37/12/26


تحمیل

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

37/12/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- خــتــام.

تحصّل مما ذكرنا أنّ مقتضى الادلة التي تدلّ على وجوب الزكاة على المالك ـــ إما بنفسه أو بوكيله ـــ أنّ براءة الذمّة إنما تحصل بالأداء كما هو الحال في سائر الواجبات ، فما لم يؤدِّ الزكاة إلى أهلها ولم يوصلها إلى موردها فوجوب أداء الزكاة باقٍ على ذمّة المالك ، وإنما يسقط عن ذمّة المالك بالأداء سواء أكان الاداء بنفسه أم بواسطة وكيله أم بواسطة شخصٍ آخر ، ومجرّد كونه واسطة لا يكون وكيلاً بعد ، اذن المناط في سقوط الوجوب عن ذمّة المالك هو وصول الزكاة إلى أهلها.

وما ذكره السيد الاستاذ(قدس الله نفسه) على ما في تقرير بحثه كذلك السيد الماتن (قدس الله نفسه) ـــ من أنّ وجوب الأداء يسقط عن ذمّة المالك بمجرّد دفع الزكاة إلى الوكيل ، فإذا دفع المالك زكاته إلى الوكيل في أداء الزكاة وفي إرسالها إلى الفقراء يسقط وجوب الأداء عن ذمته ، وعلّل ذلك بأنّ الزكاة إذا تلفت عند الوكيل بدون تقصيرٍ منه وبدون تفريط من الوكيل فلا ضمان في البين ؛ إذ لا يجب على المالك دفع الزكاة مرة ثانية ، فإنّ ذمّته فارغة عن وجوب دفع الزكاة سواء تلفت أم لم تتلف عند الوكيل ـــ فيه خلط بين سقوط الزكاة عن ذمّة المالك بسقوط موضوعه وبين سقوط الزكاة عن ذمّة المالك بدفها إلى الوكيل ، وهذا اي أنّ وجوب دفع الزكاة هل يسقط عن ذمّة المالك بمجرّد دفعها إلى الوكيل أو لا يسقط؟ هو محل الكلام ، وأما سقوط وجوب دفع الزكاة بسقوط موضوعها فهو أمرٌ قهري ، فإذا تلفت الزكاة عند الوكيل بدون تفريطٍ منه عندئذٍ سقط وجوب أداء الزكاة ودفع الزكاة عن ذمّة المالك بسقوط موضوعه لا انها سقطت من جهة دفعها إلى الفقير ، وبين الأمرين بونٌ بعيد.

مضافاً إلى أنّ المالك إذا أخرج الزكاة عن النصاب فأبرزها في الخارج وعينها في الخارج ثم تلفت بدون تفريطٍ من المالك فلا ضمان عليه ، وهذا الضمان ليس بمعنى الضمان المصطلح ، لان الضمان المصطلح هو أنّ بدل التالف ينتقل إلى ذمّة المتلِف سواء أكان التالف مثلياً فذمّة المتلِف مشغولة بالمثل وإن كان قيمياً فذمّته مشغولة بالقيمة ، وهذا الضمان غير متصوّر في المقام ، ومعنى الضمان هنا أنه لا يجب على المالك دفع الزكاة مرّةً ثانيةً ، فإذا دفع الزكاة إلى الوكيل لا يجب عليه الزكاة مرّة ثانية إذا تلفت عند الوكيل ، وكذلك الحال إذا تلفت عند المالك من دون تفريطٍ منه لا يجب عليه دفعها مرّة أخرى فإنّ ذمته فارغة عن وجوب الدفع ، وإذا تلفت سَقَطَ وجوب الدفع بسقوط موضوعه ولا يجب على المالك إخراج الزكاة مرّة أخرى ودفعها إلى الفقير ، ولا يمكن القول بأنّ وجوب دفع الزكاة عن المالك قد سقط بمجرّد إخراجها من النصاب بل انه يسقط بسقوط موضوعه لا أنه يسقط بمجرّد إفراز الزكاة وإخراجها في الخارج وتعيينها في الخارج فإنه بمجرّد ذلك لا يسقط وجوب الدفع بل لابدّ من دفعها إلى الفقير ، ومع الشكّ في السقوط المرجع هو قاعدة الاشتغال فإنَّ الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني ، ولا شبهة في أنّ ذمّة المالك مشغولة بوجوب دفع الزكاة إلى أهلها يقينا ، فنشكّ في سقوط ذلك فعندئذٍ المرجع هو التمسّك بقاعدة الاشتغال وأن الاشتغال اليقيني يقتضي اليقيني ، أو لا أقل من استصحاب بقاء شغل الذمّة بوجوب الدفع فنشكّ في سقوطه وعدم سقوطه فنستصحب بقاءه.

والنتيجة:- إنّ ما ذكره الماتن(قدس سره) وقوّاه السيد الأستاذ(قدس الله نفسه) على ما في تقرير بحثه لا يمكن المساعدة عليه.

ولكن قد يقال:- كما قيل هذا هو مقتضى القاعدة ، ولكن هنا روايات تدلّ على أنّ وجوب دفع الزكاة يسقط بمجرّد دفعه إلى الوكيل إذا كان الوكيل ثقة ، وعمدة هذه الروايات صحيحة عليّ بن يقطين ، فإنّ صحيحة عليّ بن يقطين وردت في العامل أي من يلي التصرّف في الصدقات ، فإنّ علي بن يقطين أمره بدفع الزكاة في مواضعا ووضعها في مواضعها إن كان ثقة ، وإن لم يكن ثقة فخذها من يده ويضعها في مواضعها.

والاحتمالات في هذه الصحيحة ثلاثة:-

الاحتمال الأوّل:- إنه بمجرّد الأمر بوضع الزكاة في مواضعها أنه وكيلٌ من قبل المالك ، إنّ هذا الأمر يدلّ على أنّ المالك جعله وكيلاً له أو وكيلاً لعليّ بن يقطين ، فإنّ الزكاة قد جمعت عند عليّ بن يقطين بواسطة عوامل الزكاة ولكن عليّ بن يقطين أمر هذا العامل بصرفها في مواردها ووضعها في مواردها وإن لم يكن العامل ثقة يأخذه من يده ويضعها في مواضعها ، فعليّ بن يقطين جعله وكيلاً من قبل نفسه إذا كان ثقة.

الاحتمال الثاني:- إنّ الأمر لا يدلّ على جعل الوكالة غاية الأمر أنّ الأمر يدلّ على أنه واسطة في الايصال فقط لا أنه وكيل من قبل المالك ، فهو واسطة في أيصال الزكاة في مواردها ووضعها في مواضعها.

الاحتمال الثالث:- إنّ هذا الأمر موجّهٌ إلى المالك لا إلى الوكيل ، فإنّ عليّ بن يقطين أمر خدمته بأن يأمر المالك بوضع الزكاة في مواضعها إن كان ثقةً وإلا يأخذها من يده ويضعها في مواضعها.

ولكن الصحيحة غير ظاهرةٍ في شيءٍ من هذه الاحتمالات فهي في نفسها مجملة ، فلا تدلّ على أنّ المأمور وكيل أو ليس بوكيل ، وهكذا أنّ المأمور هو مالك للزكاة أو أنه ليس بمالك للزكاة ، فالصحيحة لا تدل على شيءٍ من هذه الاحتمالات.

ومع الاغماض عن ذلك وتسليم أنّ الصحيحة تدلّ على الاحتمال الأوّل وأنّ المأمور وكيل من قبل المالك إلا أنها لا تدلّ أنّه بمجرّد دفع الزكاة إلى الوكيل قد سقط وجوب الدفع عن ذمّة المالك ، فالصحيحة لا تدلّ على ذلك ، بل لا إشعار في الصحيحة على ذلك فضلاً عن الدلالة.

فإذن لا وجه للاستدلال بهذه الصحيحة ولا يمكن الخروج عن مقتضى القاعدة بواسطة هذه الصحيحة ، وهنا روايات أخرى إما ضعيفة من ناحية السند أو ضعيفة من ناحية الدلالة كهذه الصحيحة.

هذا تمام كلامنا في هذه المسألة.