34-07-07


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

34/07/07

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 381 ) / الواجب الرابع من واجبات حج التمتع ( أفعال منى في اليوم العاشر ) / حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 ثم إن هناك قضية كان من المناسب الإشارة إليها لم إليها يشر(قده):- وهي أن المكلف لو ترك الرمي راساً عن عمدٍ إلى أن أنهى الحج فهل يحكم ببطلان حجّه أو أنه يكفيه أن يقضيه بعد ذلك في السنة الثانية بنفسه أو بنائبه أو نحكم ببطلان عمله رأساً ولا يكفيه قضاؤه في السنة الثانية ؟
 إنه ينبغي أن نتحدث مرَّة عمَّن ترك رمي اليوم العاشر رأساً وأخرى عمَّن ترك الرمي في بقيَّة الأيام وهو(قده) سوف يتعرض فيما بعد - أي في مسألة ( 437 ) حينما يتعرض إلى الأعمال بعد العود من مكة إلى منى فمن جملة الأعمال البيوتة في منى ومن جملتها الرمي إلى ذلك تبعاً للفقهاء ولكنه يتحدث عن ترك رمي ما بعد اليوم العاشر ، ونحن الآن نريد أن نعرف حكم من ترك رمي اليوم العاشر عمداً فهذا لم يتعرض إليه(قده) أما رمي بقية الجمار في سائر الأيام فقد تعرض إليه ، وفي الحقيقة هذا بحث نظري نريد من خلاله معرفة بعض النكات وإلا فعملاً فقد لا يكون نافعاً لأنه لا يوجد من يترك الرمي عمداً ولكن قضيَّة نظريَّة لا بأس بالالتفات إليها.
 وعلى أي حال الكلام مرَّة يقع في ترك رمي جمرة العقبة في اليوم العاشر وأخرى في ترك الرمي في سائر الأيام - والمقصود عمداً - :-
 أما بالنسبة إلى من ترك الرمي يوم العاشر عمداً:- فالمناسب بمقتضى القاعدة هو البطلان باعتبار أن رمي جمرة العقبة واجب ومن أحد أجزاء الحج فمن تركه عامداً لا يكون آتياً بالواجب المطلوب فإن المركب ينعدم بانعدام بعض أجزائه . إذن البطلان على طبق القاعدة ولعل بعض الفقهاء لم يسلطوا الأضواء على ذلك لوضوح المطلب.
 وقد يضاف إليه وجه آخر وذلك بأن يقال:- إن الطواف مترتب في صحته على الرمي فإذا فرض أنه لم يتحقق الرمي فلم يتحقق طواف الحج الواجب وإذا بطل الطواف الواجب بطل بذلك الحج .
 أما كيف نثبت أن صحة الطواف مترتبة على الرمي ؟
 ذلك باعتبار صحيحة جميل المتقدمة حيث جاء فيها:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق ؟ قال:- لا ينبغي أن يكون ناسياً ، ثم قال:- إن رسول الله صلى الله عليه وآله أتاه أناس يوم النحر فقال بعضهم يا رسول الله إني حلقت قبل أن أذبح وقال بعضهم حلقت قبل أن أرمي فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي أن يؤخّروه إلا قدّموه ، فقال:- لا حرج ) وذلك ببيان أن الفقرة الأولى دلت على أن زيارة البيت لابد وأن تقع بعد الحلق وهي - أي زيارة البيت - كناية عن أعمال مكة التي أبرزها طواف الحج . إذن هي قد دلت على أنه لا يجوز الإتيان بطواف الحج قبل الحلق ، هذه مقدمة وهي مستفادة من صدر الرواية.
 ثم نضم إلى ذلك مقدمة أخرى وهي أنه جاء فيها:- ( وقال بعضهم حلقت قبل أن أرمي ) وهذا يدلّ بعد إمضاء الارتكاز المذكور على أن صحة الحلق مترتبة على الرمي ولازم هذا أن من لم يتحقق منه الرمي لم يتحقق منه الحلق الصحيح المطلوب - هذا بمقتضى المقدمة الثانية - وإذا لم يتحقق منه الحلق لم يتحقق من الطواف الصحيح - هذا بمقتضى المقدمة الأولى - وعليه فيستفاد من هذه الصحيحة بطلان الطواف إذا لم يؤتَ بالرمي قبل ذلك وببطلان الطواف يبطل الحج.
 إذن قد يستدل بهذين الوجهين على بطلان الحج بترك رمي اليوم العاشر عمداً.
 ويرد بالنسبة إلى الأول:- أن هذا يتم لو ثبت أن الرمي جزء من الحج ولم نحتمل أنه واجب مستقل في ضمن الحج فإنه إذا لم نحتمل هذا فما ذكر شيء وجيه أما إذا قلنا إن غاية ما ثبت هو أن رمي جمرة العقبة يوم العاشر واجب أما أنه جزءٌ من الحج فهذا لم يثبت بدليل فلا يتم الوجه المذكور ، ونحن فيما سبق تمسكنا لإثبات وجوب رمي جمرة العقبة يوم العاشر بوجهين أحدهما السيرة على الإتيان برمي جمرة العقبة بين المسلمين بنيَّة اللزوم والوجوب وثانيهما هو أن المسألة عامة الابتلاء فيلزم أن يكون حكمها واضحاً ... وكلا هذين الوجهين غاية ما يثبتانه هو أصل الوجوب أما الجزئية فلا يثبت بذلك ، وعليه فالتمسك بهذا الوجه مصادرة - أي هو فرع ثبوت الجزئية وهي أول الكلام - .
 نعم من فرغ عن ثبوت الجزئية في مرحلة سابقة وأن رمي جمرة العقبة هو جزء من الحج لا أنه مجرد واجب فيتم عنده هذا الوجه ، والظاهر أن الفقهاء غاية ما فعلوه هو أنهم أثبتوا أصل الوجوب وأما الجزئية فلم يثبتوها فلذلك يشكل الاعتماد على الوجه المذكور إلا بناءً على تسليم مطلبٍ كليٍّ وهو أن كل واجبٍ الأصل فيه أن يكون جزءاً وهذا الأصل ليس بواضحٍ.
 نعم تقدم النسبة إلى موقف عرفات أو الموقف في المشعر الحرام أنا قلنا هي أجزاء بلا إشكال باعتبار ما دلَّ من الروايات على أن الحج عرفة أو أن الحج هو المشعر الحرام - أي هي الأشياء المهمة بالنسبة إلى الحج - أما بالنسبة إلى رمي جمرة العقبة فلم تأتِ مثل هذه التعابير ولم يثبت مثل هذا الارتكاز والوضوح حتى نعتمد عليه في إثبات الجزئية.
 وأما بالنسبة إلى الوجه الثاني:- فهو يتم فيما لو فرض أن المقدمة الأولى كان يستفاد منها البطلان في حالة المخالفة والحال أنه قد يقال إن غاية ما يستفاد منها هو أن زيارة البيت قبل أن يحلق لا تجوز إلا للناسي دون العامد أما أنه يبطل بذلك الطواف فيشكل استفادة ذلك منها فغاية ما يستفاد هو لزوم الترتيب تكليفاً وعلى مستوى الوجوب التكليفي وأما استفادته على مستوى الوجوب الوضعي بمعنى أنه لا تصح أعمال مكة قبل الرمي فيشكل استفادة ذلك منها ، وعليه فالحكم بنحو الفتوى ببطلان الحج بترك رمي جمرة العقبة يوم العاشر أمرٌ مشكل ، نعم الاحتياط الوجوبي في ذلك شيء وجيه إما من جهة معروفيَّة ذلك بين الفقهاء أو من جهة إمكان استفادة ذلك من الوجهين المذكورين مع هنٍ وهن أما الحكم بنحو الفتوى فقد اتضح بأنه مشكل.
 هذا وقد يتمسك لتتميم دلالة صحيحة جميل بأحد البيانين التاليين:-
 البيان الأول:- إن النهي في باب المركبات على ما ذكر جمع من الفقهاء ظاهر في الحكم الوضعي - أعني البطلان - فحينما يقال ( لا ترتمس بالماء في شهر رمضان ) فهو ظاهر في أن الارتماس مبطلٌ ، وهكذا حينما يقول ( لا يجوز البكاء أو الضحك أو الأكل أثناء الصلاة ) فيفهم من ذلك البطلان وهذا ظهور ثانويٌ ادعاه جماعة من الفقهاء في باب المركبات فالظهور الأوَّلي هو الحرمة التكليفية ولكن في خصوص المركبات ينقلب هذا الظهور من كونه دالاً على الحرمة التكليفية إلى كونه دالاً على البطلان - هكذا يدَّعى - وبناءً عليه يقال في مقامنا إنه يوجد نهيٌ عن مخالفة هذا الترتيب وهذا النهي بما أنه في باب المركبات - فإن الحج هو من المركبات - فيستفاد حينئذ البطلان.
 البيان الثاني:- إن النهي في باب العبادات مبطلٌ فحتى لو سلمنا بأن النهي تكلفيٌّ ولكن بما أن الطواف عبادة فسوف يقع باطلاً لأجل النهي التكليفي المذكور.
 وكلاهما قابلان للتأمل:-
 أما الأول:- فباعتبار أن الظهور المذكور وإن ادعاه جماعة من الفقهاء ولكن لا نعرف مدى صحته فهو ليس من الأمور الواضحة عندنا بل فيه تردّد وإشكال.
 وأما الثاني:- فالنهي لم يتوجّه إلى الطواف وإنما المحرَّم هو مخالفة الترتيب فالنهي متوجّه إلى مخالفة الترتيب أما أنه متوجّه إلى نفس العملين لا أنه يبقى متمركزاً على الترتيب فقط بل يسري إلى العملين فيكونان منهيين فهذا أوَّل الكلام أيضاً.
 والخلاصة:- إن الأمر مشكلٌ من هذه الناحية
 هذا كله بالنسبة إلى المطلب الأول - وهو ترك رمي جمرة العقبة يوم العاشر عمداً - وقد اتضح أن المناسب بطلان الحج على مستوى الاحتياط الوجوبي دون الفتوى.