38/11/26


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

38/11/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 37 ) حكم الضرائب – المكاسب المحرمة.

الدليل الثالث على حصول براءة الذمة:- هو جود روايات خاصة في هذه القضية تدل على براءة الذمة وأنه إذا جاء عامل السلطان ودفعت إليه فقد برئت ذمتك ، ولكن هذا يتم فيما لو فرض أنه لا يمكن أن تتخلف إما إذا أمكن أن تمتنع بشكل وآخر بحيث لا يحلقك أذى فلا يجوز الدفع وهذا الحكم على القاعدة ، فإنه إذا تمكنت من عدم الدفع إليه فلابد من دفعه إلى أهله أما إذا لم تمكن من ذلك فهنا تأتي الرواية فنتقول الدفع إليه يجزي ، والروايات الموجودة هي سبع روايات ننقل منها روايتين:-

الرواية الأولى:- صحيحة العيص بن القاسم وسندها هكذا:- محمد بن اسماعيل - وقد قلنا إنه حينما يبتدئ صاحب الوسائل بمحمد بن اسماعيل يعني أنه أخذها من الكليني لأننا قلنا إنَّ الكليني يروي عن محمد بن اسماعيل ثمن الكافي - ، عن الفضل بن شاذان - وقد قلت عدّة مرات إنَّ محمد بن اسماعيل من هو ؟ والسيد حسن الصدر صاحب تأسيس الشيعة وعلوم الاسلام قد ألّف رسالة يقول فيها أنَّه ابن بزيع ، ولكن بينه وبين ابن بزيع فاصل كبير فإنَّ ابن بزيع من أصحاب الرضا عليه السلام ويروي عنه الكليني بواسطتين أو ثلاث وسائط ، فعلى أيّ حال هذا الرجل العظيم ألف هذه الرسالة وقد قرأتها في فترةٍ من الفترات ولم يحصل عندي تغيّر بسبب قراءتها ، فعلى أيّ حال هذا الرجل ليس ابن بزيع فإنَّ ابن بزيع من ثقات أصحابنا ، فيكون مردّداً بين ثلاثة اشخاص وعلى جميع التقادير لا يؤثر لأنَّ نفس اكثار الكليني الرواية عنه بهذا المقدار يدل على هو أنه يركن إليه ، فإذن اكثار الكليني بهذا المقدار يورث الاطمئنان بأنه ثقة ، فمن حصل له الاطمئنان بهذا فبها ، وإلا فسوف يبقى في حيصٍ وبيص ولابد له من حلٍّ آخر ولكن هذه قضية ثانية ، فإذن على ما نقول القضية منحلّة

محمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذا عن صفوان بن يحيى عن العيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام في الزكاة قال:- ( ما أخذوا منكم بني أمية[1] فاحتسبوا به ولا تعطوهم شيئاً ما استطعتم فإنَّ المال لا يبقى على هذا أن تزكّيه مرتين )[2] ، وشاهدنا هو قوله ( ما أخذوا منكم بني أمية فاحتسبوه ) فالرواية أكثر من ظاهرة في أنه يكفي الدفع إليهم ، نعم الامام عليه السلام قال بعد ذلك ( ولا تعطوهم شيئاً إن استطعتم فإنَّ المال لا يبقى على هذا أن تزكّيه مرتين ) فما معنى هذه العبارة ؟ إنَّ معرفتك ببعض بمضمون الرواية لا يؤثر شيئاً مادام لا يحتمل أنَّ له تأثيراً على مورد الشاهد ، ولكن اتفاقاً المعنى واضح ، فالامام عليه السلام يقول إنك إذا لم تتمكن من دفع الظالم عنك وأعطيته المال فهذا لا يجزئ فلابد أن تدفع مرّة ثانية يعني سوف تزكّي المال مرتين وإذا زكّيته مرتين فقد ضاع شطر كبير منه ، فالامام عليه السلام يقول له امتنع إذا استطعت أن تمتنع لأنه إذا أعطيته للظالم فلابد أن تعيد مرة ثانية وعليه سوف يذهب قسم كبير من مالك ، ومن الواضح أنَّ مقصوده من ( لا يبقى ) لا أنه لا يبقى أبداً وإنما المقصود هو أنه سوف يذهب قسم كبير منه.

وهل تركيب العبارة فيه خلل ؟ إنَّ هذا ليس مهماً ، فإنَّ المقصود واضح ، وفي الاستبصار الموجود هكذا:- ( فإنَّ المال لا يبقى على أن تزكّيه مرتين ) ، فعلى أيّ حال التعابير ليست مهمة ولكن موضع الشاهد واضح جداً ودلالة الرواية واضحة أيضاً.

الرواية الثانية:- صحيحة الحلبي وسندها:- سعد[3] عن أبي جعفر[4] عن أبن أبي عمير وأحمد بن محمد بن أبي نصر عن حمّاد بن عثمان عن عبيد الله بن علي الحلبي قال:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صدقة المال يأخذه [ يأخذها ] السلطان فقال لا آمرك أن تعيد )[5] ، ودلالتها واضحة تقريباً ، لأنَّ الامام عليه السلام يقول له ( لا آمرك أن تعيد ).

وفي مقابل هذه الروايات السبع توجد رواية واحدة:- يقول فيها الامام عليه السلام إنه لابد أن تعيد وتدفع من جديد فإنك وضعتها في غير أهلها.

ومن باب الكلام يجرّ الكلام نذكر قضيةً جانبية:- وهي أنه مثل المستبصر فهل يعيد أعماله أو لا ؟ كلا لا يعيدها إلا الزكاة فإنه وضعها في غير أهلها ، وهذا الحكم ليس على مقتضى القاعدة بل توجد رواية خاصة دلت على أنه وضعها في غير محلها ، وهذه الرواية تقول إذا أخذ الظالم الزكاة منك فلابد أن تدفع من جديد ، وتصير المشكلة هي أنه كيف تجمع بينها وبين تلك الروايات السبع ، وهي ما رواه الشيخ بإسناده عن حمّا د عن حريز عن ابي اسامة ، وأبي أسامة هو زيد الشحّام وهو الذي نقل قسماً من خطبة النبي عن الامام عليه السلام في مسجد الخيف التي هي ( المسلمون متكافئة دماؤهم ... ) وهو من الثقات ، ( قال:- قلت لأبي عبد الله عليه السلام جعلت فداك إنَّ هؤلاء المصدقين يأتونا ويأخذون منّا الصدقة فنعطيهم إياها أتجزي عنّا ؟ فقال:- لا إنما هؤلاء قوم غصبوكم أو قال ظلموكم أموالكم[6] وإنما الصدقة لأهلها )[7] ، وهذه الرواية دلالتها واضحة على عدم الاجزاء وتلك دلالتها واضحة في الاجزاء فكيف العلاج ؟

والجواب:- ذكرت عدة صور للحمل:-

الحمل الأوّل:- وهو للشيخ الطوسي على ما نقل الحرّ أنه حملها على الاستحباب ، ونحن نساعده فنقول:- إنَّ تلك الروايات دلت على الاجزاء بالصراحة وهذه الرواية ظاهرها وجوب الاعادة فنخالف هذا الظهور فنحمل هذا الأمر على الاستحباب بقرينة تلك الروايات الدالة على الاجزاء ككل مورد من هذا القبيل ، فإذا كانت عندك روايات قالت غسل الجمعة يجزئ عن الوضوء ثم جاءت وراية قالت توضأ قبل غسل الجمعة أو بعده فتحمل هذا الأمر على الاستحباب وهنا أيضاً نفعل هكذا.

وهل هذا الكلام تام أو لا ؟

إنه في رواية غسل الجمعة إذا كانت هناك رواية تدل على الوضوء فنفعل هكذا وهذا صحيح ، ولكن هنا لا يصح هذا فإنه كأنه توجد موانع تمنع من الحمل على الاستحباب ، لأنه لو قال الامام عليه السلام ( فنعطيهم أتجزي عنّا ؟ فقال:- لا ) فحمل هذا على استحباب الاعادة فيه مجال ، ولكن الامام عليه لسلام علّل وقال ( هؤلاء غصبوكم أو ظلموكم وإنما الصدقة لأهلها ) فإنَّ هذا قد يمانع فيجعل الحمل على الاستحباب صعبٌ ، والأمر إليكم فإنَّ هذه فقضية وجدانية ، وأنا أرى أنَّ الحمل على الاستحباب هنا ثقيل ، لأنَّ تعبير ( وإنما الصدقة لأهلها ) لا يتلاءم مع الحمل على الاستحباب ، فإذا قبلت بهذا فبها ولكني من المتريثين في هذه القضية.

الحمل الثاني:- ما ذكره صاحب الحدائق(قده) حيث قال: نحمل هذه الرواية على حالة التمكن من الامتناع عن الدفع ولكن رغم ذلك دفعت وتلك الروايات التي قالت يجزي ويكفي نحملها على حالة عدم التمكّن على الامتناع وقرينتي على ذلك رواية العيص بن القاسم يحث قال فيها الامام عليه السلام ( ولا تعطوهم شيئاً ما استطعتم ) فهذه الفقرة نجعلها شاهد جمعٍ بين هاتين الطائفتين ، ونصّ عبارته:- ( والأظهر في وجه الجمع إنما هو حمل ما دلّ على الاجزاء على عدم التمكن من انكارها ومنعها وإنما تؤخذ منه قهراً وما دلّ على العدم على من تمكن من عدم الدفع ودفعها لهم اختياراً كما تدل عليه صحيحة العيص المذكورة )[8] .

نقول:- إنَّ هذا الكلام ليس له سند قوي يمكن أن يكون شاهداً له ، ومجردّ أنَّ رواية العيص قالت لا تدفع لهم إن تمكنت لا تصلح أن تكون شاهد جمعٍ ، فما ذكره بعيد.

الحمل الثالث:- وإن كان ذكره بعد هذين الاثنين ليس فنّياً ولكن تقبّل منّي ذلك ، وهو ما ذكره الشهيد الثاني(قده) حيث قال لا يجزئ الدفع إلى الظالم لأنَّ النيّة معتبرة ، فلابد من أن ينوي دافع الزكاة وهذا الظالم الذي يأخذ منه ليس وكيلاً عن المستحق كي ينوي الدافع حينما دفع إليه الزكاة ، فهو ليس بوكيلٍ شرعي فلا توجد نيّة ، فيكون هذا الدفع باطلاً وتلزم الاعادة ، ونصّ عبارته:- ( وهل تبرأ ذمة المالك من اخراج الزكاة مرّةً أخرى ؟ يحتمله كما في الخراج والمقاسمة .... وعدمه لأن الجائر ليس نائب المستحقين فتتعذر النية ولا يصح الاخراج بدونها ....والأقوى عدم الاجتزاء )[9] .

ونحن نعلق ونقول:-

أوّلاً:- يظهر أنَّ المشكلة التي كان يعيشها الشهيد الثاني هي مشكلة النيّة وأنها كيف تصير ، وكأنما النيّة يلزم أن تصير حين الدفع ، وهذا أيضاً قد ذكره في اللمعة وأن النيّة هي اخطار ومتى نأتي بها ولابد أن تكون مقارنة وغير ذلك ، ولكن دعنا نقول إنَّ النية هي حين العزل ، فهي حين العزل صارت زكاة ، أما إذا قال إنَّ هذا لا أكتفي به فنقول له إنَّ الذي يأخذ الزكاة هل هو الفقير حقيقة أو هو غير الفقير ؟ فإن كان يأخذها غير الفقير فحتى لو كانت هناك نيّة حين الدفع إليه فالمفروض أنه غير فقير ، وإذا فرض أنه كان هو الفقير والمستحق فقد صارت مقارنة حين الدفع وانتهت.

فإذن المسألة ليست هي مسألة أنه تعتبر المقارنة ، بل الأفضل من أن تقول بفقدان مقارنة النيّة قل لأنه لم يأخذها المستحق فإنه حتى لو كانت توجد مقارنة لكن الذي يأخذها غير مستحق فإذا كان الذي يأخذها غير مستحق فلا تجزئ سواء كانت هناك مقارنة أو لا.

هذا مضافاً إلى أننا نقول له:- إنَّ النيّة هي بمعنى الداعي ، والداعي موجود من الأوّل إلى النهاية ، فهذا الداعي مستمر إلى الأبد وهو يكفي.

هذا مضافاً أيضاً إلى أننا نقول:- إنَّ الروايات الموجودة الدالة على الاجزاء تدل بالالتزام على التسامح من جهة النيّة ، لأنَّ الامام عليه السلام قال ( يجزي ) فلا معنى لأن نأتي ونقول يوجد اخلال بالنيّة فإنه بالدلالة الالتزامية الامام عليه السلام تسامح من ناحية النية فلا موجب للتوقف من هذه الناحية.

وأشكالنا المهم على الشهيد الثاني:- هو أنه هل الشهيد الثاني لم يطّلع على الروايات أو أنه مطلع عليها ؟ فإن لم يكن مطلعاً فهذه مشكلة ، فكيف ذكر هذا الحكم من دون اطلاع على الروايات ؟!! ، وإن كان مطّلعاً عليها فهذا ما يسمّى بالاجتهاد في مقابل النص ، بل يلزم عليه أن يأخذ بالروايات ، فلا معنى لأن يذهب إلى مسألة النيّة بعدما دلت الروايات على الاجزاء ، نعم أنت حاول أن تجمع بين الروايات لا أنك تذهب إلى النيّة بعد وجود الروايات ، فأنت اجمع بين الروايات فإذا جمعت مثلاً بالحمل على الاستحباب ثبت الاجزاء وإذا لم تتمكن من الجمع وصار تعارض وتساقط فلابد أن ترجع إلى ما تقتضيه القاعدة ، فالمطلب لابد أن يبيّن هكذا لا أنه لا يعار أهمية إلى الروايات ويقال إنه لا يجزئ لأنَّ النيّة ليست مقارنة للدفع فإنَّ هذه ليست هي المشكلة الكبرى حتى نتوقّف في المسألة لأجلها ، فإذن ماذا نصنع ؟


[1] هذا ما هو الموجود في الوسائل وهو على لغة أكلوه البراغيث ولكن من المناسب أن يقال ( ما أخذه منك بنوا أمية ) هذا ليس مهماً لي ولكن الذي اريد أن اقوله هو أنه في الوسائل هكذا موجود ولكن في التهذيب يوجد ( أخذه ) فلابد للمحقق أن يذكر ذلك لأن صاحب الوسائل قال ( ونقله الشيخ في لتهذيب ) فالمحقق يلزم أن يكتب إن الموجود في التهذيب ( أخذه ).
[3] وهذه الرواية يرويها صاحب الوسائل عن الشيخ الطوسي لأن الشيخ الطوسي أحياناً يبتدئ السند بسعد فمن المناسب أن تكون عن الشيخ الطوسي.
[4] ابو جعفر هو احمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي صاحب لرضا عليه السلام، ولو قلت من اين عرفت هذا فأقول لابد من اتعاب النفس في مراجعة الاسانيد فإنها تعطيك هذه الخبرة كما أن سعد كثيراً ما يروي عن أحمد بن محمد بن عيسى الاشعري القمي وكنية أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري هي ابو جعفر . كما ابن ابي عمير وأحمد بن محمد بن أبي نصر ثقاة ويكفي وثاقة واحد منهم، وايضاً حماد بن عثان لا مشكلة فيه أما عبيد الله الحلبي فقد قلنا غن الحلبيون بيت معروف بالكوفة كلهم ثقات.
[6] وهذا الترديد نحمله من الراوي وليس من الامام عليه السلام، هذا واضح.