محرّمة.