34-04-01


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/04/01

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- الواجب الثالث من واجبات حج التمتع ( الوقوف بمزدلفة) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وهنا مجموعة قضايا:-
 القضية الأولى:- ذكر المحقق(قده) في الشرائع ما نصه:- ( ويجوز مع الزحام الارتفاع إلى الجبل ) ، وعلق صاحب المدارك(قده) على ذلك بقوله:- ( هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب واستدلوا عليه بما رواه الكليني في الموثق عن سماعة ، قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- إذا كثر الناس بجمع وضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ قال:- يرتفعون إلى المأزمين ) [1] ، والذي نريد أن نقوله هو أن المتبادر بادئ ذي بدءٍ من لفظ ( الجبل ) في كلام المحقق هو الجبل الذي جعل أحد الحدود للمشعر فإن للمشعر ثلاثة حدود كما ذكرت صحيحة زرارة وهي المأزمين والجبل وحياض مُحَسِّر فالجبل هو حدٌّ من حدود المشعر الحرام بمقتضى هذه الصحيحة وحينما قال صاحب الشرائع والمفروض اتفاق الأصحاب على ذلك ( يرتفعون عند الزحام إلى الجبل ) يقصد هذا الجبل الذي هو حدٌّ من الحدود والذي لا ندري هل له وجود الآن أو لا ؟ والظاهر أن له وجود في الزمن السابق وإلا فكيف جُعِل حدّاً ، وهو غير جبل قُزَح فإن قُزَح داخلٌ في المشعر وهذا حدٌّ للمشعر الحرام.
 وحينئذ نقول:- إن الارتفاع عند الزحام إلى هذا الجبل لا دليل عليه فإن الذي قام الدليل عليه هو أنه عند الزحام يرتفع الناس إلى المأزمين وأما إلى الجبل فلا توجد رواية تدل على ذلك اللهم إلا الرواية التي ذكرها صاحب الوسائل وهي كما يأتي إنشاء الله تعالى قد حصل التباس في نقلها كما سوف نوضح . إذن كيف نوفّق بين المطلبين - أي بين كون ظاهر الجبل في كلام الأصحاب هو ما كان حدّاً في مقابل المأزمين وحياض مُحَسَّر وبين ما دلّت عليه النصوص على أنه عند الزحام يرتفع الناس إلى المأزمين دون الجبل - ؟
 والجواب:- لابد وأن نفسر الجبل هنا بالمأزمين ، أي أنه حصل نوع تسامح في التعبير فليس من المناسب أن يعبر بالجبل لأنه يوحي بكونه الجبل الذي هو حدٌّ في مقابل المأزمين ولكن المقصود هنا - ولو مسامحة في التعبير - هو نفس المأزمين والمصحح لهذا التسامح هو أن لفظ المأزمين كما يطلق على نفس المضيق بين الجبلين يطلق أيضاً على نفس الجبلين فصحّت المسامحة وجازت آنذاك وبذلك يحصل التوفيق ، ومما يشهد لما قلنا كلام صاحب المدارك(قده) فإنه قال في العبارة المذكورة ( واستدلوا عليه بما رواه الكليني في الموثق عن سماعة:- قلت لأبي عبد الله:- إذا كثر ..... قال:- يرتفعون إلى المأزمين ) . إذن هم قالوا يرتفعون إلى الجبل عند الزحام واستدلوا برواية المأزمين وهذا مما يدل بوضوح على أنهم يقصدون من الجبل نفس المأزمين ، وعليه فلا إشكال من هذه الناحية.
 القضية الثانية:- ذكر صاحب المدارك [2] وهكذا صاحب الحدائق [3] نقلاً عن الشهيدين وجماعة أنهم قالوا يجوز الارتفاع إلى الجبل في حالة الاختيار أيضاً دون حالة الزحام فقط ، والسؤال هو أنه ماذا يقصد من هذا الجبل الذي يجوز أن يرتفع عليه الحجيج حتى في حالة الاختيار ؟ هل هو قُزَح الذي هو جزءٌ من المشعر ؟ ومعلوم أن الارتفاع عليه جائز لأنه جزء من المشعر بلا حاجة إلى تنبيه ، وإذا كان المقصود هو الإشارة إلى المأزمين كما فسرناه قبل قليل فمن الواضح أن المأزمين إنما يجوز الارتفاع اليهما عند الزحام كما دلت الرواية لا عند الاختيار . إذن ماذا يريد هؤلاء الأعلام من هذا التعبير ؟
 يظهر من صاحب الحدائق(قده) أنه فهم من الجبل نفس المأزمين فأشكل بأن الارتفاع عليه لا يجوز إلا في حالة الزحام ونص عبارته:- ( وجوّز الشهيدان وجماعة الارتفاع إلى الجبل اختياراً . وفيه أن صحيحة زرارة المذكورة قد دلت على أنه أحد حدود المشعر الخارجة عنه ) يعني لا يجوز الارتفاع عليـه حالة الاختيار ، وقبله ذكـر ذلك صاحب المدارك(قده) حيث قـال:- ( وجوّز الشهيدان وجماعة الارتفاع إلى الجبل اختياراً وهو مشكل لرواية زرارة المتقدمة حيث جعل فيها الجبل من حدود المشعر الخارجة عن المحدود ) . إذن هما قد فهِما من الجبل نفس المأزمين فاشكلا بأنه حدٌّ ولا يجوز الارتفاع إليه في حالة الاختيار.
 هذا ويمكن أن يقال:- إن المقصود هو جبل قُزَح وإنما أشار إلى ذلك - يعني إلى جواز الارتفاع إليه حالة الاختيار - لدفع توهم أنه نظير جبل عرفات فإنه قد تقدم أن ابن ادريس وابن البراج ذهبا إلى عدم جواز الارتفاع في موقف عرفات إلى جبل عرفات فأراد الشهيدان في مقامنا أن يدفعا هذا التوهم - وهو أن جبل قُزَح كجبل عرفات وأنه لا يجوز عند بعضٍ الارتفاع عليه - إنهما أرادا دفع ذلك التوهم وأن جبل قزح ليس كجبل عرفات بل هو عند الجميع جزءٌ من الموقف ويجوز الارتفاع إليه عند الاختيار أيضاً.
 القضية الثالثة:- اننا عرفنا أن الارتفاع الى المأزمين إنما يجوز في حالة الزحام لتصريح موثقة سماعة بذلك - وقد ذكرناها في المحاضرة السابقة - وعرفانا أن المأزمين فقط وفقط يجوز الارتفاع اليهما عند الزحام وأما غير ذلك من الحدود فلا يجوز الارتفاع إليه عند الزحام ، بيد أن صاحب الوسائل(قده) في أبواب الوقوف في المشعر الحرام عقد باباً باسم ( باب جواز الارتفاع في الضرورة إلى المأزمين أو الجبل ) [4] وهذا العنوان يعطينا أنه عند الضرورة والزحام يجوز الوقوف على الجبل لا على المأزمين فقط - أي على الحدّ الثاني للمشعر الحرام وذكـر روايتين لـذلك رواية ترتبـط بالمـأزمين وأخـرى ترتبـط بالجبـل والـرواية الأولـى هي:- ( محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين وعن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد جميعاً عن ابن أبي نصر عن سماعة قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- إذا كثر الناس بجمع وضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ قال:- يرتفعون إلى المأزمين ) والرواية الثانية هي:- ( محمد بن الحسن بإسناده عن سعد عن محمد بن الحسين عن ابن أبي نصر عن محمد بن سماعة مثله ، وزاد " وإن كانوا في الموقف كثروا وضاق عليهم كيف يصنعون ؟ قال:- يرتفعون إلى الجبل ) ، إن من يقرأ هذه الرواية يفهم كما فهم صاحب الوسائل(قده) وهو أن المقصود من كلمة الموقف هنا هو المشعر الحرام وبالتالي يرتفعون عند الزحام إلى الجبل الذي هو الحدّ الآخر من حدود المشعر الحرام ، هكذا يفهم القارئ وهكذا فهم صاحب الوسائل والحال أن كلمة الموقف هنا يقصد بها عرفات لا المشعر الحرام والوجه في ذلك هو أن هاتين الروايتين هما جزء من موثقة سماعة فاقرأ تلك الموثقة واقرأ هاتين الروايتين ، أما الرواية السابقة فنصّها:- ( محمد بن الحسن بإسناده عن سعد عن محمد بن الحسين عن ابن أبي نصر عن محمد بن سماعة عن سماعة قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- إذا كثر الناس بمنى وضاقت عليهم كيف يصنعون ؟ فقال:- يرتفعون إلى وادي مُحَسِّر ، قلت:- فإن كثروا بجمعٍ وضاقت عليهم فماذا يصنعون ؟ قال:- يرتفعون إلى المأزمين ، قلت:- فإن كانوا بالموقف وكثروا وضاق عليهم فكيف يصنعون ؟ فقال:- يرتفعون إلى الجبل وقف في ميسرة الجبل ... ) [5] . إذن حينما نقارن بين تينك الروايتين وبين هذه الرواية والجميع عن سماعة نجد أن هاتين الروايتين هما جزء من تلك الموثقة لسماعة المذكورة في ج13 من الوسائل ولكن حصل اشتباه منه(قده).
 القضية الرابعة:- ذكر السيد الحكيم(قده) [6] أن الأصحاب قد ذكروا أنه عند الزحام في المشعر يرتفعون إلى المأزمين وقال هذا شيء مشكل فإن الوقوف في المشعر ركن ولا يجوز التساهل في أمره ومجرد الزحام لا يبرر ترك الركن ، ثم قال:- ولعل المقصود من الارتفاع إلى المأزمين لا الصعود عليهما وإنما المقصود هو الوقوف إلى جنبهما الذي هو بالتالي وقوف في المشعـر وممـا يشهد على ذلك التعبير بكلمـة ( إلى ) وليـس بكلمة ( علـى ) فـإن الــروايـة قالـت ( يرتفعون إلى المأزمين ) ولم تقل ( على المأزمين ).
 وفيه:- إن هذا اجتهاد في مقابل النصّ فإن النص حينما جوَّز الارتفاع إلى المأزمين في حالة الزحام فهذا يعني أن الموقف الركني سوف يتسع ويصير الخارج عن المشعر داخلاً في المشعر ولكن في حالة معيّنة وهي حالة الزحام ، إن هذا شيء مقبول ومادام قد دلت عليه رواية معتبرة فما الموجب للتوقف والتأمل ؟!


[1] المدارك، ج7، ص422.
[2] المدارك، ج7، ص422.
[3] الحدائق، ج16، ص413
[4] الوسائل، ج14، ص19، ب9 من أبواب الوقوف بالمشعر.
[5] وهي التي نقلها صاحب الوسائل في ج13 من الوسائل ص535 ب11 من أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة ح4.
[6] دليل الناسك ص 340.