34-05-07


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/05/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- إدراك كلا الوقوفين أو أحدهما / الواجب الثالث من واجبات حج التمتع ( الوقوف بمزدلفة) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 علاج الموقف:-
 بعد أن استعرضنا روايات المسالة انتهينا إلى أن مهم الروايات الدالة على امتداد الموقف في المشعر إلى الزوال وأنه يجزي لمن أدركه روايتان هما صحيحة ابن المغيرة وموثقة الفضل بن يونس ، كما أن المهم من الروايات الدالة على الامتداد إلى شروق الشمس روايتان هما صحيحة الحلبي وصحيحة حريز ، ولكن كيف علاج الموقف ؟
 وقبل أن نذكر وجوه العلاج نذكر ما انتهى إليه صاحب الحدائق(قده) [1] حيث ذكر ما محصله:- إن الروايات من هذا الجانب واضحة ومن ذلك الجانب واضحة والجمع صعب وبالتالي تكون المسألة محلّ تردّد وإشكال ونصّ عبارته هكذا:- ( والحق أن الروايات من الطرفين صريحة في كلٍّ من القولين ..... فالمسألة عندي محلّ تأمل وإشكال والله العالم بحقيقة الحال ).
 والظاهر أن هذا لا يمكن عدّه من وجوه الجمع والعلاج وإنما هو بيان صعوبة الموقف وأنه يعيش حالة التحيّر والمناسب للفقيه أن يبدي وجهاً للجمع إذا أمكن فإن لم يمكن فينتهي إلى ما تقتضيه القواعد والأصول ، اللهم إلا أن يكون مقصوده ذلك - أي يريد أن يقول إن الجمع متعذّر فتتساقط الطائفتان مثلاً وننتقل آنذاك إلى ما تقتضيه الأصول والقواعد - فإذا كان يقصد هذا المعنى فهو له وجاهة أما أن يقول إن المسالة محلّ تردّد وإشكال من دون أن يبيّن شيئاً فهذا لا يتناسب وفقاهة الفقيه.
 وعلى أي حال ما ذكر من وجوه الجمع ما يلي:-
 الوجه الأول:- ما صار إليه الشيخ الطوسي(قده) حسب العبارة التي نقلها عنه صاحب الوسائل(قده) [2] في ذيل صحيحة عبد الله بن المغيرة وقد رجّح(قده) الطائفة الثانية - يعني التي دلت على عدم الامتداد إلى الزوال - فأخذ بالروايات الدالة على أن المدار على إدراك المشعر إلى شروق الشمس لا أكثر ، وبالتالي هو لا يقول بإجزاء الموقف الاضطراري للمشعر وقد ذكر في ذلك وجهين:-
 أحدهما:- أن نحمل الروايات الدالة على الامتداد إلى الزوال على بيان الفضيلة والثواب دون الإجزاء وسقوط ما في الذمة فحينما قالت صحيحة ابن الغيرة مثلاً:- ( إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس يوم النحر فقد أدرك الحج ) يعني فقد أدرك ثواب الحجّ لا أنه أدرك حجّ الاسلام وفرغت ذمته فالامتداد إلى الزوال امتدادٌ بلحاظ الفضيلة والثواب دون الإجزاء وسقوط ما اشتغلت به الذمة .
 وثانيهما:- إن الروايات الدالة على الامتداد إلى الزوال يمكن حملها على حالة إدراك الموقف الاضطراري لعرفات وهذا خارج عن محل الكلام فإن محل الكلام هو في إدراك اضطراري المشعر وحده من دون إدراك شيء من الموقفين لعرفات - لا الاختياري ولا الاضطراري - والمفروض أن الروايات الدالة على امتداد المشعر إلى الزوال هي محمولة على من أدرك اضطراري عرفات.
 وقريب من هذا - وإن كانت الألفاظ لعلها تختلف - ما صار إليه صاحب الجواهر(قده) [3] والشيخ النراقي(قده) [4] فإنهما ذكرا أن روايات الامتداد إلى الزوال مطلقة - يعني من حيث إدراك اضطراري عرفات أو لا - فتحمل على حالة إدراك اضطراري عرفة وبالتالي تحمل تلك الروايات الدالة على أن المدار على شروق الشمس وأنه لا يكفي إلى الزوال على من لم يدرك اضطراري عرفات.
 والجواب:-
 أما بالنسبة إلى الأول:- فهو كما ترى فإنه مجرد إبداء احتمال بلا شاهدٍ ، فإن كان المقصود هو إبداء احتمالٍ فقط فهو جيّد ولكن ما أكثر الاحتمالات ، وإن كان المقصود هو إبداء احتمالٍ لابد من المصير إليه فالمقام ليس كذلك لأن الاحتمال الذي ذكره لا يدعمه شاهدٌ عرفي.
 وأما بالنسبة إلى الوجه الثاني:- فالأمر فيه كسابقه إذ المصير إلى الجمع بالتقييد يتم في حالتين:-
 الأولى:- أن يفترض أن إحدى الطائفتين كانت مقيدة بذلك - أي بالقيد الذي يجمع من خلاله وبواسطته - فتصير الطائفة المشتملة على القيد المذكور مخصِّصة للأخرى المطلقة كأن نفترض أن الروايات الدالة على أن المدار على شروق الشمس قد أخذت مقيّدة بقيد ( من لم يدرك اضطراري عرفات ) فإنه إذا ذكر هذا القيد فسيكون هذا شاهداً عرفياً على تقيّد تلك الأخرى الدالة على الامتداد إلى الزوال فيقال إن اطلاقها يقيّد بواسطة هذه المقيّدة.
 والثانية:- أن نفترض أن كلتا الطائفتين مطلقتان ولا يوجد في أحداهما تقييد ولكن توجد طائفة ثالثة فصَّلت بين من أدرك اضطراري عرفات فيمتد المشعر بالنسبة إليه إلى الزوال وبين من لم يدرك ذلك فلا يمتد إلى الزوال بل إلى شروق الشمس حيث تصير هذه الطائفة المفصّلة شاهدَ جمعٍ بين الطائفتين المطلقتين ، ومقامنا ليس من هذا ولا ذاك بل إن كلتا الطائفتين مطلقتان من دون قيدٍ في واحدةٍ منهما كما لا توجد طائفة ثالثة مفصِّلة تصلح أن تكون شاهدَ جمعٍ بين الطائفتين ، وبالتالي ما ذكره هؤلاء الأعلام لا يعدو الجمع التبرّعي.
 الوجه الثاني:- ما ذهب إليه صاحب المدارك(قده) [5] فإنه رجّح روايات الامتداد إلى الزوال - يعني عكس ما ذهب إليه الشيخ الطوسي(قده) - وبالتالي قال بإجزاء الموقف الاضطراري للمشعر ، وحاصل ما ذكره:- هو أن الروايات الدالة على الامتداد إلى شروق الشمس دون الزوال هي وإن نفت الحجّ في حق من لم يدرك المشعر إلى شروق الشمس ولكن نحمل هذا النفي على نفي المرتبة الكاملة العالية من الحج فمن لم يدرك المشعر قبل شروق الشمس فقد فاته الحجّ يعني فاتته المرتبة العالية والكاملة لا أنه لا يجزيه ذلك ولا تفرغ ذمته بل ذمته تفرغ غايته أنه لم يأتِ بالمرتبة العالية.
 وبناءً على هذا نقول له:- كيف قالت الروايات إن عليه عمرة مفردة ؟ فلو كانت الذمة قد فرغت فلا معنى حينئذ للأمر بالعمرة المفردة فلاحظ صحيحة حريز مثلاً حيث قالت:- ( فإن طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج ويجعلها عمرة ) فإنها قالت ( يجعلها ) فلو كانت قد فرغت الذمة فلماذا قال الامام ( يجعلها عمرة ) ؟ أجاب(قده) عن ذلك وقال:- هذا نحمله على الاستحباب.
 ونحن نتبرع له ونقول:- وقول الإمام عليه السلام بعد ذلك ( وعليه الحج من قابل ) نحمله على الاستحباب أيضاً ، هكذا صنع (قده) ونصّ عبارته هكذا:- ( والأولى بالجمع حمل الحج المنفي في رواية حريز على الحج الكامل ، وحمل الأمر بجعلها عمرة على الاستحباب كما وقع نظيره في وقت الحج الذي يدرك به المتعة ) [6] .
 وفيه:- إن نفس ما أوردناه على الشيخ الطوسي(قده) يرد هنا فإن هذا جمعٌ تبرعيٌ من دون شاهدٍ يشهد له.
 الوجه الثالث:- ما أفاده السيد الروحاني(قده) في المرتقى [7] حيث انتهى إلى نفس ما انتهى إليه صاحب المدارك(قده) - أعني ترجيح ما دلّ على الامتداد إلى الزوال وأن الموقف الاضطراري للمشعر يجزي وحده - وحاصل ما ذكره هو أن الرواية الدالة على أنه فاته الموقفان يعني مثل صحيحة حريز حيث جاء فيها:- ( سألت أبا عبد الله عن رجل مفرد للحج فاته الموقفان جميعاً ، فقال:- له إلى طلوع الشمس يوم النحر فإن طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج ) مطلقة من حيث كون فوات الموقفين عن عذرٍ أو عن غير عذرٍ فهذه مطلقة من هذه الناحية وإذا رجعنا إلى موثقة الفضل بن يونس التي استفدنا منها الامتداد إلى الزوال وجدنا أن موردها هو خصوص المعذور فإن موردها هو ذلك الشخص الذي حبسه الظالم وأطلقه يوم النحر وقد استفدنا منها الامتداد إلى الزوال ، وعليه فتكون موثقة الفضل دالة على إجزاء الموقف الاضطراري للمشعر - يعني من أدرك المشعر إلى الزوال يجزيه حجّه - في خصوص المعذور وتكون صحيحة حريز التي قالت إن المدار إلى طلوع الشمس فإن طلعت فليس له حجّ حيث أنها مطلقة من حيث كون الفوات عذري أو غير عذري فنقيّدها بغير المعذور - أي بمن فوَّت موقف عرفات على نفسه من دون عذر - وحينئذ يحصل الجمع وتصير النتيجة هي أن من فوَّت موقف عرفات من غير عذرٍ فلا حجَّ له ولا يجزيه الوقوف في المشعر إلى الزوال بل الثابت في حقّه هو الوقوف إلى طلوع الشمس لا أكثر بينما من كان معذوراً في فوات موقف عرفات عليه فيجزيه الوقوف في المشعر إلى الزوال.
 وما أفاده وجيه فنيّاً - ككبرى - ولكن يبقى هل أن المقام مصداقٌ لهذه الكبرى أو لا ؟ وبهذا اختلف هذا الوجه من الجمع عن الوجهين السابقين فإن ذينك الوجهين لا يستندان إلى كبرى أصولية بل هما تبرّعٌ أما هذا الوجه فهو يستند إلى كبرى أصولية بالبيان المذكور غايته أنه قد نختلف معه في الصغرى وأن المقام هل هو من ذلك أو لا ؟


[1] الحدائقج16 ص417.
[2] الوسائل ج14 ص39 ب23 من أبواب الوقوف بالمشعر ح6.
[3] الجواهر ج19 ص47 .
[4] مستند الشيعة ج12 ص262.
[5] المدارك ج7 ص4090.
[6] المدارك ج7 ص409.
[7] المرتقى ج2 ص295.