39/04/04


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/04/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 40 ) كراهة بيع الصرف ، مسألة ( 41 ) حرمة بيع اوراق اليانصيب ، مسألة ( 42 ) بيع الدم - المكاسب المحرّمة.

مسألة ( 40 ):- يكره بيع الصرف وبيع الأكفان وبيع الطعام وبيع العبيد ...... الخ .

....................................................................................................

وحيث إنَّ هذه المسألة ترتبط بكراهة بعض الأمور وأنَّ الأهم يقدّم على المهم فسوف نتركها إلى المسألة التالية.

 

مسألة ( 41 ):- لا يجوز بيع اوراق اليانصيب ..... الخ.

..........................................................................................

وهذه المسألة قد تقدّمت فيما سبق وقد قلنا عند بحث مسألة حرمة القمار أنه من المناسب أن تذكر هذه المسألة بعد مسألة القمار باعتبار شبهة القمارية في أوراق اليانصيب ، فلذلك نحن بحثناها بعد مسألة حرمة القمار.

 

مسألة ( 42 ):- يجوز اعطاء الدم إلى المرضى المحتاجين اليهكما بجوز اخذ العوض في مقابله على ما تقدم.

............................................................................................

تشتمل هذه المسألة على فرعين ، وقبل بيان ذلك نلفت النظر الى أنه كان من المناسب ذكر هذه المسألة بعد المسألة الأولى ، لأنَّ المسألة الأولى كانت تبحث عن بينع الأعيان النجسة ومن ذلك الدم ، فيشار بعد تلك المسألة الى هذه المسألة ، وهذه قضايا فنّية.

وهذه المسألة تشتمل على فرعين:-

الفرع الأوّل:- إنَّ تمكين سحب الدم ووضعه في بدن إنسان آخر لا مشكلة ، فيه فهو جائز.

الفرع الثاني:- بيع الدم المسحوب منّي مثلا كي يزرَّق به شخص آخر هو جائز قطعاً[1] .

أما بالنسبة الى الفرع الأوّل:- فجوازه هو على طبق القاعدة ، لأنه لا يدخل تحت عنوان من العناوين المحرّمة ، لأنَّ العناوين المحرّمة معروفة عندنا مثل الزنا والقمار والسرقة والغصب وغير ذلك وهذ الا ينطبق عليه واحد من هذه العناوين فحينئذ نتمسّك بأصل البراءة[2] .

والخلاصة:- إنَّ التمكين من سحب الدم ووضعه في بدن إنسانٍ آخر يجوز من دون أيّ إشكال لعدم انطباق عنوان المحرّم عليه فمقتضى الأصل هو البراءة ، وقد تقدمت الاشارة الى ذلك في المسألة الأولى.

أجل اذا بنينا على أنَّ الانتفاع بالأعيان النجسة بأيَّ شكل من الأشكال هو حرام كما ربما يستفاد هذا من رواية تحف العقول التي تقول ( التقلّب فيه والامساك له وغير ذلك حرام ) فإذا أخذنا بها فنعم ، ولكن نحن في المسألة الأولى ذكرنا بأن هناك قولاً بأنَّ الاستفادة من الأعيان النجسة ليس محرّما في المجال غير المحرّم كالعذرة يستفاد منها لأجل السماد مثلاً وهذا لا محذور فيه ، وعلى هذا الأساس مادمنا قد قلنا أنَّ الاستفادة من الأعيان النجسة في غير المجال المحرّم جائز فعلى هذا الأساس لا مانع من الاستفادة من الدم للتزريق للإنسان وللعلاج به.

إن قلت:- إنه يوجد وجه آخر لإثبات الجواز ، وهو أنَّ هذا علاج وضرورة وهذا المريض يحتاج الى دم ، فعلى هذا الأساس نقول يثبت الجواز من باب الضرورة والعلاج.

قلت:- إنَّ هذا لابأس به من زاويةٍ معينة وهي زاوية المريض فإنَّ عنوان العلاج بالضرورة ينطبق عليه وفي حقه ، أما الذي يزرِّقُه فهذا لا ينطبق عليه عنوان الضرورة ولا عنوان العلاج ، فعلى هذا الأساس هذا لا يثبت جوازه من زاوية من يمارس هذا العمل ، ففكرة العلاج والضرورة تنفعنا من زاوية المريض فقط لا من زاوية الطبيب ، اللهم إلا إذا فرضنا أنَّ هذا المريض يموت إذا لم يعط الدم فحفظ النفس واجب حتى على الغير - الطبيب - فإذا وصل إلى هذه النوبة فهذه قضية ثانية .

والمهم أنه لا دليل على حرمة الانتفاع بالأعيان النجسة بأيّ شكلٍ من الأشكال وإنما الحرام هو فقط في المجال المحرّم وهذا ليس من المجال المحرّم.

وأما بالنسبة إلى الفرع الثاني:- فالوجه فيه ما تقدم في المسألة الأولى ، حيث ذكر هناك أنَّ الأعيان التي يحرم بيعها أربعة لا أكثر وقد دلت النصوص على ذلك ، أما غير الأربعة فحيث لم يدل دليل على حرمة بيعها فبيعها يكون جائزاً ، والأربعة هي الكلب والخنزير والميتة والكلب وأما وما سوى ذلك فلم يدل نصّ على حرمة بيعه فإذن هو جائز مادامت له منفعة محلّلة ، وإلا كان البيع سفهياً وغير عقلائي ، فمادامت له منفعة محلّلة فيجوز بيعه ، والدم في زماننا له منفعة محلّلة كبيرة فبيعه يكون جائزاً من دون أيّ مشكلة.

هذا ولكن في المنهاج القديم للسيد الحكيم(قده) تبنّى حرمة بيع الدم[3] ، ومن هنا وقع في مشكلة[4] ، فحاول التخلّص منها فسلك أحد طريقين:-

الأوّل:- أن نبيع القارورة التي فيها الدم ، فالمبيع يصير هو القارورة والدم يصير بالتبع.

الثانية:- المصالحة مقابل التمكين ، فيقول له صالحتك على أن أدفع لك مقداراً من المال مقابل التمكين من سحب الدم منك ، فالمسألة ليست مسألة بيع الدم وإنما هي مصالحة على التمكين.

ولكن السيد الخوئي(قده) حذف كل هذا بعدما كان يبني على جواز بيع الدم ، لأنَّ المحرم أربعة من الأعيان النجسة لا جميعها.

إذن يجوز بيع الدم للاستفادة منه لتزريق المرضى ، وكما عرفنا في الفرع الأوّل أنَّ اعطاء الدم إلى المرضى جائز ولا مشكلة فيه لأصل البراءة.

 

مسألة ( 43 ):- يحرم حلق اللحية على الأحوط . ويحرم أخذ الأجرة عليه كذلك ، إلا إذا كان ترك الحلق يوجب سخرية ومهانة شديدة لا تتحمل عند العقلاء فيجوز حينئذٍ.

تشتمل هذه المسألة على ثلاثة فروع:-

الفرع الأوّل:- لا يجوز حلق اللحية على الأحوط.

الفرع الثاني:- اجارة الحلاق على حلق اللحية لا تجوز على الأحوط.

الفرع الثالث:- إذا فرض أنَّ المؤمن يقع في مهانة شديدة وسخرية فحينئذٍ يجوز له الحلق بمقدار دفع المهانة والسخرية.

والمهم من هذه الفروع هو الأوّل ، وحيث إنَّ الكلام في الأوّل طويل فنقدّم الكلام في الثاني والثالث فنقول:-

أما بالنسبة إلى الفرع الثاني:- فذلك فرع حرمة حلق اللحية ، فمادمنا قد بنينا على حرمة حلق اللحية على الأحوط فالإجارة على ذلك تكون حراماً على الأحوط[5] تكليفاً ، وهكذا الاجارة باطلة لو وقعت على الأحوط لنفس النكتة.

ولماذا الاجارة حرام تكليفاً ، ثم لماذا هي باطلة ؟

الوجه في ذلك:- هو أنه إذا بنينا على الحرمة نضمّ إلى ذلك مقدّمة وهي أنَّ ( كلّ حرام لا تجوز الاجارة عليه ) فإنَّ المناسب هو ذلك ، لأجل أنَّ الاجارة هي نحو تشجيعٍ وحثٍّ على ارتكاب الحرام فيكون محرّماً.

إن قلت:- إنَّ الحرام هو نفس الحرام أما التشجيع عليه كيف تثبت أنه حرام ؟

قلت:- يمكن اثبات أنه حرام من أدلة لنهي عن المنكر[6] ، فإن النهي عن الحرام واجب ، وبالدلالة الالتزامية العرفية لدليل وجوب النهي عن المنكر يستفاد أنَّ الحث والتشجيع والدفع نحو الحرام حرام أيضاً ، لأنك يلزم أن تنهاه عن فعل الحرام لا أنك تشجعه بأن تقول له ( إنَّ التشجيع جائز فأنا أشجعك على الحلق ولكن إذا حلقت فأنا أنهاك ) ، فهناك توجد منافاة عرفية ، فالحلاق يلزمه أن يردع عن حلق اللحية فكيف يجوز له التشجيع ؟!! فنفس دليل وجوب النهي عن المنكر يدلّ بالالتزام العرفي على حرمة الحثّ على الحرام بأيّ شكلٍ من الأشكال ، ومن ذلك الاجارة فإنها نحو حثٍّ ودفعٍ نحو الحرام.

وإذا كان ﴿ بأوفوا بالعقود ﴾ لا يمكن التمسّك به لإثبات جواز هذه الاجارة باعتبار أنَّ في ذلك حثّ على الحرام فإنَّ نفس وجوب والوفاء بالعقد هو حثٌّ على ارتكاب الحرام ، فإذا كان وجوب الوفاء لا يشمل هذا المورد - لأنَّ فيه حثاً على ارتكاب الحرام - فالصحة أيضاً سوف تزول ، فإنَّ صحة الاجارة فرع شمول ( أوفوا ) لها ، والمفروض أنَّ ( أوفوا ) لا يشملها باعتبار المنافاة بين وجوب الوفاء بالحرام وبين وجوب النهي عن المنكر والمعصية ، فلأجل المنافاة بينهما إذن دليل ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ لا يجوز التسّمك به ، فإذا لم يمكن التمسّك به فلا مثبت للصحة ، لأنَّ المدرك المهم لصحة الاجارة هو ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ وإلا ففلا يوجد عندنا دليل لفظي له اطلاق يمكن التمسّك به لإثبات صحة الاجارة في كلّ مورد ، نعم صحيحة أبي ولّاد موجودة والتي تقول:- ( اكتريت بغلاً لقصر بني هبيرة .. ) فهي أقصى ما تدل عليه هو صحة الاجارة في هذا المورد وما شاكله ولا يوجد فيها اطلاق لإثبات صحة الاجارة في كلّ موردٍ ومنه الاجارة على حلق اللحية ، والسيرة المتشرعية والسيرة العقلائية أيضاً لا يوجد فيها اطلاق على الاجارة فنتمسّك بالقدر المتيقن ، فالدليل الذي فيه اطلاق ويمكن التمسّك بإطلاقه لإثبات صحة الاجارة في كلّ مورد هو ﴿ أوفوا بالعقود ﴾.

فإذن الاجارة حرام تكليفاً لأنها نحو حثٍّ على ارتكاب الحرام والحثّ على الحرام حرام ، وإنما كان الحث على الحرام حرام لاستفادة ذلك بالدلالة الالتزامية من دليل وجوب النهي عن المنكر والمعصية ، وإذا لم يمكن التمسّك بـ ﴿ أوفوا بالعقود ﴾ فلا مثبت آنذاك لصحة الاجارة على حلق اللحية ، لكن كلّ هذا باب الاحتياط الوجوبي لأنَّ أصل حرمة حلق اللحية هو احتياط وجوبي وعليه فكلّ الفروع المترتبة عليه سوف تكون مبنية على الاحتياط الوجوبي أيضاً.

وأما بالنسبة إلى الفرع الثالث:- فمن الواضح أنَّه ذكر المهانة الشديدة من باب المثال ، وإلا فكلّ ضرورة كذلك حكمها ، كما لو فرض أنه ليس فيها مهانة كالخوف والضرر ، كما كان في العهد السابق فإنَّ ترك اللحية من دون حلق يوجب مطاردته وسجنه أو يوجب عنواناً آخر ، فما ذكره من عنوان المهانة هو من باب المثال لكل ضرورة وإلا فخوف الضرر وغير ذلك أيضاً يدخل في هذا المجال ويجوز حلقها لأجله لوحدة النكتة.

لكن يبقى أنه لماذا يجوز إذا كان في ابقائها مهانة وسخرية ؟

إنَّ الوجه في ذلك:- هو الحرج ، لأنَّ هذا حرج على المكلّف ، وهنا النفوس تختلف من شخصٍ لآخر ، فبعض النفوس لا تهتم بالاستهزاء فله نفسٌ قويّة لا تتأثر بذلك ، ولكن البعض قد يتأثر بذلك فهنا يصير حرجاً فالحرمة تكون مرفوعة بدليل ﴿ ما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾.

ونلفت لنظر إلى قضية:- وهي أنه ينبغي للمؤمن أن يكون قوياً من داخله لا أنه يكون منهزماً فإنَّ هذا ليس بصحيح ، وكما علمنا القرآن الكريم حيث يقول عزّ من قائل:- ﴿ ولا يخافون لومة لائم ﴾[7] , أيضا علّمنا ذلك القرآن الكريم في سورة نوح وعلى لسان نوح عليه السلام:- ﴿ إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ﴾[8] .


[1] فإذن هذان فرعان الفرع الأوّل هو أنه لا يوجد بيع وإنما يوجد تمكين فقط بأن يمكنهم الشخص من أخذ الدم ووضعه في بدن الانسان الآخر، أما الفرع الثاني هو أن يبيع الدم سواء يبيعه لكي يستفيدون منه في تزريقه في بدن آخر آو غير ذلك من الغايات المحللة.
[2] ونحن في بعض المرات لا نذكر ونقول ( فنتمسك بأصل البراءة ) لشدة وضوح المطلب، وربما يعكس ويقال ( الأصل البراءة من ) دون ضم ضميمة وهي أنه بعد عدم انطباق عنوان من العناوين فهذا أيضاً يخذف لوضوحه، فكل هذا جائز بعدما كان هناك مقدّر محذوف لشدّة وضوحه.
[3] فإذن لابد أنه يبني على أن كلّ النجاسات يحرم بيعها.
[4] لأنَّ بيع الدم في زماننا أصبح ضرورة.
[5] لأن اصل الحكم هو حرمة حلق اللحية على الأحوط فما يفرع عليه ايضاً يكون على الأحوط وّغا حذفناه فذلك من باب الغفلة والنسيان.
[6] يعني أدلة النهي عن الحرام.