38/06/22


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/06/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 34 ) حكم لبس الذهب للرجال – المكاسب المحرمة.

مسألة( 43 ):- يحرم على الرجل لبس الذهب حتى التختّم به ونحوه ، وأما التزين به من غير لبس كتلبيس مقدَّم الاسنان به فالظاهر جوازه.

..........................................................................................................

تشتمل المسألة على حكمين:-

الحكم الأوّل:- أن تزيّن الرجال بالذهب أمر لا يجوز وسوف يأتي انه لم يعرف الخلاف في ذلك ، نعم يوجد كلام في حالة الصلاة فإنه لو لبسه هل تبطل الصلاة أو لا وهل تبطل مطلقاً أو في خصوص ما إذا كان ساتراً للعورة ، ولكن هذا كلاماً آخر يرتبط بباب الصلاة ، أما الكلام الذي لا يرتبط بباب الصلاة فهو أنَّ التزيّن بالذهب في حدّ نفسه لا يجوز للرجل.

الحكم الثاني:- إذا لم يكن التزين بنحو اللبس فيمكن الحكم بحليته ، فالحرام إذن هو حال التزيّن بنحو اللبس ، أما إذا لم يكن هناك لبس كما إذا جعله على الأسنان بناءً على أنه لا يصد اللبس ولو بنحو الشك بنحو الشبهة المفهومية فإنَّ ذلك يكفي فيحكم حينئذٍ بالجواز باعتبار أن الدليل قد دل على أنَّ اللبس لا يجوز.

وهناك مسألة ثانية لم يشر إليها السيد الماتن وكان من المناسب الاشارة إليها في هذه المسألة أو في مسألة ثانية إلى جنب هذه المسألة:- وهي تشبّه الرجال بالنساء في الملبس وأنه هل يجوز ذلك أو لا فإنَّ هذه مسألة تستحق أن يشار إليه ، وقد أشار الشيخ الأعظم(قده)[1] إلى كلتا المسالتين في موضعٍ واحد فهو عقد مسألة واحدة تتضمن كلا المطلبين فذكر المطلب الأوَّل وهو لبس الذهب للرجال وقد مرَّ عليه مرّ الكرام حيث قال إنه قد بيّنت في محله أنه لا يجوز للرجال لبس الذهب ولم يتعرّض إلى المسألة بالتفصيل ، وأما المسألة الثانية فقد دخل فيها دخول عابرٍ حيث قال ما نصّه:- ( المسألة الثانية تزيين الرجل بما يحرم عليه من لبس الحرير والذهب حرام لما ثبت في محلّه من حرمتهما على الرجال . وما يختص بالنساء من اللباس كالسوار والخلخال والثياب المختصة بهن في العادات على ما ذكره في المسالك وكذا العكس أعني تزيّن المرأة بما يختص بالرجال كالمنطقة والعمامة ويختلف باختلاف العادات واعترف غير واحدٍ بعدم العثور على دليل لهذا الحكم عدى النبوي المشهور ).

ونحن نتكلم في الحكم الأوّل الذي عقد السيد الماتن لأجله هذه المسألة ، وبعد الانتهاء منه لا بأس أن نتعرّض إلى الحكم الثاني ، كما أنَّ السيد الماتن لم يتعرّض إلى مسألة الحرير وإنما تعرض إلى مسألة الذهب فقط.

أما بالنسبة إلى الحكم الأوّل:- فإنه لم ينقل خلاف من أحد في هذا الحكم ، بل قال صاحب الجواهر(قده):- ( المسألة الرابعة:- لا يجوز لبس الذهب للرجل اجماعاً أو ضرورةً ولا الصلاة في الساتر منه بلا خلاف أجده )[2] ، وقال صاحب الحدائق(قده):- ( أما تحريم لبس الذهب على الرجال فلا خلاف فيه بين الأصحاب وإنما الخلاف في بطلان الصلاة )[3] ، وقال النراقي(قده):- ( لا خلاف فيه كما ف الحبل المتين والبحار والمفاتيح بل قيل إنه ضروري الدين )[4] ، والذي أريد أن أقوله هو أنَّ المسألة لا خلاف فيها بين الفقهاء.

وهذه المسألة قد ذكرت في موردين ، أحدهما في كتاب الصلاة في لباس المصلّي فمن باب الكلام يجرّ الكلام صار تعرض إلى هذه المسالة وأنه هل يجوز للرجل أن يلبس الذهب أو يجعل سنّاً من ذهب أو لا ؟ ، وثانيهما في المكاسب المحرّمة في كتاب التجارة ، وهذه قضية ليست بمهمة.

وهناك قضية أخرى ليست مهمة:- وهي أنَّ الفقيه حينما يدخل في مسألةٍ من المسائل وينظر في الروايات فأحياناً قد يخرج بقلبٍ مطمئنٍّ لأنَّ دلالة الروايات واضحة وسندها معتبر ، وأخرى تكون الروايات قابلة للمناقشة شيئاً ما ولكنه بالتالي يحاول أن يفتي بحرمة لبس الرجال للذهب.

والمهم من روايات المسألة ما يلي:-

الرواية الأولى:- محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن ابن فضال عن غالب بن عثمان عن روح بن عبد الرحيم عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين لا تَختَّم بالذهب فإنه زينتك في الآخرة )[5] .

أما من حيث السند:- فمحمد يحيى فهو الأشعري القمي شيخ الكليني وهو ثقة ، وأحمد بن محمد فهو إما هو ابن عيسى الأشعري أو ابن خالد البرقي وكلاهما ثقة ، وأما ابن فضال فكلّ بني فضّال ثقاة ، وروح بن عبد الرحيم يوجد في حقه توثيق من قبل النجاشي ، إنما المشكلة في غالب بن عثمان فهو مشترك بين اثنين أحدهما المنقري وقد قال عنه النجاشي أنه ثقة والآخر الهمداني وقد سكت عن توثيقه ، فإذا استظهرنا أنه المنقري ولو بقرينة ابن فضّال لأنَّ ابن فضال يروي عن المنقري فسوف يكون سندها معتبراً وتصير موثقة ، وإذا لم نستطع اثبات ذلك فسوف نتوقّف في سندها لأنَّ الراوي مشترك بين الثقة وغير الثقة ، اللهم إلا إذا كنت تبني على مسلك أنَّ كلّ من يروي عنه أحد بني فضّال فهو ثقة كما يبني على ذلك الشيخ الأنصاري(قده) حيث صرّح بذلك في موردين من المكاسب وفي موردٍ من كتاب الصلاة في مبحث الأوقات في وقت الظهرين حيث توجد رواية مرسلة لداود بن فرقد فيوجد فيها إشكال من حيث الارسال لكن أحد بني فضّال موجود في سندها فقال الشيخ الأعظم(قده) إنه مادام يوجد في السند أحد بني فضال فنأخذ بها وهي عن الامام العسكري عليه السلام[6] .

وأما بالنسبة إلى المكاسب فقد ذكر ذلك في موردين ، المورد الأوَّل في باب حرمة الغناء حيث قال:- ( ومما يدل .... رواية عبد الأعلى وفيها ابن فضّال )[7] فقوله هذا قد يظهر منه الميل إلى أنه لا تشكل في سند الرواية لأنَّ ابن فضال موجود فيه ، والمورد الثاني في باب الاحتكار[8] ، ولعله بالتتبع يوجد مورد ثالث ولكن هذا ليس بمهم .

فإذا بنينا على هذا المبنى فيمكن الأخذ بالرواية حينئذٍ ، وأما إذا لم نبنِ عليه فقد يكون في السند تأملاً ، اللهم إلا أن نضم لها روايات أخرى فإذا رأينا أنَّ هناك عدداً جيداً من الروايات وليس من البعيد ذلك فحينئذٍ يصير اطمئنان بصدور هذا المضمون.

أما دلالتها:- فهي واضحة حيث قال:- ( لا تختَّم بالذهب فإنه زينتك في الأخرة ).

وهنا إشكالان:-

الأوّل:- إنَّ هذا خطاب لأمير المؤمنين عليه السلام فلعل أمير المؤمنين عليه السلام هو فوق الذهب وزينته في الآخرة ذهب فلا يلبس ذهباً في الدنيا.

والجواب:- إنَّ هذا احتمال ضعيف لا يعتنى له.

الثاني:- إذا كان لبس الذهب في الدنيا حراماً فكيف يفعل ذلك الحرام في الآخرة ويفتخر به ؟

والحواب:- إنَّ هذا إشكال واهٍ.

وسيأتي بيان هذا فيما بعد وإنما أردت هنا أن أنبه فقط على أنَّ الدلالة قد تكون فيها مناقشة.

الرواية الثانية:- محمد بن الحسن بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصدق بن صدقة عن عمّار بن موسى عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث:- ( لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلي فيه لأنه من لباس أهل الجنة )[9] .

والكلام في الدلالة كما سبق من حيث الاشكال الثاني ، فإذا قبلنا الاشكال الثاني في الرواية السابقة فهنا يأتي أيضاًً وأنه هذه الرواية لا يمكن حملها على الحرمة وإلا لا معنى لأن يلبس الحرام في الجنّة ، فلابد من حملها على الكراهة - أي التنزيه - وليس على الحرمة.

أما من حيث السند:- فهي أحسن الروايات سنداً ولا تأمل فيها ، لأنَّ الشيخ الطوسي(قده) يرويها عن محمد بن أحمد بن يحيى صاحب كتاب نوادر الحكمة وهو قد وثّق ، وأحمد بن الحسن وهو بن علي بن فضّال فهو من بني فضّال فلا مشكلة فيه ، وعمرو بن سعيد ومصدّق بن صدقة وعمّار بن موسى كلّهم فطحية وقد نقل الكشي عن محمد بن مسعود أبي النظر العياشي أنَّ هؤلاء كلهم ثقاة ، فهذه الرواية لا مشكلة فيها من حيث السند ، تبقى من حيث الدلالة فهي كما قلنا.

الرواية الثالثة:- محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام أنَّ النبي صلى الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام:- ( إني لأحب لك ما أحب لنفسي وأكره لك ما أكره لنفسي لا تتختم بخاتم ذهب فإنه زينتك في الآخرة )[10] .

والدلالة هي كما سبق ولا نكرر.

وأما من حيث السند:- فنحتاج مطلبين الأوّل أن نعرف طريق الصدوق إلى أبي الجارود ، والثاني أن نعرف حال أبي الجارود.

أما بالنسبة إلى الطريق:- فقد ذكره الصدوق(قده) في مشيخته حيث قال:- ( وما فيه عن أبي الجارود فقد رويته عن محمد بن علي بن ماجيلويه رضي الله عنه عن عمه محمد بن أبي القاسم عن محمد بن علي القرشي الكوفي عن محمد بن سنان عن أبي الجارود )[11] .

وعلى أيّ حال يوجد فيهم من قد يتأمل فيه على بعض المباني مثل محمد بن عليّ ماجيلويه الذي هو شيخ للصدوق فإنه لا يوجد توثيق في حقه ولكنه قال عنه ( رضي الله عنه ) ، فإذا قلنا إن هذه العبارة لا تقال في ذلك الزمان إلا للشخص العالي خصوصاً إذا صدرت من الصدوق(قده) فهذا فيه دلالة على التوثيق ، وأما إذا لم يثبت هذا فحينئذٍ يكون أمر هذا الرجل مشكلاً من هذه الناحية ، وعلى أي حال هذا الرجل محلّ للقيل والقال ، أما عمّه فيمكن توثيقه ، وأما محمد بن سنان فهو محل كلام ، ولعلّ الغير كذلك ، فالسند إذن فيه تأمل على بعض المباني.

أما نفس أبي الجارود:- فهو زياد بن المنذر هو لا يوجد توثيق في حقه ، نعم في الرسالة العددية للشيخ المفيد(قده) التي كتبها في اثبات أنَّ شهر رمضان ليس كما قال بعضهم من أنه لا يزيد ولا ينقص حيث ردّ عليهم في هذه الرسالة وأثبت أنَّ شهر رمضان كغيره من الشهور ، وقال قد دلّت على ذلك روايات نقلها الأعلام ومن يؤخذ منهم الحلال والحرام وأحد هؤلاء أبو الجارود ، فإذا قلنا إنَّ توثيق الشيخ المفيد(قده) يؤخذ به فسوف تثبت وثاقة أبي الجارود ، ونصُّ عبارته:- ( وأما رواة الحديث بأنَّ شهر رمضان شهرٌ من شهور السنة يكون تسعة وعشرين يوماً ويكون ثلاثين يوماً فهم ....... الأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام الذين لا يطعن عليهم ولا طريق إلى ذم واحدٍ منهم ..... محمد بن مسلم الطائفي الكوفي الأعور وأبا الجارود وعمَّار بن موسى الساباطي .... )[12] .

وهنا قد يشكك في هذا الكلام ويقال- وأنا لا أريد أن أبحث هذه المسالة ولكن للتنبيه -:- إنه كيف يقول ( لا يطعن عليهم ولا طريق إلى ذمّ واحدٍ منهم ) ، أوليس أبي الجارود زيديّ وعمّار بن موسى فطحيّ ، فكيف يقول لا طريق إلى ذمِّ واحد منهم ؟!! فإن كان هناك علاج فسوف نستفيد توثيق هؤلاء ، وأما إذا توقفت فسوف يصير أمر أبي الجارود مشكلاً ، وهذه قضية مبنائية.


[6] كتاب الصلاة، الأنصاري، ص2.
[7] المكاسب المحرمة، الأنصاري، ج1، ص288.
[8] المكاسب المحرمة، الأنصاري، ج2، ص366.
[12] الرسالة العددية المذكورة في جوابات أهل الموصل، الشيخ المفيد، ص25.