37/06/25


تحمیل

الموضوع:- مسألة ( 19 ) – المكاسب المحرمة.

مسألة ( 19 ):- اللعب بآلات القمار كالشطرنج والدوملة والطاولي وغيرها مما أعدّ لذلك حرام مع الرهن ، ويحرم أخذ الرهن أيضاً ، ولا يملكه الغالب ، ويحرم اللعب بها إذا لم يكن رهن أيضاً ، ويحرم اللعب بغيرها مع الرهن كالمراهنة على حمل الوزن الثقيل أو على المصارعة أو على القفز أو نحو ذلك ، ويحرم أخذ الرهن ، وأما إذا لم يكن رهنٌ فالأظهر الجواز.[1]

ومضمون المسألة واضح ، ولكن إذا أردنا أن نضبطها ونختصرها من حيث المضمون حتى تكون أسهل تناولاً فنقول هكذا:- ( اللعب بآلات القمار حرامٌ مع الرهن وبدونه ، وأما اللعب بغيرها فيحرم مع الرهن دون ما إذا كان بدون رهن فإنّ الأظهر الجواز ) ، وقد اختصرت حكماً وهو أنّ أخذ الرهن هو بنفسه حرام ولا يُملَك.

وقبل الدخول في بيان التفاصيل نطرح سؤالين:-

الأوّل:- ما هو القمار ؟

الثاني:- هل الحرمة منصبّة على عنوان القمار أو على عناوين أخرى كالشطرنج والنرد وغير ذلك ، فمصب الحكم بالحرمة ما هو ؟

وقبل الاجابة عن السؤال الأوّل نذكر قضية:- وهي أنّ الفوز بالأجر - الرهن أو الجائزة أو الجعل - تارةً يكون بسبب إعمال الفكر والدقّة ، وأخرى لا يكون بذلك بل يكون بما نعبّر عنه بالحظّ الجيّد ، ولعل مثال الأوّل الشطرنج على ما يقال فإنه يحتاج إلى شخصٍ حاذقٍ حتى يفوز ويحصل على الجائزة ، ومثال الثاني على ما يقال الطاولي الذي قد يعبّر عنه بالنرد فيقال إنّ هذا لا يبتني على إعمال الفكر والدقّة ، ومن أمثلة ذلك التي عاصرناها أوراق اليانصيب وهي أوراقٌ تصدرها جهة معيّنة فيها رقمٌ وتبيعها بسعرٍ ما وبعد أن يشتريها الناس تجرى عملية قرعة في فترةٍ معيّنة وحينئذٍ قد يفوز الفائز الأوّل بجائزة كبيرة كسيارةٍ مثلاً أو ما شاكل ذلك وهكذا الفائز الثاني والثالث ... ، وهذه الطريقة في الحصول على الجائزة ليس مبنيّة على إعمال الفكر والدقّة ، فإذن ليس الفوز بالجائزة دائماً يكون بسبب إعمال الدقّة والفكر وإنما قد يكون أحياناً لا بذلك كما مثلّنا بالطاولي وأوراق اليانصيب ، هذه قضية أردنا أن نعرفها في البداية.

وأما جواب السؤال الأوّل:- فهو أنّ معنى القمار لم يذكر لغةً ، يعني أنّ أهل اللغة لم يتعرّضوا إلى أنّ القمار ما هو بحيث يكون واضحاً بشكلٍ تفصيليّ ، فبسبب هذا انسد علينا تحديد معنى القمار من خلال أهل اللغة ، نعم هم يمثّلون ببعض الأمثلة كمسألة الجزور المتعارف في زمان الجاهلية والسّهام ، أما تحديده بشكلٍ يُعرف من خلاله الداخل من الخارج فغير مذكور ، وعلى هذا الأساس ماذا نصنع في مثل هذا المورد ؟

إنه في مثله نرجع إلى ما ثبت بارتكازنا ، فإنا أهل عرفٍ ونعيش عرفنا ونحمل بسبب هذا العرف الذي نعيشه معنىً ارتكازياً مجملاً عن القمار ، فكلّ واحدٍ منّا يحمل معنى ارتكازياً مجملاً عن القمار ولكن لا يعرف حدوده التفصيلية ، والمعنى الاجمالي - المجمل - له نتمكن أن نقول هو عملٌ مبنيٌّ على محاولة تحصيل الجائزة أو الأجر من خلال المغالبة والتسابق ، فكلّ طرفٍ يحاول أن يحصل على الجائزة من خلال محاولة غلبة الثاني ، هذا معنىً إجمالي ثابتٍ في أذهاننا للقمار ، فانت لاحظ الآن اللعب بالشطرنج وما شاكله فإنه مبنيٌّ على ذلك ، وكذلك في أوراق اليانصيب ، وهكذا في بقية آلات القمار ، وإذا شككنا في اعتبار بعض القيود مثلاً أن يكون الهدف ليس بعقلائياً وإنما الهدف كلّ الهدف هو محاولة الغلبة على تحصيل الجائزة فهذا القيد إذا شككنا أنه معتبر بخصوصه أو غير معتبر لأنه إذا لم يكن التسابق للأهداف الصحيحة العقلائية سوف يكون أيضاً نحو من التقامر ، كالتسابق على حلّ مسألةٍ رياضيّة فإنّ الهدف هنا نبيل وعقلائي ، أو التسابق على حفظ القرآن الكريم فهذا تسابق وتغالب بين الأطراف لتحصيل الجائزة لكن الهدف من ذلك والطريق سليم وعقلائي ، وهكذا بالنسبة إلى حمل الاثقال لو فرض أنا نريد أشخاصاً شجعاناً في الحرب ، فيصير تسابقٌ من هذه الناحية ، وهذا تسابقٌ لهدفٍ نبيل ، فإذا شككنا في اعتبار كون الهدف باطلاً أو لا يعتبر فعلى ماذا نبني في مثل هذه الحالة ؟ وهذا مطلبٌ لا يختصّ بمقامنا ، بل هو مطلبٌ كلّيٌّ عام في جميع الموضوعات التي تكون مجملة فإنه يأتي هذا إذا شككنا في اعتبار قيدٍ من القيود.

والمناسب الاقتصار على القدر المتيقّن ، فنقول مثلاً الحرمة هي ثابتة لعنوان القِمار وحينئذٍ إذا شككنا أنَّ القمار يصدق على الدائرة الوسيعة أو الدائرة الضيّقة فالقدر المتيقن هو الدائرة الضيّقة وأما ما زاد فنجري عنه البراءة ، فإذا شككنا في اعتبار لغوية الهدف وسفهيته من التسابق فنبني على اعتباره في ثبوت الحرمة ، وهذا بالتالي سوف يغيّر الحكم الشرعي.

نعم إذا جزمت باستظهارك وبارتكازك أنّ سفاهة الهدف ليست مأخوذة في القمار وجزمت بذلك فهذا حقٌّ لك ، ولكن لو فرض أني شككت في اعتبار ذلك فيمكنني أن أجري أصل البراءة عن الحرمة بالمقدار الزائد.

وهكذا لو فرض أنه شككنا في صدق التقامر في الموارد التي لا يكون للتغالب مدخلية في حصول النتيجة ، من قبيل التسابق على أنّ هذا اليوم ينزل فيه المطر أو لا ، فحينئذٍ السابق هو الذي يأخذ المال الموضوع لذلك ، فنزول المطر وعدم نزوله هي قضيّة خارجة عن قدرتنا والتغالب لا يكون عليها ، أمّا في عملية النرد والشطرنج وما شاكل ذلك فهناك شيءٌ يُعمَل به ويحاول أحدهما أن يغلب الثاني بعمله ، وهكذا أوراق اليانصيب فهو بعمله يحاول أن يشتري ورقةً أو أكثر حتى يحصل على أرقامٍ أكثر ويفوز ، أما نزول المطر وعدم نزوله فهو لا يتأثر بكلّ هذه الأمور ، أو أنّ فلاناً يأتي من السفر أو لا فإنّ هذا أيضاً خارج عن عملية المغالبة ، فإذا شككنا في أمثال هذه الأمثلة هل يصدق القمار أو لا يصدق ؟ نعم إذا جزمت بأنه يصدق بحسب المعنى الارتكازي الموجود عندك فيؤخذ به ، وأما إذا شككنا فحينئذٍ نبني على القدر المتيقن وهو ثبوت الحرمة في ما إذا فرض أنّ للمغالبة والعمل من الطرفين مدخلية في حصول النتيجة ، أما مثل نزول المطر أو غير ذلك نشك في صدق القمار عليه وبالتالي نشك في ثبوت الحرمة فنجري أصل البراءة.

وهكذا الحال لو شككنا في اعتبار الرهن وأن الرهن هل هو معتبرٌ في مفهوم القمار أو غير معتبر ، ففي مثل هذه الحالة نبني على القدر المتيقن أيضاً ونجري البراءة عن ثبوت الحرمة بالمقدار الزائد.

ولا يقولن قائل:- فلنتمسّك بإطلاق دليل حرمة القمار فإنه مطلقٌ ولم يقيّد في لفظه بهذه القيود ، وهو دليلٌ اجتهاديٌّ ، ومع وجود الدليل الاجتهادي لا تصل النوبة إلى الدليل الفقاهتي.

قلت:- هذا تمسّكٌ بالإطلاق في مورد إجمال المفهوم ، فأنت لا تعرف المفهوم فكيف تريد أن تتمسّك بإطلاقه !! فإنّ شرط التمسّك بالإطلاق هو إحراز صدق المفهوم ، فالمفهوم يلزم صدقه جزماً وبعد صدقه إذا شككنا في اعتبار قيدٍ ننفيه بالإطلاق ، أمّا إذا شككنا في أصل صدق المفهوم فكيف تتمسّك بالإطلاق ، ولذلك في مسألة ( أعتق رقبة ) نتمكن أن نقول إنّ هذه الرقبة الكافرة هي رقبة جزماً والمولى قال ( اعتق رقبة ) فنتمسّك بالإطلاق لنفي اعتبار الإيمان ، أمّا إذا فرض أنّ الرقبة كانت طفلاً في القماط وعمره ساعة مثلاً فهل يكفي عتق هذا ؟ وهل نستطيع التمسّك بإطلاق الدليل ؟ إنه لا يجوز ذلك ، لأنّه من قال إن هذا الرضيع يصدق عليه أنه رقبة عرفاً ، إنه ليس من المعلوم أنه يصدق عليه عرفاً أنه رقبة ، بل هو يعدّ رقبة فيما إذا كان كبيراً ولا أقل أن يكون عمره سنة أو سنتين مثلا لا أنّ عمره ساعة ، فعنوان ( رقبة ) يشك في صدقه عليه ومع الشك لا يمكن التمسّك بإطلاق الدليل. وهنا أيضاً كذلك لا يصحّ التمسّك بإطلاق الدليل لأنه من التمسّك بإطلاق الدليل في مورد إجمال المفهوم وهو لا يجوز ، وهذا مطلب ينبغي أن يكون واضحاً.

إذن خرجنا بنتيجة نهائية كلية نافعة وسوف نستفيد منها كما سوف نلاحظ الآن:- وهي أنه في موضوعات الأحكام - الأعم من المتعلّق - إذا فرض أنه لم يمكن تحديد معالمه بالتفصيل لسببٍ وآخر كما إذا قلنا أن أهل اللغة لم يتعرّضوا إليه كما في موردنا وكان هناك معنىً ارتكازياً غير واضح المعالم بالتفصيل ففي مثل هذه الحالة نقتصر على القدر المتيقن - ومقصودي من القدر المتيقن يعني مجمع كلّ القيود المحتملة أمّا فاقد بعض القيود المحتمل اعتبارها فهو ليس قدراً متيقناً - وهو يثبت له الحكم وأما ما زاد فنجري عنه البراءة ، وهذه قاعدة كلّية واضحة لا تحتاج إلى بيان.

نعم قد نختلف في مصداق ذلك القدر المتيقن ، فأنت تقول إنّ هذا القيد يشكّ في اعتباره فلا تثبت الحرمة من دون إحراز تحقّقه ، بينما الآخر يقول كلا لا يشك في اعتباره بل هو ليس بمعتبرٍ جزماً فيثبت الحكم حتى من دون تحقّقه ، وهذا اختلافٌ صغرويٌّ ليس بمهم ، هكذا ينبغي أن يقال.

ومنه يتّضح النظر في ما ذكره بعض الأعلام كالسيد الحكيم(قده) في منهاجه القديم:- فإنه ذكر في ذيل المسألة تحديداً للقمار - وقد حذفه السيد الخوئي(قده) - حيث قال:- ( والمراد بالقمار ما تتوقف الغلبة فيه على إعمال الفكر وقوته ).

إذن هو ضيّق من الدائرة، يعني أنّ القمار لا يصدق إلا في مورد الحاجة إلى إعمال الدقّة والفكر كالشطرنج فوضع أمامه الشطرنج ، والحال أنّ اليانصيب أراه مثالاً واضحاً للتقامر والقمار والحال أنه ليس مبنياً على الدّقة وإعمال الفكر ، فما أفاده يكون محلّ إشكالٍ لما أشرنا إليه.

وعلق السيد الشهيد(قده) على ما افاده السيد الحكيم(قده) في هذه العبارة بما نصّه:- ( لا يتوقف عنوان القمار على ذلك ).

أقول:- إنّ ما أفاده شيءٌ وجيهٌ ولكنه يحتاج إلى تكميل بالشكل الذي أوضحناه ، وهو أنّ هذا ليس بمعتبرٍ ، بل المدار على ما بيّناه ، ولكن من الواضح أنّ السيد الشهيد(قده) كان في مقام التعليق لا يمكنه أن يبيّن أكثر من ذلك.