39/01/30


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/01/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 39 ) حكم جوائز الظالم – المكاسب المحرّمة.

ثم إنه بعد أن اتضح أنَّ الرد واجب سواء للنكتة التي أشرنا إليها أو لغير ذلك فإنه بالتالي لا كلام في وجوب الرد.

والسؤال الذي نطرحه:- هو أنه ماذا يقصد من الرد ، فهل يكفي التخلية بأن أتصل به تلفونياً وأقول له إنَّ مالك موجود عندي فتعال وخذه متى ما أحببت أو أنه يلزم الايصال إليه فلو فرض أنه جاري فأذهب إليه وأدفعه إليه أما إذا كان في بلدٍ آخر ويحتاج إلى أجرة نقل فهذا دعنا عنه فإنَّ كلامنا الآن هو في الحالة التي يمكن فيها الايصال دون عسرٍ ، فهل الواجب الايصال أو أنه تكفي التخلية ؟

والجواب:- لا يبعد كفاية التخلية ، وذلك لوجهين:-

الأوّل:- إنَّ الشرع المقدس لا موقف له ولا بيان له في تحددي ردّ الأموال إلى أصحابها فهو لم يبيّن أنَّ الرد كيف يتحقق فهل يتحقق بالتخلية أو بالايصال وسكوته يدل على الاحالة على ما عند العرف والعقلاء ولا يبعد أنا لو رجعنا إلى العرف والعقلاء فهم يرون كفاية التخلية بلا حاجة إلى ايصالها إليه إلا في موارد سوف نذكرها بعد قليل وإلا فبشكل عام العقلاء تكفي عندهم التخلية أما الايصال إليه فهذا ليس عليه العرف والعقلاء ، والقية تعود إليك.

الثاني:- لو فرض أنه لم يثبت هذا ولا ذاك يعني لم يثبت أن الواجب هو التخلية أو الايصال ولو لعدم وضوح ما عليه العرف والعقلاء فحصل التردد ، إنَّ نفس التردد يكفينا في الوصول إلى ما أردنا إليه ، فبالتالي نحن نشك بعد عدم تحديد الشارع بأنَّ المدار على التخلية أو على الايصال ؟ فالايصال له مؤنة زائدة لا مثبت لها ، فعلى هذا الأساس التخلية كافية من باب أنها هي القدر المتيقن - يعني قدر متيقن على أنه يلزم التخلية - أما ما زاد على التخلية - وهو الايصال إلى المالك - فهذا لا مثبت له فنتمسّك بالقدر المتيقن ونجري أصل البراءة عن الزائد.

إن قلت:- إنَّ الآية الكريمة تقول ﴿ إن الله تأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ﴾[1] ، فإذن هي أمرتب أداء الامانة وايصالها فالبيان الشرعي إذن موجود فلماذا قلت إنَّ الشرع لم يبيّن وهو متوقف في مجال ردّ الامانة فهو قد اعتبر الاداء بمعنى الايصال ؟

قلت:-

أوّلاً:- إنَّ الأمر بالأداء لا يبعد أن يكون المقصود منه هو الاداء العقلائي ولا تريد الآية الكريمة أن تبيّن مطلبا جديداً خلاف ما عليه العقلاء فالمقصود من الأداء المعنى الأعم من التخلية ومن الايصال الذي هو واجب لدى العقلاء.

فإذن لا يمكن أن نستفيد منه أنَّ المقصود من الاداء بمعنى الايصال وإنما المقصود ما عليه العقلاء وهو الجامع بين الايصال وبين التخلية.

ثانياً:- لا يبعد كون المقصود من الاداء عدم الامتناع يعني لا تمتنعوا أيها الناس من ردّ الامانة إلى أهلها كما إذا جاءك إلى بيتك ويريد الامانة فيقول له الدار الذي عنده الأمانة اذهب فلا تمتنع من أداء الامانة أما أنه أدائها لازم بأيّ معنى ؟ فالآية الكريمة ليست في صدده أبداً بل هي تريد أن تقول لك عليك أن لا تجحد الامانة فالجحود ليس بجائز أما الواجب ما هو فالآية الكريمة لا تريد أن تبيّن ذلك.

والخلاصة:- إنه يكفي في مقام ردّ الأمانة التخلية ولا يلزم الايصال.

أجل نستثني بعض الموارد فإنه يلزم فيها الايصال لا لأجل وجود دليل شرعي على ذلك بل لأجل أنَّ العرف والعقلاء هكذا يفصّلون ، من قبيل ما إذا أخذت منك كتاباً عارية أو سيارة بالتالي هنا حينما أخذت الكتاب أو السيارة فقد أخذته مني فيلزم أن ترجعه إليَّ ، وهكذا لو فرض انه توجد عين مرهونة فأنت أخذتها رهناً من يدي فيلزم أن تسلمه إلى يدي ، والقرض كذلك أيضاً ، وهذه التفرقة مستندها الارتكاز العقلائي والعرف ، فإذن العرف يميز بين مورد ومورد آخر والطابع العام أنه يكتفي بالتخلية إلا في تلك الموارد التي يكون فيها الأخذ من يد الشخص فالارجاع لابد أن يكون في يده أيضاً ، وهذه قضية ينبغي الالتفات إليها.

ورب قائل يقول:- إنه يلزم أن نميز بين وجوب الردّ الثابت تكليفاً وبين الضمان فالرد الواجب تكليفاً يكفي فيه ما أشرنا وهو التخلية لقضاء العرف والعقلاء بذلك كما ذكرنا أو أن ما زاد على التخلية لا دليل عليه وأما بالنسبة إلى ارتفاع الضمان فالضمان لا يرتفع إلا بتسليم العين وايصالها إليه فبالايصال يرتفع الضمان وبالتخلية يتحقق الردّ الواجب تكليفاً فيميز بين الرد الواجب تكليفاً فيكفي فيه التخلية وبين ارتفاع الضمان فيحتاج إلى القبض والايصال.

ولكن يردّه:- بأنا لا نعرف وجهاً لذلك ، فإنَّ العقلاء والعرف مادام هو المرجع وهو يرى أنَّ الأداء الواجب يتحقق بالتخلية فحينئذٍ متى ما تحقق أداء الواجب ارتفع شغل الذمة كما وارتفع الضمان ، فالتفرقة بهذا الشكل عهدتها على مدّعيها . نعم إذا كانت عنك رؤية عرفية بهذا الشكل فسوف تفتي بأنَّ الضمان لا يرتفع إلا بالتسليم بينما الردّ الواجب يتحقق بالتخلية ، أما أنا الذي لا أرى هذه التفرقة العرفية فسوف أفتي بأنَّ التخلية تكفي في ارتفاع الضمان ووجوب الردّ معاً.

وهناك قضية أخرى أشار إليه الشيخ الأعظم(قده)[2] حاصلها:- إنه لو بنينا على أنَّ الواجب في الأداء هو التخلية ولا يلزم الايصال ، وبناءً على هذا لو أخذت هذه الامانة المغصوبة وذهبت بها إلى دار المغصوب منه فيمكن الحكم بعدم جوازه لأنَّ هذا تصرّف لم يثبت رضا المالك والشرع به فإن الواجب هو التخلية وهي تتحقق بإخباره أما حمله بعد ذلك إليه وايصاله إليه هو تصرفٌ زائد وهو محل إشكال أو لا يجوز .

ويردّه:-

أوّلاً:- فالرد الواجب كما يتحقق بالتخلية يتحقق بالايصال فالايصال مرتبة من مرتب الرد ، فحيما يتحقق الرد بالتخلية ليس المقصود أنه يتحقق بها لا غير ، كلا بل هو كلّي مشكك له مراتب والمرتبة الأدون هي التخلية والمرتبة الأعلى هي الايصال إليه فإنَّ هذا اداء ورد عرفاً وعقلائياً وهو الفرد الأكمل ، فإذن يوجد فرد أكمل وفرد ليس بأكمل فالايصال هو الفرد الأكمل لا أنه ليس بردّ حتى يقال هذا محل اشكال وهو تصرف بما لا يرضى به المالك.

وهذا من الأشياء الغريبة من الشيخ الأعظم(قده).

ثانياً:- إنَّ الواجب في باب الأمانة هو حفظ الامانة من التلف والحفظ له مصاديق متعددة فتارة أنا أحفظ الشيء بوضعه في صندوق حديدي وله قفل - كالقاصة - فهذا نحوٌ من الحفظ ، وتارة أحفظه بأن أجعله في جيبي والجيب أغلق الجيب فهذا نحو آخر من الحفظ ، فالحفظ ليس محصوراً بحالة واحدة ، فإذن هذا نحو من الحفظ فأيّ تصرف بما لا يرضى صاحبة به ؟!! فإذن تحقق المطوب.

هذا كله بما يرتبط بالفرع الأوّل من الفروع التي أشار إليها السيد الماتن في عبارة المتن.

الفرع الثاني:- قال(قده): إذا تردّد بين محصورين وأمكن استرضاؤهم وجب وإلا فالقرعة.

وما ذكره(قده) يشمل على ما يلي ، وهو أنه لو كان المالك بين عدد محصور كثلاثة مثلاً وأمكن استرضاؤهم بشكل وآخر فبها ونعمت فإنَّ المهم هو الارضاء ، وإذا فرض أنههم لم يرضوا فالقرعة لأنَّ القرعة لكل أمرٍ مشكل ، أما إذا كان العدد كبير كماءة شخص فهنا لا يمكن الاسترضاء فنطبق فكرة مجهول المالك.

فإذن العدد إذا كان ليس بمنحصر فهذا بحكم مجهول المالك ، وأما إذا كان العدد محصوراً ففي مثل هذه الحالة فمرة يمكن استرضاء الجميع فيطلب رضاهم ، ومرّة لا يمكن ذلك فتصل النوبة إلى القرعة.