35/05/09


تحمیل
الموضوع:كفارة الجمع
قلنا ان كفارة الجمع تكون في موردين كما ذكر ذلك الفقهاء:
المورد الأول: من قتل مؤمنا عمدا لا لإمانه فهنا قال الفقهاء بوجوب كفارة الجمع وهي العتق والصوم والاطعام
قال السيد الخوئي والذي يبدو من الفقهاء ان هذه الكفارة عامة لكل من قتل مؤمنا عمدا سواء اقتص منه أو لم يقتص منه ولكن بمراجعة الأدلة يتبين ان هذا الحكم مختص بمن لم يقتص منه اما من اقتص منه فلا تجب عليه كفارة الجمع وقد ذكر لذاك أدلّة
المورد الثاني: من أفطر في شهر رمضان عمدا على الحرام وفيه رواية تدل عليه، الاّ ان السيد الخوئي يناقش في السند وقد أبطل هذه الرواية ومعه فلادليل على كفارة الجمع فيمن أبطل صومه في شهر رمضان عامدا على الحرام
والرواية هي رواية الهروي فيقول السيد الخوئي ان في سند هذه الرواية علي بن محمد بن قتيبة وهو من مشايخ الكشي وهو لم يوثق وفيها أيضا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس وهو من مشايخ الصدوق وهذا أيضا لم تثبت وثاقته وأما دلالة الرواية فهي واضحة جدا، والرواية هي:
عن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري، عن علي بن محمد بن قتيبة، عن حمدان بن سليمان عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: قلت للرضا (عليه السلام) : يا بن رسول الله قد روي عن آبائك (عليهم السلام) فيمن جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه، ثلاث كفارات وروي عنهم أيضا كفارة واحدة فبأي الحديثين نأخذ؟ قال: بهما جميعا، متى جامع الرجل حراما أو أفطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفارات: عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين، وإطعام ستين مسكينا وقضاء ذلك اليوم، وإن كان نكح حلالا أو أفطر على حلال فعليه كفارة واحدة، وإن كان ناسيا فلا شئ عليه [1] يقول السيد الخوئي ان شيخ الكشي وشيخ الصدوق لاتوثيق لهما فالرواية تسقط عن الاعتبار الاّ ان يكون هناك اجماع تعبدي وهو غير موجود، نعم القول به أحوط
نحن نقول لو فرضنا ان هذه الرواية ضعيفة لكن المشهور قد عمل بها ومع عمل المشهور فتنجبر الرواية طبقا لما اخترناه في بحث الاصول وتكتسب الوثاقة بعمل المشهور، وعليه فهذه الرواية تخصص الروايات القائلة بالتخيير، وهذا الحكم لاغبار عليه باعتبار ان هذه الرواية قد عمل بها المشهور وان عمل المشهور جابر لضعف السند في الرواية
ثم ان السيد صاحب العروة قال ان كفارة الجمع تثبت في الموردين بينما ناقش السيد الخوئي فيهما حيث ناقش في عموم الكفارة الاولى وهي القصاص لكل من قتل مؤمنا فقال ان كفارة الجمع تثبت لمن يدفع الدية فقط، والحق مع السيد الخوئي، نعم صاحب الشرائع قال بعموم كفارة الجمع لمن قتل مؤمنا سواء اقتص منه او لم يقتص منه
واما بالنسبة للكفارة الثاية وهي من افطر على حرام في شهر رمضان فقد ناقش السيد الخوئي في سند الرواية ومناقشته لابأس بها لكن المشهور قد عمل بهذه الرواية وقد اخترنا في بحث الاصول ان عمل المشهور يجبر ضعف السند فالرواية معتبرة
ومنها: ما يجب فيه الصوم بعد العجز عن غيره وهي كفارة الظهار وكفارة قتل الخطأ فإن وجوب الصوم فيهما بعد العجز عن العتق وكفارة الإفطار في قضاء رمضان فإن الصوم فيها بعد العجز عن الإطعام كما عرفت وكفارة اليمين وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم وبعد العجز عنها فصيام ثلاثة أيام وكفارة صيد النعامة وكفارة صيد البقر الوحشي وكفارة صيد الغزال فإن في الأول تجب بدنة ومع العجز عنها صيام ثمانية عشر يوما وفي الثاني يجب ذبح بقرة ومع العجز عنها صوم تسعة أيام وفي الثالث يجب فيه شاة ومع العجز عنها صوم ثلاثة أيام وكفارة الإفاضة من عرفات قبل الغروب عمدا وهي بدنة وبعد العجز عنها صيام ثمانية عشر يوما وكفارة خدش المرأة وجهها في المصاب حتى أدمته ونتفها رأسها فيه وكفارة شق الرجل ثوبه على زوجته أو ولده فإنهما ككفارة اليمين [2]هذا هو الجزء الثاني من الكفارات وهو كفارة الترتيب فيجب العتق ومع عدم التمكن فيأتي بالصوم فان لم يتمكن من الصيام فيجب عليه الاطعام
وهذه الكفارة المرتبة لها موارد متعددة، منها: كفارة الظهار، ومنها: كفارة قتل الخطأ،ومنها: كفارة من افطر في قضاء شهر رمضان بعد الزوال، ومنها: كفارة اليمين، ومنها: كفارة النعامة، ومنها: كفارة الصيد، ومنها: كفارة الغزال، فالكفارة المرتبة لها موارد متعددة
أما كفارة الظهار فيجب فيها اولا عتق رقبة فان عجز عن الرقبة فينتقل الى صوم شهرين متتابعين فان عجز عن الصوم فينتقل الوجوب الى الاطعام، وهذا الحكم متفق بين الفريقين لانه مذكور في القران الكريم الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور (2) والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير (3) فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم (4) [3] وبمضمون هذه الآية جملة وافرة من النصوص
منها: صحيحة أبان وغيره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: كان رجل على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقال له: أوس بن الصامت وكان تحته امرأة يقال لها: خولة بنت المنذر، فقال لها ذات يوم : أنت علي كظهر أمي ثم ندم وقال لها: أيتها المرأة ما أظنك إلاّ وقد حرمت علي فجاءت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت: يا رسول الله إن زوجي قال لي: أنت علي كظهر أمي وكان هذا القول فيما مضى يحرم المرأة على زوجها، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما أظنك الاّ وقد حرمت عليه، فرفعت المرأة يدها إلى السماء فقالت: أشكو (إلى الله) فراق زوجي فأنزل الله يا محمد: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) الآيتين، ثم أنزل الله عز وجل الكفارة في ذلك، فقال: والذين يظاهرون من نسائهم، الآيتين [4] وكذا الرواية الثانية من نفس هذا الباب بنفس المضمون وتؤيد الآيات القرانية
وتوجد روايات تخالف الاية القرانية وتخالف هذه الروايات، مثل صحيح معاوية بن وهب وهي الرواية الثالثة في الباب وكذا الرواية الخامسة والسادسة من نفس الباب تخالف الايات القرانية حيث تقول بأن الكفارة مخيرة وليست مرتبة وهذه الروايات تعارض الآية وتلك الروايات المتقدمة الموافقة للقران الكريم فيتحقق التعارض
هنا يمكن الجمع بأن نقول ان الروايات التي تقول بالتخيير في خصال الكفارة دلّت على ثبوت خصال الكفارة لافي كيفية الوجوب بل أثبتت نفس الخصال الثلاث للكفارة فان كلمة (أو) لابد من حملها على التقسيم ولانحملها على التخيير، فاذا كانت للتقسيم فهنا يمكن الجمع بين الايات القرانية والروايات الموافقة للقران الكريم وهذه الروايات
فان لم نقبل هذه الجمع فنرجع الى القاعدة التي تقول ان ماخالف القران الكريم يضرب عرض الجدار ومعه فيثبت الترتيب في خصال الكفارة الثلاث
وأما كفارة قتل الخطأ فقد صرح القران بذلك وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما [5] لكن المشكلة ان هذه اللآية المباركة لم تذكر الاطعام بينما الروايات ذكرت الاطعام
موثقة عبد الله بن سنان وهي: محمد بن الحسن بإسناده عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): كفارة الدم إذا قتل الرجل مؤمنا متعمدا إلى أن قال: وإذا قتل خطأ أدى ديته إلى أوليائه ثم أعتق رقبة فإن لم يجد صام شهرين متتابعين فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا مدا مدا، وكذلك إذا وهبت له دية المقتول فالكفارة عليه فيما بينه وبين ربه لازمة [6] فهذه الرواية تصرح بالاطعام
وقد نُسب الى اثنين من علمائنا وهما الشيخ المفيد وسلار قولهما بالتخيير في كفارة قتل الخطأ ولكننا لانعرف مستندا لهذه الفتوى، قال صاحب الجواهر ولانعرف لما ذكروه وجها
نعم يمكن التمسك بالأصل العملي حيث اننا نشك في ان كفارة قتل الخطأ هل هي ترتيبية أو تخيرية فهنا نقول ان الأصل هو التخيير فلا يثبت الترتيب ولكن الأصل العملي لايكون حجة مع وجود الآية القرآنية والدليل اللفظي
فالكفارة مرتبة في الظهار وفي قتل المؤمن خطأ، وهكذا الكفارة مرتبة في الافطار في قضاء شهر رمضان بعد الزوال ففيه اطعام عشرة مساكين فان لم يتمكن فصام ثلاثة أيام وهذه كفارة مرتبة أيضا، وفي هذا الحكم روايات تدل عليه
صحيحة بريد العجلي، عن أبي جعفر (عليه السلام) في رجل أتى أهله في يوم يقضيه من شهر رمضان، قال: إن كان أتى أهله قبل زوال الشمس فلا شئ عليه إلا يوم مكان يوم، وإن كان أتى أهله بعد زوال الشمس، فان عليه أن يتصدق على عشرة مساكين، فإن لم يقدر صام يوما مكان يوم وصام ثلاثة أيام كفارة لما صنع [7] فالكفارة ترتيبية على من افطر بعد الزوال في قضاء شهر رمضان
صحيحة هشام بن سالم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل وقع على أهله وهو يقضي شهر رمضان؟ فقال: إن كان وقع عليها قبل صلاة العصر فلا شئ عليه، يصوم يوما بدل يوم، وإن فعل بعد العصر صام ذلك اليوم وأطعم عشرة مساكين، فإن لم يمكنه صام ثلاثة أيام كفارة لذلك [8] وقد حمل الشيخ الطوسي هذه الرواية على مايوافق الرواية الاولى سواء كان قبل الزوال أو بعده وسبب حمله على ذلك باعتبار ان صلاة الظهر والعصر يدخل وقتهما بالزوال
نحن نقول لو قسمنا النهار الى قسمين فيكون الصبح وهو قبل الزوال والعصر وهو بعد الزوال والزوال هو الظهر وهو منتصف اليوم فاذا افطر بعد الزوال فيكون قد أفطر عصرا واذا افطر قبل الظهر فيكون قد أفطر صباحا فهذه توافق الرواية الاولى فهي تثبت الكفارة لما بعد الزوال
ومن الكفارت المرتبة هي كفارة اليمين وهو مما اتفق بين الفريقين حيث ذكرته الاية القرانية لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون [9] وهذه الحكم متفق عليه كما يقول صاحب الجواهر بين المسلمين فانه في القران وبه روايات و مقطوع به بين الأصحاب
والنصوص وافرة وموجودة في الباب الثاني عشر من الكفارات تؤيد الآية القرانية فتقول بالتخيير بين الامور الثلاثة وهي العتق والاطعام والكسوة فان لميتمكن فيصوم ثلاثة أيام لكن هنا توجد رواية واحدة موثقة تقدم الصيام على الاطعام والعتق، وهي:
موثق زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سألته عن شئ من كفارة اليمين فقال: يصوم ثلاثة أيام، قلت: إن ضعف عن الصوم وعجز، قال: يتصدق على عشرة مساكين، قلت: إنه عجز عن ذلك، قال: يستغفر الله ولا يعد فإنه أفضل الكفارة وأقصاه وأدناه فليستغفر الله ويظهر توبة وندامة [10]بينما الآية القرانية والروايات تقول بالتصدق أو الكسوة أو العتق فان لم يتمكن فيأتي الى الصوم، فهذه الرواية تعارض الآية وتعارض الروايات فلابد من طرحها لمخالفتها للقران الكريم ومعارضتها للروايات المستفيضة





[9] سورة المائدة، الاية 89.