37/08/03


تحمیل

الموضوع: الصوم, شرطية الاسلام في التكليف.

وهل أن تكليفهم بالمحرمات على النحو الاول أو على النحو الثاني؟؟

يجاب عن ذلك أن دليل شرطية الاسلام في صحة العمل لا يشمل التروك والمحرمات, فلا مانع حينئذ من الالتزام بانهم مكلفون بها على النحو الاول, فيحرم الزنا مثلاً على الكافر سواء اسلم أم لم يسلم.

نعم قد يقال بان هذا يستلزم التفريق بين الواجبات والمحرمات في الدليل الواحد, والظاهر امكان تجاوز هذا الاشكال_ بأن يقال أن الادلة ليست في مقام بيان كيفية التكليف بل ناظرة إلى اصل التكليف ولا فرق فيه بين المسلم وغيره _ مع أن الالتزام بالمحرمات على النحو الثاني مشكل جداً.

إلى هنا تم الكلام في هذه المسألة وقد وافقنا المشهور في تكليف الكفار بالفروع _بالمعنى الذي ذكرناه_ واستقربنا عدم شرطية الايمان في الصحة وإنما هو شرط في قبول العمل وترتب الثواب عليه, أما بالنسبة إلى مسألة شرطية الاسلام في صحة العمل فالاحتياط فيها في محله, أما بالنسبة إلى الايمان فالظاهر أنه ليس شرطاً في الصحة.

هذا ما يقال في الواجبات التعبدية أما التوصلية فلابد من الرجوع فيها إلى كلمات المجمعين فهل اجمعوا على اشتراط الاسلام في صحة العبادات فقط؟ أو اجمعوا على اشتراطه في صحة الواجبات مطلقاً؟ أو اجمعوا على اشتراطه في صحة الواجبات والمحرمات؟

والذي يظهر من مراجعة كلماتهم انهم يصرحون ويلتزمون بذلك في العبادات فقط, فمثلاً علل الشيخ الطوسي في الخلاف والمبسوط عدم صحة عمل الكافر لأنه غير قادر على النية وهي معتبرة في العبادات, لكنه ذكر في المبسوط والخلاف ايضاً أن الظهار لا يصح من الكافر فلا يترتب عليه الاثر كما لا يصح منه التكفير, واستدل على ذلك بأن الظهار حكم شرعي لا يصح ممن لا يقر بالشرع كما لا تصح منه الصلاة, وقد يفهم من ذلك أن اشتراط الاسلام في الصحة لا يختص بالعبادات, لأن الظهار ليس من العبادات, لكن الشيخ الطوسي نفسه ذكر في المبسوط ( الايلاء يصح من الذمي كما يصح من المسلم لعموم الآية)[1] وذكر في الخلاف ( يصح الايلاء من الذمي كما يصح من المسلم.... دليلنا قوله تعالى ﴿ لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ....[2] وذلك عام في المسلم والذمي)[3]

وقد نبه الشهيد في المسالك على عدم الخصوصية للذمي الا من حيث أنه يتأتى منه الحلف بالله.

ونوقش كلام الشيخ الطوسي من قبل الشيخ بن ادريس في السرائر والمحقق في الشرائع وذكر الشيخ بن ادريس (قال محمد بن إدريس : فرقه بين المسألتين فرق عجيب ، واستدلاله عليهما ظريف ، ولو قلب وعكس كان أولى ، وهاهنا يحسن قول " أقلب تصب " لأن الإيلاء لا يكون إلا بالله تعالى وبأسمائه ، والكافر لا يعرف الله تعالى ، ولا ينعقد يمينه ، ولا نيته في تكفيره ، فالأولى أن لا يصح منه الإيلاء ، لأن ما احتج به شيخنا على أن الظهار لا يصح من الكافر قائم في إيلاء الكافر . والذي يقوى في نفسي أن الظهار يصح من الكافر ، لقوله تعالى : " الذين يظاهرون من نسائهم " وهذا عام في جميع من يظاهر)[4]

وذكر الشهيد في المسالك في مقام تفسير مراد الشيخ الطوسي(ولأن الظهار يفيد تحريما يصح إزالته بالكفارة ، فلا يتحقق في حق الكافر ، فلا يترتب أثر الظهار عليه)[5]

وعلى كل حال فالظاهر اختصاص الكلام بالعبادات دون المحرمات والواجبات التوصلية, والظاهر انهم لا يستشكلون في صحة الواجبات التوصلية (مطابقتها للأمر) اذا صدرت من الكافر, وحينئذ لابد من الالتزام في غير العبادات كالواجبات التوصلية بالنحو الاول, لأختصاص شرطية الاسلام في العبادات.

قال الماتن

(الأول : الإسلام والإيمان فلا يصح من غير المؤمن ولو في جزء من النهار فلو أسلم الكافر في أثناء النهار ولو قبل الزوال لم يصح صومه..)[6]

قوله (فلا يصح من غير المؤمن) تفريع بناءً على رأيه (قد) من شرطية الاسلام والايمان, والكلام يقع في قوله (ولو في جزء من النهار...).

وما ذهب إليه السيد الماتن مبني على أن الاسلام والايمان معتبران في تمام الوقت, والطرف المقابل يدعى عدم الدليل على ذلك, ويمكن أن يصح الصوم وان تحقق الاسلام في جزء من الوقت, فالمسألة خلافية بين فقهائنا.

والظاهر عدم الاشكال في بطلان الصوم _ في شهر رمضان وغيره مما تعتبر فيه النية قبل الزوال_ عند وقوع الاسلام بعد الزوال, نعم يمكن أن يقع الخلاف في ما يمتد وقت نيته إلى ما قبل الغروب كالصوم المستحب, والحقوا بهذه المسألة مسألة المرتد اذا ارتد ثم عاد إلى الاسلام بالتوبة.

نُقل عن الشيخ الطوسي في المبسوط _في اسلام الكافر_ صحة صوم من اسلم وسط النهار, والحلي في السرائر والمحقق في المعتبر وغيرهم ذهبوا إلى الصحة لكنهم ذكروا ذلك في المرتد, وفي مقابل ذلك ذهب العلامة في المختلف والشهيد الاول في الدروس إلى البطلان, والسيد الماتن اختار القول الثاني.

ويستدل للبطلان بدليلين:-

الاول: ما دل على اطلاق الاسلام أو الايمان فمقتضى ذلك اعتبارهما في تمام الوقت.

الثاني: صحيحة عيص بن القاسم (قال : سألت أبا عبدالله ( عليه السلام ) عن قوم أسلموا في شهر رمضان وقد مضى منه أيام ، هل عليهم أن يصوموا ما مضى منه أو يومهم الذي أسلموا فيه ؟ فقال : ليس عليهم قضاء ولا يومهم الذي أسلموا فيه إلا أن يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر)[7]

والاستدلال بها مبني على أن عدم وجوب القضاء على من اسلم اثناء النهار يكشف عن عدم صحة صومه لأنه لو كان الصوم يقع منه صحيحاً لوجب عليه القضاء.

ويجاب عنه بعدم الملازمة بين صحة الصوم ووجوب القضاء, لدلالة الدليل الخاص على عدم وجوب القضاء في المقام كحديث الجب.

هذا على فرض كون الرواية ناظرة إلى عدم الاتيان بالصوم من قبل الكافر.

أما بناءً على كونها ناظرة إلى فرض الاتيان بالصوم فنفي القضاء يكون دالاً على الصحة, والاستدلال مبني على الفرض الاول.

والظاهر أن الرواية كانت في مقام السؤال عن الايام الماضية والحقت بها مسألة الاسلام اثناء النهار, فيهفهم منها عدم صيام الكافر في هذا اليوم, فهي ناظرة إلى الفرض الاول وهذا يعني انها ليست ناظرة في الجواب إلى مقام الصحة والبطلان, بل ناظرة إلى ما تركه الكافر في حال كفره وهل يجب قضائه؟ أو لا؟

مضافاً إلى أن سياق الرواية يأبى حملها على الاتيان بالصوم في هذا اليوم وعدم الاتيان به في الايام السابقة كما هو المفروض.

هذا من جهة.

ومن جهة اخرى أن مورد الرواية شهر رمضان فمع التسليم بدلالتها على البطلان يحتمل أنه لأجل عدم جواز تجديد النية فيه (بعد الفجر) الا في حالات خاصة كالمسافر الذي يقدم قبل الزوال, فلا يمكن تعميم الحكم إلى غير شهر رمضان.