38/04/22


تحمیل

آیةالله الشيخ محمداسحاق الفیاض

بحث الفقه

38/04/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: زكاة الفطرة.

كان كلامنا في ان الفقير هو من لا يملك قوة سنته لا له ولا لعائلته ولا يملك ما يفي بديونه لا بالفعل ولا بالقوة فهو فقير يجوز له اخذ الزكاة ولا تجب عليه الفطرة ، وتدل عليه روايات كثيرة ولعلها من الكثرة تبلغ حد التواتر الاجمالي بالسنة مختلفة وبعناوين متعددة ونقرأ جملة منها.

الرواية الاولى: صحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله (عليه ‌السلام) قال : سُئل عن رجل يأخذ من الزكاة ، عليه صدقة الفطرة ؟ قال : لا) [1] .

فان هذه الصحيحة واضحة الدلالة ان من يأخذ من الزكاة فلا تجب عليه زكاة الفطرة وهذا معناه انه فقير.

الرواية الثانية: صحيحة عبد الله بن ميمون ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه (عليهم ‌السلام) ـ في حديث زكاة الفطرة ـ قال : ليس على من لا يجد ما يتصدّق به حرج)[2] .

الرواية الثالثة: صحيحة إسحاق بن المبارك قال : قلت لأبي إبراهيم (عليه ‌السلام) : على الرجل المحتاج صدقة الفطرة ؟ فقال : ليس عليه فطرة)[3] .

ويؤيد ذلك رواية يزيد بن فرقد قال : قلت لأبي عبد الله (عليه ‌السلام) : على المحتاج صدقة الفطرة ؟ فقال : لا)[4] .

وغيرها من الروايات الكثيرة.

وهذه الروايات قد وردت بالسنة مختلفة وقد ورد في بعضها بلسان المحتاج (ليست الفطرة على المحتاج) والمحتاج عرفا مساوق للفقير فانه عبارة اخرى عن الفقير وان كان المحتاج بحسب العرف اعم من الفقير الشرعي.

وقد ورد في لسان بعضها الاخر عنوان (من لا يجد مالا يتصدق به) أي لا يجد مالا من المال الزكوي مثلا لم يكن مالكا لمئتين درهم حتى يتصدق به او مالكا لعشرين مثاقل من الذهب حتى يتصدق به فان كان لا يجد مالا يتصدق به فلا تجب عليه الزكاة.

وقد ورد في لسان بعضها الآخر ان (من لا يملك قوة سنته) فلا تجب عليه زكاة الفطرة ومن يملك قوة سنته فعليه زكاة الفطرة.

وبناء على هذا فبين هذه الروايات اعم واخص المطلق فان المحتاج عرفا يصدق على من يملك من قوة سنته عشرة ايام لا اكثر فيصدق عليه انه محتاج او اقل من ذلك فيصدق عليه انه محتاج وكذا من لا يجد مالا يتصدق به أي لا يملك مئتي درهم اولا يملك عشرين مثقال من الذهب وانه عشرين مثقال من الذهب لا يكفي لمؤونة سنته او مئتان درهم لا يكفيان لمؤونة سنته مع ذلك مقتضى هذه الروايات ان من كان مالكا لعشرين مثقال من الذهب او لمئتي درهم فعليه زكاة الفطرة ، اذن التنافي بين هذه الروايات وبين الروايات التي قد اخذ في لسانها من يملك قوة سنته ومن لا يملك قوة سنته التنافي بالاطلاق والتقييد فان المحتاج اعم ممن يملك قوة سنته او لا يملك بل ما دونه يصدق عليه المحتاج ولو ملك قوة شهر او شهرين فمع ذلك يصدق عليه المحتاج وكذا من لا يجد مالا يتصدق به كما اذا فرضنا انه مالك لمئتي درهم مع ذلك انه لا يكفي لمؤونة سنته فمقتضى هذه الروايات انه لا تجب الزكاة على من لا يملك قوة سنته فلا تجب عليه الزكاة ومن يملك قوة سنته تجب عليه الزكاة ، اذن لابد من تقييد اطلاق تلك الروايات المحتاج بذلك.

لا يقال ان المقيد والمطلق مثبتان فلا يمكن حمل المطلق على المقيد فانه يقال انه قد ذكرنا في باب المطلق والمقيد ان المثبتين اذا كان الحكم فيهما واحدا فلابد من حمل المطلق على المقيد ، واما اذا كان الحكم متعددا أي الحكم انحلاليا فيهما فلا يمكن حمل المطلق على المقيد بل يحمل المقيد على افضل الافراد كما اذا فرضنا ان المولى يقول (اكرم العلماء) ثم يقول (اكرم العلماء العدول) فان المطلق والمقيد مثبتان والحكم فيهما انحلالي ومتعدد ففي مثل هذه الموارد لا يحمل المطلق على المقيد بل لابد من حمل المقيد على افضل الافراد ، اما في المقام فالحكم واحد وهو وجوب زكاة الفطرة فحينئذ لابد من تقييد اطلاق الروايات أي تقييد اطلاق المحتاج وتقييد اطلاق من لا يجد مالا يتصدق به بالروايات التي تنص على ان من لا يملك قوة سنته فليس عليه زكاة الفطرة ومن يملك قوة سنته فليست عليه زكاة الفطرة.

النتيجة ان المناط في وجوب الفطرة وعدم وجوب الفطرة عليه بملكه قوة سنه وعدم ملكه قوة السنة ، اذن المستفاد من مجموع هذه الروايات هذا العنوان وهو من كان مالكا لقوة سنته فهو غني فلا يجوز له اخذ زكاة المال وتجب عليه زكاة الفطرة ومن لا يملك قوة سنته فلا تجب عليه زكاة الفطرة ويجوز له اخذ زكاة المال.

ولكن في مقابل هذه الروايات روايات تدل على العكس أي على خلاف هذه الروايات وهي.

الرواية الاولى: صحيحة الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد الله (عليه‌ السلام) : أعلى مَن قَبل الزكاة زكاة ؟ فقال : أمّا من قَبل زكاة المال فإنّ عليه زكاة الفطرة ، وليس عليه لما قبله زكاة ، وليس على من يقبل الفطرة فطرة)[5] .

فهذه الصحيحة تدل على ان من يأخذ زكاة المال فعليه زكاة الفطرة وهذا مناف للروايات المتقدمة فان من يأخذ المال فهو فقير فمقتضى الروايات المتقدمة عدم وجوب زكاة الفطرة عليه ولكن هذه الصحيحة تدل على وجوب زكاة الفطرة عليه وهذه الرواية صحيحة بطريق الشيخ (عليه الرحمة) لا بطريق الصدوق (رحمه الله).

وكيفما كان فالرواية معتبرة تدل على خلاف الروايات المتقدمة.

الرواية الثانية: صحيحة زرارة قال : قلت: الفقير الذي يتصدّق عليه ، هل عليه صدقة الفطرة ؟ فقال : نعم ، يعطي ممّا يتصدّق به عليه)[6] .

فهذه الصحيحة واضحة الدلالة عنوان الفقير قد اخذ فيه الفقير الذي عليه الصدقة هل يجب عليه زكاة الفطرة قال نعم اذن هاتان الصحيحتان تدلان على وجوب زكاة الفطرة على الفقير.

اذن تقع المعارضة بين هاتين الروايتين وبين الروايات المتقدمة ولكن الجمع الدلالي العرفي بينهما ممكن فان الروايات المتقدمة ناصة في عدم وجوب زكاة الفطرة (ليس عليه زكاة الفطرة) ، واما هاتان الروايتان فهما ظاهرتان في وجوب زكاة الفطرة ، اذن نرفع اليد عن ظهورهما وحملهما على الاستحباب بقرينة نص الروايات المتقدمة فان حمل الظاهر على النص او على الاظهر من احد موارد الجمع الدلالي العرفي ، بقي هنا شيء نتكلم فيه ان شاء الله نتكلم فيه.