37/07/22


تحمیل
الموضوع:- مسألة ( 19 ) – المكاسب المحرمة.
هذا وقد ذكر السيد الخوئي(قده)[1]:- أنّ الآلات الخاصة المتعارفة للقمار ليست دخيلة في القمار، وقد وافق فيها الشيخ الأعظم(قده) - نعم الرهن لا أما الآلات الخاصّة فقد فوافق في ذلك الشيخ الأعظم - واستدلّ بوجهين:-
الوجه الأوّل:- إنّ الآلات الخاصّة إذا كانت معتبرة فيلزم من ذلك نه لو تبدّلت الآلات في زماننا إلى آلات أخرى فيلزم أن لا تثبت الحرمة لو كان المدار على تلك الآلات المتعارف القمار بها والحال هل يمكن لفقيه أن يلتزم بذلك ؟ إنّه لا يحتمل ذلك في شأن الفقيه، فإذن الآلات الخاصة غير معتبرة.
الوجه الثاني:- محذور الدور، حيث قال:- إذا كانت الآلات القمارية الخاصّة معتبرة فحينئذٍ صدق القمار هو فرع كون الآلات هي الآلات القمارية الخاصّة، وكونها من الآلات القمارية الخاصّة فرع صدق القمار والتقامر عليها فليزم من ذلك الدور.
وكلا الوجهين قابل للمناقشة:-
أما الوجه الأول فجوابه:- إنّ الآلات معتبرة بهذا المعنى يعني الآلات المعتادة في كل زمان، فالمعتادة في ذلك الزمان يتوقف صدق القمار على التقامر بها والآلات المتعارفة في زماننا أيضاً كذلك - يعني يتوقف صدق القمار على أن يكون اللعب بها -، فإذن ليس المقصود من الآلات الخاصة هي تلك الآلات التي كانت موجودةً في ذلك الزمان وإنما المقصود هو الآلات المتداولة والمتعارفة في كلّ زمانٍ، والزمان والمكان إذا كانا يؤثران فهنا من جملة التأثير، فباختلاف الزمان أو المكان آلات القمار قد تختلف، فآلات القمار في بلادنا لعلّها غير آلات التقامر في بلدٍ آخر، لنفترض مثلاً أنّ ألات الشطرنج هنا يصنعونها من خشبٍ وفي بلدٍ آخر يصنعونها من حديد وفي بلد ثالث يصنعونها من شيء ثالث وهذا لا يؤثر، فالمهم أن تكون هي آلات متداولة، وليس المقصود المتداولة فقط في كلّ زمان وبلحاظ ذلك الزمن، وليس المقصود المتداولة في خصوص ذلك الزمن.
وأما بالنسبة إلى الوجه الثاني فقد يخطر إلى الذهن في دفعه أن يقال:- إنّ هذا وجيه إذا كانت الآلات الخاصّة مأخوذة بنحو دخول القيد في المقيّد بأن كانت معتبرة جزءاً من المركّب والمقيّد أمّا إذا كانت خارجة وكان التقييد بها معتبراً في مفهوم القمار دون القيد، يعني الدخيل في مفهوم القمار هو التقيّد بها دونها فإنها خارجة - يعني هي بمثابة الشرط وليست بمثابة الجزء -، وإذا لم تكن بمثابة الجزء فلا يلزم آنذاك محذور الدور وإنما يلزم ذلك لو كانت مأخوذةً بمثابة الجزء - يعني كانت داخلة في المركّب -.
ولكن يردّه:- إنّ التقيّد مادام معتبراً في المركب فحينئذٍ يعود محذور الدور من جديد، فالتقيد بها فرع صدق القمار عليها وكونها آلات قمار، وكونها قماراً فرع كونها من الآلات المتعارفة بحيث يصدق التقيّد وأنه لعبٌ بالآلات، فالمحذور يعود من جديد ومجرّد خروج القيد ودخول التقيّد لا يدفع محذور الدور.
والأوجه في دفع الدور ما أشرنا إليه سابقاً:- من أنّ هذا يتم لو كانت الآلات مأخوذة بنحو الموضوعية، أمّا إذا كانت مأخوذة بنحو المشيرية فعنوان القمارية بها ليس دخيلاً وإنما نأخذه من باب أنه مشير إلى تلك الذوات التي يتقامر بها فحينئذٍ لا يلزم محذور الدور.
هذا كله بالنسبة إلى ما يرتبط بما ذكره السيد الخوئي(قده) وقد اتضح من خلال هذا كلّه أن ما ذكره قابل للمناقشة.
وقد تصعد اللهجة ويقال:- هناك دليل على جواز التغالب واللعب بغير آلات القمار إذا لم يكن هناك رهن - يعني كما هو المتداول كالركض والمسابقات الشعرية وغير ذلك -، ونحن فيما سبق قلنا إنه لم يثبت أنّ مطلق المغالبة هي قمار فإنّ هذا خلاف الوجدان وإلا قلنا فالمغالبة في الركض أو في عبور النهر أو المسابقات الشعرية يلزم أن تكون بأجمعها قمار والوجدان لا يقبل ذلك وإن لم نجزم فلا أقل نشك ويكفينا الشك، والآن نقول:- قد يقال إنه يوجد دليل على العدم وهو ما أشار إليه صاحب الجواهر(قده) حيث ذكر أنّ السيرة جارية على ذلك - يعني على المسابقات والمغالبات بهذا الشكل كالمصارعة حتى في عهد المعصومين عليهم السلام فلا يحتمل أن يكون حراماً وإلا لصدر النهي عنه ن بل ربما يقال إنّ الرواية دلت على أنّ سيدي شباب أهل الجنة عليهما حينما كانا صغيرين كانا يتصارعان وكان النبي صلى الله عليه وآله يحرّض الحسن عليه الحسين، وقد تمسّك بذلك صاحب الجواهر(قده) حيث قال::- ( والسيرة القطعية من الأعوام والعلماء في المغالبة بالبدان وغيرها وقد روي مغالبة الحسن والحسين عليهما السلام بمحضر من النبي صلى الله عليه وآله )[2]، والرواية مذكورة في ذخائر العقبى عن أبي هريرة قال:- ( كان الحسن والحسين يصطرعان بين يدي النبي صلى الله عليه وآله فكان النبي يقول:- هن يا حسن، فقالت فاطمة:- يا رسول الله لم تقول هن يا حسن ؟ فقال:- إنّ جبرئيل عليه السلام يقول هن يا حسين )[3].
فإذن صاحب الجواهر أراد أن يتمسّك بوجيهن السيرة والرواية.
أما بالنسبة إلى الرواية:- فلو تمت سنداً فهي قاصرة دلالة باعتبار أنّ سيدي شباب أهل الجنة كانا صغيرين ولم يصلا إلى سنّ التكليف فالمغالبة بينهما جائزة وتحريضهما هو تحريض على شيءٍ جائز، فإذن لا يمكن أن نستكشف من تحريض النبي صلى الله عليه وآله أنّ هذا جائز في حقّ الكبار، فالرواية لا يمكن التمسّك بها.
وأما بالنسبة إلى السيرة فقد يشكل ويقال:- إنه لم يثبت أنّ هذه السيرة كانت موجودة في عهد المعصوم عليه السلام ونحن نحتاج إلى إمضاء، والامضاء فرع وجود السيرة في عهده عليه السلام حتى نستكشف من السكوت الامضاء.
ولكن نقول:- إنّ بعض مصاديق المغالبة بغير آلات القمار وبغير الرهن ربما تكون من لوازم الحياة الاجتماعية، فمثلاً المسابقة الشعرية أو الركض أو بالوصول إلى منطقةٍ أو عبور النهر هي من لوازم الحياة الاجتماعية وهي موجودة في كلّ زمان وفي كل مكان وإذا لم يكن هذا الشكل موجوداً فالشكل الثاني موجودٌ وإذا كان الشكل الثاني ليس موجوداً فالثالث موجودٌ، فصحيحٌ أننا لا نجزم بأنّ كل أنواع هذه السيرة موجودةٌ في ذلك الزمان ولكن بعضها موجودٌ - في الجملة -، فمن البعيد أنه توجد حياة اجتماعية ولا يوجد فيها مثل هذه الأمور - يعني في زمان النبي والأئمة عليهم الصلاة والسلام -، فإذن يمكن دعوى الجزم بأنّ بعض أنحاء هذه المغالبات كان موجوداً فالسكوت يدلّ على الامضاء.
نعم هذا لا ينفع على مسلك الشيخ الأصفهاني وإنما ينفع على مسلك الغير في باب السيرة، فإنّ هناك كلاما ًفي باب السيرة وهو أنّ الممضى من السيرة هل هو مقدار مساحتها الخارجية الفعلية أو أنّ الممضى هو النكتة العقلائية ؟ وربما تكون تلك النكتة أوسع من مقدار المساحة الخارجية والفعلية للسيرة، فمثلاً في زمان النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام الحيازة موجية للملكية ولكن أيّ حيازة كانت ؟ إنها مثل حيازة السمكة والماء والطير ما شاكل أما حيازة البترول والمعادن والغاز وما شاكل ذلك فهذه لم تكن موجودة في ذلك الزمان، فالشيخ الأصفهاني يقول إنَّ الممضى هو مقدار السيرة الفعلية، فذلك المقدار هو الذي يثبت امضاؤه أما ما زاد عليه فلا يثبت إمضاؤه، فعلى رأيه حيازة البترول والمعادن لا تثبت فيها الملكية، أمّا إذا قلنا أنَّ المدار في الامضاء على النكتة العقلائية فمن الواضح أنّ النكتة العقلائية لا تختصّ بالماء أو السمك وإنما تعمّ كلّ شيءٍ له قابلية الحيازة، فالنكتة العقلائية لا تفرّق بين فردٍ وفرد - بين مصداقٍ ومصداق - فيثبت بلك التعميم.
وواضحٌ أنه على رأي الشيخ الأصفهاني لو وجد الآن سمك جديد في النهر ولم يكن موجوداً في ذلك الزمان فعلى رأيه تصير الحيازة لهذه الأسماك ليست سبباً للملكية لأنها لم تكن موجودةً في ذلك الزمان وحيازتها لم تكن موجودة في ذلك الزمان، بخلافه فيما إذا كان المدار على النكتة، فالنكتة هي أصل الحيازة فكون هذا السمك أو ذاك السمك وهذا الشي أو ذاك لا يؤثّر.
وإذا اتضح هذا نأتي إلى مقامنا فنقول:- إنَّ السيرة ثابتة ومنعقدة على المغالبة في بعض الأشياء لأنها من لوازم الحياة الاجتماعية، فعلى رأي الشيخ الأصفهاني(قده) يثبت إمضاء ذلك البعض المتيقّن دون ما زاد عليه - هذا لو كان له تعيين -، وأمّا بناءً عل الاحتمال الآخر وأنّ الممضى هو النكتة فيكون الامضاء آنذاك أوسع من ذلك المقدار الصغير وإنما كلّ مغالبة بغير آلات القمار وبغير الرهن يثبت إمضاؤها من خلال السيرة، فإذن السيرة لا بأس بالتمسّك بها لكن شريطة أن نبني على أنَّ دليل الامضاء يمضي النكتة العقلائية لا أنه يمضي مقدار الساحة الخارجية الفعلية من السيرة وإلا فسوف لا ننتفع بهذه السيرة، هذه قضيّة عليمة أردنا الاشارة إليها.
والخلاصة من كلّ حديثنا هذا:- إنه لم يثبت أنّ القمار عبارة عن مطلق المغالبة خلافاً للشيخ الأعظم(قده)، ومادام لم يثبت إمّا بنحو استظهار العدم أو بنحو الشك - ويكفينا الشك - فلا يمكن التمسّك بدليل حرمة القمار وبالتالي نرجع إلى أصالة البراءة.
الدليل الثاني:- الحديث الذي يقول:- ( كلّ ما ألهى عن ذكر الله فهو من الميسر )[4]، إنه قد يتمسّك بهذا الحديث على حرمة مطلق المغالبة، باعتبار أنها مصداق من مصاديق ما ألهى عن ذكر الله عزّ وجلّ فيكون محرّماً حيث حكم الحديث عليه بأنّه من الميسر، وإذا صار من اليسر فتشمله الآية الكريمة التي حرّمت الميسر.