34/12/02


تحمیل
الموضوع : الصوم , منكر وجوب الصوم
الامر الثاني
ذكروا ان ارجاع انكار الضروري الى انكار احد الاصلين يتحقق في حال العلم بثبوت ما انكره في الدين , واما اذا لم يكن يعلم ان ما انكره ثابت في الدين , بل لشبهة عرضت له اوجبت شكه في الثبوت (جهل بسيط ) او اوجبت علمه بعدم الثبوت (جهل مركب) , فلا يحكم بكفره .
وسيتضح ان الخلاف بين القولين غير مختص في حالة الجهل المركب بل تشمل الجهل البسيط ايضا .
الامر الثالث
اتضح مما تقدم ان الاصول التي يكون انكارها او التشكيك بها موجبا للخروج عن الاسلام مطلقا هما التوحيد والنبوة , والمعروف بين المحققين عدم وجود اصل ثالث يلحق بهما , وخالف السيد الخوئي (قد) في ذلك وذهب الى ان المعاد هو اصل ثابت حكمه حكم التوحيد والنبوة , وذهب الى ان انكاره مطلقا يكون مخرجا عن الدين .
وتعجب من اهمال الفقهاء لهذا الاصل الثالث وقال لا وجه لأهماله , واستدل على ذلك بذكر جملة من الآيات التي لم يرد فيها سوى القرن بين الايمان بالله تعالى والايمان بالمعاد , وذكر الآيات من قبيل (إن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)[1] وقوله تعالى (مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)[2] وقوله تعالى (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)[3] وغير ذلك من الآيات[4].
لكن عطف الايمان باليوم الاخر على الايمان بالله والاقتران بينهما لا يعني اشتراكهما في ان كل ما يثبت لأحدهما لابد ان يثبت للآخر .
فلا توجد قاعدة تقول بأن المعطوف يشترك مع المعطوف عليه في كل شيء وانما القاعدة تقول بأشتراكهما في الجهة التي سيق الكلام والعطف لأجلها .
فمثلا اذا امر المولى بمساعدة المحتاجين ثم قال ساعد المحتاجين ان كنت تأمن بالله وتؤمن بمبادئ الانسانية , فهذا لا يعني الا ان كل منهما يدفع الى مساعدة المحتاجين .
والظاهر من المحققين ان المعاد لا يلحق بالأصلين السابقين لعدم الدليل على ذلك , نعم هناك شيء يعطي ميزة للمعاد وهو ان العادة جرت على ان الايمان بالله والرسول والعلم بالتوحيد والرسالة يستلزم الايمان بالمعاد , بحيث يصعب تصور الايمان بالله والرسول من دون الايمان بالمعاد , بأعتبار ان المعاد من اوضح ما ثبت في الدين.
ومن هنا يمكن القول على ان من ينكر المعاد يخرج من الاسلام , اما لأنه سبب مستقل للخروج عن الدين كما ذهب اليه السيد الخوئي , واما لأن انكاره يرجع الى انكار احد الاصلين بناء على الرأي الاخر , ولهذا لا ثمرة عملية كبيرة في هذا البحث , وان كان الظاهر كما عليه مشهور المحققين , من ان المعاد ليس حاله حال التوحيد والنبوة .
ويجاب عن تعجبه قد سره في اهمال الفقهاء له , هو ان الفقهاء لم يجدوا دليلا يلحقه في التوحيد والنبوة , ولعله اهملوه لما ذكرناه من عدم حصول النزاع فيه لإتفاقهم على كون منكره يحكم بكفره , وان حصل اختلافهم في كيفية الحكم بالكفر هل ان المعاد سبب مستقل او لإستلزامه انكار الاصلين على ما تقدم .
ذكرنا ان الاسلام يكفي فيه الاقرار بالتوحيد والنبوة وهذا الاقرار يمكن تصوره على ثلاث حالات :-
الاولى :- يقر بالشهادتين ونعلم ان المقر مؤمن بما اقر به واقعا , وهذه الحالة هي القدر المتيقن من الاسلام والتي تترتب عليه الاثار .
الثانية :- نشك بأن هذا الاقرار الظاهري هل هو مصحوب بإقرار باطني أي ايمان وتصديق باطني او انه مجرد لقلقة لسان , وهذه الحالة لابد من الالتزام بكونه مسلما , لأن المفروض ان الايمان الظاهري كاشف عن الايمان الباطني وفي مقام الشك نبني على اصالة التطابق بين مقام الثبوت ومقام الاثبات .
الثالثة :- نعلم بعدم وجود الايمان الباطني , قال بعض الفقهاء لابد من الحكم بإسلامه , لكن هذا الحكم ليس واضحا بل يحتاج الى بحث وما يمكن الاستدلال به على ذلك هو احد ادلة ثلاثة :-
اهمها الدليل الاول :- التمسك بسيرة النبي صلى الله عليه واله مع المنافقين حيث كان يتعامل معهم كسائر المسلمين مع علمه بأنهم يبطنون الكفر وان اقرارهم الظاهري ليس وراءه ايمان حقيقي .
ويُلاحظ على هذا الدليل , انه يُحتمل ان يكون السر في تعامل النبي صلى الله عليه واله وسلم مع هؤلاء معاملة المسلمين وقبول الاسلام الظاهري منهم ان علمه بنفاقهم كان علما غيبيا , وليس بالعلوم الطبيعية المتعارفة , ويحتمل انه لو اطلع على نفاقهم بالعلوم الطبيعية لا يحكم بإسلامهم .
ويشكل على هذا الجواب بوجود بعض الموارد التي علم بها النبي صلى الله عليه واله وسلم بالعلوم الطبيعية وليس العلوم الغيبية ومع ذلك حكم بالإسلام الظاهري ومثال ذلك من اسلم يوم الفتح خوفا من القتل .
ويجاب عن هذا اولا: ان المقصود بالمنافقين في مورد الدليل ليس من اسلم خوفا وانما من اسلم طوعا , وهم الذين تحدث عنهم القرآن كثيرا حتى انزل سورة كاملة بشأنهم فهؤلاء كان علم النبي بنفاقهم علما غيبيا فلا يمكن الاستدلال بهم على ان سيرة النبي صلى الله عليه واله وسلم قائمة على الحكم بإسلامهم , فلعله لو اطلع على كفرهم بغير الاسباب الغيبية لحكم بكفرهم.
ثانيا :- وهو يشمل من اسلم خوفا من السيف - وهو ان الحكم بإسلام هؤلاء موقف موقت عملته الظروف الخاصة المحيطة بالإسلام آنذاك , فالإسلام كان ضعيفا ويحتاج الى تقوية وتعزيز , وليس الحكم ابديا يشمل ما بعد ان عز الاسلام وقوي المسلمون .


[1] النساء 59.
[2] البقرة 232.
[3] البقرة 62.
[4] البقرة126 -177-228 ال عمران 114 النساء 39-162 المائدة 69 التوبة 18-19-44-45-99 النور2المجادلة22 الطلاق 2.