38/08/24


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/08/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- تتمة المسألة ( 35 ) ، مسألة ( 37 ) حكم الضرائب – المكاسب المحرمة.

التنبيه الخامس:- حكم المبالغة.

يمكن أن يدعى أنَّ نفس المبالغة وكون المتكلم في صددها قرينة عرفية صالحة لصرف عنوان الكذب عن موردها كما هو الحال في قرينة الهزل فإن الشخص إذا نصب قرينة على أنه هازل فهذه القرينة تمنع من صدق عنوان الكذب عرفاً كذلك كون المتكلم بصدد المبالغة يصلح أن يكون قرينة عرفاً على سلب وصرف عنوان الكذب عن موردها ، ولذلك نجد من يبالغ لا يقال له أنت كاذب ، نعم قد تكون المبالغة أحياناً في غير موقعها المناسب كما لو فرض أنَّه كان يوجد شخص قبيح وأراد آخر أن يبالغ في وصف جماله فقال ( وجهه كفلقة قمر ) فهذه مبالغة لعلها من الدرجة المرفوضة عرفاً فربما يقال بأن عنوان الكذب في مثل ذلك لا يزول بل يكون باقياً ، وكما إذا سئل شخص كم حجة حججت ؟ فيقول ( يصعب عدّها ) والحال أنه حج أربع أو خمس مرّات فقوله ( يصعب عدّها ) قد يكون مرفوضاً عرفاً يعني هو نحوٌ من المبالغة المرفوضة ، فإن جزمنا بأنَّ ذلك لا يصلح أن يكون قرينة تصرف الكذب عن موردها فحينئذٍ فهذا يعني أنا جزمنا بصدق عنوان الكذب في مثل هذه الحالة فحينما يقال ( وجهه كفلقة قمر ) فهذا معناه أننا نجزم بأنَّ هذا كذب فنحكم بأنَّ هذا مورد للكذب فإنَّ هذه مبالغة مرفوضة وموردها مورد الكذب ، وإن جزمنا بأنَّ هذه أيضاً تسلب المورد عن صدق الكذب غايته هي مرفوضة عرفاً لكن لا يؤدي هذا الرفض لعدم صلاحيتها للقرينية على صرف عنوان الكذب عن المورد فالأمر واضح أيضاً ، ولكن إذا شككنا فماذا تقتضي القاعدة ؟

المناسب الحكم بالإباحة وعدم الحرمة ، لأنَّ المورد في مثله يكون من الشبهة المفهومية ، يعني نشك في سعة وضيق مفهوم الكذب وأنه يشمل موارد المبالغة المرفوضة أو لا فشك في السعة والضيق وهناك قدر متيقّن يصدق عليه الكذب وهو ما إذا لم يكن هناك مبالغة أما إذا كانت هناك مبالغة مرفوضة فهل يصدق مفهوم الكذب أو لا يصدق ؟ إنَّ هذا شك في سعة المفهوم وضيقه فحينئذٍ يتمسّك بأصل البراءة والاباحة ككلِّ موردٍ يشك فيه في المفهوم - يعني سعة موضوع التحريم - فبالتالي نشك في ثبوت التحريم فإنَّ الحكم لا يثبت موضوع نفسه ، فهو لا يقول لك إنَّ هذا كذب ومفهوم الكذب صادق ، كلا فإنَّ هذا ليس من شأنه وإنما هذا يثبت من الخارج ، وحيث إنك تشك فنشك في ثبوت الحرمة فيشمله حديث ( رفع عن أمتي ما لا يعلمون ).

ويمكن أن يقال:- إنَّ الشعر يتسامح فيه ما لا يتسامح في غيره ، فمثلاً قد يقول الشاعر لابنه ( يا كوكباً ما كان أقصر عمره .... ) فهل نعدّ هذا من الكذب ؟ نقول:- إنَّ نفس الشعر هو مبنيّ على المبالغة والمسامحة وغير ذلك فقرينة معه ، فكل شيء تريد أن تقوله فالشعر يتحمّله وبالتالي لا يعدّ هذا كذباً.

ومن الغريب ما ذكره صاحب الجواهر(قده):- حيث ذكر أنَّ الكذب كذبٌ ولا نفرق فيه بين الشعر وغيره حيث قال:- ( ولا فرق في المحرّم منه بين الشعر والنثر . نعم ما يرجع إلى المبالغة ليس منه )[1] .

وهذه العبارة قد توحي بأنَّ الشعر ينبغي أن يكون كالنثر ، فالكذب إن صدق في النثر يصدق أيضاً في الشعر ، يعني لا يوجد تسامح من ناحية الشعر ويقال إنه في الشعر قد لا يصدق الكذب بينما نفس الوصف لو ذكر في النثر يصدق الكذب ، فإنَّ كلامه يعطي أنَّ الشعر ليست له ميزة من هذه الناحية على النثر ، وقد ذكرنا أنَّ الشعر يمكن أن يقال بأنه يتسامح فيه من هذه الناحية وهو بنفسه قرينة.

ومن الغريب أن السيد صاحب مفتاح الكرامة(قده) الذي يعتمد عليه صاحب الجواهر(قده) ذكر شيئاً يخالف ذلك حيث قال:- ( ولا بأس بالشعر المتضمن الكذب لأنه من صناعته )[2] ، فعبارته قد تعطي أنَّ الشعر هو مبنيّ على اظهار الأمور الوهمية وكأنها حقيقية واعطاء صورة كاذبة بشكل حقيقة ، فيظهر من صاحب مفتاح الكرامة(قده) التساهل والتسامح من ناحية الشعر.

وعلى أي حال إن جزمنا بأنَّ العرف لا يرى فرقاً بين النثر والشعر من هذه الناحية فالأمر واضح فيحكم بالحرمة وإن جزمنا بالتفرقة فالأمر واضح أيضاً وإن شككنا فأيضاً الشبهة تكون حينئذٍ مفهومية مردّدة بين السعة والضيق فنحكم بالحرمة بالمقدار المتيقن وأما ما زاد على ذلك وهو ما كان في الشعر حيث يشك في سعة المفهوم لمورد الشعر فنتمسّك آنذاك بالبراءة.

 

مسألة ( 37 ):- ما يأخذه السلطان المخالف المدّعي للخلافة العامة من الضرائب المجعولة على الأراضي والأشجار والنخيل يجوز شراؤه وأخذه منه مجاناً بلا فرق بين الخراج وهو ضريبة النقد[3] والمقاسمة وهي ضريبة السهم من النصف والعشر ونحوهما وكذا المأخوذ بعنوان الزكاة.

والظاهر براءة ذمة المالك بالدفع إليه ز بل الظاهر انه لو لم تأخذه الحكومة وحوّلت شخصاً على المالك في اخذه منه جاز للمحوَّل أخذه وبرات ذمة المحوَّل عليه . وفي جريان الحكم المذكور فيما يأخذه السلطان المسلم المؤالف أو المخالف الذي لا يدّعي الخلافة العامة أو الكافر إشكال.

...............................................................................................

تتضمن هذه المسالة أربعة أحكام:-

الحكم الأوّل:- هناك ضريبة اسلامية مفروضة واحد باسم الزكاة على مواردها الخاصة وأخرى باسم الخراج ، والخراج والمقاسمة هما واحد بيد أنَّ الفارق بينهما هو أنَّ الخراج ضريبة تؤخذ من النقود لا من نفش الشيء بينما المقاسمة هي ضريبة مأخوذة بالحصة بالنصف أو بالربع من حاصل الأرض من الزرع أو الثمر ، فالمقاسمة والخراج تقريباً هما واحد فهما ضريبة على الأرض أو على الزرع غايته يؤخذ الخراج بالنقود بينما المقاسمة تؤخذ من حاصل الأرض ، هذه ضرائب ثلاث مشرّعة في الاسلام ، فهذه الضرائب إذا أخذها السلطان المخالف المدّعي للخلافة العامّة وأنه هو الخليفة العام على جميع البلاد الاسلامية - كما كان الخلفاء الأوائل - فهل يجوز لنا أن نشتري منه هذا الزرع الذي أخذه مثلاً ؟

والجواب:- يجوز لنا أن نشتريه رغم أنَّ القاعدة تقتضي عدم الجواز لأنه أخذ بغير حق لأنه ليست له ولاية على ذلك ولكنه يجوز الشراء ، بل لو هو ابتداءً أعطاناً شيئاً كهدية من دون أن نشتريه جاز أخذه والحال أنَّ القاعدة الأوّلية هي عدم الجواز.

الحكم الثاني:- تبرأ ذمّة من عليه الحق بأخذ ذلك السلطان المخالف وإن كانت القاعدة تقتضي بقاء الذّمة مشغولة ولكن هذا حكم على خلاف القاعدة فيقال ببراءة الذمّة.

الحكم الثالث:- لو فرض أنَّ هذا السلطان لم يدفع لي هدية من هذه الضراب مباشرة وإنما حوّلني على من عليه الحق فهل يجوز لي أن آخذها ؟ سيأتي أن الأدلة التي نذكرها هي خاصة بحالة دفعه لي بالمباشرة أما بالحوالة فالروايات لا تشتمل على ذلك ، فلذلك وقع كلام في أنه نعم يجوز لي أخذ هذه الضريبة وتبرأ ذمّة المحوّل عليه.

الحكم الرابع:- لو فرض أنَّ هذا السلطان كان كافراً أو كان مسلماً ولكنه مؤالف لا مخالف أو أنه كان مخالفاً ولكنه لم يدّعِ الخلافة العامّة بل ادعاها في بلدٍ معيّن فلو أخذ هذه الضريبة هل الحكم هو الحكم ؟ يعني هل يجوز لنا أن نشتري من هذه الضرائب المجتمعة عنده وهل تبرأ بذلك ذمّة المكلّف المأخوذ منه هذه الضريبة ؟ قال(قده) فيه إشكال.

وقبل أن نواكب المسالة نقول:- نحن لا نرى طرح هذه المسألة بهذه الصياغة منسباً في الرسالة العملية ، نعم هذه المسألة كانت موجودة في الزمن السالف حيث كان يوجد من يدّعي السلطة العامة على جميع بلاد الاسلام ويأخذ الضريبة أما الآن فلا توجد عندنا مثل هذه الظاهرة فذكرها يكون ليس مناسباً ، والمناسب أن تطرح بصيغةٍ أخرى كأن يقال مثلاً (لو أعطى الظالم أموالاً إلى شخص بعنوان الهدية فهل يجوز الأخذ أو لا ) فإنَّ هذا هو الشي الذي نبتلي به ، فذكره هذه المسألة لا داعي إليه لكن جرت العادة على أنَّ الرسالة حينما تكتب فهي تكتب على غرار ما كتب سابقاً ، ولكن مراعاة القضية التي أشرت إليها امر ضروري ولو طرحت بهذه الصيغة لكان أنسب ، ولكن هذه الصيغة سوف تأتي الاشارة إليها في مسألة مستقلة - وهي مسألة ( 39 ) - ، فعلى هذا الأساس يظهر أنَّ الاشكال ثابتٌ ولكننا نبحثها ونمرّ عليها مرور الكرام للاستفادة من بعض النكات الموجودة فيها.


[3] المناسب أن يقول ( وهو ضريبة النقد ) لا أن يقول ( وهو ضريبة النقد ) لأن المفهوم من هذه العبارة أنها ضريبة على النقد، كلا بل الخراج ضريبة تؤخذ على الأراضي ولكنها تؤخذ بالنقود وليس تؤخذ من الأرض ولا من الزرع بخلاف المقاسمة فإنها ضريبة تؤخذ من الزرع الموجود على الأرض فهو ضريبة تؤخذ من الزرع والخراج ضريبة تؤخذ من النقد فهو ضريبة تؤخ من النقد لا ضريبة النقد فإن هذه العبارة موهمة.