33-12-19


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

33/12/19

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 353 ) ، ( 354 ) / الـواجـب الخامس مــن واجبـات عمـرة التمتع ( التقصير) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 مسألة ( 353):- لا تجب المبادرة إلى التقصير بعد السعي فيجوز فعله في أي محل شاء سواء كان في المسعى أو في منزله أو في غيرهما.
 تشتمل هذه المسألة على حكمين:-
 الحكم الأول:- إن المبادرة إلى التقصير بعد الفراغ من السعي ليست لازمة فيجوز تأخير التقصير إلى فترة مادام لم تحصل مزاحمة بوقت الحج فيتمكن أن يؤخره إلى اليوم التاسع قبيل الظهر.
 الحكم الثاني:- هل يلزم أن يكون التقصير في محل معيّن ؟ كلا بل في أي مكان كان ولا يلزم أن يكون على المروة بل يجوز في البيت بل لعله يجوز حتى خارج مكة.
 والعبارة لم تذكر هذين الحكمين بلسان حكمين مستقلين بل ربما توحي بكون الحكم واحداً فانه(قده) عبر هكذا ( لا تجب المبادرة إلى التقصير بعد السعي فيجوز .... ) أي أنه أتى بالفاء والحال أن المناسب الإتيان بالواو فان الإتيان بالفاء يوحي بأن هذا تفريع وتكملة لما سبق والحال أنه حكم جديد فالمناسب التعبير وبالواو ، وأحسن من ذلك التعبير بكلمة ( كما ) فيقال ( كما ويجوز فعله ... ) حتى تسلط الأضواء بشكل واضح على أن هذا حكم آخر.
 وما هو المستند لهذين الحكمين ؟
 والجواب:- يمكن التمسك بعدة وجوه:-
 الوجه الأول:- صحيحة الحلبي التي ورد فيها أن زوجته قرضت بعض شعرها بأسنانها فان الامام عليه السلام أمضى ذلك وقال ( رحمها الله كانت أفقه منك ) وهذا معناه أنه يجوز التقصير على غير المروة , وأيضاً يستفاد من ذلك أن التأخير جائز إذ الامام عليه السلام لم يستفصل ويسأل عن الفترة وهل كانت قصيرة أم طويلة بل أمضى ذلك من دون استفصال فيدل الإمضاء على كلا الحكمين.
 الوجه الثاني:- الإطلاق ، فيقال:- إن الروايات الآمرة بالتقصير لم تحدد زماناً ولا مكاناً معيّناً من قبيل صحيحة معاوية المتقدمة حيث جاء فيها ( إذا فرغت من سعيك وأنت متمتع فقصِّر من شعرك ..... ) فانه عليه السلام لم يقل ( على المروة ) أو ( في مكان كذا ) كما أنه لم يأمر بأن يكون الزمان زماناً معيناً فيمكن التمسك بإطلاق هذه الرواية من كلتا الناحيتين والإتيان بالفاء لا يستفاد منه الفورية وإنما يستفاد منه الترتيب يعني أن التقصير يقع بعد الفراغ من السعي.
 الوجه الثالث:- مع التنزّل عن كلا الوجهين السابقين يمكن أن نتمسك بأصل البراءة بمعنى أنه نشك هل يلزم مكان معين أو لا ؟ وهل يلزم زمن معين أو لا ؟ فنجري أصل البراءة عن اعتبار ذلك ، ولكن ينبغي الالتفات إلى الجنبة الفنيَّة التي اشرنا إليها أكثر من مرَّة فإن البراءة لا نجريها ابتداءً عن التقيد بالزمان أو المكان وإنما نجريها عن الواجب ككل - أعني الواجب المقيد - فنقول هكذا:- نحن نجزم باشتغال ذمتنا بالحج المشتمل على الإحرام والطواف وغير ذلك ومن جملة أفعاله التي نجزم باشتغال الذمة بها هو التقصير وأما اشتغال الذمة بالحج المشتمل على التقصير المقيّد بكونه في زمن فوري أو في مكان كذا فهو مشكوك - أي يشك باشتغال الذمة بالحج المقيد - فنجري البراءة عن الوجوب النفسي المقيّد لا أنه نجريه عن التقيّد بقطع النظر عن الواجب النفسي فإن الذمة تشتغل بالواجب النفسي ولئن كانت تشتغل بالواجب الغيري فذلك بتبع اشتغالها بالواجب النفسي ، فدائماً نجري البراءة عن الوجوب النفسي المقيّد لكنه تسامحاً أحياناً نقول نجري البراءة عن التقييد.
 على أن المسألة من هذه الناحية لم ينقل فيها خلاف - أي لم ينقل خلاف في أنه يعتبر زمان أو مكان معين - فيظهر أنها اتفاقية ، وهذا لا نريد أن نجعله دليلاً رابعاً ولكن هذا شيء جيد من الناحية النفسية للفقيه فإنه يطمئن إلى ما يحكم به لهذه المستندات الثلاثة بعد فرض أن المسألة لم ينقل فيها خلاف.
 
 
 مسألة ( 354 ):- إذا ترك التقصير عمداً فأحرم للحج بطلت عمرته والظاهر أن حجّه ينقلب إلى الإفراد فيأتي بعمرة مفردة بعده والأحوط اعادة الحج في السنة القادمة.
 ..........................................................................................................
 هذه المسألة تتعرض إلى حكم من ترك التقصير وأحرم للحج من دون أن يقصّر ماذا يترتب عليه فهل أن عمله صحيح ويمضي فيه أو أنه ينقلب إلى حج إفراد ؟
 ولذلك حالتان فتارة يكون عن سهوٍ وأخرى يكون عن عمدٍ ، والسيد الماتن(قده) تعرض إلى حالة الترك العمدي في هذه المسألة وفي المسألة التالية تعرض إلى حالة الترك السهوي وكان من المناسب دمج المسألتين في مسألة واحدة ، كما أنه كان من المناسب تقديم حالة السهو لأنها الحالة الطبيعية وإلّا فحالة العمد كما قلنا هي حالة شاذة ، وقد اختلف الفقهاء في محل بحثهم لهذه المسألة فبعضٌ ذكرها في باب التقصير كما صنع السيد الماتن(قده) وبعضٌ ذكرها في باب الإحرام وبعضٌ ذكرها في كلا الموردين كصاحب الجواهر(قده) ، وصاحب الوسائل(قده) أشار إليها في كلا الموردين بعنوان واحد تقريباً ، وقد وردت أربع روايات للترك السهوي وروايتان للترك العمدي وهو قد أشار إلى هذه الروايات جميعاً في باب التقصير وعنون الباب بعنوان واحد ذكر تحته هذه الروايات ولكن في باب الإحرام ذكر روايتين فقط من روايات السهو وأشار إلى أنه توجد روايات أخرى.
 وعلى أي حال مقتضى القاعدة هو بطلان الإحرام للحج لأنه لم يقع في موقعه المناسب إذ هو بعدُ محرم ما دام لم يقصّر فكيف يدخل في الإحرام الثاني فبمقتضى القاعدة يقع الإحرام الثاني باطلاً وهو باقٍ على إحرامه الأوّل وإذا لم يلتفت حتى فات الموقفان فتبطل عمرة التمتع وبالتالي يبطل حج التمتع أيضاً لعدم عمرته التمتعية فان شرط حج التمتع هو العمرة التمتعية وهكذا شرط العمرة التمتعية حج التمتع فهما مترابطان فلا يقع هذا ولا ذاك ، هذا ما تقتضيه القاعدة ، وبالتالي إذا فات الموقفان بطل الحج والعمرة معاً وعليه الاعادة في السنة الثانية من دون فرق بين حالة السهو والعمد ، ولكن وردت روايات أربع في حالة السهو دلت على أنه لا شيء عليه غايته اختلفت من ناحيةٍ فبعضها قال عليه دمٌ وبعضها لم يذكر الدم بل قال ( لا شيء عليه ) وبالتالي يمكن حمل الدم على الاستحباب فلاحظ الروايات:-
 الرواية الأولى:- صحيحة معاوية بن عمار ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أهلّ بالعمرة ونسي أن يقصِّر حتى دخل في الحج ، قال:- يستغفر الله ولا شيء عليه وتمت عمرته ) [1] وهي ناظرة إلى عمرة التمتع بقرينة قوله ( حتى دخل في الحج ) فإن الدخول في الحج يكون بعد عمرة التمتع كما هو واضح ، والاستغفار الذي أمر به عليه السلام يحمل على الأدب الشرعي إذ المفروض أن المكلف لم يكن متعمداً فهو لم يرتكب مخالفة ، وقوله عليه السلام ( لا شيء عليه ) يدل على أنه لا توجد عليه كفارة فإذا دلت رواية على الكفارة حملت على الاستحباب . نعم لو كان عليه السلام قد سكت عن هذه الفقرة ( أي لم يقل:- ولا شيء عليه ) وقال ( ستغفر الله وتمت عمرته ) فيكون لها آنذاك إطلاق تنفي من خلاله الكفارة فبسكوت الامام تنتفي الكفارة فإذا جاءت رواية ثانية تدل على الكفارة فتصير مقيدة للإطلاق ، ولكن الامام عليه السلام قال هنا ( ولا شيء عليه ) وهذا واضح في نفي الكفارة.
 الرواية الثانية:- صحيحة أو موثقة اسحاق بن عمار ( قلت لأبي إبراهيم عليه السلام:- الرجل يتمتع فينسى أن يقصِّر حتى يهلّ بالحج ، فقال:- عليه دم يهريقه ) [2] .
 الرواية الثالثة:- صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام ( رجل متمتع نسي أن يقصّر حتى أحرم بالحج ، قال:- يستغفر الله عز وجل ) [3] .


[1] الوسائل 13 512- 6 من أبواب التقصير ح1، وذكرها في أبواب الاحرام أيضا 12 411 54 من أبواب الاحرام ح3.
[2] المصدر السابق في أبواب التقصير ح2 وفي أبواب الاحرام ح6.
[3] المصدر السابق أبواب الاحرام ح1.