14-11-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/11/14

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:-  مسألة ( 431 ) / الواجب الثالث عشر من واجبات حج التمتع ( رمي الجمار ).
النقطة الخامسة:- إنّ الحكم بحصول الترتيب برمي أربع هل يعمّ العامد أيضاً أو يختصّ بالجاهل والناسي ؟ بمعنى أنّ الجاهل أو الناسي لو رمى أربعاً ثم انتقل إلى الجمرة الثانية فرميه هذا يُعَدُّ بمثابة الرمي الكامل - أي بمثابة رمي سبع - في تحقّق الترتيب ولكن يلزمه بعد ذلك رمي ثلاث حصيّات ولكن قد فعل ذلك متعمداً فرمى أربعاً متعمّداً وترك الثلاث متعمّداً وذهب إلى الجمرة الثانية والثالثة فهل يعدُّ رمي أربعٍ بمثابة الرمي الكامل ؟
هذا سؤالٌ اختلفت الإجابة عنه فذهب غير واحدٍ من الأعلام إلى التسوية والعموم - يعني أنّ العامد كالناسي والجاهل -، ومدرك ذلك عنده هو إطلاق الروايات يعني صحيحة معاوية بن عمار التي تقول:- ( في رجل رمى الأولى بثلاث والثانية بسبع والثالثة بسبع، قال:- يعيد يرميهن جميعاً بسبعٍ سبع، قلت:- إن رمى الأولى بأربع والثانية بثلاث والثالثة بسبع، قال:- يرمي الجمرة الأولى بثلاث والثانية بسبع ويرمي جمرة العقبة بسبع، قلت:- فإنه رمى الجمرة الأولى بأربع الثانية بأربع والثالثة بسبع، قال:- يعيد فيرمي الأولى بثلاث والثانية بثلاث .... )وهذا سؤالٌ مطلقٌ وجوابٌ مطلق، فهؤلاء تمسكوا بالإطلاق ومنهم صاحب الشرائع(قده) حيث قال في الشرائع:- ( ومن حصل له رمي أربع حصيات ثم رمى الجمرة الأخرى حصل الترتيب ) ومقتضى إطلاق كلامه الشمول للعامد، وقال في المدارك:- ( وإطلاق النصّ يقتضي البناء على الأربع مع العمد والجهل والنسيان إلّا أنّ الشيخ وأكثر الأصحاب قيّدوه بحالتي الجهل والنسيان ..... لكن يمكن القول بالجواز تمسكاً بإطلاق الروايتين[1])[2]، وذكر في الجواهر[3] ما يقرب من ذلك، وهكذا الشيخ النراقي في مستنده[4]، فهؤلاء أجمع ذهبوا إلى التمسّك بالاطلاق وقالوا بالتعميم.
هذا وفي المقابل قيل بالاختصاص بالجاهل والناسي لوجوهٍ قد تكون ضعيفةً:-
من قبيل:- أنّ العامد فردٌ نادرٌ فالإطلاق منصرف عنه.
وجوابه واضحٌ:- وهو أنّ اختصاص الاطلاق بالنادر مستهجنٌ عرفاً  أمّا شموله للفرد النادر ضمن شموله للأفراد غير النادرة فليس فيه أيّ مشكلة.
ومن جملة ما تمسّكوا به:- أنّ رمي اللاحقة قبل إكمال السابقة شيءٌ منهيٌّ عنه فيقع رمي اللاحقة فاسداً لأنه نهيٌ في العبادة والنهي في العبادة يقتضي الفساد نعم خرج من ذلك الناسي والجاهل، فعلى هذا الأساس الحكم هو الفساد في حقّ المتعمّد لوجود النهي عن رمي اللاحقة قبل إكمال السابقة.
وجوابه واضحٌ:- حيث يقال إنّ هذا هو عين المتنازع فيه حيث إنّ من يدّعي الاطلاق يقول بأنّه لا نهي عن رمي اللاحقة بعد رمي السابقة أربعاً، نعم من ينكر الاطلاق يقول يوجد نهي . إذن هذا ليس تمسكاً بدليلٍ بل هو تمسّكٌ بعين المتنازع فيه.
ومن قبيل:- ما ذكروه أيضاً من أنّ فعل المسلم محمولٌ على الصحة، يعني أنّ معاوية بن عمّار حينما سأل وقال:- ( رجلٌ رمى أربعاً بلحاظ الأولى ... ) فهذا لابد وأن يكون ناظراً إلى المسلم والمسلم لا يخالف عمداً فإن هذه مخالفة عمديّة وفعل المسلم يحمل على الصحّة فلابد أذن حينما سأل معاوية أن نحمل سؤاله عن المسلم والمسلم حيث يفعل إلا الصحيح فإذن لابد وأن يكون جاهلاً أو ناسياً.
وجوابه:- إنّه بناءً على الاطلاق لا يكون هذا قد فعل حراما.
وعلى أيّ حال استدلوا بهذه الوجوه وما شاكلها.
ويظهر من السيد الخوئي(قده)[5]التمسّك بوجهين لإثبات الاختصاص:-
الوجه الأوّل:- قال إنّ معاوية بن عمّار حينما سألة فهو سأل عن حكم الرجل بعد فراغه من الرمي فهو رمى والآن جاء يسأل وليس نظره إلى ذلك ابتداءً - أي قبل الرمي - يعني ليس سؤاله عن جواز رمي الأربع ابتداءً وعدم جوازه وإنّما سؤاله بعد أن انتهى من الرمي فجاء وسأل بعد الفعل وبناءً على هذا تكون الرواية مختصّة بالجاهل أو الناسي.
وأنا أفتح كلامه أكثر:- وكأنه يريد أن يقول إنّه لو كان معاوية ناظراً إلى العامد لكان ينبغي له أن يسأل عن ذلك ابتداءً ويقول قبل الرمي ( هل يجوز للشخص أن يرمي أربعاً وينتقل إلى الجمرة الثانية ؟ ) فالمناسب للعامد الملتفت السؤال عن جواز عمله ابتداءً لا أنه يُسأل بعد الفراغ من عمله فإن السؤال بعد الفراغ يتلاءم مع الناسي والجاهل دون المتعمّد.
ويردّه:- أنّه تارةً يقصد(قده) أنّ ظاهر السؤال أنّه كان غافلاً ثم التفت وكأن الرواية تريد أن تقول هكذا:- ( رجل رمى أربعاً وانكشف له ذلك بعد ذلك ) إنه إذا فرض أنّ المقصود هو هذا فالحقّ كما قال فهي مختصّة حينئذٍ بالجاهل والناسي لأنّ الانكشاف يكون في حقّ الجاهل والناسي دون العامد، ولكن تقدير كلمة ( انكشف ) لا داعي له، وإذا كان يقصد أنّي لا أقدّر كلمة ( انكشف ) وإنما أقول المتعمد المناسب أن يسأل عن حكمه ابتداءً لا بعد الفراغ عن العمل، فجوابه إنّه يمكن أن نفترض أنّ الشخص كان يعلم أنّ ذلك لا يجوز له - أي الرمي أربعاً - أو كان يشكّ في ذلك والآن ندم ورجع إلى صوابه فيسأل بعد العمل، إنّه شيءٌ وجيهٌ، فالسؤال بعد العمل يلتئم مع العامد يعني يمكن أن نفترض أنّ شخصاً تسامح فرمى أربعاً وبعد ذلك جاء وسأل لاحتمال أنّ الأربع لها خصوصيّة - كأنه بنيّة رجاء الكفاية وأنّه يكفي أربعاً أو غير ذلك - فهو قد رمى أربعاً والآن التفت وعاد إلى صوابه وأنّه لا يجوز لك أن تتساهل في مثل هذه الأمور فجاء وسأل، فعلى هذا الأساس السؤال بعد العمل لا يلازم افتراض أنّ الشخص كان غير عامدٍ بل حتى العامد إذا رجع إلى صوابه من حقّه آنذاك أن يسأل، هذا مضافاً إلى ما سوف نذكره في الجواب عن الوجه الثاني الذي سوف يذكره(قده).
الوجه الثاني:- قال إنّ معاوية بن عمّار هو الذي روى الروايات الدالّة على اشتراط الترتيب، يعني هناك روايات سأل فيها معاوية أنّ الرجل يرمي منكوساً - يعني يرمي الجمرة الثانية أو الثالثة أوّلاً ثم الأولى - وقال له الامام يعيد . إذن فهم الرجل أنّ الترتيب أمرٌ لازم فلا معنى لأن يأني الآن ويسأل ويقول ( شخص - متعمد - رمى أربعاً ثم انتقل إلى الثانية ) فإن هذا لا معنى له لأنك عرفت من البداية أنّ الرمي لا يجوز فإنك أنت الذي نقلت تلك الروايات !! كما أن القدماء أهل حافظة قويّة ومعاوية كم يحفظ من الروايات، فعلى هذا الأساس بعدما كان ذهنه وحافظته بهذه القوّة فلا معنى لأن يأتي ويسأل عن المتعمّد فإن هذا خلف ما عرفه معاوية سابقاً من أنّ الرمي منكوساً لا يجوز فلابد وأن يكون مقصوده السؤال عن الجاهل أو الناسي.
وفيه:-
أوّلاً:- إنّ هذا يتمّ بناءً على أنّ الاطلاق عبارة عن ضمّ القيود لا رفض القيود، وبتعبيرٍ آخر:- إنّه حينما يقول المتكلم ( اشتر لي قلماً لأكتب به ) فهذا مطلقٌ وهذا الإطلاق ماذا يعني ؟ هل يعني أن المولى ينظر إلى جميع الأفراد فينظر إلى قلم الجاف والرصاص و... الخ فهذا عبارة عن الإطلاق ثم يقول ( اشتر لي قلماً ) ؟ أو أنّ الاطلاق عبارة عن النظر إلى ذات الطبيعة من دون أن ينظر إلى أيّ قيدٍ وهذا عبارة عن رفض القيود، والصحيح هو الثاني دون الأوّل لأن لازم الأوّل أمور أحدها أنّ الشخص حينما يريد أن يصدر حكماً يلزم أن يجلس فترةً ويلتفت إلى كلّ الأفراد وهذا مخالفٌ للوجدان جزماً، فالإطلاق عبارة عن رفض القيود يعني ينظر إلى ذات القلم دون الحالات والأفراد المختلفة، فإذا قبلنا بهذا فحينئذ نأتي ونقول للسيد الخوئي(قده) إنّ ما أفدته في الوجه الثاني يتمّ بناءً على أنّ الإطلاق هو ضمّ القيود إذ بناءً على هذا سوف يكون معاوية ناظراً بالخصوص في جملة ما نظر إليه إلى العامد كما نظر إلى الجاهل والناسي، فهو نظر إلى العامد فحينئذٍ يأتي ما أفاده السيد الخوئي(قده) من التنافي وأنه لا معنى لأن تنظر إلى العامد وتسأل عنه بعدما فرض أنّك قد عرفت سابقاً - من خلال الروايات السابقة التي تقول لا يجوز النكس وأنت روايتها - أن الترتيب شرطٌ وهذا يتنافى مع ما تعرفه من شرطيّة الترتيب واعتباره، أمّا إذا قلنا إنّ الإطلاق عبارة عن رفض القيود يعني يُنظَر إلى ذات الطبيعة وفي موردنا ذات الطبيعة هي من رمى أربعاً ولا نلتفت إلى حال الجاهل أو الناسي فحينئذٍ لا يأتي ما أفاده(قده) إذ حالة العمد ليست منظوراً إليها بالخصوص وإنّما النظور إليه هو ذات الطبيعة.
ثانياً:- إنّه حتى لو قلنا إنّ الإطلاق عبارة عن ضمّ القيود فإنه رغم هذا من الوجيه أن يسال معاوية عن حكم العامد إذ غاية ما عرفه من روايات عدم جواز النكس هو أنّ الشروع في الثانية قبل الشروع في الأولى باطلٌ ولا يجوز أمّا لو شرع في الأولى ورماها أربعاً فمن الوجيه أن يسأل أنّ هذا هل يكفي في حصول الترتيب أو لا لاحتمال أنّ الرمي أربع هو محقّقٌ للترتيب فبالنسبة إلى شرطية الترتيب تتحقّق برمي الأولى أربع نعم لو لم يرمها أصلاً كان ذلك نكساً وهو لا يجوز أمّا لو رماها أربعاً فهل هذا من موارد النكس أو من موارد الترتيب ؟ إنّه يسأل عن هذا . فإذن لا توجد منافاة بين من أنّه روى تلك الروايات ويسأل هذا السؤال في حقّ العامد فما أفاده(قده) قابل للنظر.


[1]  التي هي رواية واحدة ولكن واحدة بطريق الكليني وواحدة بطريق الشيخ.
[5]  المعتمد في شرح العروة الوثقى، الخوئي، ج5، 410.