39/06/18


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

39/06/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مسألة ( 48 ) هل يجوز استعمال ألفاظ البيع في الشراء وبالعكس أو لا - المكاسب المحرّمة.

والجزء الثاني من المسألة هو أنَّ الوكيل أو الولي عن الطرفين إذا أراد أن يجري العقد هل يحتاج إلى القبول أو يكفي الايجاب فقط ؟

قد تعرض السيد اليزدي(قده) إلى هذه المسألة في كتاب النكاح في باب العبيد والاماء من العروة الوثقى ، ففي مسألة تزويج المولى عبده أمته ذكر بمناسبةٍ أنه إذا زوّجهما فهل يحتاج المولى أن يقبل أو أنه يكفي أن يقول ( زوجت عبدي من أمتي ) من دون الحاجة إلى أن يقول ( قبلت ) ؟ وهنا تعرض السيد اليزدي(قده) إلى مسألة الوكيل من الطرفين والولي عنهما كالأب الذي هو ولي على ابنه وبنته فيبيع الحاجة التي للولد إلى البنت وبالعكس ، قال ما نصّه:- ( مسألة 16:- يجوز للمولى تحليل أمته لعبده . وكذا يجوز له أن ينكحه إياها . والأقوى أنه حينئذٍ نكاح لا تحليل . كما أنَّ الأقوى كفاية أن يقول له أنكحتك فلانة ولا يحتاج إلى القبول منه أو من العبد لإطلاق الأخبار ولأنَّ الأمر بيده فإيجابه مغنٍ عن القبول . بل لا يبعد أن يكون الأمر كذلك في سائر المقامات مثل الولي والوكيل عن الطرفين ) [1] ، والشاهد هو أنه عطف ( بل لا يبعد أن يكون الأمر كذلك في الولي عن الطرفين أو الوكيل ) ، فأنا إذا كنت وكيلاً عن الطرفين فلا يحتاج أن أقول ( قبلت ) بل أقول ( بعت دار فلان لفلان ) ، وإذا كتنت ولياً على الطرفين كتزويج بنت بنتي الصغيرة من ابن ابني الصغير - مع اقتضاء المصلحة لذلك - فأقول ( زوجت هذه لهذا بمهر كذا ) ولا يحتاج إلى القبول مادام توجد لي الولاية على الطرفين.

والكلام تارة يقع في تزويج المولى عبده لأمته وأخرى في الولي أو الوكيل عن الطرفين:-

أما تزويج المولى عبده أمته:- فقد احتاط بعض محشّي العروة وقال إذا زوج المولى عبده أمته فالأحوط أن يقبل.

هذا والمناسب عدم الحاجة إلى قبول المولى:- والوجه في ذلك هو أنَّ قبول العبد أو الأمة إنما نحتاج إليه فبما لو كان له حق في الرفض والقبول ، أي لو كانت له سلطنة على رفض النكاح وقبوله ، أما إذا فرض أنه مسلوب السلطنة وتمام السلطنة ثابت للمولى فما معنى الحاجة إلى قبول العبد أو الأمة حينئذٍ ؟!! ، فمادام المولى له تمام السلطنة وأنَّ العبد مسلوب السلطنة فلا يحتاج إلى قبوله ، ﴿ ضرب الله عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء ﴾[2] .

يعني بعبارة أخرى:- النكاح في باب العبيد والاماء هو ايقاعٌ وليس عقداً ، يعني بمجرّد أن يقول المولى زوجت فلان بفلان فهنا يقع النكاح ولا يلزم القبول.

ولك أن تقول بعبارة أخرى:- إنه حينما يوقع المولى النكاح بين عبده وأمته فهو يوقعه عن نفسه لأنه هو صاحب السلطنة لا عن العبد والأمة حتى يحتاج إلى موافقتهما ، فإذن مادام الأمر كذلك فما وجه الحاجة إلى قبول العبد أو الأمة ، وما وجه الاحتياط فإنه لا معنى له فإنَّ كل هذا لا نحتاج إليه بل ايجاب المولى وحده يكفي.

ومما ذكرناه يتضح التأمل فيما ذكره صاحب الجواهر(قده)[3] حيث قال:- صحيح أنَّ المولى يتمكن أن يتولى طرفي العقد في باب النكاح إلا أنَّ جواز تولي طرفي العقد من قبل المولى لا يعني أنَّ الايجاب وحده كافٍ من دون حاجة إلى قبول وأنه يغني عنه.

وبتعبيرنا:- إنَّ هذا لا يعني أنه صيرورة العقد إيقاعاً وخروجه عن كونه عقداً.

ونحن نقول:- إنَّ ما ذكره ويكون جيهاً فيما إذا كانت هناك سلطنة للطرفين - أعني العبد ولأمة - كما يأتي في باب الوكالة ، فإنه في باب الوكالة إذا وكلني الزوج الزوجة فهنا يمكن أن يقال هو يحتاج إلى قبول الطرفين ، لأنَّ كل واحد منهما له السلطة ولكنهم وكلّوني ، فيجوز للوكيل عن الطرفين أن يتولى طرفي العقد ولكن هذا لا يعني أنه يكفي الايجاب ويغني عن القبول ، فكلام يتم هنا ، لأنَّ الموكِّل هنا له سلطنة وولاية ولكنه وكّله فحينئذٍ نحتاج إلى القبول ، أما إذا فرض أنه لم تكن له سلطنة فلا معنى لمقالة صاحب الجواهر(قده) ، فإذن القياس قياسٌ مع الفارق.

فإذن يكفي الايجاب بلا حاجة إلى قبول.

إن قلت:- صحيح أنَّ العبد والأمة ليس لهم ولاية ولا سلطنة وإنما المولى له سلطنة وهو يعمل سلطنته فلا نحتاج إلى قبول ولكن لماذا نحتاج إلى الايجاب ، بل فلنقل لنستغنِ عن الايجاب ؟

قلت:- إنَّ النكاح لا يتحقق إلا بمبرز ، ومبرزه هو قول ( انكحت فلانة من فلان ) وهذا شيء لازم وإلا صار زنا ، فإن الفرق بين الزنا وبين النكاح الشرعي هو أنَّ النكاح يكون بصيغة معينة فإنَّ الوارد:- ( إنما يحلل الكلام ويحرم الكلام ) ، فنحتاج إلى مبرز ، فإذن المبرز لازم وإلا صار المولى يأمر بالزنا ، إنما الكلام في أنه بعدما أبرز المولى ذلك بمبرزٍ شرعي فهل يحتاج إلى قبول العبد والأمة أو لا ؟ إنه لا حاجة لذلك ، فإننا نحتاج إليه فيما إذا كانت لهما سلطنة على القبول والرفض والمفروض أنه لا يقدر على شيء ، فإذن الايجاب من المولى كافٍ ، ولا حاجة إلى الاحتياط ، نعم لا بأس بالاحتياط الاستحبابي.

ويوجد سؤال:- وهو أنه بعد أن عرفنا أنَّ قبول العبد لا حاجة إليه لأجل أنه لا سلطنة له ولكن هل نحتاج قبول المولى؟

والجواب:- إنَّ القبول نحتاجه فيما إذا كان يوجد طرفان كل واحدٍ منهما له سلطنة ، أما إذا كان صاحب السلطنة واحد وهو الذي يجري العقد - أي هو الآن يعمل سلطنته - فهل يقبل بإعمال سلطنته ؟! إنَّ هذا لا معنى له ، إنما نحتاج إلى القبول فيما إذا أعمل الغير سلطنته ، كما في النكاح العادي فالمرأة تقول ( زوجتك نفسي ) فهي قد أعملت السلطنة من قبلها حيث زوجت نفسها من فلان وفلان له حق القبول وله حق الرفض أو بالعكس ، أما إذا فرضنا أنَّ صاحب السلطنة واحدٌ وهو قد أعمل سلطنته فالقبول لا حاجة إلية ، كما أنَّ نفس إعمال سلطنته هو نحوٌ من القبول والرضا فقبوله من جديد لا حاجة إليه ، فإذن لا نحتاج إلى القبول من الأمة والعبد إذ لا سلطنة لهما ، ولا نحتاج إلى القبول من ناحية نفس المولى لأنَّ السلطنة واحدة وقد أعملها ، إنما نحتاج إلى القبول فيما إذا فرض تعدّد صاحب السلطنة.

أما الوكيل أو الولي على الطرفين:- فلو أجرى الوكيل أو الولي عن الطرفين العقد كما لو قال ( بعت دار موكّلي فلان لموكّلي فلان ) فهل يحتاج إلى القبول أو لا ؟ ، أو زوّج الأب أو الجد ابن ابنه لبنت بنته ففي مثل هذه الحالة هل نحتاج إلى القبول أو يكفي الايجاب فقط ؟


[2] ولنسلم هذا المبنى – وهذا متفقون عليه – وهو أن العبد مسلوب السلطنة.