34-01-18


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/01/18

بسم الله الرحمن الرحیم

 
 الموضـوع:- تتمة مسألة ( 357 ) / الـواجـب الخامس مــن واجبـات عمـرة التمتع ( التقصير) / باب السعي ، بداية باب احرام حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 ثم إن السيد الخوئي(قده) تمسك لإثبات أنها ناظرة إلى الحج بما ورد في صدر الرواية حيث جاء فيها:- ( إذا حج الرجل فدخل مكة ) فهذا تصريح بأن المكلف في حالة الحج ودخل مكة وهذا إنما يصدق حينما يدخل بعد الموقفين والفراغ من أعمال منى في اليوم العاشر . إذن الرواية ناظرة إلى الحج دون عمرة التمتع.
 ونحن في مقام التعليق نقول:- لو لم تكن كلمة ( قصَّر ) موجودة كنا لا نحتاج إلى هذه القرينة لإثبات أنها ناظرة إلى الحج - يعني قرينه ( إذا حج فدخل مكة ) - فانه يكفينا أنها تحتمل إرادة الحج ، فمجرد الاحتمال يرفع التعارض بين هذه الرواية وبين ما سبق بلا حاجة إلى إثبات حتمية نظرها إلى الحج ، أما بعد فرض وجود كلمة ( قصَّر ) فحينئذ يبعد حملها على الحج وإن صُرِّح في البداية بكلمة ( حجّ ) فإن الحج يطلق على عمرة التمتع أيضاً باعتبار أنهما عمل واحد . إذن بعد وجود كلمة ( قصَّر ) لا تقوى كلمة ( حج ) على القرينية لإرادة الحج.
 إذن المهم في الجواب ما أشرنا إليه من أن الرواية ضعيفة السند إضافة إلى المناقشة التي ستأتي في الدليل الثاني . وهو(قده) لم ينظر إلى كلمة ( قصَّر ) وإلا لو كان ملتفتاً إليها هو أو الشيخ الطوسي لكان على الأقل الإشارة إليها ودفعها.
 الدليل الثاني:- إن هذه المسألة ابتلائية فلو كان ذلك واجباً فيها لاشتهر وذاع والحال أن المعروف بين الفقهاء هو العكس وهذا يحصِّل القطع للفقيه أو الاطمئنان بأنه ليس بواجبٍ في عمرة التمتع.
 وبهذا يمكن الرد على رواية المروزي فأنه يقال:- إنها مخالفة لما هو المقطوع به من عدم وجوب طواف النساء في عمرة التمتع لقاعدة ( لو كان لاشتهر وذاع ) فلابد من تأويلها وتوجيهها بشكل من الاشكال.
 الدليل الثالث:- أن يقال:- لو غضضنا النظر عن الروايات وعن الدليل الثاني فيكفينا الأصل فإن إثبات الجزئية والوجوب هو الذي يحتاج إلى دليل . إذن يكفينا الأصل لنفي الجزئية والوجوب بلا حاجة إلى الروايات أو الدليل الثاني ، نعم بعد وجود الدليل الأول أو الثاني لا تصل النوبة إلى هذا الدليل ولكن الذي نريد أن نقوله هو أنه إذا لم يتم الدليل الأول أو الثاني فيمكن الاستناد إلى هذا الدليل.
 
 
 إحرام الحج
 تقدم أن واجبات الحج ثلاثة عشر ذكرناها مجملة وإليك تفصيلها:-
 الأول:- الإحرام:- وأفضل أوقاته يوم التروية ويجوز التقديم عليه بثلاثة أيام .........
 ..........................................................................................................
 فرغنا من أفعال عمرة التمتع ويقع الكلام عن أفعال الحج ، والمتن المذكور يشتمل على النقاط التالية:-
 النقطة الأولى:- إن الاحرام واجب للحج ، وهذا ينبغي أن يكون من الأمور الواضحة والمسلمة ، والدليل عليه بعض الروايات فإنه قد يستفاد منها وجوب الإحرام للحج خصوصاً على مسلك حكم العقل فإن اشتمال الرواية على المستحبات لا يضرّ في استفادة الوجوب منها كما نقرأ ذلك في صحيحة معاوية فانها دلت على وجوب الإحرام للحج غايته هي مشتملة على مستحبات وذلك لا يضرّ بناء على الأخذ بمسلك حكم العقل ، ولكن لو ناقشنا في الروايات فتكفينا السيرة القطعية بين المسلمين على فعل ذلك بنحو اللزوم والوجوب وذلك ما يعبّر عنه بـ( الارتكاز المتشرعي ) وهذا الارتكاز لم ينشأ من فتاوى الفقهاء لأنه ثابت في أذهان الفقهاء أيضاً فنسأل من أين أتى هذا الارتكاز الواضح في أذهان جميع الفقهاء ؟ ولا يحتمل استناده إلى الروايات فإنه أوضح من الروايات ولا يحتمل أن يكون المعلول أوضح من العلة ، إذن هو حتماً قد تلقي يداً بيد من معدن العصمة والطهارة.
 هذا مضافاً إلى أن المسألة من واضحات الفقه فإن في الفقه قضايا واضحة والنتائج ثابتة قبل إقامة الدليل عليها ونحن وإن تعلمنا من الصغر أننا ( نحن أبناء الدليل ندور حيثما دار ) ولكن هذا العموم لابد من وجود مخصص له فإنه في بعض الموارد تكون النتيجة ثابتة قبل الدليل وأنت عليك أن تقيم الدليل على هذه النتيجة المفروغ عنها.
 النقطة الثانية:- أفضل أوقات الإحرام للحج يوم التروية كما دلت على ذلك بعض الروايات ، من قبيل صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام ( إذا كان يوم التروية انشاء الله فاغتسل ثم البس ثوبيك وادخل المسجد حافياً وعليك السكينة والوقار ثم صلّ ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام أو في الحِجر ثم اقعد حتى تزول الشمس فصلِّ المكتوبة ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة وأحرم بالحج ... ) [1] وغير ذلك من الروايات فإنها دلت على طلب الإحرام للحج في يوم التروية حيث قال عليه السلام:- إذا كان يوم التروية ..... ومنها الاحرام .
 النقطة الثالثة:- يجوز قديم الإحرام على يوم التروية بثلاثة أيام ولا يجوز أكثر من ذلك.
 وهذه النقطة هي المهمة في هذا المتن ، وقد وقع الكلام بين الفقهاء في أن الإحرام هل هو متعين يوم التروية أو يجوز تقديمة ؟ وعلى تقدير جواز تقديمه فبأي مقدار يجوز ذلك هل ليومين أو ثلاثة لا أكثر أو يجوز حتى بشهر أو أكثر كما لو أتى المكلف بعمرة التمتع في بداية شهر شوال فيجوز ذلك أن يحرم للحج ويبقى بإحرامه لمدة شهر أو أكثر هذا من حيث البداية ؟ وهكذا وقع الكلام من حيث النهاية وهل أن النهاية هي يوم التروية أو يجوز التأخير إلى اليوم التاسع ؟ إذن الكلام تارة يقع من حيث بداية الإحرام وأخرى من حيث نهايته:-
 أما من حيث نهاية الإحرام:- فذلك قد تقدم منه(قده) في مسألة ( 155 ) وسيأتي ثانيةً في مسالـة ( 359 ) ولا كلام لنا فيه هنا.
 والكلام يقع الآن بالنسبة إلى التقديم:- وقبل أن نذكر الحكم في ذلك نشير إلى أنه ينبغي الفصل بين مسألة الإحرام للحج وبين مسألة الخروج إلى منى فإن هاتين مسألتان لا مسألة واحدة ، فقد نجوّز الإجرام من بداية شوال ولكن لا نجوّز الخروج إلى منى إلّا في يوم التروية أو قبله بيوم أو يومين وهذا ينبغي أن يكون من القضايا الواضحة ، ولكن سوف يأتي أن السيد الخوئي(قده) لم يسلط الأضواء من هذه الناحية ولذلك استدل بالروايات المانعة من الخروج قبل يوم التروية بثلاثة أيام على عدم جواز الإحرام من شوال والحال أنها ناظرة إلى مسألة الخروج إلى عرفات وكلامنا في الإحرام وأين هذا من ذاك ؟! فالتفت إلى ذلك.
 وعلى أي حال المعروف بين الفقهاء أنه يجوز تقديم الإحرام من شوال ونسب الخلاف إلى ابن حمزة(قده) فقط فإنه قال بتعيّنه يوم التروية ، وجاء في كلمات السيد الخوئي(قده) نسبة ذلك إلى الشيخ الطوسي(قده) والحال أنه منسوب إلى ابن حمزة فلاحظ المدارك حيث قال ما نصه:- ( وكما يستحب الخروج في هذا الوقت يستحب ايقاع الإحرام فيه وقال في المنتهى أنه لا يعلم فيه خلافاً ونقل عن ابن حمزة أنه أوجب الإحرام في يوم التروية ) [2] ، وهكذا ذكر في الجواهر [3] والحدائق [4] والامر ليس بمهم.
 والمهم هو ما ذكره السيد الخوئي(قده) بعنوان تحقيق المطلب وحاصل ما ذكره:- هو أن صحيحة معاوية المتقدمة دلت على لزوم الإحرام يوم التروية فيتعين بمقتضاها تعيّن الإحرام يوم التروية ولا نرفع اليد عن هذا الظهور إلا بدليل والدليل هو معتبرة اسحاق بن عمار فانها دلت على عدم جواز الخروج إلى منى إلا في يوم التروية أو قبله بيوم أو يومين أو ثلاثة لا أكثر حيث جاء فيها:- ( سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يكون شيخاً كبيراً أو مريضاً يخاف ضغاط الناس وزحامهم يحرم بالحج ويخرج إلى منى قبل يوم التروية ؟ قال:- نعم ، قلت:- يخرج الرجل الصحيح يلتمس مكاناً ويتروّح بذلك المكان ؟ قال:- لا ، قلت يعجِّل بيوم ؟ قال :- نعم ، قلت:- بيومين ؟ قال:- نعم ، قلت:- ثلاثة ، قال:- نعم ، قلت:- أكثر من ذلك ؟ قال:- لا ) [5] ، إذن مقتضى صحيحة معاوية تعيّن الإحرام يوم التروية ولكن معتبرة اسحاق بن عمار دلت على جواز ذلك للرجل الصحيح قبل يوم أو يومين أو ثلاثة لا أكثر من ذلك ، ولذلك حكم في المتن أن الإحرام للحج لا يجوز إلا بيوم التروية أو قبله بيوم أو يومين أو ثلاثة لا أكثر.


[1] الوسائل 13 519 1 من أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة ح1.
[2] المدارك 7 389.
[3] الجواهر 19 2.
[4] الحدائق 16 345.
[5] الوسائل 13 522 3 من أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة ح1.