03-12-1434


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/12/03

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مصرف الهدي/ حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 هذا ويمكن الحكم بالجواز لما يلي:-
 أولاً:- إن صحيحة محمد بن مسلم وإن وردت في الأضاحي ولكنها عللت وقالت:- ( فأما اليوم فقد كثر الناس فلا بأس بإخراجه ) ، إذن هي قد ذكرت علّة الجواز ومقتضى هذه العلّة التعميم لكل موردٍ شبيهٍ بالمورد يعني بالتالي سوف نتعدّى الى لحم الهدي فهي وإن كانت ناظرة الى غير لحم الهدي ولكن نتعدى الى لحم الهدي من باب التمسك بعموم العلّة.
 وثانياً:- لو فرضنا أنه لا يوجد تعليل وإنما الرواية قالت من البداية هكذا:- (عند كثرة الناس يجوز الاخراج ) فهنا لا يوجد تعليل ولكن مع ذلك نحكم بالتعدّي الى لحم الهدي وذلك لمناسبات الحكم والموضوع فإن العرف يفهم أن الأضاحي لا خصوصيّة لها وإنما الكثرة إذا كانت مجوّزة فهي تجوّز في لحم الأضاحي وفي غير ذلك فنتمسك إذن بإلغاء الخصوصيّة للجزم عرفاً بعدم الخصوصيّة وهذا ما يعبّر عنه بمناسبات الحكم والموضوع فإلغاء الخصوصيّة هو مصداقٌ من مصاديق مناسبات الحكم والموضوع فالمناسبات تقتضي إلغاء خصوصيّة المورد.
 إذن لنا طريقان فإما أن نتمسك بعموم التعليل أو أن نتمسك بفكرة مناسبات الحكم والموضوع فنلغي الخصوصيّة ونتعدّى عن المورد لأجل المناسبات المذكورة.
 وثالثاً:- لو فرض أن صحيحة محمد بن مسلم لم تكن موجودة وإنما كنّا ونحن وتلك الروايات المانعة عن الاخراج من منى فمع ذلك كنا نقول بالجواز فإنه لا نحتمل أن الاسلام - أو أن الله عز وجل - يريد إبقاء اللحوم مكدّسة في منى حتى تتلف ورغم ذلك لا يجوز نقلها للفقراء في الخارج إن هذا لا نحتمله ونقطع بعدمه ، وعلى هذا الأساس لا مشكلة في هذا الزمان بعد أن كثرت اللحوم ولا نحتمل أن الاسلام يريد أن تتلف هذه اللحوم وتفسد من دون الانتفاع بها ، ولعلّه الى هذا المعنى يشير صاحب الجواهر(قده) حيث قال:- ( نعم ينبغي القطع بالجواز إذا لم يكن مصرفٌ لها إلا في خارجها كما صرّح به في المسالك مستثنياً له من اطلاق المنع ونحوه ، كما أنه ينبغي القطع بالجواز إذا اشتراه مثلاً من المسكين لانسباق دليل المنع الى غيره ) [1] يعني أن تلك الروايات الثلاث التي قالت لا يجوز الإخراج من منى أو من الحرم نستثني منها هذه الحالة ولكنه لم يبين النكتة وأنه لماذا ينبغي القطع وأن صاحب المسالك استثنى هذه الحالة ؟ ولعله لما ذكرناه من أننا لا نحتمل أن الله عز وجل يريد أن تتلف هذه اللحوم.
 ثم إنه وقع الكلام أيضاً في أن اللحوم هل هي التي لا يجوز إخراجها فقط - بناءً على عدم جواز الاخراج - أو أن الجلد والامعاء أيضاً - أي توابع الهدي - لا يجوز إخراجها ؟
 والجواب:- قد يقال إن هذه الأشياء يجوز إخراجها ، ولماذا ؟ إما لأجل قصور دليل المنع لأن دليل المنع هو ناظر من البداية الى اللحوم وينهى عن إخراجها وهذه الاشياء ليست من مقولة اللحم . أو أن نقول:- إن المأمور به في الكتاب الكريم هو إطعام الفقير وهذه الأشياء ليست قابلة للإطعام.
 وعلى هذا الأساس يجوز إخراج هذه الأشياء لإحدى هاتين الناحيتين.
 إن قلت:- توجد روايات تنهى عن دفع الجلود الى الجزّار من قبيل صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يُعطَى الجزّار من جلود الهدي وجلالها شيئاً ) [2] وغير هذا الحديث ، إذن إذا كان لا يجوز إعطائها الى الجزّار فهذا معناه أنه لابد وأن تبقى في منى.
 قلت:- كلّا فإن النهي عن إعطائها للجزّار لا يلازم إبقائها في منى فإنا لا أعطيها الى الجزّار ولكني في نفس الوقت أخرجها الى خارج منى وأدفعها الى الفقراء ، فالنهي عن الدفع الى الجزّار لا يمكن أن نفهم منه لزوم إبقاء الجلود داخل منى.
 والخلاصة:- إنه في مثل زماننا هذا لا ينبغي التأمل في جواز الإخراج من منى بل من الحرم بل من مكة.
 وهناك قضيّة فنيّة:- وهي أنه هل هناك داعٍ أن نشير الى هذا الحكم في كتاب المناسك الذي هو مقدم للناس العوام فهل يوجد داع الى ذلك في زماننا أو لا ؟ نعم إذا كان كتاباً علمياً فلا بأس بذلك فإن هذه المسألة لابد وأن تبحث فنيّاً أما بعدما كان هذا الكتاب لعوامّ الناس فلا لا داعي لذكر هذا الحكم بعد القطع بالجواز وعدم احتمال أنه لا يجوز.
 الأمر السابع:- لو فرض أن المكلف لم يدفع ثلث الهدي الى الفقراء - بناءً على لزوم ذلك - أو لم يدفع ثلث المؤمنين إليهم فهل يكون ضامناً ؟ يعني أنه لم يدفع لأحدٍ منهم إما بأن أكله كلّه أو أنه أبقاه الى أن تلف فهل يكون ضامناً ؟ فالكلام الآن يقع في الضمان - وواضح أن هذا الكلام والسؤال عن الضمان لا يأتي في حالتين الأولى ما لو فرض أنه لم يأكل حصته الى أن تلفت فهنا لا يوجد احتمال أنه يضمن ثلثه الراجع إليه فإن ذلك لا معنى له فإذا كان يوجد هناك احتمال فلابد وأن يأتي بالنسبة الى الغير فهل يضمن للغير أو لوليه أو لا ؟ و الثانية هي ما لو فرض أن الثلثين الآخرين تلفا من دون تفريطٍ فهنا لا ضمان - إذن الضمان موجودٌ فيما إذا فرض أنه أتلف الثلثين الآخرين إذ أنه ترك التوزيع الى أن حصل التلف فهنا هل يوجد ضمان أو لا ؟ وهذه قضية تستحق أن تذكر لنكاتها العلميّة.
 والجواب:- قد يقال بالضمان لوجهين:-
 الوجه الأول:- إن هذا قد أتلف حق الغير إذ الثلثان هما حقّ للفقراء أو للمؤمنين ومن أتلف حق الغير يكون ضامناً كما لو أتلف ملك الغير والمفروض أن الفقراء لهم الحقّ في الثلث فيضمن لهم غايته أنه لمن يضمن ؟ يمكن أن يقال يلزمه أن يدفع الى وليّ الفقراء وهو الحاكم الشرعي وهكذا بالنسبة الى ثلث المؤمنين فإن الحاكم الشرعي هو وليّ المؤمنين في أمثال هذه الأمور.
 وجوابه واضحٌ:- فإنه من أين لك أن الثلثين هما حقّ للفقراء أو للمؤمنين فلعل ذلك ليس من باب الحقيّة بل من باب الحكم الشرعي يعني أن الحاج يجب عليه أن يدفع الى الفقراء ثلثاً كوجوب شرعيّ أما أن هذا الثلث صار حقاً لهم فمن أين هذا ؟! فقد يكون هذا وقد يكون مجرد حكمٌ شرعيّ ، ومن هذا القبيل نفقة الزوجة ولوالدين والأولاد فأما بالنسبة الى نفقة الزوجة فيمكن أن يقال هي صاحبة حقّ أو ملك وقد تقول من أين عرفت أن هذا ملك أو حق ؟ قلت:- لعله مثلاً من الآية الكريمة التي تقول:- ( وعلى المولود له رزقهن ) فهي قالت ( على ) فيفهم من ذلك أن الزوجة هي صاحبة حقّ أو فهمنا ذلك من تعبير الروايات والنصوص الأخرى ولذلك إذا لم يدفع الزوج يكون ضامناً ، وهذا بخلافه بالنسبة الى نفقة الأقارب فإن ظاهر الروايات أنه حكمٌ شرعيّ لا أنه حقّ فالقضية هي أننا نفهم ذلك من تعبير النصوص ولذلك يقول بعض الفقهاء إن نفقة الأقارب حكمٌ شرعيّ واجب ويترتب على ذلك أن الشخص إذا لم ينفق على والديه فسوف لا يكون ضامناً ولا يُخرَج من تركته وبالتالي لا يجوز للوالدين المقاصّة وهذا بخلافه بالنسبة الى الزوجة فإنها لها حقّ المقاصّة وبالتالي هذا دين في ذمّته.
 وفي مقامنا لم يثبت من النصوص الشرعيّة أن الثلث هو حقّ للفقراء فلعلّه من باب الحكم الشرعي - الوجوب الشرعي - ومعه كيف نثبت الضمان ؟! فغاية الأمر يكون الحاج آثماً فالحاكم الشرعي له أن يعزّره أو يغرّمه غرامةً بحسب ما هو مناسب لا أن يكون ضامناً.
 الوجه لثاني:- ما أفاده السيد الخوئي(قده) في المعتمد [3] وحاصله:- إن هناك قضيّة لابد وأن تبحث في باب الضمان وهي أن سبب الضمان كما نعرف هو اليد ، أما ما هو المدرك في كون اليد سبباً وموجباً للضمان ؟ إن المدرك ليس هو الرواية المعروفة ( على اليد ما أخذت حتى تؤدي ) فإن هذه الرواية ليست موجودة في مصادرنا وإنما المدرك هو السيرة - أي سيرة العقلاء وسيرة المتشرعة - على أن من كانت له يدٌ على مال الغير يكون ضامناً وحيث لا ردع فيثبت بذلك الإمضاء ، وإذا عرفنا هذا فحينئذ نقول هل السيرة منعقدة على الضمان في خصوص إتلاف الملك ووضع اليد عليه أو الحقّ فهل هي منعقدة على الضمان في خصوص هذين الموردين فقط وفقط أو لا ؟ إنه إذا فرض انحصار السيرة بهذين الموردين فلا ضمان إذن لأنه هنا لا ملك للفقراء لأن الفقير يملك بعد القبض كما أنه لم يثبت كونه حقّاً ، ولكن نحن نريد أن نذكر شيئاً جديداً وهو أنّا لو رجعنا الى السيرة فيمكن أن نقول هي قاضية بأن المال الذي له مصرفٌ معيّن إذا لم يُصرَف في ذلك المصرف يكون ذلك الشخص المتلف لذلك المال ولم يصرفه مصرفه المعين ضامناً رغم أنه لا مالك لهذا المال وليس هو حقاً لشخصٍ فرغم ذلك مادام له مصرفٌ معيّن ولم يصرفه فيه يثبت الضمان.
 وما هو شاهده على هذا ؟
 قال:- يوجد عندي شاهدان:-
 الشاهد الأول:- هو القضية المعاصرة فإنه في زماننا يجمع بعض المؤمنين الأخيار أموالاً للإمام الحسين عليه السلام فهل هذه الأموال ملكٌ لأصحابها بعد الجمع ؟ كلا إنها خرجت عن ملكهم بالإخراج والدفع ولذلك يقال بعدم وجوب الخمس فيها ، وحينئذ لو فرض أنه أتلفها فهل يحتمل أنه ليس بضامنٍ من باب أنها ليست ملكا ولا حقّاً لأحد لأنها خرجت عن ملك أصحابها فلا ضمان ؟! كلّا لا يحتمل أحدٌ ذلك والسيرة قد جرت على الحكم بالضمان وهذا يدلّ على أنه مادام لها مصرفٌ معيّن - وهو أن تصرف شؤون سيّد الشهداء عليه السلام - فإذا لم تصرف في ذلك الشأن فحينئذ يثبت الضمان فحينئذٍ سوف يثبت بالسيرة أن إتلاف ما يكون له مصرفٌ هو أيضاً من موجبات الضمان وإن لم يكن ذلك المال ملكاً أو حقّاً.
 والشاهد الثاني:- باب الزكاة ، فإنه ورد في باب الزكاة أن الجابي لو جمع الزكوات ولكنها تلفت بعد جمعها بتفريطٍ فإنه يكون ضامناً وقد دلّت على لذك روايات من قبيل صحيحة محمد بن مسلم:- ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت هل عليه ضمانها حتى تُقَسَّم ؟ فقال:- إن وجد لها موضعاً فلم يدفعها فيه فهو لها ضامن حتى يدفعها ) [4] ونحوها غيرها ، وحينئذ يقال:- إن هذا المال الذي جمع كزكاةٍ هو ملكٌ لمَن ؟ فهل هو ملك للفقراء ؟ كلا فإن الفقير لا يملكه إلا بعد أن يقبضه أما الآن فهو ليس بمالكٍ فإذا لم يكن مملوكاً للفقراء وإنما الفقراء هم مصرفٌ له ومع ذلك حكمت الرواية بكونه ضامناً فنستنتج هنا أن إتلاف ما قُرّر مصرفه في مصرفٍ معيّن هو من موجبات الضمان ولا ينحصر موجب الضمان بإتلاف الملك أو ما يكون حقّاً للغير.


[1] جواهر الكلام ، النجفي الجواهري، ج19، ص133.
[2] وسائل الشيعة، العاملي، ج14، ص173، ب43 من ابواب الذبح، ح1، آل البيت.
[3] المعتمد، الخوئي، ج5، 301.
[4] وسائل الشيعة، العاملي، ج9، ص285، ب39 من ابوب المستحقين للزكاة، ح1، آل البيت.