37/07/08


تحمیل

الموضوع:- مسألة ( 19 ) – المكاسب المحرمة.

الصورة الثالثة:- اللعب بغير آلات القمار مع الرهن.

ومثل السيد الماتن(قده) لذلك بالمراهنة على المصارعة أو القفز أو حمل الاثقال وما شاكل ذلك.

ويوجد رأيان في هذه الصورة:-

الأوّل:- ما هو المنسوب إلى المشهور من ثبوت الحرمة التكليفية والوضعية، بمعنى أنّ الرهن لا يُملَك ويبقى على ملك صاحبه السابق وهذا عبارة عن البطلان - أي الحرمة الوضعية ، فإذن هناك حرمة تكليفية - يعني إثم - كما أنّ الرهن لا يملكه الفائز بل يبقى على ملك مالكه السابق ، وقد نقل الشيخ الأعظم عن العلامة الطباطبائي - بحر العلوم - في مصابيحه دعوى عدم الخلاف في ذلك[1] .

الثاني:- ما ذهب إليه صاحب الجواهر(قده) من الحرمة الوضعية دون التكليفية ، فإذا حصل تراهن على المصارعة أو على القفز أو رفع الاثقال فأصل هذا الفعل وأصل هذا الاتفاق ليس بمحرّم تكليفاً غايته لا يستحق الفائز العوض على تقدير فوزه ، فهناك فساد وضعي من دون حرمةٍ تكليفية[2] ، وقد نقل الشيخ الأعظم(قده) ذلك عنه بتعبير ( بعض مشايخنا )[3] .

الأدلة على الرأي الأوّل:- قد تمسّك الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب[4] بعدة روايات:-

الرواية الأولى:- رواية العلاء بن سيابة المتقدّمة في الصورة الأولى ، وهي أنّ الجُعل - ا لرهن - لا يُملك ، فحينما أردنا أن نثبت أنّ الرهن لا يملكه الفائز تمسّكنا بها ونصّها:- ( العلاء بن سيابة عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- سمعته يقول ...... إنّ الملائكة تحضر الرهان في الخفّ والحافر والريش وما سوى ذلك فهو قمارٌ حرام )[5] ، وموضع الشاهد هو قوله عليه السلام ( وما سوى ذلك ) يعني غير الخفّ والحافر والريش هو قمار حرام ، فالدلالة واضحة على المطلوب في أثبات الحرمة التكليفية والوضعية.

والكلام تارةً يقع في دلالتها وأخرى في سندها:-

أما الدلالة فيمكن أن يقال:- إنّ قوله صلى الله عليه وآله ( وما سوى ذلك فهو قمار حرام ) ، فالضمير - أو اسم الإشارة – يرجع إلى ماذا ؟ فإنّ قال يرجع إلى التسابق المجعول فيه الرهن هو قمارٌ حرام يعني نفس المعاملة والاتفاق والتسابق فالأمر كما ذكر فنستفيد آنذاك كلتا الحرمتين ، وأمّا إذا كان المرجع هو الرهن وجعل الرهن حيث إنّ الرواية قالت في صدرها إنّ الملائكة تحضر الرهان في هذه الأمور الثلاثة وما سوى ذلك - يعني الرهان في غير هذه الأمور الثلاثة - هو قمارٌ حرام ، فإذا قلنا إن الضمير يرجع إلى الثاني فأقصى ما يستفاد هو الحرمة الوضعية أمّا التكليفية فلا يستفاد ذلك ، وحيث إنّ الرواية مردّدة بين الاحتمالين فالتمسّك بها لإثبات الحرمة التكليفية شيءٌ مشكل.

وقد روى صاحب الوسائل(قده) ما يقارب مضمون هذه الرواية عن الشيخ الصدوق(قده) وقد بيّنا هذا فيما سبق هي:- ( محمد بن علي الحسين قال:- قال الصادق عليه السلام إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبة ما خلا الحافر والخفّ والريش والنصل )[6] ، وموضع الشاهد هو تعبير ( تلعن ) بناءً على أنّ اللعن يفيد التحريم ، فحينئذٍ يتمسّك بالرواية.

ولكن يأتي نفس ما ذكرناه من الاحتمال:- وهو أنّ جعل الرهن تنفر منه الملائكة وتلعن صاحبه – يعني أنّ الاحتمال الثاني موجود - ، فأقصى ما يستفاد هو أنّ جعل الرهن لا يجوز وهو فاسد ، أمّا أنَّ نفس المعاملة محرمة فلا يستفاد ذلك.

إذن هناك إجمالٌ في دلالة الروايتين فالتمسّك بهما شيءٌ صعب.

وأما من حيث السند:-

فالأولى:- قد رواها صاحب الوسائل عن الشيخ الطوسي محمد بن الحسن بإسناده عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن موسى عن أحمد بن الحسن عن أبيه عن عليّ بن عقبة عن موسى بن النميري عن العلاء بن سيابة عن أبي عبد الله عليه السلام ، وسند الشيخ إلى أحمد بن محمد بن عيسى يمكن غضّ النظر عنه والحكم بأنه لا بأس به ، وأنا توقفت وقلت لا بأس به لأنّ هذا يحتاج إلى أن نعرض الطريق ونلاحظه ولكن يمكن أن نقول لا بأس به ، وأحمد معروف فهو الأشعري ، ومحمد بن موسى مشتركٌ بين الثقة وغيره ولكن قد يستظهر أنه الثقة ، وأحمد بن الحسن يعني ابن فضّال عن أبيه كلاهما ثقة فكلّ بني فضال يوجد في حقهم توثيق ، وابن عقبة فيه توثيق ، وموسى بن النميري أيضاً وثقه النجاشي ، إنما الكلام في العلاء بن سيابة ، وهو قد ورد في تفسير القمّي فمن يبني على كبرى وثاقة كلّ من ورد في أسانيد هذا التفسير فلا مشكلة.

والثانية[7] :- فهي مرسلة ، اللهم إلا أن يبنى على حجية المراسيل إذا كانت بلسان ( قال ) لأحد بيانين قد أشرنا إليهما في بعض المحاضرات ولا نكرر.

إذن اتضح أنّ الرواية الأولى إذا غُضّ النظر عن سندها فالدلالة محلّ إشكال للإجمال كما أشرنا إليه.

الرواية الثانية:- رواية تفسير العياشي عن ياسر الخادم عن الرضا عليه السلام:- ( سألته عن الميسر قال:- التَّفَل - الثَّقَل - من كلّ شيءٍ ، قال:- الخبز والثَّقَل ما يخرج بين المتراهنين من الدراهم وغيره )[8] .

وتقريب الدلالة:- هو أنه سأله عن الميسر والإمام عليه السلام حكم بأنه عبارة عن الثقل والثقل هو ما يخرج بين المتراهنين من الدراهم - يعني الجُعل - ، فإذن هذا الشيء عدّه من الميسر ، وحيث إنّ الميسر محرّم بالآية الكريمة فإذن يثبت أنّ كلّ تسابق يكون فيه الرهن بمقتضى هذه الرواية فإنه من الميسر.

والكلام تارةً يقع من حيث الدلالة وأخرى من حيث السند:-

أمّا من حيث الدلالة فيأتي الاحتمالان السابقان فإنه عليه السلام فسّر الميسر بالتَّفَل - أو بالثَّقَل - الذي يخرج بين المتراهنين ، فإذن نفس الجُعل يكون ميسراً محرّماً ، أما نفس التسابق هل يكون محرّماً ؟ هذا لا يستفاد من الرواية تحريمه ، بل أقصى ما يستفاد منها حرمة الجعل لا أكثر ، أو لا أقل قل فيها احتمالان - ولا ندّعي الظهور في هذا - بل نقول يوجد احتمالان ومع وجودهما لا يمكن أن يتمسّك بالرواية.

هذا مضافاً إلى أنَّ الرواية فيها شيء من التأمل فإنه يوجد فيها تشويش في النقل لأنّه الوارد فيها:- ( سألته عن الميسر ، قال:- التَّفَل - الثَّقَل - من كلّ شيء ) وبعد ذلك قال ( الخبز والثقل ) فكيف يصير هذا التعبير ؟!! ونفس تفسير العيّاشي المطبوع يوجد فيه نفس هذا النقل.

وأريد بيان قضية كلية:- فقد ندافع ونخرج المورد من المصداقية لهذه الكبرى التي سنذكرها وهذا ليس مهماً لي ولكن أريد التفكير في الكبرى وأنها تامة أو ليست بتامّة وهي أنّ النقل إذا كان فيه شيء من التشويش كالتشويش الذي في هذه الرواية ففي مثل هذه الحالة هل يمكن أن نتمسّك بظهور الرواية ويبقى على الحجّية أو يسقط عن الاعتبار ؟ وهذا كلامٌ ينبغي عرضة في مبحث حجّية الظهور في علم الأصول وأنا لم أرَ مثل هذا البحث مع أنه من المباحث اليت من المناسب أن تذكر هناك.

ولكن مؤقتاً أقول وباختصار:- المناسب التفصيل بين الموضع الذي يشتمل على التشويش وبين الموضع الذي لا يشتمل عليه ، فإذا كانت هناك فقرة تشتمل على التشويش وفقرة خالية منه فالتي لا تشتمل عليه يمكن أن يقال يؤخذ بظهورها لأنها لا تشتمل على التشويش ، وأما التي تشتمل على التشويش فتسقط عن الاعتبار ولا يمكن التمسّك بظهور ألفاظها.

إن قلت:- من أين لك هذا ، فهل دلّت عليه آية أو رواية أو إجماع ؟

والجواب:- نرجع إلى مدرك حجّية الظهور وهو السيرة ، ففي مثل هكذا رواية - أي التي يوجد فيها تشويش - هل نأخذ بظهورها أو نقول هذا كلامٌ مشتمل على تشويش ؟ إنَّ الجزم بانعقاد السيرة على الأخذ بها في مورد التشويش ليس بثابتٍ ، فيسقط الظهور عن الاعتبار لو كان بخلافه في الفقرة التي لا تشتمل على التشويش ، وهذه قضيّة جانبية.

ولكن لو غضضنا النظر عن هذه المسألة - وهي أن الرواية تشتمل على التشويش - فحينئذٍ نقول كما قلنا سابقاً وهو أنه يوجد فيها احتمالان ، وحينئذٍ يكون التمسّك بدلالتها على الحرمة التكليفية شيءٌ صعب.

وأمّا من حيث السند:- فقد قلنا رواها صاحب الوسائل عن تفسير العياشي عن ياسر الخادم ، أمّا بالنسبة إلى طريق صاحب الوسائل إلى تفسري العياشي فيمكن غضّ النظر عنه والتسامح من ناحيته رغم أننا أبدينا احتمال التبرّكية في طرق صاحب الوسائل ، ولكن مع ذلك يمكن أن نغض النظر في هذا المورد باعتبار أنّ هذا التفسير من التفاسير المتداولة والمعروفة فلو كان هناك شيء من الغمز والحذف والاضافة أو غير ذلك لأشير إليه والحال أنه لا توجد إشارة إلى ذلك وهذا قد يورث الاطمئنان للفقيه فيتسامح من هذه الناحية ، أمّا من لم يطمئن بذلك فلا يصير عنده حجّة ، وهذه قضية ترجع إلى نفسية الفقيه.

إنما المشكلة مشكلتان:-

الأولى:- من ناحية طريق العياشي أبي النظر محمد بن مسعود إلى ياسر الخادم فإنه يوجد فاصل طويل بينهما ولا نعلم الطريق فهي إذن مرسلة من هذه الناحية.

إن قلت:- إنّه ذكر في حق هذا التفسير أن جُلَّ رواياته كانت مسندةً فاختصره بعض النسّاخ بخذف الأسانيد وذكر المتون فالنسخة الموجودة الآن هي مختصر التفسير ، وقد ذكر هذا الكلام السيد الطباطبائي(قده) صاحب تفسير الميزان في مقدّمة تفسير العياشي[9] .

قلت:- هذا الكلام لا نعلم مدى صحّته ، ولكن لو سلّمنا بوجود أسانيد ولكنها حذفت ولكن من قال أنّ تلك الأسانيد لو اطلعنا عليها كانت معتبرةً ومقبولةً ، فلعل السند في هذا المورد ليس بمقبول.

الثانية:- من ناحية ياسر الخادم فإنه ذكر من دون توثيق ، اللهم إلا أن تقول إنه خادم الإمام الرضا عليه السلام وخادم الإمام كيف لا يكون ثقةً ؟!! ولكن الأمر إليك.

هذا ولكن نقول[10] :- إنّ نفس صاحب الوسائل نقلها في موضعٍ آخر من دون كلمة ( الخبز ) ، ونصها:- ( سألته عن الميسر قال الثقل من كل شيء ، قال:- والثقل ما يخرج بين المتراهنين من الدراهم )[11] ، وهي بهذا النقل ليس فيها تشويش ، لكن الغريب أنه في طبعة دار الكتب الإسلامية صاحب الوسائل(قده) بشكلٍ آخر وهو:- ( سألته عن الميسر فقال النَّعَْلُ ، قال:- والنَّعَْل ما يخرج بين المتراهنين من الدراهم )[12] ، والغريب في الأمر أنّ طبعة مؤسسة آل البيت لم تشر إلى هذا الاختلاف المهم الموجود في طبعة دار الكتب الاسلامية.

وكان من المناسب أيضاً أن يشار - وهو أشكالٌ يسجّل على الطبعتين - إلى أنه يوجد نقلٌ آخر في باب35 حيث توجد كلمة ( الخبز ) ، فإذن يوجد اختلافٌ من نفس صاحب الوسائل(قده) ، ويوجد اختلافٌ ثانٍ أيضاً بين طبعة مؤسسة آل البيت وطبعة دار الكتب الاسلامية في باب 104 ، وهذه مجرّد إشارة أردتها وهو أمر ليس بالأمر المهم.

وفي البحار نقل الرواية عن تفسير العياشي هكذا:- ( سألته عن الميسر:- قال الثَّقَل من كلّ شيءٍ ، قال الحسين:- والثقل ما يخرج بين المتراهنين من الدراهم وغيره )[13] ، فهنا توجد عبارة ( قال الحسين ) ومن هو الحسين ؟ فهل هو أستاذ العياشي مثلاً أو هو غيره ؟ ، وعلى أيّ حال هذا اختلافٌ آخر ، وربما بمراجعة مصادر أخرى نعثر على اختلافاتٍ أكثر ، ولكن الذي يهوّن الخطب هو أنّ الرواية ضعيفة من أساسها ولكني أردت أن ألفت النظر إلى وجود اختلافاتٍ بهذا الشكل حتى في نفس الوسائل بين الطبعة القديمة والطبعة الجديدة وفي مكانٍ واحد.

 


[7] أي رواية الصدوق.
[9] تفسير العياشي، العياشي، ج1، ص7، ط مؤسسة الأعلمي.
[10] هذا ما استدركه الشيخ الاستاذ بعد محاضرتين / المقرر.