38/06/14
تحمیل
آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض
بحث الأصول
38/06/14
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: أصالة البراءة
الوجه الثاني: ما ذكره المحقق الأصفهاني[1] (قده) وحاصله: ان قضية حسن العدل وقبح الظلم من القضايا الأولية الفطرية ومن مدركات العقل العملي الأولي وجميع قضايا التحسين والتقبيح ترجع الى هاتين القضيتين بقاعدة ان كل ما بالغير لا بد أن ينتهي إلى ما بالذات وإلا لزم التسلسل فهاتان القضيتان هما الأساس لحكم العقل العملي فضرب اليتيم للتأديب حسن لأنه عدل وضربه للإيذاء او لامتحان العصا قبيح لأنه ظلم.
وعلى هذا فإن قامت حجة على وجوب شيء أو حرمة شيء آخر فلا شبهة في أن مخالفته خروج عن طريق العبودية وتفويت لحق الطاعة الذاتي للمولى وأنه ظلم بل هو من اظهر أفراد الظلم وتفويت شكر أنعام الخالق من أظهر أفراد مصاديق الظلم فإذا قامت الحجة على وجوب شيء او حرمة شيء أخر يكون الوجوب او الحرمة واصل الى المكلف بوصول تعبدي ومخالفته خروج عن طريق العبودية وتفويت لحق الطاعة وتعد على المولى وهتاك لحرمته وهو من أظهر مصاديق الظلم واما إذا لم تقم حجة على وجوب شيء أو حرمة شيء آخر ولم يكن إلا مجرد احتمال التكليف في الشبهات الحكمية بعد الفحص فقد ذكر(قده) انه لا أثر لهذا الاحتمال ولا تكون مخالفته خروج عن طريق العبودية وتفويت لحق الطاعة وتعد على المولى لأنه ليس مخالفة للمولى باعتبار أن الواقع غير منجز ولم تقم حجة عليه لمكان احتمال التكليف والشك فيه والاحتمال لا أثر له ومخالفته لا تعد مخالفة للمولى حتى تكون خروجا عن زي العبودية وتفويتا لحق الطاعة وتعد على المولى.
فترك الإطاعة والامتثال للحكم المحتمل والمشكوك ليس فيه استحقاق العقوبة بل العقاب على مخالفته عقاب بلا بيان وبلا حجة فمخالفة الأحكام التي يكون وصولها الى المكلف محتملا ومشكوكا ليست مخالفة للمولى بل هي من صغريات قاعدة قبح العقاب بلا بيان والعقاب عليها عقاب بلا بيان وهو قبيح.
هذا ما ذكره المحقق الأصفهاني من الفرق بين ما قامت الحجة فيه على التكليف من الوجوب او التحريم وما لم تقم الحجة عليه.
وقد علق عليه بعض المحققين[2] (قده) على ما في تقرير بحثه بان قضية قبح الظلم وقضية حسن العدل ليستا من القضايا الأولية فليست هي من مدركات العقل العملي الأولية بل هي من مدركات العقل العملي الثانوية.
وقد أفاد في وجه ذلك: ان معنى الظلم هو سلب ذي الحق عن حقه ومعنى العدل وضع الحق في موضوعه فالمنع عن وصول الحق إليه ظلم واما إيصال ذي الحق الى حقه فهو عدل وعلى هذا فلا بد من إثبات حق للغير في المرتبة السابقة لكي يكون تفويته ظلم، وهذا من مدركات العقل العملي، فقضية قبح الظلم تتوقف على ثبوت هذه القضية وهي إثبات حق للغير في المرتبة السابقة وهذا يعني انها ليست من القضايا الأولية فإذا أثبتنا ان للغير حق في المرتبة السابقة فيكون تفويته ظلما.
وعلى هذا فمصب البحث ومحل النزاع إنما هو في أن حق الطاعة هل هو ثابت في حالات الشك في التكليف واحتماله وعدم العلم بوصوله إليه او الثابت في هذه الحالة قاعدة قبح العقاب بلا بيان وان قاعدة حق الطاعة لم تثبت فيها فإن ثبتت قاعدة حق الطاعة في هذه الحالات فمخالفة التكليف المحتمل تفويت لحق الطاعة فيكون ظلم وتعد على المولى وخروج عن طريق العبودية وإن لم تثبت قاعدة حق الطاعة في حالة الشك في التكليف فلا ظلم لأن الظلم ينتفي بانتفاء موضوعه.
وعلى هذا فيكون محل النزاع في ان حق الطاعة ثابت في هذه الحالة او انه غير ثابت؟ ولا يصح أن يجعل مصب النزاع ومحل البحث في ان ترك الطاعة في هذه الحالات ظلم او ليس بظلم لأن ترك الطاعة ظلم إذا ثبت حق الطاعة فيها واما إذا لم يثبت حق الطاعة فيها فترك حق الطاعة فيها ليس بظلم فلا يصح ان يكون ذلك مصب النزاع لأنه أعم من محل النزاع.
وعلى هذا فإن أراد(قده) من الحجة ما يصحح العقاب فيرد عليه:
أولا: فالقضية حينئذ تكون بشرط المحمول لأن معنى القضية حينئذ أنه إذا قام ما يصحح العقاب يصح العقاب عليه وهذه قضية بشرط المحمول وهو غير صحيح لأن المحمول لغوا.
وثانيا: أن موضع النزاع ليس في أن ما يراد من الحجة ما يصحح العقاب فإنه على هذا تكون القضية بشرط المحمول وهو غير صحيح وإن أراد من الحجة العلم التعبدي فهو أول الكلام وبحاجة إلى الإثبات.
هذا ملخص ما أفاده بعض المحققين من الإشكال على المحقق الأصفهاني(قده).
وما ذكره يرجع إلى أمرين:
الأمر الأول: أن قضية حسن العدل قبح الظلم ليستا من القضايا الأولية بل هي في طول القضية الأخرى التي تكون مدركة بالعقل العملي وهي ثبوت حق للغير في المرتبة السابقة حتى يكون تفويته ظلما.
الأمر الثاني: أن المراد من الحجة ما يصحح العقاب.
أما الأمر الأول: فهو ان قضية حسن العدل وقبح الظلم في طول قضية أخرى وهي ثبوت حق للغير فالظاهر ان الأمر ليس كذلك فإن ثبوت هذه القضية بمثابة احراز موضوع قضية حسن العدل وقبح الظلم فإنه لا بد لإحراز موضوع قضية قبح الظلم من احراز ان العمل الفلاني ظلم في المرتبة السابقة حتى يحكم بقحه فإذاً إثبات حق للغير في المرتبة السابقة هو عبارة عن إحراز الموضوع لقضية قبح الظلم فإذا أحرزنا أن هناك حق للغير في المرتبة السابقة فإن تفويته ظلم وبإحرازنا الظلم نكون قد حققنا موضوع قضية قبح الظلم فيكون الحكم ثابت له وهو القبح وهذا ليس عبارة عن قضية مستقلة غير قضية قبح الظلم فليس هنا قضيتان مستقلتان موضوعا ومحمولا بل القضية الثانية محققة لموضوع القضية الأولى فهي إذاً ليست قضية مستقلة في عرض قضية قبح الظلم، ومن الواضح ان أي قضية متوقفة على إحراز موضوعها في الخارج فطالما لم يحرز موضوعها فلا يمكن ترتيب الحكم عليه فثبوت الحكم في أي قضية يتوقف على ثبوت موضوع هذه القضية وما نحن فيه كذلك، فقبح الظلم وحسن العدل يتوقف على ثبوت موضوعه في الخارج وهو ثبوت حق للغير في المرتبة السابقة ومع إحراز ذلك يكون موضوع قبح الظلم متحققا وعندئذ يحكم بقبح الظلم.
وعلى هذا تكون قضية حسن العدل وقبح الظلم من القضايا الأولية الفطرية وجميع القضايا ترجع إليها بقاعدة أن كل ما بالغير ينتهي إلى ما بالذات.
وأما انكار الأشاعرة لقضية التحسين والتقبيح العقليين فهو مكابرة وجزاف ولطالما كابروا في كثير من الأخطاء المخالفة للوجدان والضرورة:
فمنها: انهم يقولون بقدم القرآن حتى جلده قديم وهو مخالف للضرورة والوجدان فكيف يمكن القول بذلك.
ومنها: انهم يقولون بالجبر وان الأفعال الصادرة من العبيد صادرة بغير إرادتهم وهم في ذلك بمثابة الآلة فلا اختيار ولا إرادة لهم ولعلهم إنما انكروا التحسين والتقبيح العقليين من هذه الجهة، لأن المتصف بالحسن والقبح هو الفعل الاختياري واما الفعل الصادر عن غير اختيار فلا يتصف بالحسن والقبح وبما ان الأفعال الصادرة من الناس أفعال غير اختيارية وغير إرادية فمن أجل ذلك لا تتصف بالحسن والقبح.