37/07/11


تحمیل

الموضوع: فصل في شرائط صحة الصوم الاول الاسلام والايمان.

الطائفة الثالثة: التي وردت بلسان عدم قبول عمل غير الموالي وهي من قبيل معتبرة عبد الحميد بن أبي العلاء (عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) ـ في حديث ـ قال: والله لو أن إبليس سجد لله بعد المعصية والتكبر عمر الدنيا ما نفعه ذلك، ولا قبله الله عز وجل، ما لم يسجد لآدم كما أمره الله عز وجل أن يسجد له، وكذلك هذه الأمة العاصية، المفتونة بعد نبيها ( صلى الله عليه وآله )، وبعد تركهم الإمام الذي نصبه نبيهم ( صلى الله عليه وآله ) لهم، فلن يقبل الله لهم عملا، ولن يرفع لهم حسنة، حتى يأتوا الله من حيث أمرهم، ويتولوا الامام الذي أمروا بولايته، ويدخلوا من الباب الذي فتحه الله ورسوله لهم.)[1]

ومعتبرة ميسر(عن أبي جعفر ( عليه السلام ) ـ في حديث ـ قال: إن أفضل البقاع ما بين الركن الأسود، والمقام، وباب الكعبة وذاك حطيم إسماعيل، ووالله، لو أن عبدا صف قدميه في ذلك المكان، وقام الليل مصليا حتى يجيئه النهار، وصام النهار حتى يجيئه الليل، ولم يعرف حقنا وحرمتنا أهل البيت، لم يقبل الله منه شيئا أبدا.)[2]

والاستدلال بهذه الطائفة مبني على دعوى الملازمة بين صحة العمل وقبوله, واذا دل الدليل على عدم قبوله فهذا يعني عدم صحته, وحيث أن هذه الروايات تدل على عدم قبول عمل المخالف تكون _ بضميمة الملازمة _دالة على عدم صحة عمله, وهذا يعني أن صحة العمل مشروطة بالإيمان.

ويجاب عن ذلك بما تقدم من أن هناك مرتبتين احداهما للصحة والاخرى للقبول ولا ملازمة بينهما.

الطائفة الرابعة: ما دلت على أن الله يبغض عمل غير الموالي وهي من قبيل صحيحة محمد بن مسلم (قال: سمعت أبا جعفر ( عليه السلام) يقول: كل من دان الله عز وجل بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول، وهو ضال متحير، والله شانئ لأعماله ـ إلى أن قال ـ وإن مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق، واعلم يا محمد، أن أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله، قد ضلوا وأضلوا، فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، لا يقدرون مما كسبوا على شيء، ذلك هو الضلال البعيد.)[3]

فتدل على أن عمل غير الموالي مبغوض عند الله فلا تشمله ادلة التشريع فيقع فاسداً.

فالأمر يتعلق بالمحبوب الذي فيه مصلحة ملزمة, فتجب عليه الصلاة والصوم المقيد بأن يكون بدلالة ولي الله, وأما العمل بدون ذلك فهو مما لا يتعلق به الأمر, فإذا اتي به كذلك يكون فاسداً.

وهذا بخلاف الكافر بناء على أنه غير مكلف بالفروع فأن المراد به عدم توجه التكليف بالفروع إليه, وبناءً على تكليفه بها يكون ذلك بالفرع الخاص الذي هو عبارة عن الصلاة المقترنة بالإسلام.

و لا مجال للإشكال على هذا التقريب بهذه الطائفة بأنها تستلزم القول بأن المخالف غير مكلف بالفروع وهو مما لا يمكن الالتزام به.

قد يقال بناءً على هذا يمكن الالتزام بنفس الأمر في الكافر فيقال أن الكافر مكلف بالفروع بناءً على رأي المشهور لكنه لم يكلف بمطلق العبادة بل بالعبادة المقترنة بالإسلام, فإذا جاء بغيرها يعني جاء بغير المأمور به فتقع باطلة, فيكون الاسلام شرطاً في صحة العبادة.

لكن هذا مبني على اقامة دليل على تقييد العبادة بالإسلام, ففي باب المؤمن قام الدليل على ان ما يؤمر به المخالف هي الصلاة المقترنة بالولاية.

واذا تم هذا الدليل في الايمان يمكن التعدي بالأولوية إلى الكافر فنقول أن الكافر يكون عمله باطلاً لأنه ينكر الولاية والرسالة والتوحيد, فيكون كل من الايمان والاسلام شرطاً في صحة العمل.

وهذا كله مبني على تمامية الطائفة الرابعة والاستدلال بها على شرطية الايمان في صحة العبادة, لكن الشأن في تمامية هذه الطائفة, والسر في ذلك هو أن صحيحة محمد بن مسلم فيها بعض الامور التي تشكل نقاط ضعف في الاستدلال بها:-

الأمر الاول: ورد فيها_ كما وردت في الكافي_ أنه قال( سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: كل من دان الله بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول، وهو ضال متحير والله شانئ لإعماله ومثله كمثل شاة ضلت عن راعيها وقطيعها...... وكذلك والله يا محمد من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله عز وجل ظاهرا عادلا أصبح ضالا تائها وإن مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق...)[4]

فقوله (وإن مات على هذه الحال مات ميتة كفر ونفاق) لم يلتزم به مشهور فقهاءنا بل قيل لم يلتزم به احد, بل يوجد تشكيك حتى في نسبة من ينسب إليه هذا القول (الالتزام بكفر المخالف بما هو مخالف), بل توجد روايات كثيرة تدل على اسلامهم كما في الكافي في باب أن الاسلام يحقن به الدم وتؤدى به الامانة وان الثواب على الايمان وفي بعضها تصريح بأن الاسلام ما عليه عامة الناس, وكذلك في الباب الذي بعده (باب أن الايمان يشرك الاسلام ولا عكس) بل هناك روايات تصرح بأن المخالف اذا مات لم يمت ميتة كفر بل تكون ميتة ضلال كما في رواية ابن أبي يعفور (قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله: من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية، قال: قلت: ميتة كفر؟ قال: ميتة ضلال، قلت: فمن مات اليوم وليس له أمام، فميتته ميتة جاهلية؟ فقال: نعم.)[5]

وقد يقال أن المخالفين على مراتب وان اختلاف الروايات على هذا الاساس وحينئذ يمكن حمل روايتنا على نوع خاص من المخالفين, فيحكم بكفر من ينكر ضرورياً من ضروريات الدين مع علمه بها كذلك, لأنه يرجع إلى تكذيب الرسول صلى الله عليه واله وانكار الرسالة, وحينئذ تخرج هذه الروايات عن محل كلامنا فلا يمكن الاستدلال بها على شرطية الايمان في العبادة, لأنها تدل حينئذ على بطلان عبادة الكافر فيصح الاستدلال بها في المطلب السابق.

الأمر الثاني: ورد في الرواية (لا إمام له من الله عز وجل ظاهرا عادلا) فقد يفهم منها اشتراط طاعة الامام المعصوم الظاهر ولا اشكال في أن مبنى الامامية عدم الفرق بين طاعة الامام الظاهر وبين طاعة الامام الغائب المستور.

الأمر الثالث: أن ظاهر الرواية أن الله يبغض جميع اعمال المخالف وقد يقال بأن هذا من الصعب الالتزام به لأن بعضها يدخل في البر والاحسان.

ولعله لما ذكرنا أو لبعضه ذهب الشيخ المجلسي في مرآة العقول إلى حمل هذه الرواية على محمل آخر وفسر كلمة (والله شانئ لأعماله) انها غير مقبولة عند الله أو عدم كون المخالف مرضياً عند الله وكأنه يريد أن يقول أن البغض له وليس لأعماله.